أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أبو الحسن سلام - نهار اليقظة في الثقافة المصرية بين وهج التخريض ولهيب التعريض















المزيد.....



نهار اليقظة في الثقافة المصرية بين وهج التخريض ولهيب التعريض


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 3684 - 2012 / 3 / 31 - 15:55
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


نهار اليقظة في المسرح المصري
- بين وهج التحريض ولهيب التعريض -

لا تكتسب أي حركة من حركات المجتمع صفتها التي تنتسب إليها تاريخياً إلاّ بالقدر الذي تغيّر فيه من مصير مجتمعها في اتجاه التقدم وتحقيق المستقبل الأفضل المأمول من جموع الشعب في ذلك المجتمع ، أو في الاتجاه المعاكس لحركة التاريخ رجوعاً إلى ماضوية مظلمة .
وقياساً على ذلك فإن صفة الثورية التي يكتسبها مجتمع من المجتمعات في طور من أطواره التاريخية ترتبط بحجم التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي تحدثها ثورة ذلك المجتمع .
فإذا وقفنا عند ثورة يوليو 1952 نجدها قد أحدثت تغييرات جوهرية ؛ غيرت مصائر عدد من الطبقات الاجتماعية المصرية إذ رفعت من شأن الطبقات الشعبية على حساب الطبقة العليا ؛ مع أن منابع رجالها ترجع إلى الطبقة المصرية الوسطى . ولأن من مصائر ما قد تغير في مصر بعد ثورة يوليو 1952 ، فكان من الضرورة بمكان أن تتغير وسائل التعبير عن تلك التغيرات سواء في الحقل الثقافي أو في الحقل الأدبي والفني بل لابد من استحداث وسائل جديدة أكثر وفاء بالحاجة إلى التغيير المطرد لحاقاً بالفكر الجديد والمتجدد وبأساليب التفاعل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي .
ولقد جرت على المسرح بوصفه وسيلة الحضور التأثيري الفعّال الكثير من التغيرات في البنية الإنتاجية وفي الإمكانات المادية بما يمكن أهله والقائمين عليه من تفعيله لينهض جنباً إلى جنب مع وسائل الاتصال الجماهيرية الفاعلة في كسب التأييد لفكر الثورة ولتوجهاتها التنويرية والتثويرية فأنشأت المعاهد الفنية المتخصصة في فنون التمثيل والموسيقى والباليه والسينما وأنشأت مؤسسة المسرح والسينما ودور النشر والعديد من دور المسارح والسينما ودار التليفزيون وجهاز الثقافة الجماهيرية في كل ربوع مصر وهيئة الفنون والآداب .
كما شجعت على ظهور العديد من المواهب الفنية في الأدب وفي الفن فظهرت كتابات موالية للثورة متفاعلة مع توجهاتها فكانت ( الأيدي الناعمة ) لتوفيق الحكيم تجسيداً للشعار الذي أطلقته الثورة على لسان قائدها (جمال عبد الناصر ) حيث ( العمل حق . العمل واجب . العمل شرف ) فرأينا البرنس العاطل عن العمل حسب العادة ورأينا الأستاذ الحاصل على الدكتوراه في ( حتى ) كليهما عاطلين عن العمل ؛ الأول بإرادته والثاني لعدم حاجة المجتمع إلى دكتوراه في ( حتى ) .
ورأيناه يسوغ للحاكم الفرد المطلق أسلوب حكمه شريطة التزامه بنصرة القانون في مواجهة البطش في مسرحية ( السلطان الحائر ) ويرسخ في وجداننا فكرة ( تقسيم العمل ) ومبدأ عدالة التوزيع على قدر حاجته ) في أسلوب مسرحي تعليمي حمله مسرحيته ( شمس النهار ) . غير أنه عندما يرى توجه الدولة في الستينيات وجهة بوليسية ينقد توجهها في مسرحيته ( بنك القلق ) ومن الغريب أن الدولة لم تصادرها بل نشرتها مسلسلة في كبرى جرائدها ( الأهرام ) في عصرها الذهبي برئاسة هيكل غير أنه يضمر موقفاً معارضاً لفكرة التأميم فيكتب ( مجلس العدل ) وينقلب على قائد ثورة يوليو بعد موته في ( الحمار يفكر ) و ( الحمار يؤلف)
كذلك أسهم ألفريد فرج بالعديد من المسرحيات التي دعمت فكر ثورة يوليو ودفعت من أجل كسب التأييد الجماهيري لتوجهاتها فكتب ( حلاق بغداد ) طلباً لحق الكلمة على لسان"أبو الفضول " . ذلك المثال الشعبي للمعارضة التلقائية الذي يطلب المثالي على المستوى الاجتماعي ويطالب دائماً ودون كلل ( منديل الأمان ) من السلطان .
وكتب ( سليمان الحلبي ) في أوج الدعوة القومية نحو وطن عربي من " الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي" التي أرتفع بها صوت قائد ثورة يوليو ليعيد النظر في بطولة بطل عربي كان رمزاً لمواجهة حضارة الإسلام لحضارة الغرب الغازي ، ويدعونا إلى إعادة النظر فيما كتب عنه ظلماً وإقلالاً للدور الذي قام به في جرح كرامة العدو الغازي وإخصاء غطرسة جنرالاته .. ولاشك أن ذلك نوعٌ من تكريم أبطال أمتنا وتعظيم دور النضال ضد الغزاة والمستعمرين في سبيل تحرير الوطن .
وكما كتب ممجداً دور الكفاح الفلسطيني المسلح في ( النار والزيتون ) في وقت المد الثوري المصري وكشف عن تواطؤ هيئة الأمم المتحدة وبريطانيا وأمريكا في التوطيد لعصابات الصهيونية في اغتصاب أرض فلسطين العربية وتشريد شعبه ؛ كتب عن الأسلوب التلفيقي في نظام الحكم داعياً إليه وحاضاً على كسب التأييد له في مسرحية ( الزير سالم ) حيث الصراع على كرسي الحكم بين أفراد عائلة واحدة في أصولها (بكر - تغلب ) فلقد اتفق كل من الزير سالم وحساس وكليب على حيلة ما تنفذها ( جليلة ) أخت جساس وزوج كليب لتمكنهم من الدخول على حسان ( التبع ) مغتصب ملكهم ليتخلصوا منه ويقتله كل من الزير سالم وجساس في الوقت الذي يحجم كليب عن إخراج سيفه من جرابه ومع ذلك يتنازل الزير سالم لأخيه كليب عن العرش فيحقد عليه جساس وينتهز أول فرصة تسنح لقتل كليب على إثر مشادة تافهة ، وهنا يرفض الزير سالم الدية ويطالب بالعدالة المستحيلة ( أريد كليباً حياً ) وتدور المذابح وتسيل الدماء ولكن بعد مقتل الزير وجساس يجتمع رأي القبيلة على لسان ( مرة ) شيخها على تنصيب ( هجرس ) ابن كليب ملكاً لأنه يحمل دم كليب ودم عمه الزير سالم وأمه جليله وخاله جساس فعنده اجتمعت دماء القبيلتين المتصارعتين لذلك فهو أهل للجلوس على العرش حقناً للدماء . وهو أسلوب يرفضه هجرس دون أن يفهم أبعاد الصراع . ولقد أراد ألفريد فرج أن يسوغ لفكرة التحالف في أسلوب الحكم ، وقد كانت وليدة في فكر الثورة المصرية آنذاك حيث الدعوة الحارة ( لتحالف قوى الشعب العامل ) وهي دعوة تلفيقية لأن التحالف لم يكن بين كيانات حزبية لكل منها فلسفة وبرامج ولم يحدث التحالف وفق حوار نقدي يجري بين أحزاب وإنما المسألة عبارة عن نماذج طبقية جمعت جمعاً تعسفياً فنأت التجربة بذلك عن فكرة التحالف (التوفيقي) ووقعت في براثن التلفيقية مع أن لفتة ألفريد فرج إلى رفض هجرس تولي العرش دون أن يكشف له عن أسباب الصراع كانت محاولة منه إلى الإشارة إلى أن التحالف تم بعد كشف أسباب الصراع ليضفي على الفكرة التلفيقية التي انبنى عليها جلوس هجرس على العرش صفة التوفيقية عبثاً .
