أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - ممدوح عدوان... عندما أصابه الموت لم يضع يده على جرحه.















المزيد.....

ممدوح عدوان... عندما أصابه الموت لم يضع يده على جرحه.


منذر مصري

الحوار المتمدن-العدد: 1083 - 2005 / 1 / 19 - 11:47
المحور: الادب والفن
    


ممدوح عدوان ...عندما أصابه الموت لم يضع يده على جرحه
منذر مصري
( ممدوح ): مُتِ الآن وسأكتب عنكَ قصيدة.
( علي ): مُتْ أنت وسأكتب عنكَ ديواناً.)
ـــــــــــ

كلاهما.. ( ممدوح عدوان ) و( علي الجندي )، هدفان جميلان للموت. لكن ( علي ) اختبأ في مكان ما، وقد بحث عنه الموت كثيراً إلى أن يئس من أن يجده، فنسيه... وتركه يموت لوحده... أمّا ( ممدوح ) فبقي يستعرض نفسه أمامه، طولاً وعرضاً ، يحملق به عيناً بعين ويتحداه. وحتى عندما أصاب الموت منه مقتلاً، لم يشهق، لم يضع يده على جرحه، لم يحن بجسده، لم يقع!! وبينما هو مصر على الحياة الدنيا كاملة، يشرب ويدخن ويكتب وينشر ويجري المقابلات ويقبل الدعوات لقراءة شعره في المهرجانات ويضع الخطط لعشر سنين قادمة في أسوأ تقدير، مؤكداً للجميع أنه لن يموت، لن يموت الآن على الأقل... مات.
ممدوح...السبَّاق في كل شيء، هذا ما كان يحسد عليه، هو من كتب تلك القصيدة عن ( علي الجندي ) منذ سنوات، لكنه نشرها في آخر مجموعة شعرية أصدرها ( حياة متناثرة ) وكأنه أرجأها إلى اللحظات الأخيرة على ذلك الأمل!! وهو من قدم له أعماله الشعرية الكاملة، وهو من سبقه، إلى الموت. أمّا علي فلا أظنه سيفي بوعده. لأني لا أظنه كان جاداً عندما وعد به، من كان يصدق! ثم ربما لأن الأمر تأخر قليلاً بالنسبة إليه، فلم يبق له هذه الأيام سوى أن يعاف ويسأم كل شيء.

