أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أبو الحسن سلام - التجريب في العلم وفي الفن















المزيد.....


التجريب في العلم وفي الفن


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 3608 - 2012 / 1 / 15 - 17:46
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


هل التجريب صفة في العلم أم صفة في الفن ؟!
عندما تتعدد الآراء وتتضارب حول مفهوم ما فيدلي صاحب رأي بتصريح هنا أو هناك دون استعداد ويقتحم الميدان من لم تكن له علاقة وطيدة بالموضوع المطروح الذي هو جديد أو معاد فيصرح بقول هنا وهناك دونما تحديد أو تفنيد ودون وضوح أو فهم بحيث تضيع المفاهيم أو تختلط؛ يصبح على البحث العلمي وجوب التوقف طلباً للفصل بين المفاهيم المتشابكة لتحديد مفهوم علمي تتفق الآراء على أنه يفي بالتعريف الملائم المعبر في وضوح عن الموضوع .
ولما كان الكلام عن التجريب في المسرح قد تعدد وتضارب بحيث اختلطت المفاهيم فلم يعد البعض - ممن يسيطرون على الأعمدة المخصصة للمسرح في صحفنا وفي مجلاتنا غير المتخصصة - يعرف ما هو العرض المسرحي التجريبي وما هو غير التجريبي فيسطر قلمه ما شاء له تسويده . لذا آثرنا التوقف عند مدلول التجريب ومصطلحه ومن ثم مفهومه ودور الوسط ودور الوسيط في التجريب وحتميته وأهمية فهم من يتصدون لمسرحنا بالنقد .
ولا شك أن وقفتنا عند حدود مصطلح التجريب تقليد يتبعه المنهجيون طلباً للوقاية من الخلافات وتوفيراً للوقت والجهد يقول د. محمد غنيمي هلال : " نوفر لأنفسنا كثيراً من الوقت والجهد إذا بدأنا في علاج مسألة من المسائل بتحديد المفهوم والاتفاق على معنى الألفاظ التي نستخدمها في علاجها حتى نتقي الخلافات الشكلية " والقياس هنا يكون معجمياً ويكون دلالياً .
فكلمة " ثقافة " : " ليست مجرد تعبير عن الحاضر بل تنمية لإمكاناته ، وتنويره ، وتصفيته وإثرائه ، أو تحويره "
ولقد أعدت قراءة ما كتب أخيراً حول المسرح التجريبي وحول المخرجين الأجانب الذين رأى كتّاب الأعمدة الصحافية المخصصة للمسرح - على الرغم من - عدم حاجة المسرح المصري إليهم .
ولما كانت كل ألوان الكتابة بما فيها الكتابة الصحافية الفنية والأدبية والنقدية لوناً من ألوان الثقافة لذلك توقعت أن يكون ما كتب أخيراً في صحفنا ومجلاتنا حول المسرح التجريبي ( ليس مجرد تعبير عن حاضر ) المسرح المصري ؛ بل تنمية لإمكاناته ، وتنويره ، وتصفيته ، وإثرائه أو تحويره ) ولكني أسفت حين وجدت تلك الكتابات لا تنتسب إلى تنمية إمكانات مسرحنا المصري ، ولا تسعى إلى أن تكتب عن تنويرنا بوساطته ، ولا تهدف إلى تصفيته من سلبياته الفنية أو الإدارية الإنتاجية ، لاشيء من ذلك كله هدف إليه كتّاب تلك المقالات التي ترفض تجربة الاستعانة بمخرج أجنبي ( إيطالياً كان أم لبنانياً ) بل التي ترفض إقامة مهرجان للمسرح التجريبي .
إن تنمية إمكانات مسرحنا تتحقق بالنقد الموضوعي الذي يعطي أسباباً مقنعة لاستمتاعه بالعرض المسرحي أو يعطيه أسباباً مقنعة لعدم استمتاعه بالعرض المسرحي . والكثير مما كتب لم يكن موضوعياً بل لم يكن نقداً بحال ؛ وإنما هو انتقاد والفرق كبير ، لأن النقد تنوير وكشف للإيجابيات وللسلبيات التي يتضمنها العرض موضوع النقد بهدف تنمية إمكانات الكتابة والعرض المسرحي وتنمية الإمكانات الإنتاجية ، ما كتب كان هجوماً على وزارة الثقافة من حيث فلسفتها وتوجهاتها وآليات تحقيق تلك الفلسفة في الحقل المسرحي ، دون التفات إلى ضرورة التجريب كوسيلة متجددة ، رافضة للثبات اعتماداً على المصكوكات الفنية وربما دون معرفة تذكر بمفهوم التجريب بل دون قدرة على الوقوف النقدي المحايد أمام أحد العروض التجريبية ليدلل على تدني مستواه الفني أو فشله في تنمية إمكانات ممثلينا وعروضنا ومسارحنا أو تنمية الارتياد الجماهيري للمسرح أو تنوير الجمهور بماهية التجريب وتأصيل مفهومه . فلو رجع الذي يهاجم فكرة التجريب في المسرح إلى مصطلح التجريب في أي قاموس لوجد مادته اللغوية : من جرب أي اختبر وجرب أمراً أي اختبره .
To atempt : endeavour
وجرب : أغرى : To tempt : entice
جرب نفسه في كذا : To try one’s hand at
جرب : اختبر : To try : test
التجريب : الاختبار Experimental
تجريبي : Experimental
ولو راجع المصطلح نفسه مراجعة دلالية لوجد معناها : " المعرفة أو المهارة أو الخبرة التي يستخلصها الإنسان من مشاركته في أحداث الحياة أو ملاحظته لها ملاحظة مباشرة .
( وهي غير التجربة التي تعني التدخل في مجرى الظواهر للكشف عن فرض من الفروض أو للتحقق من صحتها : Experimental , Experience)

