أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جواد بشارة - مشاريع التسلح العراقية: واقعها ومخاطرها















المزيد.....



مشاريع التسلح العراقية: واقعها ومخاطرها


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 242 - 2002 / 9 / 10 - 01:09
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


 باريس

  

مما لا ريب فيه أن العراق يشكل ركناً أساسياً في المعادلة الاستراتيجية والعسكرية  الشرق ، وعامل مهم في عملية التوازن العسكري في سيرورة الصراع القائم في المنطقة منذ انتهاء الحرب العالمية  الثانية .

ولا شك في أن العراق كان ومايزال يعي موقعه وأهميته الاستراتيجية والاقتصادية في العالم العربي  وفي توازنات القوى في المنطقة، لذلك سعى بكل ما أوتي من قدرة وامكانيات  لتحقيق  تفوقه العسكري في المنطقة والتطلع إلى موقع القيادة الإقليمية ، ولايزال المراقبون والمحللون يتذكرون تصريح صدام حسين ذو الدلالات العميقة الذي أدلى به في اليوم الرابع لزيارته اليتيمة إلى باريس في 5 أيلول/ سبتمبر 1975 ،وذلك في حديث أعطاه لمجلة الأسبوع العربي  في 9 / أيلول ـ سبتمبر / 1975 وقال فيه : " إن الاتفاق مع فرنسا في مجال التعاون النووي يعد بمثابة الخطوة الأولى الملموسة والحقيقية نحو إنتاج السلاح النووي العربي " .

ويعود الطرح العراقي لامتلاك السلاح النووي وتحقيق انعطافة في التوازن العسكري الإقليمي إلى عام 1959 منذ توقيع اتفاق مباديء مع الاتحاد السوفيتي السابق من أجل التعاون النووي. وتم التوقيع في تموز / يوليو 1960 بين العراق والاتحاد السوفيتي على اتفاق بروتوكول لبناء مفاعل نووي تجريبي صغير  للأغراض السلمية بطاقة 2 ميغاواط في التويثة ، وبالفعل سلمت موسكو إلى بغداد  اليورانيوم 235 المخصب بنسبة 10 % وبادرت إلى تأهيل وتدريب وتعليم خبراء وتقنيين عراقيين لإدارته.

ومنذ عام 1970 ـ 1971 التفت العراقيون إلى فرنسا للحصول على التقنيات الغربية المتقدمة والمتطورة في مجال التسلح النووي والذي تكرّس بزيارة جاك شيراك إلى بغداد في ديسمبر عام 1975 عندما كان رئيساً لوزراء فاليري جيسكار ديستان . وتكلل التعاون الاستراتيجي الفرنسي ـ العراقي  بتزويد باريس إلى بغداد المفاعل النووي أوزيراك OSIRAK الذي يعتبر نسخة مشابهة لمفاعل أوزيريس الفرنسي  OSIRIS الذي يعمل بالماء  المخفف وباليورانيوم المخصب بنسبة 93 % مما يوفر الفرصة عملياً للعراق باستخدام هذا الفاعل  للأغراض العسكرية مما اثار مخاوف وهلع الدولة العبرية  التي قامت بقصفه في عام 1981. وكانت باريس قد تعدت بتزويد العراق بثمانين كيلو من الوقود النووية Combustibel هذا إلى جانب الأسلحة التقليدية المتطورة التي باعتها فرنسا للعراق خلال سنوات طويلة من طائرات الميراج F1  والميراج 2000 والمدافع المتطور من مختلف العيارات وطائرات الهيلكوبتر والدبابات والذخيرة الخ حتى وصلت فرنسا إلى المرتبة الأولى لبائعي السلاح للعراق سنة 1973، بل وصل الأمر إلى حد مشاركة العراق في حربه ضد  إيران ومشاركة طيارين ومرتزقة فرنسيين حتى أن الدولة الفرنسية اخذت من جيشها أربع طائرات متطورة هي طائرات ايتاندار الشهيرة وأعارتها للعراق لضرب الناقلات  وسفن البحرية  الإيرانية في عرض الخليج وفي الموانيء الإيرانية البعيدة . كما وقعت فرتسا صفقة تاريخية مهمة جداً من الناحية الاستراتيجية وفي مجال نقل التكتنولويات الحديثة ، تقضي بموجبها بيع العراق مصنع متقدم جداً للإلكترونيات من قبل شركة طومسون Thomson CIS وتم تشييده في منطقة الدور التي تبعد 40 كيلومترا شمال شرقي العاصمة العراقية بغداد.