لها معنى بالتأكيد شهادتي أنا بالذات عن ( ممدوح عدوان )، ولهذا أكتبها. فلست من خلانه ولا من أصدقائه المقربين رغم معرفتي الشخصية به منذ 34 سنة، كما أني لست من المعجبين لهذا الحد بشعره، وربما العكس. أقصد بالنسبة لي كواحد من الذين أطلق عليهم لقب شعراء السبعينات، أول جيل من كتاب قصيدة النثر السورية، أولاد محمد ماغوط الشرعيين وغير الشرعيين، كان ( ممدوح ) مثالاً جامعاً لكل ما حاولت أن أبعده عن شعري، كل ما عملت أن أتخطاه، كل ما رغبت أن أكون مختلفاً عنه. وكان هو أكثر من غيره بكثير، شاعر جيل الستينات، شاعر قصيدة التفعيلة، التي أعلنا عداءنا لها، ورحنا نطلق عليها تنظيراتنا ونشن حروبنا. كان هو، أكثر من غيره بكثير، الخصم الذي تصدى لنا، كاشفاً عيوبنا كلها، ركاكتنا، ضعف لغتنا، قلة استعدادنا. وكانت مشكلتنا معه، أنه كان في هذا محقاً.. لكنه يوماً لم يقف في وجه أي منا، يوماً لم يقطع طريق أحدنا، نشر لنا جميعاً أول ما تسلم تحرير مجلة المدى، كان يحرص أن يبدو صديقاً لنا واحداَ واحداً، يظهر أكثر مما نتوقع منه بكثير التقدير والاهتمام، ربما لأنه كان بدوره يعلم أننا أيضاً محقون، فهو بخبرته وذكائه، لا ريب قد أدرك المأزق الذي علقت به قصيدة الستينات، الحائط شبه المسدود الذي وصلت إليه، حتى إنه في الخاتمة أعلن ذلك صراحة وراح يكتب، مع ما راح يكتب، قصائد نثرية... جميلة.
قلت إن معرفتي ب( ممدوح ) بدأت منذ /34/ سنة، أي في عام /1970/، عندما حضرت أول أمسية شعرية في حياتي على مدرج كلية الآداب بحلب حين كانت تتشارك ذات البناء مع كلية العلوم الاقتصادية التي كنت طالباً من طلابها. قرأ ( ممدوح ) وقتها بنبرة عالية، وبأسلوب لافت، قصيدة يردد بها: ( النورُ الأحمرُ، قفْ / أنا واقفْ / النور أخضرُ، سرْ /لا. أنا واقفْ ) قابلها الحضور الطلابي الشاب باستحسان وانفعال شديدين، متجاوباً مع الشاعر لدرجة مقاطعته بالتصفيق مراراً ومطالبته بإعادة قراءة أغلب المقاطع، ثم القصيدة بالكامل. كانت قصيدة احتجاجية أستطيع أن أصفها، إذا لم أقل سياسية! قصيدة عامة، لا شيء شخصياً بها سوى جرأة صاحبها في الإيحاء بأشياء والتصريح بأشياء. كان بينها وبين ما كنت أظنه شعراً وقت ذاك بونٌ شاسع، ومع ذلك كان لا بد لي من الاعتراف بإجادة ( ممدوح ) لكل ما يقوم به، هذا النوع من الشعر، هذا النوع من الإلقاء، هذا الصوت، هذا التواصل مع الجمهور. بعد الأمسية خصَّنا أنا وشلة من الأصدقاء بأنه هبط معنا مشياً على الأقدام من الجامعة للمدينة. أذكر أنه كان يشرح فكرة : ( لا يوجد في اللغة العربية مترادفات! )
ثم ابتعت، عند صدورها، مجموعته الثانية ( تلويحة الأيدي المتعبة ) التي أحببت قصائدها بعض الشيء، لكني أحببت عنوانها أكثر وما زلت أحبه، فلقد وجدت فيه ما يميز ( ممدوح ) كشاعر تفعيلة مختلف عن سواه، تلك المحسوسية في الصورة، أو الصورة الحاملة لمعنى ما، مقابل تلك المجانية التي كانت تتصف بها صور واستعارات باقي شعراء جيله. وكعادتي يبقى في ذاكرتي دائماً أول كتاب أقرأه لأي شاعر، وهذه المرة أحببت لممدوح هذا الكتاب فقط، وربما قليلاً من باكورته ( الظل الأخضر ) أما ما يليه، فقد كنت، بحكم انحيازي لآبائي وأخوتي، شعراء قصيدة النثر، مشغولاً عنه.

المرة الثانية التي قابلته بها، كانت بعد حرب تشرين، أي عام 1974. حين أصطحبني عادل محمود معه لمقر الإدارة السياسية حيث كان يقضي خدمته العسكرية كصحفي. ولا أدري إن كان ( ممدوح ) يقضي خدمته أيضاً أم أنه كان مدعواً كضابط احتياط، لكنه كان يقوم ببعض التحقيقات الصحفية كما أظن، ما قاله وقتها رداً على رأي لي في شعره: ( هذه الأيام لا أكتب شيئاً، فقط أقرأ، القراءة بالنسبة لي كالكتابة تماماً ) وأذكر أنه كان يتندر بقصة عريف أو رقيب، سمع ممدوح بنفسه، قائد اللواء يتذمر قائلاً إنه ووزير الدفاع بالذات لم يستطيعا أن يتدبرا أمر إيقافه عند حده أو تسريحه أو نقله ، لكونه مدعوماً من أحدهم !

