أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - سراب فراش أبيض , سلك معدني وحشرات تراب ندي














المزيد.....

سراب فراش أبيض , سلك معدني وحشرات تراب ندي


ابراهيم زهوري

الحوار المتمدن-العدد: 3689 - 2012 / 4 / 5 - 19:03
المحور: الادب والفن
    



على وشك أن نتعثر في كل خطوة , لم نتمكن من الهرب صوب المكان المناسب واختيار ملجأ يحمينا , اخترناالشارع الترابي لحائط السلسلة الحجري الطويل الذي يفصل بيوت المخيم من ناحية جنوب الشرق عن البساتين المجاورة , أنا أشده بعنف وعصبية المرتاع وأدفع به إلى جهة ما و هو مثلي يعاندني من شدة ذعره ويندفع إلى جهة أخرى معاكسة , شردنا لا نعرف ماذا نفعل أنا وأخي الأصغر كنا أطفالا صغارا على أكتافنا كاهل بضع سنين فقط, حينها كنا وحدنا نراقب دهشتنا اليتيمة في رؤية أقدام الناس وهي تهرول متخبطة هائمة نحو البساتين , تتراكض على غير هدى علها تتفادى مصير موت محتم أو مقدر, هكذا اعتقدنا وكأن قيام الساعة قد حان وبؤس النهايات البليغة قد أزف , أطفال مثلنا , رجال .. فتيات ونساء, نكتظ وكأننا في ميعاد موسم الحصاد ,نساء حارتنا يحملن" البقج" ويندبن حالهن باللطم والندب وشد الشعر وتعفيره بالتراب , لم يصدقن أن الطائرات الإسرائيلية يمكنها أن تلحق بهن إلى هذا المكان القصي في مدينة حلب بعد خمس وعشرين عاما من عمر النكبة , كانت الطائرات تحلق في كل الاتجاهات وتحوم فوقنا على مكان منخفض وتتابعها مباشرة طائرات أخرى من نوع مختلف ونحن ننبطح لا نحرك ساكنا في حقول الفاصولياءالخضراء نمضغ من ثمارها أحيانا كتسلية المنكوب في أول العمر, تناورعلى راحتها وتميل بأجنحتها المنحنية إلى الخلف وتغير كصقر من عل , تصعد إلى الأعلى وتهبط إلى الأسفل وكأنها تريد الاصطدام عنوة بالأرض , وكلما ابتعدت عنا نجهش بالبكاء , نرتجف ونعّض على شفاهنا , نمسح بأكمامنا غزارة الدموع وما ينزه أنف تمرغ بحصى الرمل , يرد إلى مسمع آذاننا عويل مختنق , حشرجة عجائز وصوت انفجارات بعيدة...صراخ طائش وسيل لعنات وشتائم , بقينا هكذامتسمرين حتى هبط المساء وعتمت العين , بدأ بعض الرجال الرجوع رويدا رويدا على استحياء إلى المنازل يجللهم هالة الصمت المطبق المريع وكأنهم قد أضاعوا لسانهم في بئر عميق, لم يتكلم أحد مع أحد بل جميعهم بدأوا بطلي زجاج النوافذ بالأزرق الكحلي الغامق يقينا منهم على أنها المتراس الأخير, بقينا هكذا لم نعرف النوم أو حتى تطل منه لنا غفوة جفن حتى أدركنا صباح المذياع الكبير وهو يعلن أن الطائرات اللعينة قدأسقطت وهي تعبر أجواء مدينة حماة باتجاه البحر , نعم نتذكرتلك الحادثة بعد كل هذه السنين لكننا لم نتحرر من شرور سجنها المديد بعد , لا بل مازلنا فيما بيننا نطرح الأسئلة تندرا كيف من قبيل الصدفة تحولت لعبة الأطفال التي كنا نلعبها " الصهاينة والعرب " إلى مشهد حي يرزق أمام أعيننا, كال لنا مرة واحدة و إلى الأبد أشباح الخوف الأزلي ومرارة الهزيمة النكراء في كأس واحدة من بعداعتيادنا بهجة النصر في نهاية اللعبة .



#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذه الأفواه , والإنجيل المطرز ووشايات الأكياس المغلفة
- حقبة تفريخ الصهيونية
- في الصنم .... ما يشبه صورتي عطر تلك الأغنية وعلى الخارطة صلص ...
- في العناوين الجديدة موّال غياب ميلاد أقنعة والصدى شوق ألف أل ...


المزيد.....




- بعد 24 ساعة.. فيديو لقاتل الفنانة ديالا الوادي يمثل الجريمة ...
- -أخت غرناطة-.. مدينة شفشاون المغربية تتزين برداء أندلسي
- كيف أسقطت غزة الرواية الإسرائيلية؟
- وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما
- الدراما العراقية توّدع المخرج مهدي طالب 
- جامعة البصرة تمنح شهادة الماجستير في اللغة الانكليزية لإحدى ...
- الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
- الجوع كخط درامي.. كيف صورت السينما الفلسطينية المجاعة؟
- صدر حديثا : -سحاب وقصائد - ديوان شعر للشاعر الدكتور صالح عبو ...
- تناقض واضح في الرواية الإسرائيلية حول الأسرى والمجاعة بغزة+ ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - سراب فراش أبيض , سلك معدني وحشرات تراب ندي