العوامل المسببة للتوحد الطفولي والاعاقات ذات العلاقة به

سوسن شاكر مجيد
(Sawsan Shakir Majeed)

الحوار المتمدن-العدد: 3680 - 2012 / 3 / 27 - 16:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

العوامل المسببة للتوحد الطفولي والاعاقات ذات العلاقة به وفيمايلي تفصيل ذلك
من كتاب التوحد الطفولي اسبابه خصائصه تشخيصه علاجه
للدكتورة سوسن شاكر مجيد
اولا :العوامل المسببة لاعاقة التوحد
تعتبر اعاقة التوحد من اكثر الاعاقات العقلية صعوبة وشدة من حيث تأثيرها على سلوك الفرد الذي يعاني منها وقابليته للتعلم او التنشئة الاجتماعية او التدريب او الاعداد المهني او تحقيق أي قدر من القدرة على العمل او تحقيق درجة ولو بسيطة من الاستقلال الاجتماعي والاقتصادي او القدرة على حماية الذات الا بدرجة محدودة وبالنسبة لعدد محدود من الاطفال .
وهناك صعوبات اخرى تتعلق بالتشخيص او التدخل لتعديل السلوك او التاهيل الاجتماعي والمهني . ويرجع ذلك الى انه لم يحدث لحد الان التعرف الكامل او الاتفاق على العوامل المسببة لهذا النوع من الاعاقة هل هي وراثية جينية او بيئية او اجتماعية او بيوكيميائية او هي نتيجة عوامل عدة مجتمعة ؟ او نتيجة لعوامل مسببة اخرى لايزال العلم يجهلها تماما .
ويتفق رمضان مع ماذهبنا اليه من انه لم يتم بعد التوصل الى تحديد العوامل المباشرة لحدوث الذاتوية اعاقة التوحد ولذلك بقيت هذه العوامل غير معروفة الا ان بعض الباحثين قد يرجع العوامل المؤدية الى ظهور االى الاضطرابات العصبية كنتيجة للمشكلات المرتبطة بالتفاعلات الكيميائية الحيوية للمخ كما قد يرجعها البعض الاخر الى اسباب بيئية بينما ترى فئة ثالثة الى ان الاسباب تعود الى العوامل المشتركة مابين العصبية والبيئية .
ويرى انصار العوامل البيئية الى الخبرات الاولى من حياة الطفل تؤثر على نموه في المراحل التالية وان الفشل في اقامة علاقات مع الطفل قد يكون احد الاسباب القوية للاضطراب وبخاصة المشكلات الانفعالية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعلاقة مابين الطفل ووالديه في مرحلة الطفولة المبكرة مما يؤدي الى انسحاب الاطفال من البيئة الاجتماعية وعزلتهم داخل اسوارهم الذاتية المغلقة في وجود الاخرين .( عثمان ، ص 163 )
وهكذا يمكن القول ان اطفال التوحد غالبا ماتكون بيئاتهم اقل تفاعلية واكثر جمدا وانسحابية وغير اجتماعية مما يجعل الطفل شديد الانطوائية مما يؤدي لصعوبة او عدم قدرة او عدم رغبة في التفاعل مع الاخرين ( عمر خليل ، ص66 )
اما انصار العوامل المشتركة فيرجعون اسباب الاضطراب الى النتاج المشترك للاستعدادات الطبيعية الجسمية منها والوراثية بالاضافة الى مايحدث داخل محيط الاسرة مثل الصدمات والضغوط وعوامل الاحباط وغيرها .
واكدت دراسات اخرى ان مضاعفات قبل الولادة اكثر لدى اطفال التوحد من غيرهم من الاسوياء يشير الى مضاعفات هامة قد حدثت للحمل في الشهور الثلاثة الاولى . وبينت الدراسات ان نسبة تتراوح مابين 4-32% من اطفال التوحد سوف يحدث لهم نوبات من الصرع في وقت ما من حياتهم . ( سليمان ، ص71 )
ويرى كثير من الاطباء الذين تابعوا دراسات حالات هذا الاضطراب ان السبب يعود الى اضطراب عضوي يصيب بعض مراكز المخ مما يؤدي الى الاخلال بوظائفه تلك المراكز خاصة في مجالات الادراك والتوافق الحركي فقد اشار rutter الى ان اكثر المصابين بهذا الاضطراب يصبحون متوسطي الذكاء او عاديين في نسب ذكائهم عندما يصلون الى سن الشباب . حيث يتخلصون من اضطرابات التفكير والاضطرابات الذهانية وتتحسن لغتهم كما تعود اليهم اهتماماتهم بالعلاقات الاجتماعية ماعدا مشكلاتهم الاجتماعية التي تظل موجودة .