بعد هذا وخلال تلك السنين الكثيرة التي انقضت، التقيت به العديد من المرات، في دمشق وفي حلب وفي اللاذقية. وأكاد أستطيع أن أذكرها كلها، ليست لأنها قليلة لهذا الحدن فهي ليست، ولكن لأنه في كل مرة كان لممدوح القدرة ان يقول أو يفعل شيئاً لا ينسى. في المرة الوحيدة التي زارني بها في بيتي، أذكر أنه جاء مع زوجته وأصدقاء آخرين ملبياً دعوتي للعشاء، وبينما كنت أتكلم وأتكلم ولا أتوقف، فإذ به يقاطعني في وسط القصة، ويلتفت إلى زوجتي الصامتة بجانبي قائلاً: ( سمعنا منذر يتكلم كثيراً، ونستطيع أن نخمن كل ما يمكن أن يقول، رجاءً اسمعينا صوتك ). لكن هذا لا شيء بالمقارنة مع سهرة أخرى قضيتها أنا وهو وعلي الجندي في بيت أحد الأصدقاء في اللاذقية. وكان قد أولم لنا عشاءً فاخراً من عدة أنواع من السمك مع عدة أنواع من المشروبات. حينها كانت تصلنا أخبار أحداث حماه، وكان منّا من يصدق ومنّا من لا يصدق، ومن سوء حظ مضيفنا أنه كان من المشككين بما يجري، وله فيه رأي آخر مختلف عن رأينا. مما أشعل ( ممدوح ) غضباً، وأبدله من ذلك السكران المكثر من النكات والضحكات الذي كانه، إلى ذلك المقرع بقسوة والمبهدل دون رحمة والمتهم لمضيفنا في بيته وعلى مائدته بأنه إمّا قليل الفهم والاحساس ومعدوم الضمير وإمّا .... . وبعد أن أفرغ ( ممدوح ) كل شحنته النارية قام وخرج إلى الشرفة، ولدقائق رحنا نراقبه، سانداً مرفقيه على حافتها يتصاعد منه الدخان، مما أتاح لمضيفنا المسكين بعد أن خرس لا يرد بشيء طوال البهدلة، أن يقول موجهاً كلامه لعلي، طالباً بعض المواساة : ( هل كان يجب على ( ممدوح ) قول كل هذا ؟‍!( أجاب علي دون تردد، مشيحاً بوجهه بعيداً: ( ممدوح .. معه حق ).
الأمسية الشعرية الثانية التي حضرتها له، كانت، إذا خدمتني ذاكرتي، في نهايات الثمانينات من القرن الماضي! في المركز الثقافي في اللاذقية، وكانت القاعة تخلو من أي مقعد شاغر ومكتظة بالواقفين في الممرات، فلم يتوفر لي مكان إلا في غرفة الآلات التي يتم فيها عرض الأفلام والتحكم بالصوت والأضواء، وهي تطل على القاعة من فتحتين صغيرتين رحت أتابع ما يحدث من إحداهما .ورغم أن المناسبة كانت مناسبة وطنية أو حزبية او كلاهما معاً، وتحت رعاية الرفيق أمين الفرع والسيد المحافظ, فلقد قرأ ( ممدوح ) شعراً أو بياناً سياسياً أو عريضة انتخابية، لا أعرف، ولكن ما رأيته هو أنه ألهب مشاعر الحضور وأكفهم، إلى أن صدرت أوامر من قبل مسؤولي الصف الأول بقطع الكهرباء أكثر من مرة عن المايكرفون، ثم عن القاعة كاملة. لكن ( ممدوح ) ما كان ليتوقف.

