|
تداخلات الأجناس داخل صندوق من زجاج
أشرف عبد الكريم عبد المنعم
الحوار المتمدن-العدد: 3635 - 2012 / 2 / 11 - 16:01
المحور:
الادب والفن
تداخلات الأجناس داخل صندوق من زجاج قراءة في رواية كريم الهزاع ( صندوق زجاجي ) في ظل تداخل الأجناس الأدبية خاصة الرواية التي يرى النقاد أنها الجنس الأكثر تحرراً لكونه جنساً غير مكتمل ما زال تطوره مستمراً ، وليس بإمكاننا التنبؤ بكل احتمالاته التشكيلية. نجد رأياً يدعو إلى إلغاء الحدود بين الأجناس السردية ، ويعارضه رأي يرى الاشتراك بين الأجناس الأدبية لايجب أن يقود بالضرورة إلى الإقرار بتداخلها خشية الوصول حد الفوضى. على كل حال فإن تداخل الأجناس لم يعد واقعاً فحسب بل تجاوز ذلك ليصبح فعلاً مقصوداً واتجاهاً فنياً إلى درجة تشكل منحى يرفض التقليد ويتطلع للتجديد ، فهل هذا هو ما سعى إليه كريم الهزاع في روايته ( صندوق زجاجي )؟ رواية صندوق زجاجي وهي تحكي عن علاقة رومانسية جمعت بين اثنين من المثقفين المهمشين يسيطر هو عليها ليلاً حينما تلح عليها الرغبة وتسيطر هي عليه نهاراً حينما تعود لرشدها، وهي حكاية بينكاتبة في الثلاثين من عمرها أرملة لشهيد في الحرب العراقية الإيرانية وبين رسام وتدور أحداث تلك الرواية في الكويت، والعلاقة بين هاتين الشخصيتين ليست ثابتة ولا مستقرة ، إنها علاقة إيمانية تزيد وتنقص دون مبررات منطقية مقدمة في الإطار السردي . كريم في روايته يقدم لنا شكلاً يخلط فيه بين ما هو من تقنيات المسرح وما هو من تعريف الرواية حتى أنه يمكن أن نسمي هذا الجنس المسرواية سواء أكان ذلك على مستوى الشخوص ، فلدينا شخصان أساسيان هما : حياة وسامر ، ولدينا شخص ثانوي وهو سلوى يضاف لها أسماء لم يرد لها دور كبير في هذه المسرواية إلا بنطق جملة أو عدة جمل كالمخمور والعجوز والخالة( التي تمثل حضورها في جملة تذكر البطلة أنها تعيش في الكويت وليس في لندن) بالإضافة إلى الكورال . كما أن اعتماد الكاتب آلية الحوار كمحرك للأحداث وواصف للشخصيات يجعلها تميل أكثر نحو المسرح ، ولعل هذا هو ما دفعني لسؤال صديقي كريم بعد القراءة الأولى للعمل : لماذا لم تكتبها مسرحية؟ ويعد الزمان والمكان القصصيان قائدين نحو تأكيد هذه الرؤية خاصة إذا علمنا أن زمانها الواقعي لا يتجاوز بضعة شهور، يتم خلالها استرجاع عامين من الأحداث المتشابهة ويمكن عن طريق أدوات المسرح أن يكون زمانها الفني لا يزيد على الساعات الثلاث. والمكان الذي سعى الكاتب لجعله البطل و الإحالة على أنه ربما كان هو الصندوق الزجاجي الذي يحبس البطل نفسه فيه ، لم يتسع ولم تقدم تفاصيله روائياً. بعد آخر يجر هذا العمل نحو المسرحة هو محاولة إحداث نوع من التداخل بين ما هو واقعي وما هو ميثولوجي حين تناول في أكثر من موضع سواء بالإشارة أو التوظيف المباشر للأسطورة الرومانية ( فِيْنَوس وزِيُوْس) بما تمثله الأولى من رمز للجمال المطلق وهي الإلهة العليا ذكراً في القصائد والمجازات ، ولكنه هنا أيضاً أحدث تداخل ملغز حين جعل من زِيُوْس كبير الآلهة الذي وتحكي الأسطورة عن أنه زوَّجها عقاباً لها من إله الدروع القبيح وأنها خانت زوجها مع إله الحرب مارس إلى آخر ما تحكي الأسطورة ، ولكن كريم يوردهما كمعادلين لبطلي القصة الكاتبة والرسام. ملاحظات على السرد: يصل السرد أحياناً إلى السرد الحواديتي أو قصص الأطفال كما هو الحال في صفحة ( 27 ) حينما يتكرر في نصف صفحة اسم سامر مرتين واسم سلوى وحياة ثلاث مرات لكل منهما دون ضرورة فنية لذلك. ويتداخل السرد بشكل مرهق لذهن المتلقي يجعل من رغبته لإتمام القراءة تحدياً حقيقياً للرغبة، على الرغم من قلة عدد الشخوص . ومثال ذلك التداخل غير الموصل لإحدى النتيجتين عند الحديث عن الأرض أو الحديث عن قربها ولمسها بعد سؤالها (( قال أرضنا _ الربيع ص 24 ) وتذكر اللحظة وكأن الكاتب هو الذي تذكر فأراد إدماج ما ورد بخاطره على بنية المسرود.) اعتماد كريم للمونولوج الداخلي لتقديم الحدث زاد عما يجب أن يكون عليه ،أو إن تلك إحدى محاولات التجديد التي ربما سعى إليها كريم وهو قد نجح أحياناً حينما استطاع أن يخلص هذا المونولوج مما يثقله من استطرادات أو حشو للأسماء التي مثلت أحياناً رغبة من الكاتب في الإعلان عن معرفته بهذه الأسماء، وعلى هذا فإن الرسالة الصوتية