ويرى باحثين اخرين clark& matt ان اضطراب اعاقة التوحد يرجع الى اسباب عصبية وان 75% من المصابين يبقون متخلفين عقليا ويعانون منه طوال حياتهم ( القذافي ، ص164 )
وهناك من يرجع هذا الاضطراب الى الضعف في الكروموسوم x الهش Fragile X Chromosome ويرى انه المسؤول عن حدوث هذا لخلل من الناحية العقلية ويؤدي الى التوحد .ويظهر ذلك في 5-16% من حالات اعاقة التوحد . وقد يفسر انتشار اعاقة التوحد لدى الذكور اكثر من الاناث ثم ان هناك سبب اخر وهو التحجر ( التصلب ) في بعض الخلايا الداخلية sclerosis tuberous والتي تتحول الى الجين المسيطر على الناحية العقلية وربما يؤدي ذلك الى حدوث 5% من حالات التوحد ( سليمان ، ص72-73 ) .
ويرجع البعض الاخر اعاقة التوحد الى عوامل جينية Genetic فقد لوحظ ان حوالي 2% من اشقاء الاطفال التوحديين يصابون باعاقة التوحد بمعدل ( 50 ) مرة اكثر من عامة الناس . وان تطابق معدل حدوث التوحد في التوائم المتماثلة هو 35 % بينما هو في التوائم غير المتماثلة يحدث بمعدل يساوي صفرا .
كما ينسب من ناحية ثانيةالفضل الى اسبرجر 1944 في وضع التفسير السيكولوجي لمرض اعاقة التوحد ولذلك سميت اعراضها بزملة اسبرجر Asberger syndrome فقد اوضح ان اعاقة التوحد تتميز بزملة اعراض سلوكية . وفي دراسة لكل من كانر وايزنبرج eisenberg& kanner عن الاباء الباردين او ضحا فيها ان رفض الوالدين لسلوك الطفل في البداية يؤدي الى انسحاب الطفل في حين اكد kolvin عام 1971 ان التوحد يعتبر من الاضطرابات النفسية في الطفولة ولايرتبط بالنواحي البيولوجية ويحدث في الطفولة المبكرة من الميلاد وحتى سن عام او عامين ونصف ( بدر ، ص736-737 ) .
وظهرت في السنوات الاخيرة ثلاث وجهات نظر تبين هذه الاسباب وذلك على النحو الاتي :
1. اسباب اجتماعية
ويرى فيها اصحاب وجهة النظر هذه ان اعاقة التوحد ناتجة عن احساس الطفل بالرفض من والديه وعدم احساسشه بعاطفتهم بالاضافة الى وجود بعض المشكلات الاسرية وهذا يؤدي الى خوف الطفل وانسحابه من هذا الجو الاسري وانطوائه على نفسه وبالتالي تظهر عليه اعراض التوحد .ومن الذين يتبنون هذه النظرة Bootman & Zurek 1960 .
2. اسباب نفسية
يرى فيها اصحاب وجهة النظر هذه ان اعاقة التوحد سببها الاصابة بمرض الفصام الذي يصيب الاطفال في مرحلة الطفولى وانه مع زيادة العمر يتطور هذا المرض لكي تظهر اعراضه كاملة في مرحلة المراهقة ومن الذين يتبنون هذه النظرة Singer & Wynme 1963 .
3. اسباب ادراكية
ويرى اصحاب وجهة النظر هذه ان اعاقة التوحد سببها اضطراب ادراكي نمائي حيث اشارت بعض الدراسات ان اطفال التوحد لديهم انخفاض في نشاط القدرات العقلية المختلفة والتي ترجع بدورها الى انخفاض قدرتهم على الادراك بالاضافة الى اضطراب اللغة ( سليمان ، ص 74 ) .