وهو قد أدرك أنه كان تلفيقياً في محاولته كسب التأييد لفكرة تحالف قوى الشعب العامل المصرية بعد ذلك فكتب مسرحية ( جواز على ورقة طلاق ) وفيها يؤكد استحالة التزاوج بين الطبقات ، تلك التي تبناها في مسرحية ( الزير سالم ) .
وكتب ألفريد فرج رائعته المسرحية ( علي جناح التبريزي وتابعه قفه ) مروجاً أيضاً لفكرة التأميم التي أقدمت عليها ثورة يوليو كخطوة حتمية أولى نحو بناء النظام الاشتراكي وفق تصوراتها ، وإن كانت قد توقفت عند فكرة التأميم ولم تتخطاها مما وضع تجربتها في دائرة ( نظام رأسمالية الدولة ) دون أي ادعاء بأن نظامها قد كان نظاماً اشتراكياً . وفي المسرحية يوزع شخص غني نبيل ما ورثه عن أبيه على الفقراء ويدور في بلاد العالم ليحتال على الأغنياء والحكام ويستولي على أموالهم وكنوزهم ويعيد توزيعها على الفقراء الذين لا عمل لهم موهماً التجار والأغنياء والملوك بأن له قافلة كبيرة سوف تصل وعندئذ سيرد لهم ما حصل عليه منهم أضعافاً مضاعفة . وهؤلاء وأولئك لطبيعتهم الجشعة ولطمعهم يأملون في الحصول على المزيد من المال والغنى فيصدقونه ويعطونه طائعين مفاتيح خزائنهم وعناصر تجارتهم فيوزعها على الشحاذين والمعدمين الخاملين الذين لا عمل لهم ولا دور لأحد منهم في دورة الإنتاج التي تحقق الوفرة وتشكل الطرف الأول من معادلة مجتمع ( العدالة الاجتماعية ، والرفاهية ) .
والمسرحية ترسخ فكرة البعد الواحدي لحركة التاريخ فهذا الشخص ذو السمات الكريزمية هو الذي يغير بمفرده مصائر البلاد وأحوال ناسها . وهذا ممالئ لفكر ثورة يوليو وتوجهاتها نحو التأميمات . غير أن سمات فكرة الاشتراكية الطوباوية واضحة في تلك المسرحية وهي كمسرحية شوقي عبد الحكيم ( الملك معروف ) التي يوزع فيها الملك كل ما يملك على شعبه الخامل الذي لا دور له في حركة الإنتاج وعندما لا يتبقى في المملكة شيء ليوزع على أحد يخرج الملك معروف وشعبه زاحفين نحو مملكة ( العون ) المجاورة ليتسولوا جميعاً قوت يومهم . فكلتا المسرحيتين تنتقضان الفكر الاشتراكي الطوباوي .ولو أعدنا قراءة مسرحية توفيق الحكيم ( مجلس العدل ) لوجدناه يعري فكرة التأميم حيث ( الفران ) المكلف بإنضاج رأس مال رجل ما (صاحب الأوزة ) فإذا به يستولي عليها يؤممها لصالح القاضي ( الحاكم ) الذي يتخذه صديقاً وعندما يحضر صاحبها يحكم عليه بغرامة وتتوالى نماذج التحالف ( فلاح - واعظ " مثقف " صرماتي " عامل متدني " ) فيحكم عليها القاضي بغرامة .
فالمسرحية أشبه بالتحالف الذي يضم ( الفلاح والمثقف والعامل والمؤمم والقاضي حاكم فوق هؤلاء جميعاً). وتلك وقفة نقدية لفكرة التأميم ولفكرة التحالف .
ولو تأملنا المشهد الأول من ( مأساة الحلاج ) لصلاح عبد الصبور سنجد شكلاً من أشكال التحالف الشكلي لعناصر أو نماذج طبقية لا تأتلف . وتحضرني هنا مناقشة تمت بيني وبين الشاعر العربي " شوقي عبد الأمير " في ( ندوة صلاح عبد الصبور ) التي عقدت ( بالمجلس الأعلى للثقافة في أوائل 2002 ) وقد طرح تساؤلاً حول توقفه عند حلاج عبد الصبور ، ذلك التساؤل الذي عبر به شوقي عبد الأمير عن حيرته أمام هذا النص مما جعله يتساءل بصيغة تعاكسية واحدة :
" أين ينتهي الحلاج ليبدأ صلاح عبد الصبور ؟ وأين ينتهي صلاح ليبدأ الحلاج ؟ "
فكانت مداخلتي تقوم على أن الحلاج لم يمثل في المسرحية في مفتتحها ، كما لم يمثل في نهايتها لسببين : أحدهما خاص بالشكل - حيث يصوغها الشاعر المسرحي وفق دائرية الأسلوب ، إذ تبدأ المسرحية بالحلاج مصلوباً وعند قدميه فقراء الناس من الحرفيين وحثالتهم ، أولئك الذين سلموه للسلطة نظير " دينار من ذهب قان" وانتهت المسرحية كما بدأت وهي في ذلك تتقارب أسلوباً مع ( بيكيت ) جان أنوي .
أما السبب الثاني فهو خاص بالفكر في هذه المسرحية .. فالحلاج ثوري فاقد لثوريته ( مصلوباً في ساحة الكرخ ) وتحت قدميه حرفيو البلاد وحثالتهم باكين ندماً على ما فعلوه به إذ سلموه للسلطة وهو طليعتهم
- وهذا شبيه بطليعة الحركة العمالية واليسارية المصرية التي تم اعتقالها من قبل ثورة يوليو في نهاية الخمسينيات ومع توجه الثورة المزعوم نحو ما زعمت أنه الاشتراكية - .
وفي المشهد الافتتاحي للحلاج في مقابل الثوري المصلوب والحرفيين نجد رموز الطبقات الاجتماعية المصرية لا البغدادية ( الواعظ - التاجر - الفلاح ) فالتاجر ممثل الطبقة الرأسمالية العليا والواعظ ممثل المثقفين ( مثقف الطبقة العليا أيضاً ) والفلاح ممثل البرجوازية الصغيرة .
وفي رأيي أن صلاح عبد الصبور يجمع بين نماذج تحالف قوى الشعب العامل في تجربة مصر الستينية (رأسمالية وطنية - مثقفين - عمال - فلاحين ) يجمعهم في مشهد واحد أو شكل أو إطار هو سياسي حزبي على مستوى واقع ستينيات حركة يوليو التي أذاع لسانها أنها مباركة يجمعهم جمعاً تلفيقياً (مجموعة باكية مهمومة - مجموعة ضاحكة صاخبة مخمورة ) ولا اهتم بما إذا كان توفيق الحكيم أو صلاح عبد الصبور قد قصداً ذلك أم لا ؛ فالناقد واجد واصف فمقوّم لما يصف وفق نظريات يستدعيها الإبداع .