ولن أسميها المكالمة الهاتفية التي كانت من البطلة جلنار في ص 30 والتي اقتطعت لتوضع على الغلاف الخارجي للعمل كان يمكن لها أن تكون أروع لولا تكديس الأسماء فيها ،وذلك يرجع في رأيي إلى كون كريم رجلاً موسوعي المعرفة واسع الاطلاع ولكن وللحقيقة فإن هذه الأسماء لم تترك الصدى المتوقع منها على الأسلوب الروائي للكاتب بل ربما يراها البعض عبئاً. إذا كانت قصيدة النثر قد وجدت أخيراً من المنظرين و المبدعين ما يثبت أقدامها بين الأجناس الأدبية فإن القصة القصيدة أو رواية الشعر ما زالت في طور التجريب وهنا نجد الشاعر كريم الهزاع عندما يكتب الرواية تعطل لغته الشعرية السرد القصصي وتحدث له الاضطراب وإن كانت تبعث الإعجاب بمجازاتها وتداخل صورها وترميزها ( ص 60 ) إن عدم الوضوح في تحديد الجنس الأدبي هذا جعل القارئ في القسم رقم ( 7 ) لا يتلقى اسماً للصحفي وتفصيلاً لحكايته بل يبحث عن فكرة ألحت على الكاتب وبالغت في إلحاحها حتى اختفت أمام الإسقاطات السياسية والاجتماعية المكثفة ( ص 62)
نعلم جميعاً أن الرواية ليست كقصيدة الشعر أو القصة القصيرة في زمن إبداعها ، فهي على ما أعرف مشروع لا ينتهي العمل منه في جلسة ولكنني أرى أن الواجب على الكاتب أن يعود للنقطة ذاتها التي توقف عندها روحاً وحالةً ولغة كي لا تحدث نقلات كالنقلة بين اللغة السردية والمجازية في آخر ص 27. على أنه ينبغي الإشارة إلى أننا لم نعدم الحكي في هذا العمل ولكنه حكي مثقل رغم ما تضمنه من لغة حالمة وإضافات إنسانية وفلسفية . وأيضاً ما يثيره العنوان( صندوق زجاجي ) والإشارة له بين الحين والآخر يجعل أذهاننا تحاول البحث عن تمثيل لهذا الصندوق أ هو تلك الغرفة التي جمعت حياة بسامر ، أم هو حياة سامر ؟، أم هو الحياة بعامتها ؟تلك التي هي بحاجة إلى هوى جديد ،مشهد عشق آخر ، في البحث عن لاهوت يشتبك مع ذاته في أفق مرهق على حد قول الكاتب...، في مثل هذه الحالات تنفتح الدلالة و يحقق الكاتب نجاحاً. وإن كنا أخذنا على الكاتب عدم منطقية بعض الأحداث ،كما هو الحال في ( ص 78 )،فإن هذا في الوقت نفسه جانب من جوانب القوة في العمل ، فالحياة ملأى باللامنطق . ونجد كريماً قد وفق جداً في وصفه للحظات الحميمية بين البطلين بتلميحات ذكية بعيدة عن الإسفاف وملتحمة بالحالة الرومانسية . ملاحظة جديرة بالتناول : وهي ما أثر اختيار الكاتب لدار نشر بعينها لينشر من خلالها إبداعه؟ليس هذا مجال للحديث عنه إلا فيما يخص أثر ذلك على العمل نفسه ، فالدار التي توزع بنسبة عالية وتبيع بسعر مبالغ فيه أحياناً لم تكلف نفسها عناء البحث عن مدقق لغوي يستدرك ما قد يفوت على الكاتب من أخطاء في النحو أو الإملاء تكون معيبة في حال نشر العمل وهي متضمنة فيه .(هذه ملاحظة خارج السياق وداخله في الوقت نفسه). إن العمل الذي قام به كريم الهزاع في هذه الرواية وإن كان كسراً لتقاليد النوع الجامدة إلا أنه في حاجة لمزيد من الجهد وإعادة النظر وإلا كانت هذه المحاولات نفسها صندوق زجاجي لا يلبث أن ينكسر . أشرف عبد الكريم عبد المنعم
#أشرف_عبد_الكريم_عبد_المنعم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في ديوان كرسي شاغر للشاعر نادي حافظ
-
محمد حبيبي ليس وحيداً ، النص الكامل للقراءة في ديوان جالساً
...
-
قراءة في ديوان الشاعر السعودي محمد حبيبي ( جالساً مع وحدك)
-
لو أنها فعلت!
-
إشارة مرور .. قصة قصيرة
-
أحياناً.. تفاجئنا اللآلئ
-
الجزامة
المزيد.....
-
اللغة الأكادية في العراق القديم تكشف ارتباط السعادة -بالكبد-
...
-
مهرجان مراكش السينمائي الدولي يستضيف الممثل والمخرج شون بن ف
...
-
المصور الأميركي روجر بالين: النوع البشري مُدمَّر!
-
شعبية كبيرة لعرض -كسارة البندق- في دور السينما الروسية
-
عالم الآثار المصري الشهير زاهي حواس: حتشبسوت كانت ملكة بدينة
...
-
مسقط.. فيلم الخنجر يُعرض للجالية الروسية
-
-مَلِكي-.. منى زكي تشكر حلمي في تكريمها بمهرجان البحر الأحمر
...
-
المغرب: الممثل الأمريكي شون بن يثني على مهرجان مراكش السينما
...
-
عروض عالمية وقصص إنسانية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي
-
هجرات وأوقاف ونضال مشترك.. تاريخ الجزائريين في بيت المقدس وف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|