هناك الكثير من المآثر في حياة هذا الرجل. لا يوجد أسهل من قول شيءٍ كهذا، أن نقول إنه أصدر /17/ أو /20/ مجموعة شعرية!! أولها ( الظل الأخضر ) 1967 وآخرها التي جمع بها قصائده النثرية ( حياة متناثرة ) 2004، هو الذي يؤثر أن يذكر، أول ما يذكر كشاعر. وإنه في الأيام الغابرة، أيام الشعر، وأيام فرسانه، ورواج كتب الأعمال الشعرية الكاملة، طبعت دار العودة عام /1982/أعماله الشعرية في مجلدين، بجانب الأعمال الشعرية لبدر شاكر السياب وأدونيس والماغوط ومحمود درويش وسميح القاسم وعبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور وووغيرهم من أساطين الشعراء العرب، ولكن ليس من بينهم واحد من أساطيني. كما أنه الكاتب المسرحي السوري الأول في الكم ذو ال/26/ مسرحية، والثاني في الشهرة بعد سعد الله ونوس الأول في الوطن العربي برأي الكثيرين. وهو لو أراد لصار روائياً، فقد أصدر باكراً في /1967/، ذات السنة التي أصدر بها مجموعته الأولى، رواية ( الأبتر )! وماعاد لكتابة الرواية، متلهياً بكتابة/16/ مسلسلاً درامياً طويلاً ولا أدري كم سهرة تلفزيونية، حتى أصدر عام /2000/عن دار رياض الريس في بيروت رواية ( أعدائي ) الضخمة لدرجة أني لم أفكر بقراءتها. وأيضاً المترجم لما يزيد عن 22 كتاباً انتقاها تبعاً لذوقه وحسن اطلاعه منها ( سد هارتا – داميان – رحلة إلى الشرق ) لهرمان هيسه، و( في انتظار جودو ) لصموئيل بيكيت التي أعدها للتمثيل بتأويل خاص. و( تقرير إلى غريكو) لروائيه المفضل نيكوس كازنتزاكس، وسيرة حياة الروائي البريطاني جورج أوريل، وقد ختم مسيرته كواحد من أفضل المترجمين عن الإنكليزية، بتصديه لترجمة ملحمة ( الألياذة ) لهوميروس التي صدرت عن المجمع الثقافي في أبو ظبي، وكان يعمل خلال فترة احتضاره على ترجمة ( الأوديسة ) وأرجو أن يكون قد أنهاها. قلت لا أسهل من تعداد مآثره، والقول إن ( ممدوح ) كان يستطيع أن يكون أي شيء، بل يستطيع أن يكون كل شيء وربما كان كذلك، لكنه في كل هذا أعتبر من قبل الكثيرين شاعراً وروائياً ومسرحياً ملتبساً! كثيرون لم يفهموا تنوعه، كما لم يفهموا موقفه السياسي، كانت هناك دائماً تأويلات، ودائما كانت تطرح أسئلة عن سبب تغاضي النظام عن جرأة ( ممدوح ) وتجاوزاته، في أدبه وفي جلساته الشخصية وأيضاً في مواقع عامة كما حدث عندما وصل له الدور بالكلام أثناء المناقشات العلنية لتطوير الجبهة التقدمية. هل كان محصناً لهذه الدرجة ومن أين أتت حصانته، أ كان مصنفاً من الذين لا يمسون بالنسبة للنظام، أ كان هذا بسبب علاقاته؟ أم بسبب مكانته الأدبية؟ أم بسبب شخصيته!؟ أي لعبة كان ( ممدوح ) يلعبها ويجيدها، هو الذي لم يمدح ولم يطبل لأحد يوماً، وهو من منع عن الكتابة في الجرائد والمجلات المحلية ومن حجز جواز سفره مرات، وهو من مهر بامضائه كل البيانات السياسية التي صدرت عن المثقفين والمعارضة السورية خلال السنوات الأربع الماضية، ولكن هو ايضاً من يقول في مقابلته مع راشد عيسى ،مفسراً نجاته بجلده، إنه لم يكن يتدخل بأشياء لا تعنيه! وإنهم ربما كانوا يعلمون أنه يتحدث من رأسه! وهل يوجد أشياء قد يساءل السوري عنها لا تعني رجلاً عاماً مثله، وهل أعطي الأمان لكل من يتحدث من رأسه في سوريا ليقول ما يشاء؟ وهو من سمعته مؤخراً في مقابلة تلفزيونية يقول هازلاً لمحاورته ديانا جبور، بما معناه: ( إذا كانت هكذا المعارضة فالنظام أفضل ) هل هذا يصلح للهزل؟ وهو مع كل ما كتبه ضد الطغيان والفساد، يوماً لم يتخذ موقفاً سياسياً معلناً رافضاً كلياً للنظام وأساليبه، أدى به للمواجهة الحادة معه! ولكن السؤال هل كان هذا مطلوباً منه، وهو ليس سوى شاعر ومسرحي وروائي وكاتب مسلسلات وزوج وأب... ومدمن حياة؟ ولكن أ لم يقل ( ممدوح ) عن نفسه إنه يختلف عن أدونيس في كونه يستمع لنشرات الأخبار وأدونيس لا! هل كان يرضينا أكثر لو لم يكن أسعد إنسان في سوريا، كما قالت لي يوماً ديانا جبور، وأمضى عدة أصياف في مصياف بيت خالته!! هل لو وقف هذه الوقفة هو وغيره من الشخصيات الثقافية السورية الكبيرة، أذا كان هناك شخصيات ثقافية سورية كبيرة ولا كبير في سوريا إلا الله وحده جل جلاله... لكان حالنا نحن السوريين أفضل، ولو قليلاً!؟