وخلاصة الرأي عندي أن صلاح عبد الصبور قد سكن الحلاج أكثر مما سكنه الحلاج . وقد سكنهما معاً فعل نظام حركة يوليو دون أن يرضى عبد الصبور أو النظام عن تلك السكنى .
لاشك أن إيقاع الفكر السائد في المجتمع يؤثر على الكاتب المسرحي فلقد ساد المجتمع إيقاع الفكر التلفيقي الذي تمثل تجسيداً سياسياً فيما عرف بنظام تحالف قوى الشعب العامل - الذي ضم عينات من العمال والفلاحين والمثقفين والجنود والرأسماليين وهذا التلفيق العلوي لنماذج متضاربة المصالح والأهداف من بين الطبقات في مصر الستينيات فرض نفسه فرضاً على إيقاع مجتمعنا المصري ، ومن ثم فرض نفسه على الكثيرين من كتابنا ومبدعينا ومفكرينا ، فلقد تأثر يوسف إدريس في قصصه وفي مسرحه وظهر ذلك في باكورة أعماله القصصية التي أصبحت باكورة مسرحياته وهي ( جمهورية فرحات ) حيث تناول فيها فكرة الاشتراكية الفابية ( نسبة إلى فابيوس القائد الروماني الذي خطط للتصدي لاكتساح هانيبال للإمبراطورية الرومانية وإلحاق الهزائم المتكررة بها فرأى فابيوس أن يترك جيوش هانبيال تتقدم نحو روما عبر الجبال والوهاد فينال منها التعب الكثير وتعمل القوات الخاصة على مهاجمة تخوم فيالق جيش قرطاجنة تحت قيادة هانيبال ، في حين يدخر فابيوس كل قواه ويحشدها على أبواب روما قوية عفية مستعدة للمعركة الفاصلة بين جيوش قرطاجنة المنهكة والمتراخية وجيوش روما بقيادة فابيوس وبذلك حقق النصر عن طريق معارك فدائية متفرقة يعقبها بالمعركة النهائية الحاسمة وبذلك حقق فابيوس هدفه الاستراتيجي مسبوقاً بتحقيق أهداف مرحلية. ولقد رأى بعض مفكري إنجلترا ومنهم الكاتب المسرحي المفكر جورج برنارد شو تكوين الجمعية الفابية التي تستهدف تحقيق التحول الاشتراكي في المجتمع الإنجليزي على مراحل - تماماً كما فعل فابيوس في مواجهته لهانيبال - تمهيداً لتحقيق النصر النهائي ) .
ولقد اتبع يوسف إدريس التكنيك نفسه في تحقيق الصول فرحات لليوتوبيا ( دولة العدالة حيث يحصل كل من فيها على قدر حاجة جنباً إلى جنب مع تحقيق الوفرة الإنتاجية ففرحات يحلم بتحقيق المدينة الفاضلة على مراحل متقطعة ويتداخل مع حلمه عرض لقضايا السلوك الاجتماعي في الدولة البرجوازية من قضايا ضرب ونهب وسرقة وسب وما يحيا فيه مجتمع البرجوازية الصغيرة وحثالة الطبقة العاملة غير أنه يجمدها واحدة وراء الأخرى ليستكمل حلمه مرحلياً وصولاً إلى المدينة الفاضلة التي يتخيلها ويسرد خطوات تحقيقها في حلم يقظته على معتقل سياسي يساري يدعى محمد لا يكتشف أنه معتقل سياسي إلاّ بعد أن يفرغ من إتمام حلم اليقظة بمدينة فاضلة عادلة . ولاشك أن نهاية مسرحية ( جمهورية فرحات) تنطوي على نقد لسلوك ثورة يوليو. إذ كانت - وقتذاك - تنادي بتطبيق عربي للاشتراكية وهي تعتقل المفكرين الاشتراكيين . ولم تتعرض هذه المسرحية مع ذلك للمصادرة بل تم عرضها على الجمهور ولا أدري هل كان ذلك لعدم إدراك الجهات الرقابية لمحتواها النقدي الذي تبلور في النهاية أم بسبب صحوة تنوير تلامست مع التوجهات الرقابية - آنذاك - .
وتأثر نجيب سرور في شعره وفي مسرحه بالثورة وبرحلة الخلاص الوطني على المستويين الاجتماعي والاقتصادي فكتب :
ياسين وبهية ليكشف عن فشل فكرة المخلص الغائب وكتب آه ياليل يا قمر - قولوا لعين الشمس - حيث عنى بتسجيل مدى التحالف النضالي وتواصله بين ( الفلاح )أو نموذجه في ( ياسين وبهية ) وبين العامل أو نموذجه في ( آه ياليل يا قمر ) وبن الجندي عطية الذي تعاطف مع أم بهية ومه بهية في نهاية (آه يا ليل يا قمر ) والذي ارتبط ببهية ( الوطن / الرمز ) في نص ( قولوا لعين الشمس ) :
عسكري 4 : أنا عايز مصلحتكم
عندي سر يهمكم
بهية : سر إيه ؟
الأم : قوله يابني
عسكري 4 : بس لو عرفوا إني قلته .. يجلدوني
الأم : قوله يابني .. فك عن نفسك وقول . دانا زي أمك تمام
عسكري 4 : الليلادي هايدفنوهم . بس مش هايطلعوهم من هنا إنما من باب ورا ..
أوعي ياامه السر ده .. يطلع لحد "
فهذه المحاولات الثلاث - كما نرى - محاولات توفيقية - من حيث الشكل - بين فكرة واحدة وهي فكرة ( الخلاص ) عن طريق النضال الفردي وروح الفردية في الريف وعن طريق الجماعات وروح التشرذم - وهي روح فردية في مضمونها - وفي المدن أو التحالفات الآنية ضد المحتل . ثم عن طريق الجيش حيث الفرد القائد يأمر فيطاع . العمل الجماعي شكلاً ، ولكنه فردي مضموناً . جماعة ساعية للعمل دافعها إرادة فردية ديكتاتورية . وربما فسر ذلك بأنه جعل نهاية ( ياسين وبهية ) هي بداية ( آه يا ليل يا قمر) فالجديد ينبع من القديم حقاً كما هو معلوم في القانون الطبيعي لذلك فمراحل النضال من أجل الخلاص متصلة ونابعة من بعضها .
ومن الملاحظ أن ثلاثية نجيب سرور المسرحية تلك منقادة بالتحولات الاجتماعية بمعنى أن إيقاع الفكر السياسي الاجتماعي لثورة يوليو وتحولاتها هو الذي يقود إيقاع ذات الفنان وليس العكس فالأعمال تسجل رحلة الخلاص الوطني من الاستغلال والقهر ببطل مخلص غائب ثم بحركة تحالف فلاحية عمالية باعتبار أن تاريخ الحركة العمالية بدأ مع عمّال محالج القطن وهي صناعة رأسمالية ريفية ولما تفشل يتسلمها العسكرتارية حيث يتزوج عطية ( العسكري ) من بهية بعد مقتل أمين الذي يتمثل فيه العنصر الريفي والعنصر العمالي معاً .