ثانيا : التوحد وعلاقته ببعض اضطرابات الطفولة
ان معظم الباحثين المهتمين بتشخيص اعاقة التوحد يشيرون الى تشابه السلوك المرتبط بها مع الاعاقات الاخرى ويهمنا هنا الاشارة الى العلاقة بين اعاقة التوحد وكل من الاعاقة العقلية وفصام الطفولة واضطرابات التواصل والاضطرابات السمعية –البصرية وذلك على النحو الاتي :
1. اعاقة التوحد وعلاقتها بالاعاقة العقلية
يعاني 75% - 80% من اطفال التوحد من التخلف العقلي وان 15%-20% يعانون من التخلف العقلي الشديد وبنسبة ذكاء اقل من 35 درجة وان اكثر من 10% من التوحديين لديهم ذكاء اعلى من المتوسط او شذوذ في القدرات العقلية 0 كما ان معظم اطفال التوحد لايستطيعون الاجابة على اختبارات الذكاء بشكل مضبوط فنجد ان اداؤه جيدا في اختبار لقياس المهارات البصرية ولكن اداؤه ضعيفا في الاختبارات اللغوية وتفسير ذلك يعود ان اختبارات الذكاء صممت على الاطفال الطبيعيين وليس اطفال التوحد 0 ( ص2 ، Autism Fyi)
ان مظاهر التوحد تشبه في بعض سلوكياتها الى حد كبير سلوكيات الاعاقة العقلية وهنا لابد ان نشير الى عدد من النقاط التي ينفرد بها التوحد ويتميز عن الاعاقة العقلية وذلك على النحو الاتي
• الاطفال المعاقون عقليا يكونون متعلقين بالاخرين ولديهم الى حدما بعض الوعي الاجتماعي في حين يختفي هذا السلوك لدى اطفال التوحد بالرغم من تمتعهم بمستوى ذكاء متوسط .
• اطفال التوحد لديهم القدرة على اداء المهام غير اللفظية وخاصة مايتعلق بالادراك الحركي والبصري كما انهم يتمتعون بمهارات التعامل مع الاخرين في حين لايتمتع المعاقين عقليا بمثل هذه القدرات او المهارات .
• يتباين اطفال التوحد والاطفال المعاقين عقليا من حيث النمو اللغوي والقدرة على التواصل وذلك من حيث مقدار ومدى استخدام اللغة في التواصل فالمعاقين عقليا لديهم قدرة لغوية واستخداماتهم للغة تتناسب مع مستوى ذكائهم في حين ان الاطفال المعاقين عقليا قد ينعدم وجود اللغة لديهم وحتى وان وجدت فان استخدامها يكون شاذا .
• اطفال التوحد يعانون من عيوب جسمية بنسب اقل بكثير من تلك التي يعاني منها الاطفال المعاقين عقليا
• اطفال التوحد تبدو عليهم بعض المهارات الخاصة مثل التذكر وعزف الموسيقى وممارسة بعض الوان الفنون …الخ في حين لايتمتع المعاقين عقليا باية مهارة من التي ذكرت .
• يتضمن سلوك اطفال التوحد بعض السلوكيات النمطية الشائعة مثل حركات الذراع واليد امام العينين والحركات الكبيرة مثل التارجح في حين يختلف السلوك النمطي الذي يظهره الاطفال المعاقين عقليا عن نظيره لدى اطفال التوحد .( سليمان ، ص75-76 )
2. اعاقة التوحد وعلاقتها بفصام الطفولة
كانت البداية في التعرف على اضطراب التوحد هي استخدام اعراضه كأحد الاعراض الرئيسة في اضطراب الفصام ، الانسحاب ، او الشعور بالوحدة النفسية . ولذلك كان افتراض حدوث خلط بين اعراض الاضطرابين وارد . ولابد من التفريق مابين الاعاقتين وعلى النحو الاتي :
• الفصاميون قادرون على استخدام الرموز في حين ان اطفال التوحد ليس بامكانهم ذلك .
• اطفال التوحد لايستطيعون اقامة علاقات اجتماعية مع الاخرين ويرفضون الاستجابة للاشخاص والبيئة بينما الاطفال الفصاميون بامكانهم اقامة علاقة اجتماعية مع الاخرين وعلاقتهم بصفة عامة مع البيئة قلقة ومشوشة .
• الاطفال الفصاميون يعانون من الهلاوس والاوهام وفقدان الترابط للكلام وهذه الاعراض لايعاني منها اطفال التوحد .
• تبدأ اعراض التوحد في الظهور قبل الشهر الثلاثين بينما اعراض الفصام تظهر في بداية المراهقة او في عمر متاخر في الطفولة .
• وفيما يتعلق بالفروق بين الجنسين في الاصابة باضطرابات التوحد تشير النتائج الى ان نسبة الاصابة بين الذكور الى الاناث هي تقريبا 1:4 في حين يتساوى الذكور والاناث في نسب الاصابة بالفصام .
