أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - شخصيات فى حياتى : عمى الحاج متولى














المزيد.....

شخصيات فى حياتى : عمى الحاج متولى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3623 - 2012 / 1 / 30 - 09:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بورتريه ل (عمى الحاج متولى)
عمل أبى فى بداية حياته (فرانًا) فى فرن شقيقه الحاج متولى. ثم ترك الفرن واشترى عربة يد خشبية يضع عليها العيش ويوزعه على الزباين فى البيوت. وبعد عدة سنوات (فى منتصف الخمسينات من القرن العشرين) استأجردكانًا يبيع فيه العيش والجازوالصابون. ومع مرورالأيام صارمحل بقالة (بحق وحقيق) .
لم ينس أبى بداياته الأولى. كان يُصرعلى توزيع العيش على البيوت. وكنتُ أنا الابن وصبى المحل. فى أيام الدراسة أوزع العيش قبل الذهاب الى المدرسة. وأستكمل الباقى بعد الظهر.
أذكروأنا فى الخامسة عشرة بدأتُ التمرد . عذّبنى الجمع بين الابن/ التلميذ ، والصبى موزع العيش. نتج عن هذا التمرد (علقة سخنة) من أبى أمام المحل. يتصادف مرور عمى الحاج متولى. ينهال على أبى لومًا وتعنيفًا. ثم يصطحبنى معه الى بيته. بنى عمى عمارة من خمسة طوابق. كنتُ أمرمن أمامها وأنا أوزع العيش على البيوت المجاورة لها. ولكنها كانت المرة الأولى التى أدخل فيها شقة عمى ، الذى أصرّعلى أن أدخل الحمام وأغسل وجهى وأكف عن البكاء. احتضنتنى زوجة عمى وأجلستنى بجوارها على مائدة الطعام. وأذكرأن المائدة الطويلة إتّسعتْ لأبناء عمى الثمانية. كما أذكرخجلى وأنا لاأقوى على النظرفى وجوههم. فى المساء أخذنى عمى الى أبى وقال له ((عامل الواد بحنيه. وكفايه إنه بيروح المدرسة وبيساعدك فى توزيع العيش. وإياك تنسى إنه يتيم الأم)) قال عمى الجملة الأخيرة بصوت خافت. ويبدو أنه كان يود أن لاأسمعه. ولاأدرى (بعد عشرات السنين) أية قوة استشعارسمعية جعلتنى ألتقط كلماته الأخيرة التى انطبعت فى ذاكرتى وطبعت معها وجدانى. ومن هذه الكلمات ومن هذا اليوم تخلّق داخلى المفتاح لفهم شخصية عمى الحاج متولى .
وأنا أستعيد ذكريات هذا اليوم ، تتجمع التناقضات داخلى. ثم تنجدل فى ضفيرة واحدة. وكأن كل ضفيرة تُكمل أختها. استحوذت مائدة الطعام على تفكيرى لعدة سنوات. إذْ لأول مرة أرى اللحوم الحمراء تجاورها (الفراخ المحمرة) وعندما شممتُ رائحة السمك المقلى ، ظننتُ أن الرائحة تأتى من شقق الجيران ، فإذا به أمام عينىّ اللتين زاغتا بين أصناف الخضاروالأرز والسلطات والزيتون الأخضروالأسود. ولكن ما حيّرنى هوالبيض المسلوق. ظللتُ لعدة سنوات أستعيد تفاصيل المائدة. وعندما بلغتُ العشرين لم أكن قد قرأتُ حرفًا لكارل ماركس. ولم أقرأ أو أسمع عن (التفاوت الطبقى) ومع هذا كنتُ أشعرأن شيئًا ما خاطئًا يصنع هذا التفاوت بين أبناء المجتمع الواحد. وقبل أن أكمل الثلاثين كنتُ قد قرأت كثيرًا فى الماركسية ، فتعاظم لدىّ الإحساس بالمنظومة السياسية والاجتماعية الخاطئة. تولّد عن هذا الإحساس صراع داخلى تجاه عمى : فقد أنقذنى من (ثورات) أبى ضدى أكثرمن مرة. وشجّعنى لألجأ اليه كلّما غضب أبى منى. وعندما عاد من الحج أول مرة وكنتُ فى العاشرة ، لبستُ من يديه أول بدلة حرير بيضاء (شركسكين) فى حياتى. رغم كل ذلك وقفتْ مائدة الطعام حائلا بينى وبينه. تأتى صورة المائدة فتطغى على صورة العم الحنون وتشوّهها. واستمرهذا الصراع داخلى لعدة سنوات دون حسم ، الى أن جاءت لحظة وفاة أبى.
كان لدى أبى طموح أن يُصبح صاحب فرن مثل أخيه ، فشارك إثنين من الفرانين فى ملكية فرن مشترك. لم ينجح المشروع وخسرأبى نقوده. ثم دخل فى مغامرات تجارية أخرى ، فكان يسحب الأموال من الدكان لصرفها على مشروعات غيرمأمونة. وبدأ المحل يخلو من البضاعة. ويوم أن مات أبى كانت الرفوف خاوية تمامًا. وكنّا نكتفى (أنا وأخواتى) ببيع العيش والجاز .
بعد أن انصرف المعزون جلس عمى متولى بجوارى. وضع مبلغًا كبيرًا فى يدى. عندما أبديتُ رفضى قال بصوت مازال يتردد داخلى ((إنت كبيراخواتك. وإنت المسئول عنهم. خد الفلوس وماتبقاش عبيط. إملا الدكان بالبضاعه. ولما تعوز أى حاجه تعال لى)) .
****