وليس في الثلاثية استشفاف مستقبلي ، إنما هو الماضي يعاد رسم صورة له ، يستحضر مجسداً بالسرد والرواية والمباشرة لذا فهو أقرب إلى المنحى التعليمي ، وربما عبّر جلال العشري عن ذلك حيث اعتبر الثلاثية ( وثيقة تاريخية بل وثيقة نفسية واجتماعية وإنسانية )
وأخلص مما تقدم إلى أن ذات نجيب سرور كانت ذاتاً وسطية ، لأنه وفق بين عمل الشاعر والكاتب المسرحي وعمل المؤرخ . لأنه تقيد بوظيفتين ( التأريخ والاستشفاف ) قيد واقعي تاريخي أو شبيهه مع تحليق فهو مقيد محلق في آن واحد .
وربما كان مرجع ذلك هو المحيط الاجتماعي وإيقاعه العام الذي ربط الشاعر نفسه به في الثلاثية . حيث تجري تحولات اجتماعية عظمى وقتذاك رأى نجيب سرور أن يسجل نضال الطبقات الكادحة المصرية في تاريخ التحولات الاجتماعية والسياسية على عكس الذي رآه يوسف السباعي الذي سجل دور ضباط ثورة يوليو في إجراء التحولات الاجتماعية والسياسية . وسرور متقارب في ذلك - وإلى حد ما - مع سعد الدين وهبة الذي سجل في مسرحه مراحل القهر التي مرت بها الطبقات المصرية الكادحة خاصة في الريف المصري وإن نحا نجيب سرور نحو المباشرة في سخريته من الإقطاع في ياسين وبهية وسخريته من المحتل والحكومة في نص آه يا ليل يا قمر :
" بهية : ينتقم لك ربنا يا أبو العيال
عسكري 4 : وانتي رخره ما تشتميش
بهية : أنا بادعي ع اللي يتم لي العيال
عسكري 4 : تبقي برضو بتشتمي .. الدعا زي الشتيمة
بهية : وانت مالك . ياطويش ؟
عسكري 4 : أنا مالي إزاي يا ست . وانتي بتسبي الحكومة "

الخلاص إذن هو محور الثلاثية أما المسرحية الرابعة ( منين أجيب ناس ) فهي تكشف عن سبب عدم تحقيق الشعب المصري لأهدافه في الخلاص ذلك لأنه ( لا يوجد ناس ) والخلاص لن يتحقق أبداً إذ أن ياسين مخلص بهية في نصه الأول يحمل عبء خلاصها وهو لا يعدو أن يكون فرداً وهي رمز لمصر - طبقاتها الشعبية - بدليل أنها ثابتة لا تتغير من مسرحية إلى أخرى بينما يتغير المخلص ( مين في آه يا ليل يا قمر ) وعطية في ( قولوا لعين الشمس ) رمز العسكرتارية . ومن مرحلة النضال الفردي إلى مرحلة النضال شبه الجماعي المسلح إلى النضال بالعسكر ومع ذلك لا خلاص لبهية الوطن ذلك أنه ( لا ناس ) ومعنى ذلك إلغاء لكل أطروحات الخلاص الثلاث السابقة .

أما سعد الدين وهبة فقد كرس بدايات مسرحه لقضايا المجتمع وللفساد السياسي والاجتماعي وآثاره السلبية على الطبقات الدنيا وخاصة في الريف المصري فكتب ( المحروسة - كوبري الناموس - السبنسة - كفر البطيخ ) وانشغل في المرحلة التالية على بداياته المسرحية بنقد تجربة الثورة في مسرحيات ( المسامير - سكة السلامة - يا سلام سلّم الحيطة بتتكلم - ومجموعة مسرحياته القصيرة: الوزير شال التلاجة وغيرها )
واهتم نعمان عاشور بقضية الحراك الاجتماعي قبل الثورة وتفاعلاته المرهصة بقدوم الثورة في ( الناس اللي تحت ) وفي ( الناس اللي فوق ) وتفاعل مع قضايا المجتمع في عهد الثورة فكتب ( برج المدابغ ) وكتب (عيلة الدوغري ) حول صراع الأجيال حول تقسيم الموروث وإن كان قد اقتبس فكرتها من ( بستان الكرز ) لتشيكوف .
وفي حين تناول محمود دياب مجتمع الريف في سمره وفي تداوله لقضاياه ومشكلاته ( ليالي الحصاد ) وعرّج على القضية الوطنية والقومية في ( باب الفتوح ) وفي ( رسول من قرية تميرة للسؤال عن الحرب والسلام ) و ( أهل الكهف 80 )
كتب عبد الرحمن الشرقاوي للمسرح الشعري ( الفتى مهران ) معبراً عن روح التمرد الثوري وكتب (النسر الأحمر ) وكتب حول كفاح الشعب الفلسطيني ( وطني عكا ) وكتب ( عرابي زعيم الفلاحين ) في أيام السادات حتى أنها عرضت بميدان قصر عابدين بإخراج أحمد زكي بناء على طلب السادات نفسه.
ولأن المسرح يقوم على ربط الفكر بالحياة مهما كان مجرداً كما يقوم على كشف القيم الضرورية لإنقاذ الأرواح وتعميق وعينا بالواجب ، لذلك فإن الحماس بوصفه عاطفة لا يغيب مطلقاً عن الإبداع المسرحي كتابة أو عرضاً أو إنتاجاً أو نقداً ؛ فالحماس والفكر لا يفترقان في مجال المسرح . ولأن التجربة المسرحية لا تكتمل دون حركة نقدية نشطة لذلك شهدت مصر الثورة حركة نقدية في المسرح وعلى وجه الخصوص في نقد نصوصه . من هنا ثارت القضايا بين النقاد حول كتابات المبدعين المسرحيين المصري منها والعالمي فنشط ذلك كل من محمد مندور ولويس عوض ورشاد رشدي ورجاء النقاش وبهاء طاهر وفؤاد دواره وجلال ا لعشري وفتحي العشري ورشدي صالح وأحمد عباس صالح ومحمود أمين العالم وفريدة النقاش . وفاروق عبد القادر وسمير سرحان ومحمد عناني ولويس مرقص ولطيفة الزيّات وفاطمة موسى وشفيق مقار ونسيم مجلي وأمير سلامه وغيرهم وغيرهم . فاشتعلت المعارك النقدية بين الكتاب والمخرجين وبين الكتاب والمخرجين والنقاد وبن النقاد والنقاد ؛ ويكفي أن نقف في هذا الحيز عند قضية أو قضيتين نقديتين لندرك ضراوة تلك المعارك النقدية وجدواها في إزكاء حركة المسرح أدباً وعرضاً .