التجريب نقد بإبداع لإبداعات سابقة :
والتجريب على ما جاء ( بمعجم مصطلحات الأدب ) يشمل التعريفين الدلاليين إذ أن (التدخل في مجرى الظواهر للكشف عن فرض من الفروض أو للتحقق من صحتها ، يتطلب معرفة ومهارة وخبرة وقدرة على الملاحظة بالتمييز الذي حدده الشاعر الإنجليزي تسوشر وعلى ذلك يكون التجريب في الأدب بصفة عامة وفي المسرح بصفة خاصة مهمة يضطلع بها أصحاب خبرة من رجال الأدب أو من رجال المسرح ؛ وهو أمر يغلق الباب أمام المبتدئين . فما يؤيده غير الخبير وما يفعله المبتدئ - يسمى ( التدريب ) ولا يسمى ( التجريب ) بأي حال من الأحوال . لأن التجريب ينطوي على عملية نقدية ضمنية لما هو قائم ، وهو نقد إبداعي لإبداع سابق ، وعلى ذلك فواجبات المجرب هي أولاً واجبات الناقد والمؤرخ الفني ثم هي ثانياً واجبات المبدع . والناقد له منهجية العالم - يقول د. محمد زكي العشماوي : ( الناقد هو الذي يعطيك أسباباً ممتعة لاستمتاعك بالفن ) وهو لكيس يفعل ذلك لابد وأن يستوعب ويحلل ويفسر ثم يقيم ويقوم . والتقويم هنا هو التجريب ، بإبداع مغاير ومؤثر في حركة المسرح القائمة . يقول د. محمد مندور : ( إن النقد ينهض بوظائف ثلاثة هي : تفسير الأعمال الأدبية والفنية ، وتمييز جيدها من رديئها ) إلى جانب ( توجيه الأدب والفن ) .
إذا فالتجريب إبداع تضمن نقداً للإبداع النوعي السابق عليه ، لذلك يستحيل على مبتدئ .