وعند اشتداد حدة الحرب مع إيران ابتداء من عام 1982 وتعرض العراق لسلة من الهزمات العسكرية في مختلف المعاك حتى أواسط عام 1983 قرر صدام حسين تكثيف وتسريع أبحاثه السرية في مجال الأسلحة الكيماوية والبيولوجية ـ الجرثومية ـ بغية وقف الهجمات الإيرانية الانتحارية آنذاك . كان ريتشارد مورفي ومسؤولين أميركيين آخرين  يعرفون نويا العراق ومدى خطورتها لكنهم قرروا غض النظر عنها باعترافهم في مناسبات عديدة .ثم بادر الدكتور العاني المسؤول عن انتاج السلاح الكيماوي في العراق آنذاك بالاتصال برجل الأعمال الأميركي من أصل عراقي صاحب الحداد المقيم في ناشفيل في ولاية تنيسيس في أميركا والذي يملك شركة للاستيراد والتصدير تتعامل مع العراقي مجال تصدير الحبوب والمواد الغذائية والقمح  والسكر التي حققت أرباحاً هائلة من جراء ذلك وهي شركة Hadad Brothers Trading Company  ،وطلب منه على عجل تأمين مواد ومنتجات  كيماوي وبكميات كبيرة ، فما كان منه إلاّ أن يلبي هذا الطلب العاجل ، وهي المواد التي استخدمت في إنتاج غاز السارين Sarin كما صدّر للعراق 74 طن من فليورور البوتاسيوم Fluoror Potasium كدفعة أولى . ثم استورد العراق  من جميع أنحاء العالم مواد كيماوية لتغذية مصانع الموت التي شيدها له الغرب ، فاستورد 500 طن من مادة التثيوديغليكول Thiodiglycol التي تستخدم في إنتاج غاز الخردل Moutard وبلغت كلفة هذه الصفقة مليون دولاركما استورد العراق من بلجيكا ومن ألمانيا مواد كيماوية لإنتاج غاز التابون وكانت الشركة الألمانية هيربيجرHerberger قد استلمت مبلغ 7،2 مليون مارك لأجل هذا الغرض .

ولم يتورع النظام العراقي من استخدام هذه الأسلحة الفتاكة المحظورة دولياً في حربه ضد الإيرانيين ، ولم يتردد صدام حسين  في استخدام الأسلحة الكيماوية كذلك ضد أبناء الشعب العراقي من الأكراد والشيعة المناوئين لنظامه .

هذه هي البدايات  المعروفة لمشاريع التسلح التي بنيت عليها  الصناعة العسكرية العراقية المحرمة دولياً قبل حرب الخليج الثانية .

ثم يأتي موضوع محاولات العراق الحثيثة للتزود بالصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى . ففي ديسمبر 1986 رصدت الأقمار الصناعية التجسسية الأميركية نشاطات وتحركات مكثفة  في جنوب وسط العراق . وسجلت حركة غير طبيعية للشاحنات بين ميناء العقبة  وداخل العراق  حيث كانت الشاحنات تحمل شحنات من صواريخ سكود ب التي كان الاتحاد السوفيتي قد سلبها لأوروبا الشرقية وقدرت المخابرات الأميركية آنذاك عدد الصواريخ  التي وصلت للعراق بـ 300 صاروخ . وكان صدام حسين قد طلب شراء صواريخSS-12 و SS-20 التي يصل مداها إلى 900 كلم و 1200 كلم ويمكن تطويرها ليصل مداها إلى 1500 و 2000 كلم بهدف  قصف طهران من بغداد ، بينما صواريخ سكود ب تغطي ثلث  المسافة بين بغداد وطهران. كما اشترى العراق  من البرازيل  صواريخ أرض ـ أرض من  طرازSS-300  التي يصل مداها إلى 300 كلم . وفي مصنع الفلوجة تمكن التقنيون العراقيون والأجانب ( كوريون وصينيون ) من إنقاص  وزن الرأس الحامل للمتفجرات من 800 كلغم إلى 190 كلغم مما أتاح إمكانية زيادة المسافة التي يقطعها الصاروخ . ومن هنا ولد صاروخ سعد 16 وصاروخ العباس وصاروخ الحسين الخ .. وفي مصنع التاجي كان العراق ينفق بسخاء لشراء وتصنيع  الأسلحة حتى أن صناعة الأسلحة الفرنسية وحدها حققت أرباحاً تجاوزت 90 مليار فرنك فرنسي في سنوات الثمانينات .