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصيات فى حياتى : عم سعيد
- شخصيات فى حياتى : الأستاذ أديب
- الإبداع بأسلوب الحكاء الشعبى
- العلاقة العضوية بين الكهنوت والعسكروت
- العروبة والمخطط الصهيونى لاحتلال فلسطين
- عندما فتح المبدع خزانة الكلام
- يحيى الطاهرعبدالله وإعادة تشكيل الواقع إبداعيًا
- جمال البنا والتربص لكل مختلف مع الكهنوت
- مفهوم الوطن فى رواية بيوت بيضاء
- شهر زاد على بحيرة جنيف
- عبدالرحمن أبوعوف وثنائية الإبدع والقمع
- ثمن الحرية وحصاد عام من الدم
- جميل عطية إبراهيم والتأريخ بلغة فن الرواية
- العلاقة بين (المواطنة) و (القومية)
- النبل والبؤس فى طاحونة الحياة
- سناء المصرى : ضميرحى وعقل حر
- التنوير المصرى والجامعة الأهلية
- بورتريه لابن عمى المليونير م . م
- تونا الجبل : ميلاد مُتجدد للحضارة المصرية
- ميس إيجيبت وجدل العلاقة بين الثقافتين المصرية والعربية


المزيد.....




- سلي أطفالك في الحر.. طريقة تحديث تردد قناة طيور الجنة 2025 T ...
- صحفي يهودي: مشروع -إسرائيل الكبرى- هدفه محو الشرق الأوسط
- نبوءة حزقيال وحرب إيران وتمهيد الخلاص المسيحاني لإسرائيل
- الجهاد الاسلامي: الإدارة الأميركية الراعي الرسمي لـ-إرهاب ال ...
- المرشد الأعلى علي خامنئي اختار 3 شخصيات لخلافته في حال اغتيا ...
- حماس: إحراق المستوطنين للقرآن امتداد للحرب الدينية التي يقود ...
- عم بفرش اسناني.. ثبت تردد قناة طيور الجنة 2025 على الأقمار ا ...
- تردد قناة طيور الجنة: ثبت التردد على التلفاز واستمتع بأحلى ا ...
- مصادر إيرانية: المرشد الأعلى علي خامنئي يسمي 3 شخصيات لخلافت ...
- طريقة تثبيت قناة طيور الجنة بيبي على القمر نايل سات وعرب سات ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - شخصيات فى حياتى : عمى الحاج متولى