تأصيل مفهوم التجريب :
قد كنت أتوقع ممن يكتبون عن المسرح متقنعين بأقنعة النقد أن يحكموا وضع القناع عن طريق التخصص في مجال النقد واتخاذ نظرية نقدية مناسبة يشير إليها العرض المسرحي نفسه وأن يكون قبل ذلك عارفاً بنشأة الحياة المسرحية في العصور القديمة والحديثة ، بوصفها الشغل الشاغل لكل رجل من رجال المسرح : مبدعين ومنتجين وعلماء ونقاد وإعلاميين وفلاسفة أؤلئك الذين تدور توجهاتهم أو بحوثهم أو كتاباتهم حول إثبات علاقة نشأة المسرح بالعقائد ثم انفصاله عن العقائد مع تتبع هذه المراحل ، وعوامل هذا الانفصال وأهميته .
وإذا كان العلماء يضعون نصب أعينهم دائماً القانون العلمي الطبيعي : ( الجديد ينبع من القديم ويجبه ) إلاّ أنهم يتعرفون على عوامل انفصال الجديد عن القديم برصد صفات القديم وتحليلها ومن ثم يتعرفون على الجديد في حالة اكتشاف صفات مغايرة للصفات القديمة المعلومة لهم . وذلك كله من منطلق فهمهم لقانون الطبيعة القائل بأن : ( كل شيء مرتبط بكل شيء ) والناقد باحث أيضاً وله موضوعية العلماء .
فإذا كان العلماء والفلاسفة في تحديدهم لبعض الصفات المميزة لسائر الأحياء عن الجمادات قد توصلوا إلى أن صفات الكائن الحي هي قدرته على الحركة والنمو ، فما من كائن حي إلاّ ويتحرك ، سواء شاهدنا ذلك أو لم نشاهده ، فإن ثاني الصفات هي التغذية . فكل كائن حي لابد له من غذاء يستمد منه مادة نموه وبناء جسده . كذلك يستمد منه الطاقة اللازمة للنمو والحركة والتكاثر . أما ثالثة الصفات فهي قدرة الكائن على التكاثر وإنتاج أفراد جديدة مشابهة لأصولها ؛ وذلك بغرض حفظ النوع واستمرار الحياة .
فإذا فهمنا أن المسرح هو الحياة الإنسانية بشخوص لهم دوافع وعلائق يتفاعلون بأحداث نامية في حيز مكاني وزماني داخل ذهن الكاتب ومشاعره ، ويلحون عليه لينطلقوا من سجن ذهنه إلى عالم أرحب .. وهو الورق ؛ لتتحقق لهم رغبتهم القوية في أن يعرفهم الناس ، وتنشر أقوالهم ومواقفهم بين البشر في سائر العصور والأزمان . وهم إذ تتحقق لهم هذه الإرادة في الكينونة أو الوجود ، ويتجسدون على الورق كائنات حية في حالة سكون ، وتظهر حركتها ف أثناء القراءة على شاشة عرض مرئي وسمعي في ذهن القارئ بوسيلة الترجمة الذهنية الفورية بدون وسيط خارجي عن القارئ ؛ إذ تقوم عينه محل الوسيط الخارجي بتوصيل الرموز المكتوبة ؛ فتترجم جزئيات العبارة ترجمة تجسيدية ذهنية؛ فإننا نفسر ذلك بالقدرة على الحركة والنمو وهي الصفة الأولى للكائن الحي .
إذاً فالصفات المحددة للكائن الحي ، كما حددها العلماء وكما هو معلوم ومشهور تتركز في ثلاثة خصائص هي ( القدرة على الحركة والنمو - التغذية - حفظ النوع بالتكاثر ) . والشخوص المسرحية التي تولد على الورق ، لابد وأن تكون قادرة على النمو والحركة .
وهذه الصفة تتضح من قدرة الشخصية على الصراع بأن تناضل من أجل إثبات إرادتها وتوكيد فعلها المحقق لإرادتها عبر علاقات متصلة ومتفاوتة . أما الصفة الثانية التي إن اتصفت بها الشخصية المسرحية ؛ كانت محققة لشرطين من شروط الكائن الحي ، فهي حاجتها إلى التغذية لتوليد طاقتها توليداً داخلياً :
إذ أن الشخصيات المسرحية تمارس هذه الصفة - التغذية - في حالة واحدة ، شبيهة بالتمثيل الضوئي عند النبات . فالنبات يمتص الضوء ثم يحوله إلى طاقة ثم يبني من غاز ثاني أوكسيد الكربون والماء أعقد المركبات العضوية اللازمة لتركيب النبات والحيوان الذي يتغذى عليه .
والشخصية المسرحية كذلك تمتص الضوء المشع من ذهن القارئ - في حالة القراءة - فتنعكس على شاشته الذهنية صورة تجسيدية متحركة . فالإشعاع الذهني هو بمثابة الضوء الذي تمتصه الشخصية المسرحية على الورق - في النص - فتحوله إلى طاقة تمكنها من القفز خارج النص والتجسيد في ذهن المتلقي .
والشخصية المسرحية تتغذى بإشعاع الممثل في دوره في أثناء العرض بالإضافة إلى حصولها على التغذية لكي تشحن بالطاقة عن طريق تغذية الممثل بتواصل الجماهير الإشعاعي أي تأتيها الطاقة من الممثل الذي تأتيه الطاقة من الجماهير في أثناء العرض ومن النقاد المنهجيين بعد مشاهدته من الممثل . يقول ألفريد فرج : " إن المتفرجين الذين تحيا بأنفسهم فرقنا المسرحية المتعددة لهم حق وعليهم واجب أن يعرفوا أسرار هذه اللغة السحرية " " فالجمهور العارف بأسرار فن المسرح هو الجمهور الذي سيضمن للنهضة المسرحية في بلادنا التقدم والنماء "