قد يستهوي المرء، وهو يمسح بنظره مشهداً واسعاً لهذه الحياة الغنية والممتلئة والملتبسة التي عاشها ( ممدوح عدوان )، أن ينظر إليها كمسرحية تراجيدية وهزلية بآن، وبالتالي ينظر إليه كممثل فيها. لماذا لا، أ ليس هناك فكرة متداولة بين الناس بأن حياتنا مسرحية ونحن ممثلوها!! أبطالاً أو خونة أو مترددين بين بين!! أ ليس هو من قال في تلك المقابلة تلفزيونية التي ذكرت، مبرراً كتابته للمسرح والتلفزيون، إن أول مارغب في يراعته أن يكون ممثلاً، وإنه يقوم بما يشبه التمثيل حين يلقي قصائده! وهنا لا بد أن نعطي ( ممدوح ) دور البطولة في هذه المسرحية الكبيرة من تأليفه. أولاَ لأنه يستحق، وثانياً هو لا يرضى أقل، فلقد أصر طوال حياته أن يكون فارساً، عاشقاً، شجاعاً، كريماً، صادقاً، مخلصاً، نزيهاً... رغم ما يدعيه في جلساته من زعرنة، ربما كان بها يجاري موضة الأدب تلك الأيام! هذا الدور الذي تابع ( ممدوح ) القيام به حتىالمشهد الأخير، حتى لحظة موته. لا أحد من المثقفين الذين أعرفهم عن قرب، أو عن بعد، أظهر هذه الجلادة والقوة في مجابهة المرض والموت. لا بو علي ياسين الضعيف ولا هاني الراهب الخائف ولا سعد الله ونوس الذين خلاف ترداده لجملة ( نحن محكومون بالأمل ) أمرضني ما كتبه عن مرضه وعن فقدانه الاحساس الوهمي بالأبدية في كتابه ( عن الذاكرة والموت )!! هنا أحسب ولأول مرة صار ل( ممدوح عدوان ) مشروع، لا في الشعر ولا في المسرح ولا في الرواية ادعى ( ممدوح ) بأن لديه مشروعاًً: ( لم يكن عندي أبداً مشروع ) أمّا في الموت فقد كان مشروعه جاهزاً... أعلنه على الملأ، في البيت والشارع والمقهى والمجلات والجرائد والمحطات التلفزيونية. سيأكل ويشرب ويدخن وكأن شيئاً لم يكن، وسيكتب وسيترجم وسيسافر وسيشفى ويعود شعره لرأسه... ولن يموت... ولكن.

وهكذا كما ترون... لم يكن يربطني ب( ممدوح عدوان ) سوى العموميات. وهو رغم ما خصَّني به من ودّ، لم يكن حريصاً على الاتصال بي عندما كان يأتي إلى اللاذقية ويمكث أياماً وأسابيع في بيت أهل زوجته، ثم في بيته في أحد مشاريع السكن الجديدة شمال المدينة. حصل هذا ربما مرتين أو ثلاث. لكني خيبت ظنه في لعب الورق كما في الشرب والسهر.. غير أني كنت أول من خطر على بال أصدقائه في دمشق ليرسل لي ( حكم البابا ) رزمة كبيرة من أوراق نعوته التي صدرت بذكر وزارة الثقافة ووزارة الإعلام واتحاد الصحفيين واتحاد الكتاب، لأتدبر أمر إلصاقها على جدران اللاذقية. فأعطيت القسم الأكبر منها لشابين يقومان عادة بمثل هذا العمل، وتركت معي عدداً كافياً لألصقه بنفسي في أماكن محددة.. وبينما كنت أفعل ذلك، كان الناس يلتفون حولي ثم يتزاحمون أمام الأوراق مستطلعين، كثيرون منهم عرفوا ( ممدوح ) وراحوا يعزونني به، ومنهم من طلب أن يحتفظ بورقة للذكرى أو ليطلع عليها أصحابه. حتى في الأماكن التي يمنع بها إلصاق أوراق النعوات سمحوا لي بإلصاقها. وشرطي أوقف السير لدقائق، ليتيح لي إلصاق ورقة على لوحة إعلانات طرقية، عندما قرأ اسم ( ممدوح عدوان ) عليها.
كان من الصعب أن أحدد أية مشاعر تخالجني، لم أكن أشعر بأني ألصق نعوة رجل ميت، بل ورقة عليها اسم رجل يعرفه الناس وكأنه ابن مدينتهم، شاهدوه في التلفزيون البارحة البعض قال لي، سمعوا اسمه مراراً، رجل يهتمون له ويعني لهم لا أدري ماذا! وعندما عاد الشابان بعد ست ساعات قضياها في إلصاق القسم الأكبر من أوراق النعوة ، قال لي أحدهما ولا أظنه يعرف القراءة: ( لم نرم ورقة واحدة، لقد ملأنا شوارع وحيطان اللاذقية بأوراق نعوة أخيك.. رحمه الله! )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللاذقية 22/12/2004
نشرت بإختصار وبعض الأخطاء مطبعية في نوافذ المستقبل 16/1/2005



#منذر_مصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزهرية على هيئة قبضة يد ) في قبضة شاعر مصري شاب )
- هل /13000/ أو/ 17000/ جندي سوري يكفي لاحتلال لبنان .... علام ...
- ـ ( الشاي ليس بطيئاً ): 8 والأخير - أَجري خَلفَ كُلِّ شَيءٍ ...
- ـ ( الشاي ليس بطيئاً ) -7 : خرائط للعميان
- ـ( الشاي ليس بطيئاً ) 5- تَحتَ لِحافِ صَمتي
- ـ ( الشاي ليس بطيئاً ) 4- عَبَّاس وَالوَطواط في بَيروت ، وَر ...
- الشاي ليس بطيئاً - 3-... حُلواً ومُرَّاً بِطَعمِ الصَّدَ
- الشاي ليس بطيئاً - 2- هدايا البخيل
- الشاي ليس بطيئاً ) 1- يَحسَبُني الدُّخانُ نافِذَة )
- الشاي ليس بطيئاً ) بالمجان )
- رامبو الأزعر بالعربية
- ( يوم التمديد 3/9/2004 - ( 2 من 2
- هل إسلام تركيا... هو وحده طرفا المعادلة !
- النص الكامل لمقابلتي مع عباس بيضون.
- يوم التمديد 3/9/2004-( 1 من 2 )ـ
- مهرجان ، مهرجون، مهرجنون !!
- صاح الحشد : اقتلوه اقتلوه
- أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 6 – الأخير ) – لمن ...
- أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث ( 5 ) – لمن العالم ؟
- أطول وأسوأ قصيدة في الشعر العربي الحديث (4 ) - لمن العالم ؟


المزيد.....




- ماذا قالت الممثلة الإباحية ستورمي دانيالز بشهادتها ضد ترامب؟ ...
- فيلم وندوة عن القضية الفلسطينية
- شجرة زيتون المهراس المعمر.. سفير جديد للأردن بانتظار الانضما ...
- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - ممدوح عدوان... عندما أصابه الموت لم يضع يده على جرحه.