3. اعاقة التوحد وعلاقتها باضطرابات التواصل
يرى العديد من الباحثبن الى اننا نتوقع وجود تشابه بين اعاقة التوحد والاضطرابات اللغوية ذلك ان اضطرابات اللغة والكلام والجوانب المعرفية هي مظاهر اساسية في تشخيص اعاقة التوحد وبسبب هذا التشابه فأنه يتم الخلط احيانا بين التوحد وهذه الاضطرابات . وقد اشارت الدراسات الى ان هناك اوجه تشابه بين اضطرابات اللغة الاستقبالية واضطرابات اللغة التي يظهرها اطفال التوحد.ولكن يمكن التمييز بين اعراض الاضطرابين . وهذا التمييز يمكن التعرف عليه من خلال ان الاطفال ذوي الاضطرابات اللغوية الاستقبالية يحاولون التواصل مع الاخرين بالايماءات وبتعبيرات الوجه للتعويض عن مشكلة الكلام بينما لايظهر اطفال التوحد اية تعبيرات انفعالية مناسبة او رسائل غير لفظية مصاحبة . وقد تظهر المجموعتان في اعادة الكلام وترديده غير ان اطفال التوحد مميزين بترديدهم للكلام وخاصة ترديد اواخر الكلمات اكثر . وفي حين يخفق اطفال التوحد في استخدام اللغة كوسيلة اتصال يكون بامكان الاطفال المضطربين لغويا ان يكتسبوا مفاهيم اللغة الاساسية والرموز غير المحكية ويحاولون التواصل مع الاخرين .
وهكذا يمكن النظر الى القدرة على التعلم او القابلية للتعلم والقدرة على التعامل مع الرموز على انها قدرات فارقة ومميزة بين اطفال التوحد والاطفال المضطربين لغويا ( ص76-78 ) .
4. اعاقة التوحد وعلاقتها بالاضطرابات السمعية والبصرية
من بين الاعراض والسلوكيات الثانوية التي قد يظهرها الاطفال المعاقون سمعيا السلوك الانسحابي والانزعاج من تغيير الروتين او بعض السلوكيات الاخرى المشابهة وهم في هذا قد يشتركون مع بعض سلوكيات اطفال التوحد . مع فارق جوهري هو ان السلوك الانسحابي والانزعاج من تغيير الروتين وماالى ذلك من اعراض اولية واساسية لدى اطفال التوحد .
وعلاوة على ذلك فان اطفال التوحد لايعانون من الصمم في الاعم الاغلب .ومن ناحية اخرى قد يظهر الاطفال المعاقون بصريا بعض السلوكيات الدالة على الاستثارة الذاتية والحركات النمطية وهم في ذلك يشبهون مايقوم به اطفال التوحد ، فضلا عن ان استجابة اطفال التوحد للمثيرات البصرية قد تشير الى اصابتهم باعاقة التوحد ( سليمان ، ص78-79 )
5.التوحد وعلاقته بالصرع
ان حوالي 31 % من اطفال التوحد يعانون من الصرع ويبدا من مرحلة الطفولة او المراهقة ودرس باحثون الوقت الذي تظهر فيه بدايات التوحد ووجد انه يبدا عندما يقوم الجهاز العصبي بعمله 0 ومعظم اعراض الصرع تتجلى في فقدان الوعي والتشنج والاهتزاز والتخطيط الكهربائي بامكانه ان يثبت ذلك وبالامكان السيطرة عليه عن طريق الادوية ( ص2 ، Autism Fyi)
الكروموسوم X الهش
ان حوالي 10 % من اطفال التوحد لديهم اعراض ذلك ومعظمهم من الذكور ويكون ذلك بسبب الاختلال في الكروموسومات والذي يظهر فيه النقص والهشاشة ويعاني معظم الاطفال من التخلف العقلي ومظاهر التوحد وبعض من الاعاقة الفيزياوية ( ص2 ، Autism Fyi)
تصلب الانسجة
وسبب ذلك يعود الى الاختلالات الجينية التي تسبب النمو غير الطبيعي لانسجة الدماغ ويحدث ذلك لحالة واحدة لكل عشرة الاف ولادة وحوالي ربع هؤلاء الاطفال من التوحديين ( ص1 ، Autism Fyi )

#سوسن_شاكر_مجيد (هاشتاغ)       Sawsan_Shakir_Majeed#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات