أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فوزي راشد - قُطعان الذلّ














المزيد.....

قُطعان الذلّ


محمد فوزي راشد

الحوار المتمدن-العدد: 3648 - 2012 / 2 / 24 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


قبل قليل لمحت نفسي في المرآة, كانت ملامحي غريبة , كنت أشعر بعطش شديد, أحسست كأنني أنظر إلى وجه ,مزروع في ذاكرتي .

عندما بلغت من عمري أربعة شهور .. حملتني أمي على ذراعيها .. و جرّت وراءها شقيق و شقيقة لي .. و مشت في سهول درعا جنوبا .. مع جموع من أبناء درعا .. ليهربوا من العدو الإسرائيلي .. الذي شاع وقتها أنه يقترب من درعا بعد احتلاله القنيطرة , كانت أمي تشعر بالإرهاق , نَظرْتُ في وجهها , كان وجهها ,كان وجهها ... لا , لا , ليس هذا الوجه , تلك قصة أخرى .فليس من المعقول أن يتذكر ابن الشهور الأربع شيئاً.

بل عندما كان عمري خمس أو ست سنوات.. وقفت أنا و والدي .. الذي أخرجنا..بسرعة من البيت للبحث عن ملجأ ..خلال غارة إسرائيلية على درعا و لا أزال أذكر كيف اختبأت أمي و نساء الحي والأطفال في مغارة صخرية ضيقة .. في وادي الزيدي , خلف بيتنا .. كانت تأوي إليها الكلاب الضالة ليلاً , أو خلال الأيام الحارة في الصيف ,
وبقيت امسك يد أبي , و نحن نقف خارج المغارة بجانب حائط صخري , حيث كان أبي لا يزال في ملابسه الداخلية ,
و كلسونه الأبيض الواصل إلى ركبتيه و المصنوع من قماش كيس طحين .. وأعتقد أنه كان هناك دائرة رمادية على القماش من جهة المؤخرة اليمنى ,
فيما بعد عندما كبرت استطعت قراءة المكتوب داخل تلك الدائرة .. الجمهورية العربية السورية وزارة الخ ..
وقفنا خارجاً .. و كانت في السماء فوقنا تدور معركة جوية بين طائرات حربية , كانت هناك طائرتان تلاحقان طائرة وهي تهرب منهما سألت أبي من هؤلاء , قال لي هؤلاء طائرتان إسرائيليتان و هما تطاردان طائرة سورية , كان أبي يدعو أن ينجو الطيار السوري , ولكن لم يكتب وقتها للطيار السوري النجاة , سقطت الطائرة والدخان الأسود ينبعث منها , سقطت إلى الشرق من درعا ,أتذكر شعوري لحظتها , كنت أشعر بجفاف في حلقي, و أحملق بعينين مفتوحتين على آخرهما في وجه أبي , كان وجه أبي يحمل نظرة غريبة , لم أعرفها طوال عمري , كنت لا أجرؤ أن أطلب ماء للشرب .

قبل قليل رأيت على التلفزيون طفلاً صغيراً من أطفال بابا عمرو في مدينة حمص عمره أشهر يرتفع بطنه وينخفض بسرعة كبيرة. كان هناك جروح عميقة في جانبه الأيسر و على مؤخرته . كان يحتضر.

لقد شعرت بجفاف غريب في حلقي , قمت لأشرب,و فجأة رأيت وجهي في المرآة , توقفت قليلاً أتأمل وجهي ,رأيت وجه أبي تعلوه تلك النظرة الغريبة , لقد عرفتها على الفور , الآن عرفت ماذا كان يدور في ذهن أبي , كان يشعر بالوحدة المريعة ,ممزوجة بارتياح غامض , كان في تلك اللحظة يسترخص الموت , و يحتقر الحياة .

لقد نسيت أن أسأل أمي عندما حدثتني أنها لم تعد تشعر بيديها و هي تحملني , خلال هروبهم إلى الحدود الأردنية هل يمكن أنها وهي تلهث من التعب و يداها تتقطعان من الألم و هي تحملني هل فكرّت للحظات برميي إلى جانب الطريق , و تتركني لأنفق كما يحدث لصغار الحيوانات الضعيفة التي يتركها القطيع الخائف ولا يلتفت إليها .
.....
تتملكني رغبة شديدة لكي أبصق...رغم الجفاف في حلقي ..
.....
ويل قطعان الذل من رضيع بابا عمرو .



#محمد_فوزي_راشد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتِّشْ عن إسرائيل
- أيها الجبناء
- عندما همس لي الجّرح
- سلام هرقل
- طاق طاق طاقية
- هل سقط الجدار ؟
- أمة عربية واحدة
- لقد تهددنا الصفيقُ آنفاً
- حجارة سوداء
- كيك صعب الهضم
- الطبيب
- كيف سنجبر العالم على الاعتراف بالمجلس الوطني السوري
- نقابة الفنانين تحكم سوريا
- لماذا قال : أيها الشعب السوري العظيم ؟؟
- عندما رفع بشار الأسد المصحف
- لماذا استجداء الحظر الجوي


المزيد.....




- فيلم المابين التونسي يحصد جائزة مهرجان جنيف الدولي للأفلام ا ...
- فنان مصري كبير يحذر من -مؤامرة تستهدف الثقافة المصرية-
- المفكر الإيطالي فينيتسياني: أنأى بنفسي عن موقف الحكومة من حر ...
- المُخرج الكوري كيم كي دوك: ???????بيوتنا خالية ومغلقة تنتظر ...
- فيلم روسي يشارك في مهرجان -مومباي- الدولي للأفلام الوثائقية ...
- -لأول مرة-.. مصر تقرر تعليم أعضاء النيابة اللغة الروسية
- مغردون: كمين النابلسي فيلم هوليودي من إنتاج القسام
- طلاب من المغرب يزورون مقر RT العربية في موسكو (صور)
- لولو في العيد.. تردد قناة وناسة الجديد 2024 وتابع أفضل الأفل ...
- فيلم -قلباً وقالباً 2- يحطّم الأرقام القياسية في شباك التذاك ...


المزيد.....

- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد فوزي راشد - قُطعان الذلّ