ثم جاءت حرب الخليج الثانية وأثبت صدام حسين للعالم أنه يمتلك أسلحة التدمير الشامل  وبكميات كبيرة وأنه لن يتردد في استخدامها ضد جيرانه سواء أكانوا عرباً ( السعودية ، الكويت ، ) أم غير عرب ( تركيا ، إيران ، إسرائيل )، مما اثار دهشة وهلع العالم من هذه الحقيقة  المخيفة التي شاركت الدول الغربية بنفسها في خلقها .

وبعد انتهاء الحرب وهزيمة الجيش العراقي  حاولت لفرق التفتيش والرقابة الدولية ما وسعها ذلك  تدمير البنية التحتية  والمراكز الانتاجية لهذا النوع من الأسلحة المحرمة دولياً وتدمير ما تم صنعه والعثور عليه منها طيلة سنوات عديدة وبذلك تحطم حلم العراق  وبرنامجه الاستراتيجي القاضي بتطوير القدرات العراقية العسكرية وتحويل الإمكانيات المتوفرة إلى غايات أخرى غير سلمية ، والمقصود بالبرنامج الاستراتيجي  بالطبع هو انتاج السلاح النووي أي القنبلة الذرية العراقية  من خلال برامج تخصيب اليورانيوم الذي يمكن الاستفادة منه في التفجيرات النووية .

لقد اعترف برزان التكريتي  ، الأخ غير الشقيق لصدام حسين ( أخوه من أمه) في يونيو / حزيران عام 1980 أثناء مقابلته للدكتور حسين الشهرساتني في زنزانته التي سجن فيها لميوله الدينية ، بهذا الهدف  المعلن أي البرنامج الاستراتيجي لصدام حسين ، حيث طلب من الدكتور الشهرستاني الخروج من السجن إلى لجنة الطاقة الذرية والمساهمة في صنع القنبلة الذرية العراقية وذلك من أحل : " تغيير خارطة الشرق الأوسط " على حد تعبير برزان التكريتي . وكان الدكتور عبد الرزاق الهاشمي  حاضراً في تلك المقابلة وهو عالم عراقي وسفير سابق للعراق في باريس . وكان الدكتور حسين الشهرستاني  برفقة الدكتور جعفر ضياء جعفر من أوائل الخبراء العراقيين الكبار في المجال النووي منذ عام 1970 إلى 1980 ، الأول متخصص بالكيمياء النووية والثاني بالفيزياء النووية وأحدهما يكمل الآخر ، وكانا مستشارين لرئيس لجنة الطاقة الذرية العراقية الذي هو صدام حسين نفسه . ويوجد معهما داخل اللجنة الدكتور عبد الرزاق الهاشمي  وهمام عبد الخالق  اللذان يمثلان القصر الجمهوري داخل اللجنة .

والجدير ذكره بهذا الصدد أن هناك 700 شركة غربية ، أكثرها أميركية وكندية وجنوب أفريقية واسترالية وأوروبية، أنشأت خصيصاً  لدعم وتطوير البرامج العراقية النووية والكيماوية والجرثومية ،وبرامج الصورايخ الباليستية القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى بعمل ومباركة الحكومات الغربية وأجهزة المخابرات فيها . وقد أعترف العراق لفرق التفتيش الدولية عن الأسلحة المحرمة دولياً والتابعة للأم المتحدة ( ومنها لجنة الأونيسكوم ) بأن العرق قد أنتج فعلاً قبل غزو الكويت في 2 آب 1990 ، حوالي نصف كيلو من اليورانيوم المخصب بدرجة 4 % ، و لكن هذا لايكفي لانتاج سلاح نووي لأن درجة التخصيب  المطلوبة  يجب ألاّ تقل  عن 93 % ، حيث يوجد نظيران لليورانيوم الصنعي  هما اليورانيوم 235 القابل للانشطار  النووي واليورانيوم 238 غير القابل للانشطار النووي ، وان التخصيب هو رفع  النسبة التي تعادل 007 ،0 % إلى 93 % وهي نسبة مرتفعة جداً حتى يكون  اليورانيوم المستخدم قابل للاستخدام العسكري النووي وصنع قنبلة ذرية كما يقول الخبراء .