• ارتباك العلاقة بين المؤلف ومخرج نصه :
ولعل أول القضايا التي أود الوقوف عندها هي القضية التي ثارت بين مؤلف مسرحي هو ( يوسف إدريس ) ومخرج مسرحي هو ( سعد أردش ) حيث اضطلع الثاني بإخراج مسرحية الأول وهي ( الجنس الثالث ) من إنتاج المسرح القومي وعند مشاهدة المؤلف لعرض مسرحيته تلك أرْبَدَ و أزْبَدَ ولجأ إلى تقطيع أوصال نصه وإلصاقه على جدران المسرح القومي وسوره الخارجي صفحة صفحة ، محتجاً بأن سعد أردش قد ارتبك في فهم نصه ذاك ، محتجاً بأن سعد أخرج النص إخراجاً قائماً على الإيهام في حين أن النص - كما يزعم يوسف إدريس نص يقوم على التغريب لا الإيهام ؛ ذلك لما رأى المخرج أردش يجسد مشهد لقاء البطل ( عبد الرحمن أبو زهرة ) بشخصية أخرى هي ( عشماوي ) في ميدان العتبة في السابعة من مساء اليوم المحدد مستخدماً الإضاءة الإيهامية ( الترا فايلوت ) التي تنعكس على معطف الدكتور ( أبو زهرة ) وهو يصعد درجاً أو مدرجاً مظلماً في عتمة تامة حتى لا تظهر سوى الألوان البيضاء أو الفسفورية وهي ألوان ملابس ( البطل الدكتور العالم ) فيبدو وفق الحركة الانسيابية التي رسمها له المخرج كما لو كان يطير نحو الفضاء وذلك بحق تجسيد إيهامي كما قال المؤلف يوسف إدريس لكن هل نص يوسف إدريس نص تغريبي حقاً حتى يمكن القول إن سعد أردش عندما جسده وفق عناصر إيهامية قد ارتبك في التصور أو الفهم؟! واقع الأمر .. لم يكن النص ملحمياً ولا صلة له البتة بنظرية التغريب الملحمية ! لأن الحدث انبنى على الإيهام حيث عالم في معمله لا يعطيه جهاز الحاسب الآلي في كل التجارب التي يجريها إلاّ نتيجة واحدة وهي رقم سبعة (7) حتى أنه يحدد له السابعة من مساء اليوم السابع ( الجمعة ) بميدان العتبة ليلتقي بعشماوي الذي ينقله إلى صحراء وسور كبير خلف أبوابه ( هي ) التي يناديها عشماوي فتفتح له ليدخل العالم بستاناً شاسعاً تتحول فيه الأشجار إلى نساء فاتنات راقصات ( وهو استلهام من رسالة الغفران ) للمعري وارتباط رقم سبعة بوجداننا وتراثنا الديني معلوم وارتباط اسم عشماوي بمنفذ أحكام الإعدام في حياتنا المصرية المعاصرة معلوم وسور البستان وارتباط دخوله بشخصية رضوان في تراثنا الديني معلوم وانقلاب أشجار الرمان والفاكهة إلى فتيات حسان وحور عين معلوم من ثقافتنا الدينية وقصة الإسراء والمعراج واستلهامها أدبياً ( رسالة الغفران ) ثم ( الكوميديا الإلهية ) لدانتي ومن قبلها (التوابع والزوابع ) لابن شهيد الأندلسي . إذن فالحدث في مسرحية ( الجنس الثالث ) حدث إيهامي البناء والعناصر والتقنيات وتأسيساً على ذلك كان فهم المخرج سعد أردش ومن هنا يتضح لنا أن ارتباك في تعقيب يوسف إدريس الإنتقادي وليس النقدي هو الذي أثار تلك القضية المفتعلة .
• ارتباك النقد المنطلق من نظرية لا تطابق النص المسرحي :
أما القضية الثانية فهي موقف الناقد د. أحمد شمس الدين الحجاجي النقدي من نص مسرحية ألفريد فرج ( الزير سالم ) التي تناول فيها قصة ( المهلهل بن ربيعة ) التي التقطها من كتب السيرة وصاغها وفق المنهج المسرحي الملحمي ، تحت عنوان ( الزير سالم ) فصدمت إعادة كتابته لتلك السيرة في أسلوب مسرحي أحد النقاد الباحثين وهو د. أحمد شمس الدين الحجاجي فعبر عن عدم رضائه عن شكل تناوله للسيرة الشعبية .
إلاّ أنني على الرغم مما قاله عن ألفريد فرج من أنه قد " وضع أكفانا جديدة حول السيرة " أرى أن ألفريد فرج قد تمثل الاتجاه المسرحي الملحمي خير تمثل ، على الرغم من اعتراض د. حجاجي من أن " هؤلاء الكتّاب المسرحيين الذين تمثلهم كاتب السيرة لم يستطع أن يتفوق عليهم أو يحتويهم وإنما النقيض من ذلك ، لقد تفوقوا عليه " وكأن التفوق هو المطلوب مجرداً . كانت أمامه نماذج مسرحية سابقة يحاول تقليدها أو السير على هديها مما أفقد العمل بعض أصالته " يقصد ( السيرة ) ذاتها . وكأن التراث حين يستلهم مقصود به إلى ذاته . فالكاتب حين يعوّل على التراث فإنه في الحقيقة يعيد صياغة الحدث إسقاطاً على الحاضر المعيش ؛ بهدف التأثير به على الحاضر نفسه ، واستشفاف المستقبل .
إن الحادثة التاريخية المستلهمة من التراث لا تشكل سوى وسيلة يفاد بها في الحاضر المعيش . يقول د.عز الدين إسماعيل : " إن كل عودة إلى التراث تحمل منظوراً مغايراً ، يعدّل اتجاه الماضي ويسهم في إضافة بعد تفسيري من صنع الحاضر نفسه "
على أن كل ما يهمنا مما كتب د. الحجاجي في دراسته تلك ، هو قوله : " إن ألفريد استلهم التراث بطريقة بريختية فلم يخدم التراث وإنه في طريقته تلك قد بنى المسرحية حول استرجاع الماضي محاولاً بذلك أن يحوي السيرة كاملة وأن يجعلنا نعيش في جوها بالطريقة السردية للأحداث غير المترابطة "
وهذا الذي يقوله د. الحجاجي من خواص المسرح الملحمي الذي يعد المؤلف أحد المتأثرين به في الوطن العربي . وإنه انطلاقاً من هذا الفهم ، حين استلهم المؤلف التراث الشعبي أراد أن يحمله منظوراً مغايراً ويضيف بعداً تفسيرياً للحادثة التاريخية أو اللقطة التراثية كشفاً عن تناقضاتها . من هنا اختلفت الفكرة وإيقاعها في المسرحية عنها في السيرة الشعبية المستلهمة . وكلمة استلهام التي يرددها الناقد تعني ذلك بالضرورة . يقول " وإذا كانت فكرة العدل قد وضحت في السيرة أكثر من وضوحها في المسرحية ، فإن فكرة الحقيقة تاهت وسط دروب فلسفية أراد المؤلف أن يحوطها بها " .
ولما كان ألفريد فرج - هنا - ساعياً إلى كشف طبيعة العلاقات وطبيعة الأفكار من خلال الحياة اليومية البشرية للشخوص المكونين للحدث أو للحادثة التاريخية ، فإنه يستعرض الأفكار التي تبنتها الشخصية المتصارعة دون أن يبرز فكرته من وراء ذلك إلاّ في نهاية ( الحدوتة ) التي جعلها افتتاحية لمسرحيته تلك وفق تقنية دائرية الأسلوب . وفي هذا تأكيد لخواص الدراما حيث يبدأ الحدث حينما تنتهي ( الحدوتة ) . وبالنظر إلى مسرحية ( أوديب ) وتقنية كتابتها ندرك صحة ذلك .
وبالمثل تبدأ مسرحية ( الزير سالم ) حينما انتهت ( حدوته الثأر بين بكر وتغلب ) :
" مرة : الآن يا ولدي . حضر أمراء بكر وأمراء تغلب
وتصالحت القبيلتان على مبايعتك والولاء لك .. "
فهذه كما قلت بداية درامية ، حيث تبدأ المسرحية بعد انتهاء القصة . ولكن أسلوب الكاتب كان أسلوباً ملحمياً ، لذلك عليه أن يغير النمط الإيقاعي الذي يناسب الدراما في شكلها الأرسطي ليرسخ نمطاً إيقاعياً آخر يلائم الدراما الملحمية ، حيث يضع المتلقي في وضع يؤهله للحكم على ما عرض أمامه عن طريق تجميع خيوط الحدث وملابساته وطبيعة الصراع والمتصارعين ، والقضية المتصارع عليها ، وعليه أن يظل محايدا حتى النهاية ، وعندها أو بعدها يضع رأيه محدداً - يقرر بينه وبين نفسه إلى أي المواقف ينحاز - لذلك فإن .. ( ألفريد فرج ) يبدأ بعد النهاية في كشف طبيعة صراع جديد ترتب على النهاية التي سبقت هذه البداية ، مستخدماً أسلوب البناء الدائري للحدث :
" جليلة : ( تلمسه بحنان ) ولدي .