فهل أدرك أصحاب المقالات الانتقادية لمسرح الدولة شيئاً من هذا . أما الصفة الثالثة التي يتصف بها الكائن الحي وهي : التكاثر للحفاظ على النوع . وهي خاصية تتحقق وفق تطور العصور الفنية فالرومنسية وإن خرجت من أحضان الكلاسيكية الجديدة فإنها تحمل بعضاً من خصائصها ، إلى جانب ما نبع منها هي كاتجاه جديد . وهكذا الواقعية والطبيعية والتعبيرية والرمزية .. إلخ .
كل مدرسة منها فيها من الصفات الوراثية للمدرسة السابقة عليها إن لم تكن تحمل من الصفات الوراثية بعضاً من المدارس السابقة جميعها .
إن من يتصدى للنقد لابد وأن يعي ذلك كله ، فهل وعى أؤلئك الذين نسبوا كتاباتهم إلى النقد شيئاً من ذلك ؟ هل عرفوا خاصية الحفاظ على النوع ( التكاثر ) وهي التي تدعو إلى ابتداع طرائق ومسالك للحفاظ على النوع عندما يخشى الكائن فناء نوعه . إنها مسألة غريزية ، كما كانت الحركة والنمو غريزة في الكائن الحي ، وكما كانت التغذية .
والمسرح كائن حي يتصف بالحركة والنمو ( صفة أولى ) ، ويتصف بالحاجة الغريزية إلى التغذية ( صفة ثانية ) ، ويتصف بالتكاثر ( صفة ثالثة ) .
وغريزة التكاثر في المسرح وإن اتخذت مسمى آخر هو التنوع ؛ تدعو إلى ابتداع أشكال جديدة . وهذا الابتداع يستلزم التجريب والتجريب يستلزم المعمل ، والمعمل يستلزم المادة والأجهزة والباحث، ثم التجربة نفسها . ولاشك في أن هذه هي عناصر التجريب .
والتجريب في المسرح ، لا يختلف كثيراً عن أي تجريب في أي مجال إنساني .فهو يحتاج إلى العناصر السابقة نفسها ، فكيف يرفض من ينسب نفسه إلى الحياة الثقافية عامة والمسرحية خاصة تكاثر النوع الذي يعتبر نفسه واحداً من قطيعه ؟!!
إن الكلام عن المادة في المسرح شبيه بالكلام عن المادة في الكائن الحي ومادة الكائن الحي تتكون من خلايا . والخلية تنقسم إلى نواة وبروتوبلازم وسيتوبلازم وكروموسومات - وهي تلك التي تنقل الصفات الوراثية للوالدين - وإذا كانت المادة في المسرح تتكون من نص المؤلف ونص المخرج فإن الخلية فيه هي الحدث . ونواة هذه المادة في النص المؤلف تتمثل في الفكرة الدرامية . وتتمثل النواة في نص المخرج في الرؤية أو الأسس النظرية لإخراج النص . والمسرحية مجموعة من الخلايا تتكون الخلية الواحدة منها من نواة وبروتوبلازم وسيتوبلازم وكروموسومات .
وإذا كانت وظيفة النواة في الخلية الحية هي التحكم في عمليات البناء لاسيما المركبات البروتينية التي هي من أهم مركبات البروتوبلازم الذي هو عبارة عن مادة هلامية ليست متجانسة ؛ فإن الفكرة الرئيسية في المسرحية هي بمثابة النواة في المسرحية ؛ تتحكم في بنائها : شخوصاً وأحداثاً وفي مكونات الحوار وتباينه ، وتحديد وظيفته . وتعد الأفكار الفرعية الخارجة عن الفكرة الرئيسية بمثابة البروتوبلازم في الخلية الحية ، حيث " تنتقل صفات الوالدين إلى الأبناء " حيث يمثل النص والمجتمع - والدي العرض وحيث تنتقل صفاتهما إليه .
والتجريب هنا يكون في محاولات تغيير هذه المعادلة وصولاً إلى خلق مجتمع جديد من خلال جمهور المشاهدين الذي يعد خلية مخصبة بأفكار الوسيط التجريبي : ( العرض ) .
إذاً فالتجريب لابد وأن يكون غير تقليدي بمواد تكون صالحة للتفاعل في التشكيل غير المعتاد الذي يستهدف وسيطاً جديداً للتعبير المسرحي ؛ فالتجريب في المسرح وارتياد لون جديد بغية الخروج عن المألوف الموجود للشعور بالتناقض مع هذا المألوف التقليدي والإحساس بأنه لا يعبر التعبير الحقيقي عن رؤية المجتمع وخاصة الغالبية الصاعدة من الشباب "
والتجريب هو سبيل البحث عن شكل ومعنى جديدين يكونان أكثر ملاءمة وأكثر تعبيراً عن قالبنا وروحنا وأكثر كشفاً عن تيمات حياة الشعب في غالبيته العظمى ومفارقات هذه الحياة " .
مما تقدم نخلص إلى أن المسرح التجريبي نشاط مسرحي طليعي متمرد في مجتمع يتوق إلى التغيير ، كما نخلص إلى أن مادة التجريب تكون في ( الكروموسومات ) وهي هنا ( المجتمع والنص ) بحيث تعطينا ابناً ( العرض ) يختلف في صفاته عن أبويه وإن هذا يكون بمثابة طفل الأنابيب المسرحي .
وهذا ما فعله ( هنريك إبسن ) مع بداية القرن العشرين حيث رأى أن ( الدولة نكبة على الفرد وينبغي إلغاء الدولة ) ومن ثم ألف نصوصاً مسرحية تتوافق مع رأيه هذا . وفي ذلك تغيير لنسب كروموسومات الخلية المسرحية السابقة عليه ومثله فعل ( بريشت ) وكذلك فعل العبثيون في بداياتهم إلى أن أصبح كل تجريب منهما مدرسة قائمة ومستقرة بذاتها ومن هنا كان التمرد عليها وارداً .
ألم يكن حرياً بالكتابات العمودية في صحافتنا أن تعي قيمة التجريب في الحفاظ على حيوية حياتنا الفنية ؟


التجريب بين الوسط والوسيط
والمركب والبسيط

على ضوء ما تقدم يمكننا أن نخلص إلى أن التجريب في المسرح هو مرحلة وسط بين مسرح سابق ومسرح مأمول ، وسط بين ما كان وما سوف يكون أو هو بتعبير الدكتور لطفي فام " مسرح يعد لمسرح آخر أكثر استقراراً ودواماً ولكنه لن يكون دائم الاستقرار والبقاء فكل مسرح ليس سوى مرحلة في التطور المسرحي بل حياتنا نفسها حياة عابرة ورحلة انتقال هي الأخرى . فكل محاولة مسرحية هي نهاية عمل وبداية آخر في آن واحد .
ومن ثم يمكن القول بأن المسرح الكلاسيكي كان طليعة للمسرح الرومنتيكي الذي كان بدوره طليعة للمسرح الشاعري أو الرمزي وهكذا .
التجريب إذاً فترة انتقال ، بعد وقفة تأمل ، فالمسرح التجريبي يشكل فترة انتقال استثنائية ، فما أن تنتهي إلاّ وتعقبها حالة استثنائية أخرى جديدة ، حيث لا يتوقف التجريب ، كسنة من سنن الحفاظ على النوع . وهي لطبيعة موقعها الوسطي بين ما كان وما سوف يكون تنحو نحو التبسيط ، بعد أن تأزم المسرح - الذي كان - نتيجة التركيب والتشابك والتعقيد الفني لذلك فغالباً ما يخلد الإبداع الذي قصد به التجريب فخرج عن القوالب السابقة عليه . فإبداع سوفوكليس ناتج عن تجديد بوساطة التجريب في قواعد وأساليب سابقة عليه تمثلت في إبداع اسخولوس وسوفوكليس وتجديد يوربيديس من بعدهما . وكذلك الحال مع التجديدات الإبداعية لشكسبير وتجريبه لأشكال مسرحية جديدة تدمج بين نوعي الدراما ( المأساة والملهاة ) فتجعل النقيضين في وحدة ، وتبطل أصولاً في المسرح وتستحدث أسساً جديدة لها من الإبداع ما جعلها تخلد . وكذلك كانت إبداعات ابسن وبريشت وبيكت وبيرانديللو كلها كانت وسيطة لمستقبل مسرحي ، وسيطاً للتكاثر المسرحي .. حفاظاً على النوع . يقول إيفانز : " المسرح التجريبي ينظر دائماً إلى المستقبل وغزو المجهول أو في الواقع يخطط للمستقبل فالتجريب اليوم يمكن أن يصبح جماهيرياً بعد عدد من السنين "

المسرح التجريبي
دراسة جدوى في بيت خبرة بعد حرب أكتوبر 73 :
ونخلص مما تقدم إلى أن المسرح التجريبي هو وسط بين الموجود والمستهدف . وهو أشبه ما يكون ( بدراسة جدوى ) لنص مسرحي . دراسة جدوى لعرض مسرحي بل دراسة جدوى لحركة مسرحية . ودراسة الجدوى يجريها بيت خبرة . ودراسة الجدوى مصطلح اقتصادي عرفه العالم الغربي وارتبط بمصطلح غربي آخر هو مصطلح بيت الخبرة ، وارتبطا معاً بفترة ما بعد حرب 1973م بمصطلح ثالث هو الانفتاح الاقتصادي وهو مصطلح مصري سياسي . والتجريب في المسرح المصري ارتبط من حيث الزمان والمكان بفترة ما بعد حرب أكتوبر 1973م . وبعد الحرب تظهر ردود الأفعال ، تتضح المسالك ، ينكشف كل ما هو موجود ، يفسر سبب وجوده على هذه الكيفية ويقيم ومن ثم يقوم أو يستبدل بجديد .
ولأن الوطن مأزوم اقتصادياً ومصدوم نفسياً فإن الإسراع إلى الجديد يكون غير مطلوب بل لا يمكن طلبه إلاّ من خلال وسيط . وهو أن يطلب فلا يطلب إلاّ وسطاً بين ما كان وما يؤمل أن يكون .
فإذا انتهينا إلى التسليم بأن المسرح التجريبي دراسة جدوى يقوم بها بيت خبرة فإننا نسلم بأن هذا الأسلوب ما هو إلاّ تجربة يجريها عالم في معمل وهذا العالم وسيط وهذا المعمل وسيط ، وهذه التجربة وسيط بين حالة أو ظاهرة يراد تجاوزها وبين ظاهرة يراد استنباطها أو اكتشافها . وإن هذه العملية التجريبية هدف من ورائها أو تكون وسطاً بين موجود وغائب بهدف الحفاظ على النوع بنقل بعض صفات وراثية من الأبوين النص والمجتمع أو النص والمجتمع ثم النص والمجتمع للتأثير الإيجابي عليهما بإيجاد غائب من الموجود عن طريق التجريب في نسب الكروموسومات في الخلية المسرحية . وهذا يتأتى مع العلماء ومع الخبراء من أهل التخصص المسرحي الباحث الممارس في آن ويمتنع تماماً على المبتدئين .



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة سياسية وقراءة مضادة حول الواقع المصري
- مستنقع الذئاب الجزائري في عمان
- مستنقع الذئاب - في عمانس
- قيمة الحرف في الإيحاء بسيكلوجية اللفظة
- - أيقونة العشوائي - ومعمار البنية السردية
- الكتابة المسرحية من منظور التناص
- مر بي
- فعل الكتابةالمسرحية في عصر الصورة
- المسرح بين أدب السيرة والتراجم الذاتية
- سفر الخروج من -طما- - ج1
- مؤسساتية الظاهرة المسرحية في مصر
- الإيقاع في فن النص المسرحي
- مرات أبويا
- الأطفال في مسرح يوسف عز الدين عيسي بين التربية الجنسية والتر ...
- مشروع إخراج نص مسرحي لطلاب الدراسات المسرحية العليا
- العرض المسرحي المصري بين مأزق التحصن بالهوية ولهاث اللحاق بر ...
- نهار اليقظة في المسرحية العربية
- ثمار الثورة في حجر إخوان السلف
- أموال مبارك في بنوك تل أبيب بتوصية من بوش الأب
- حوار المواطنة


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أبو الحسن سلام - التجريب في العلم وفي الفن