وقد تمكن العراق في الواقع كما ذكر الخبراء  من انتاج هذا النوع من اليورانيوم أيضاً  بطريقة " الطرد المركزي " في مصنع التاجي مما يتيح للعراق إمكانية صنع قنبلة أو قنبلتين نوويتين تجريبيتين في  السنة . وكان من المتوقع أن تتكلل مشاريع العراق بالنجاح ويتوصل إلى صنع القنبلة النووية سنة 1992 ، وفي أسوأ الاحتمالات  عام 1993  لولا وقوع كارثة غزو الكويت .

 كان العراق يريد معادلة أو موازنة  القوة النووية الإسرائيلية إذ أن إسرائيل كانت حتى ذلك الوقت تمتلك أكثر من 200 قنبلة نووية ، ولديها برامج متطورة ومتقدمة جداً لصنع الأسلحة  البيولوجية ( الجرثومية ) والكيماوية بالاضافة إلى وجود منظومة مضادة للصواريخ ( باتريوت ) ومجموعة كبيرة من الصواريخ الباليستية بعيدة ومتوسطة المدى ..

وعندما باشر العراق ببرنامجه الكيماوي والبيولوجي إلى جانب البرنامج النووي ، تمكن من صنع كميات لابأس بها في سنوات الثمانينات ولم يحجم عن استخدامها أو إخفائها كما تفعل إسرائيل بل بالعكس أعلن عنها وتفاخر بها ولم يتورع عن استخدامها ضد إيران وضرب المدنيين  في قلب المدن حتى في قلب طهران العاصمة إذ كانت صواريخها تصل إليها وهي محملة بالاسلحة الكيماوية ، لإجبارها على القبول بوقف إطلاق  النار ، وكذلك استخدمها ضد الأكراد  المتمردين على حكمه في حلبجة  في 17/3/1988 مما أدى  إلى مقتل  5540 شخصاً في ثواني معدودات و إصابة وتشريد 70 ألف آخرين ليس فيهم من لم يصب بجروح أو تشويهات أو آثار التعرض للغازات السامة ، وقد توفي منهم بعد اقل من عام 6 آلاف شخص  ليرتفع عدد ضحايا تلك المجزرة المروعة إلى 11540 ألف ضحية  ومازال الكثير من الأكراد يعاني من آثار تلك الكارثة البيئية بعد مرور 13 سنة عليها .

إن آثار استخدام السلاح الكيماوي ستبقى باقية لأجيال  عديدة لاحقة وستظهر على شكل تشويهات خلقية وجنينية وحالات عقم وإسقاط مبكر  الخ .. إلى جانب التلوث البيئي  بعد إلقاء كميات كبيرة منها في نهري دجلة والفرات . فمن المعروف  أن النظام العراقي كان يلعب لعبة القطة والفأر  مع لجان الأمم المتحدة المكلفة بالتفتيش عن أسلحة الإبادة الجماعية وتدميرها، حيث كان يرواغ معها محاولاً التهرب منها وعدم الكشف عمّا لديه من هذه الأسلحة وعدم تسليمها بل وإنكار وجودها ما أمكنه ذلك .