هجرس : ( يشيح عنها ويبتعد خطوة )
مرة : ( مسترسلاً ) بكوني سيد قبيلة بكر ؛ وجدك لأمك جليلة ؛ وعم أبيك الراحل كليب سيد قبيلة
تغلب وملك جميع العرب القيسيين ، بكريين وتغلبيين .. سأجهر بالمبايعة - وعندئذٍ تدق الطبول ،
ويرفع فرسان القبيلتين السيوف حتى تتلامس أطرافها في ود لأول مرة منذ سبعة عشر عاماً -
إكراماً لموكبك وأنت تتقدم إلى عرش أبيك ، عرش جدك ربيعة أخي ، لتتخذه كرسي مملكتك ،
إيذاناً بأن أعمامك التغلبيين وأخوالك البكريين ارتضوا أن يكونوا لأوامرك طائعين ، ولأحكامك
خاضعين . تقدم يا ولدي .
جليلة : ( بحنان ) تقدم
هجرس : ( بانفعال مكظوم ) لا أريد هذا العرش يا أمي .
جليلة : آه .
هجرس : ( بانفعال مكظوم ) بتّ طول الليل أفكر . ( يصيح ) عرش على بحيرة دم . العرش .. ولا أعرف
حتى لماذا قتل خالي جساس ابن عمه الملك وأبي .. أو لماذا انتقم منه عمي الأمير سالم
بهذه المقتلة الفظيعة .
جليلة : لا تلق أسئلة تستنفر الأحقاد
هجرس :إنما أسأل لأفرغ الصدور من الأحقاد
جليلة : عادة غير ملكية . الملوك لا يطرحون الأسئلة يا ولدي ، بل يجيبون عليها .
أسماء : ارتق العرش وأنت مغمض العينين . كن ملكاً جيداً .
( تضحك في تهكم صاخب ) "
ولأن المؤلف هنا لا يؤمن بثبات الظاهرة ، على أساس أن كل ما في الوجود في حركة مستمرة ولا ثبات لشيء ؛ لذلك فإن ما كان معتاداً يجب أن ينظر إليه على أنه غريب ، وغير طبيعي عند صاحب النظرة الديالكتيكية ( الجدلية المادية ) . من هنا جعل ألفريد فرج لشخصية ( هجرس ) نمطاً إيقاعياً مغايراً لنمطي إيقاع ( جليلة ) أمه و ( مرة ) جده لأنهما مع العادة :
" جليلة : مشينا سكة طويلة إلى هذه المصالحة يا ولدي أما العرش أو استئناف الحرب
هجرس : ( يلمس العرش ) أيها العرش . أيها الفخ . يا قدري . أيها القبر . "
ولقد اختلف إيقاع فكر الشخصيات وإيقاعات القيم في المسرحية عنها في السيرة ، وهذا راجع لطبيعتين: طبيعة إيقاع ذات الفنان الكاتب ، وطبيعة المحيط البيئي المتلقي . من هنا اختل توازن إيقاع الفكرة في المسرحية عنها في السيرة - من جهة نظر د. حجاجي - فالزير سالم " يريد العدالة الكاملة ، فلقد كان عربيداً في الفكر لا يطلب إلاّ الحقيقة الكاملة . العدالة الحق ، جوهر العدل ، وخلاصته النيرة فما دام كليب قد مات غدراً وغيلة فليعد كامل الحياة "
ونحن لذلك لا نوجه اللوم للمؤلف كما فعل د. حجاجي حين قال : " في ثنايا المسرحية لا نشعر بأن الزير طالب حقيقة .. فالحقيقة لم تكن ضالة لحظة من اللحظات "
ونحن نقول نعم لما قاله د. حجاجي ، ولكنه لتطرف الزير لم يرها مع أنه يطلبها . والمؤلف بحكم رؤاه المؤسسة على الجدل المادي والتاريخي ، من حقه أن يصور لنا الحادثة بهذا الشكل بحيث يكشف لنا عن أهداف الشخصية الرئيسية وموقفها المتطرف غير الريادي ، في الوقت الذي كان يجب عليها ؛ وزمام الأمر بيدها أن تتعامل طلباً لتحقيق فكرة محددة ، فإذا بها ترفض أن تبدأ من حيث انتهى إليه واقع الأمر . ولكنها تتطرف طلباً لتحقيق فكرة مستحيلة مع كونها عادلة . من هنا انحرفت عن الطريق الواقعية المؤدية إلى العدل - نسبياً - وليس مطلقاً .
فكأن المؤلف أراد أن يوصلنا إلى أن التطرف في طلب الحق يؤدي إلى ضياع الحق ، لأنه عندما تطرف ضاع منه التحقق ومن ثم ضاع الحق . وهذا موقف فيه غرابة ، سلكته الشخصية لأنها رسمت شخصية ملحمية ، ما تطلبه فيه غرابة ودهشة ، وليس شيئاً عادياً .
لقد أثارت هذه الغرابة في موقف الزير الباحث الدكتور حجاجي ولم يقنعه " إذا كان الكاتب في مقدمه يرى أن الحقيقة الكاملة التي يريدها الزير سالم هي عودة أخيه فنحن لم نقتنع بهذا "
والمؤلف حقيقة لم يتوقف عند ما يريده " الزير " ليؤكد فحسب حقه وعدالة موقفه ، كما زعم أو أوحى بذلك فهم الناقد ، ولكنه قال في مقدمة المسرحية تعليقاً على قول الزير : " كليب حياً ، لا مزيد " فعلق ألفريد " طلب مضحك ومؤس ، إلاّ أن ظاهره عدل ، ولعل باطنه عدل كذلك . عدل لا معقول ، إلاّ أنه عدل ، كما أنه لا معقول " .
إذن فألفريد فرج لم يطلب من المتلقي أن يقتنع لأن ألفريد نفسه لم يكن يقتنع بهذا الطلب ، فهو يراه مع عدالته يتطلب معجزة ، بمعنى أنه ممتنع . من هنا وجد فيه غرابة ، وهي وسيلة من وسائل المسرح الملحمي في تصوير الحادثة ، انتفع بها ألفريد ولم يدركها الناقد .
أما قول حجاجي : " فلا نتصور أن تكون فكرة عودة كليب حياً هي الحقيقة التي يريدها الزير . إنها ليست حقيقة الواقع ولا الفلسفة ولا الفن .. وهي ليست حقيقة على الإطلاق "
فمن المدهش حقاً أن هذا هو بعينه الذي لا يؤدي إلاّ إلى ما يراه ألفريد فرج نفسه : ( إن ما يرى الزير أنه الحقيقة ليس حقيقة من أي نوع . ذلك لأنه التطرف الذي لا يؤدي إلى أي شيء .
إذن فقد نجح ألفريد فرج في تصوير غرابة الطلب مع عدالته - الممكن والمستحيل معاً - السهل واللاسهل ، الحق واللاحق . وهذا نوع من التصوير المغرّب ، الذي يجعل المتلقي يقترب من الحدث المصور، ويبتعد عنه في الوقت نفسه . بينه وبين الحدث مسافة ، وصولاً إلى أن الحقيقة - منذ البداية - نسبية .
وهذا النوع من التصوير كما قلنا أحد عناصر الدراما الملحمية الرئيسية - إن لم يكن العنصر الأساسي (عنصر التغريب ) .
ومن الغريب حقاً أن يرى د, حجاجي في ذلك التصوير تناقضاً : " والتناقض بين الفكر والحدث لم يؤثر فقط في فكرة المؤلف وإنما يؤثر أيضاً في بناء المسرحية وأشخاصها "
وذلك دون أن يلمح القصد من وراء ذلك : فالفكرة : ( طلب العدل والحق كاملين ) هي فكرة ( الزير ) وليست فكرة ألفريد فرج . والفعل ( الحدث ) كان متطرفاً وصولاً إلى تحقيق تلك الفكرة المستحيلة ، من هنا ظهر التناقض بين فكرة الشخصية وبين فعلها - ومن ثم أثر ذلك في سير الأحداث وأشخاصها عند إعادة تصوير ألفريد لهم تصويراً حداثياً .
ولكشف ذلك التناقض كان على المؤلف أن يتبع تقنيات ( تجاور الأحداث ) لا تقنيات تتابعها وتواليها المنطقي. وهذه أيضاً خاصية من خواص الدراما الملحمية .
ومعنى ذلك أن ألفريد لم يكن مرتبكاً في بنائه للأحداث على طريقة التجاور ، في حين ارتبك فهم الناقد فطالبه ببناء غير متجاور ( منطقي التصاعد ) إذ بنى نقده على أساس مقاييس الدراما الأرسطية . ومن الغريب حقاً أن الناقد قد أراد أن يخرج ألفريد من ورطته - حسب قوله - فهو عنده متهم :
" وإذا حاولنا أن نبرئ المؤلف من وضع أكفان جديدة حول السيرة ، فإن علينا أن نتناول رؤاه لها " " فالكاتب في المقدمة رأى في السيرة جوانبها الثلاثة " العدالة والحقيقة والزمن " فهو يرى في الزير " طالب عدل لا معقول " يرفض الصلح إلاّ بشرط وحيد مستحيل هو " عودة كليب حياً " وهذا في رأيي يدعو للدهشة وللتفكير والمشاركة في تبين الأمر جلياً . وهذا هدف للمسرح الملحمي .. غاب عن الناقد!!
أما فكرة العدل التي ربطها الكاتب في مقدمته لمسرحيته ، لم يربطها بالزير فحسب ، وإنما ربطها أيضاً بموقف آخر وهو تصور أن في تولي ( هجرس ) ابن كليب المقتول ، للعرش فيه إقامة للعدل النسبي بين القبيلتين . " ونحن لا نشعر مع كل هذا بأن عدلاً قد أقيم أو أن عدلاً قد تحقق "
والدكتور حجاجي محق في هذا ، لأن العدل لا يحققه فرد مهما أوتى من قوة ، وإيمان عميق بفكرة العدالة. وهذه هي وجهة نظر المسرح الملحمي أيضاً . فالبطولة ليست للفرد في المسرح الملحمي ، ولا تعترف الفلسفة المادية الجدلية والتاريخية التي يهتدي بها المسرح الملحمي ببطولة فردية . ولكنها معقودة للوسط الاجتماعي في ظل الصراع الطبقي وطبيعة الحراك المادي المتفاعل . وهذا ما حدا بألفريد فرج أن يوصل إلى المتلقي فكرة أن العدل لا يتحقق بفرد ( زيراً ) كان أم غير ( زير ) ( هجرساً أم غير هجرس ) والناقد قد وعى ذلك .
فالمؤلف إذن قد نجح في أن جعل المتلقي ( الناقد ) ينتقد موقف كليب الانتهازي : فكليب لم ينل الحكم عن طريق العدل فهو لم يقتل ( التبع حسان ) ومن حق جساس أن يرفض سيادته ، لم يكن "جساس " طالب عدل في حين طلب الملك ، فالزير شريكه في قتل حسان ، والوحيد الذي كان طالب عدل في المسرحية هو الزير . غير أن طلبه للعدل بنى على غير أساس فقد قدم قوم جساس ، كل ما يمكن تقديمه دية للزير إلاّ أنه رفض ، ومن ثم فقد أصبح طالب عدل لا معقول . ومع أن الكاتب قد حصر العدل في دائرته ، فقد أوقع عليه العقاب كما أوقعه على غيره . لقد تعذب الزير سبع سنوات ثم فقد ذاكرته بعد ذلك .وفي النهاية " التحم بجساس وقتل كل منهما الآخر وهكذا أوقع العقاب بطالب العدل قبل أن يقع على منتهكي العدل "
أليس غريباً هذا .. أن يعاقب طالب العدل .. إن هذا الطرح قد جعل د. حجاجي في موقف المتسائل الشبيه (بموقف التوراة ) التساؤلي ، الذي شغل بريشت : " ولماذا يصاب الإنسان الخير بمثل هذه العقوبات الشديدة ؟
لقد نجح المؤلف حقاً في تصوير الموقف غريباً على غير العادة مثيراً للتساؤل والدهشة . وهذا كما أوضحنا مسلك الدراما الملحمية ، فهمه ألفريد فرج ووقع به أحداث مسرحياته وشخوصها ، ولم يفهمه د. احمد شمس الدين الحجاجي بعد !!
وحين يقول د. الحجاج مستقرئاً السيرة : " وحين قتل كليب رفض البكريون أن يقدموا جساساً للقصاص. وهنا لا مفر أمام الزير من أن يعلن أن العقاب سيقع عليهم ، حتى يعود كليب " يعلق على ذلك بقوله " إن دعوة كليب حياً " إنما هي رد فعل لتعنت البكريين ورفضهم تحقيق العدل وإيقاع القصاص بالقاتل " فإنه يبرر للزير طلبه . فلكل فعل رد فعل وذلك هو العادي والمنطقي . في حين أن الأمر غير العادي الغريب المثير للدهشة والداعي إلى الوعي بما يجري هو : " أن دعوة كليب حياً طلب عادل حين يرفض أهل الجاني توقيع القصاص الشرعي على القاتل ولم يكن أبداً عدلاً غير مقبول . ولكن هذا من الوجهة النظرية فحسب إلاّ أن تطبيقه لن يكون ممكناً أبداً والزير يعرف هذا . من هنا تنبع غرابته وشذوذه عن العادة وكون القاص الشعبي قد أوقع القصاص كاملاً على الجناة في السيرة ؛ فهذا أمر أخلاقي ، بمعنى أنه تناول أخلاقي للحدث. وهو ما دعا ألفريد في المسرحية إلى رفضه ، لأن القول بعودة ( كليب حياً ) غريب حقاً . وهذا يحيلنا إلى دور الكاتب الأيديولوجي الفكر في إعادة إنتاج دلالة الموروث واكتشافه بكل ما يشتمل عليه من تناقضات وتلك كانت وجهة عرفتها الكتابة المسرحية والنقدية في مصر في ظل التيارات المعرفية التي وفدت مع الحراك الثقافي والفكري إبان ثورة يوليو 1952م .
فإذا كنّا قد وجدنا في السيرة أن العادة والتقاليد تبعاً للأخلاقية هي التي تنتصر . وأن الحاكم لابد أن يكون فرداً ففي المسرحية دعوة للوقوف موقف الدهشة والغرابة من هذه التقاليد ومن ثم رفضها ، فاستئثار فرد بالحكم في الوقت الذي تم فيه تخليص البلاد بفعل جماعي هو أمر غير منطقي ويؤدي إلى الدكتاتورية والتسلط ( كليب ) وإلى الدسيسة والغدر ( جساس ) واللامبالاة ( الزير ) والتطرف عند كل حالة من الحالات الثلاثة السابقة .
والقضية هي أننا أمام مغتصب ( التبع حسان ) تشترك ثلاث قوى في قتله . إحداها ( جبانة ) مدعية وهي لم تشارك في قتل الغاصب ( كليب ) والأخرى تتنازل للجبانة عن حقها في الحكم ، فيكون للأولى أن تحكم في حين أن الطرف الثالث ( جساس ) يرفض الاعتراف بكليب حاكماً مستحقاً للحكم ، بينما انزوت القوة المتنازلة ( الزير ) تلهو وتعربد وتعبث . فالزير تنازل لكليب أخيه ، ثم انصرف للهو واللامبالاة. وجساس اتجه إلى التآمر لإدراكه أن القوة الحاكمة ( كليب ) لم تشترك في قتل الطاغية المستعمر، ولكنها وثبت منتهزة إلى العرش . وهكذا تسقط القوة الانتهازية الحاكمة بغدر القوة المتربصة ، ويؤدي ذلك إلى تحارب القوتين اللامبالية والغادرة ليصفي كل منهما الأخرى تصفية مادية بطريق الإرهاب فتتولى قوة جديدة من صلب كل القوى ( هجرس ) أمور الحكم والملك .
ولقد أخطأ الثلاثة منذ البداية ، فقد كانت العدالة قاضية بأن يتولى الثلاثة الحكم ، فيشكلون جبهة حاكمة - وتلك فكرة توفيقية تأثر بها ألفريد وهي دعوة لكسب التأييد لفكرة ( تحالف قوى الشعب العامل ) - التي عرفت في مصر الستينيات والتي رفضها الكاتب نفسه بعد ذلك في مسرحيته التالية (جواز على ورقة طلاق) ربما لاكتشافه أن فكرة ( تحالف قوى الشعب العامل ) تلك هي فكرة تلفيقية وهذا على كل حال يشكل معادلاً موضوعياً للواقع السياسي في الستينيات ولحرب اليمن التي دارت بمشاركة مصر والسعودية وجند الإمام أحمد وولده البدر من بعده حيث كتبت المسرحية في تلك الأثناء تأثر بها ألفريد وتفاعل معها انطلاقاً من حدث مستلهم من السيرة ، غير أن الناقد ارتبك في فهم ذلك .

صورة ارتباك البناء في النص المسرحي :
كثيراً ما يرتبك البناء الدرامي في نص من النصوص المسرحية ففي مسرحية ( مجلس العدل ) لتوفيق الحكيم يناقش القاضي صاحب الأوزة ( المدعي ) فيما يدعيه بعد أن يصدر عليه حكماً بالغرامة . والمنطق الحياتي لا يسمح بهذا الارتباك لأن صدور الحكم يتم بعد مناقشة أطراف القضية وليس قبل ذلك غير أن ذلك وإن بدى ارتباكاً حيث الحقيقة الحياتية أو التاريخية فإنه لا يعد ارتباكاً من الناحية الإبداعية فالقاضي منحرف وهذا واضح من أول جملة يتفوه بها في افتتاحية المسرحية إذ يخاطب "الفران " بقوله : " مالك يا صديقي الفران " فالفران كان منوطاً به إنضاج أوزة دفع بها صاحبها إليه (فهو صاحب رأس مال) لكن الفرّان يؤمم الأوزة ( رأس ماله ) ويذهب بها إلى بيت القاضي الذي يلتهمها . فالقاضي إذ يقول للفران ( يا صديقي ) في خطابه انحراف عن المنطق العلاقاتي بين الشخصيتين على مستوى الواقع الحياتي المعيش ولتأكيد انحراف المسلك القضائي ( انحراف العدالة ) فإن المناقشة تتم بعد صدور الحكم لتوكيد المنطق المعكوس للصوص ( المؤمم والمنتفع ) ومن أمثلة الارتباك الإبداعي في النص عدم مطابقة الصورة المسرحية للواقع البيئي ففي افتتاحية مسرحية (مجنون ليلى ) لأحمد شوقي نرى ليلى تخرج وخلفها رجل غريب من خيمة لتعرف الشباب ( من الجنسين ) الذي يمرح ليلاً في الساحة بين الخيام بابن عوف رسول الحسين بن علي إلى ليلى وسيطاً من أهل قيس وإشفاقاً عليه. والواقع البيئي الصحراوي لا يعرف مثل هذا السلوك . وإنما الواقع يقول إن والد ليلى هو المنوط بذلك التعريف لا ليلى فالبيئة صحراوية في العصر الأموي في الجزيرة العربية وليست باريس ، ولأن كل بيئة لها مقتضياتها وقيمها وثقافاتها فإن في تصوير ليلى على ذلك النحو يجعلها ليلى الباريسية وليست ليلى العامرية . ومهما يكن حق المبدع في مغايرة الحقيقة التاريخية أو الاجتماعية عند رسم شخصية مسرحية أو موقف درامي ما ، فلن تصل تلك المغايرة إلى حدود رسم صورة مناقضة تمام المناقضة للبيئة دون مقتضى درامي .



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرتباك الإبداعي في فن التأليف وفن الإخراج المسرحي
- المسرحيون العرب وغياب فعل الاستشفاف
- سارة وأخواتها والثالث المرفوع
- التجريب في العلم وفي الفن
- قراءة سياسية وقراءة مضادة حول الواقع المصري
- مستنقع الذئاب الجزائري في عمان
- مستنقع الذئاب - في عمانس
- قيمة الحرف في الإيحاء بسيكلوجية اللفظة
- - أيقونة العشوائي - ومعمار البنية السردية
- الكتابة المسرحية من منظور التناص
- مر بي
- فعل الكتابةالمسرحية في عصر الصورة
- المسرح بين أدب السيرة والتراجم الذاتية
- سفر الخروج من -طما- - ج1
- مؤسساتية الظاهرة المسرحية في مصر
- الإيقاع في فن النص المسرحي
- مرات أبويا
- الأطفال في مسرح يوسف عز الدين عيسي بين التربية الجنسية والتر ...
- مشروع إخراج نص مسرحي لطلاب الدراسات المسرحية العليا
- العرض المسرحي المصري بين مأزق التحصن بالهوية ولهاث اللحاق بر ...


المزيد.....




- رفح.. العدو على أبواب مصر
- “أمن الدولة” تجدد حبس معتقلي “بانر التضامن مع فلسطين” 15 يوم ...
- طلاب العالم اتحدوا ضد الصهيونية وداعميها الرأسماليين
- غزة: السابع من أكتوبر في المنظور التاريخي
- بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قض ...
- الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج ...
- العدد 555 من جريدة النهج الديمقراطي
- الجيش التركي -يحيد- 17 مسلحا من حزب العمال الكردستاني
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى الاستنف ...
- اتحاد النقابات العالمي (WFTU – FSM)”، يُدين استمرار المحاكما ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - أبو الحسن سلام - نهار اليقظة في الثقافة المصرية بين وهج التخريض ولهيب التعريض