كان النظام العراقي يضع  المواد الكيماوية والبايولوجية ( الجرثومية ) التي تستخدم في صناعة الأسلحة المحرمة دولياً، في حاويات وشاحنات تشبه تلك المخصصة لنقل وحفظ المواد الغذائية من ثلاجات وبرادات متنقلة ويكتب عليها أسماء مثل ( آيس كريم ) و ( ألبان وحليب ) و مواد غذائية ) و ( مشروبات غازية ) ألخ  ثم ترسل الشاحنات لتختبيء بين الأزقة والأحياء السكنية الشعبية ريثما تنتهي لجان التفتيش من مهمتها وبعد ذلك  تعاد المواد الخطيرة إلى مخازنها . ويعتقد الخبراء  أن جزء من هذه المواد قد تسرب إلى خارج الشاحنات ولوثت البيئة وتسببت في العديد من الأمراض للناس الأبرياء لأن الشاحنات ليست مصممة لهذا الغرض وليست محكمة الإغلاق ولكن لا أحر يتجرأ على التحدث في هذا الموضوع أو انتقاد الحكومة العراقية وتحميلها مسؤولية ذلك . وعندما تباغت لجان التفتيش  المخازن في فترة لم يكن النظام  العراقي مستعداً فيها   لاخفاء ما عنده من مواد كيماوية وبيولوجية ، يقوم رجال النظام بإلقاء تلك المواد السامة في نهري دجلة والفرات للتخلص منها على عجل . كما حفظت بعض هذه المواد في ثكنات الجيش بعد إخراجها من مخازن هيئة التصنيع العسكري التي تتعرض للتفتيش المستمر . وعندما فاجأت فرق التفتيش معسكر الرشيد قام الضباط والعساكر  بالقاء ما عندهم في نهر دجلة . وقد تكررت هذه العملية عدة مرات في مناطق أخرى من العراق  والقيت المواد في شهر الفرات.

أنتج العراقيون غازات سامة مثل الخردل والسارين والتابون وجربها على أرض الواقع في إيران وفي حلبجة كما ذكرنا قبل قليل ولم يتوان النظام العراقي  في استخدامها بعد ذلك في مدن عراقية أخرى بعد سنوات قليلة بعد هزيمته في حرب الخليج الثانية  بمرآى من قوات التحالف  وذلك لقمة الانتفاضة الشعبية ضده في آذار 1991 . فقد قصف مدينة كربلاء بمادة أفلاتوكسين وهي مادة بيولوجية سامة تسبب أمراض السرطان ممع رفع نسبة الاصابة بالسرطان بين أبناء المدينة إلى 50 % أكثر من المعدل العادي في الظروف الطبيعية . ومن جهة أخرى قال ضابط عراقي هارب لجأ في 12/11/2001 إلى ألمانيا ، أن السلطات العراقية دفنت في أيار / مايو 1993 مواد كيماوية  وبيولوجية شديدة الخطورة ، ومحزّمة  في مقبرة الكرخ التي تبعد مسافة 25 كلم من مركز العاصمة بغداد، بعد أن وضعت تلك المواد في تشع توابيت محكمة الإغلاق  وفرضت رقابة مشددة على المقبرة وحراسة دائمية 24 ساعة على 24 ساعة واستغرقت عملية الدفن أربعة ايام حيث وضعت أسماء وهمية  لضباط استشهدوا خلال تأدية الواجب  المقدس على تسعة قبور ، ولكن لم يزرها أحد . وبعد فترة من الزمن تمت تسوية القبور مع الأرض وأزيلت كابينة الحراسة وهذا يشير إلى أن السلطات العراقية استرجعت المواد المدفونة لإعادة استخدامها في برامجها الحالية بعد خروج فرق التفتيش الدولية . وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن النظام العراقي مازال مصراً في المضي في برامجه ومخططاته  التسليحية السابقة وكأن شيئاً لم يكن  وأن حرباً لم تقع .

كان العاملون في هيئة التصنيع العسكري يعانون من الفراغ والملل  لعدم وجود عمل يقومون به ، أبان وجود لجان التفتيش الدولية ويمضون أوقاتهم بالسباحة ولعبة النرد والطاولة والدومينو والورق في الفنادق السياحية والنوادي الخاصة بهم . ولكن ومن سنتين أو اكثر بقليل لم يعد يراهم أحد أو يتقي بأحدهم إلاّ نادراً وبالصدفة كما  نقل شاهد عيان خرج من العراق مؤخراً تربطه علاقة عائلية  مع أحد هؤلاء  العلماء .

ثم أعترف عالم نووي عراقي آخر هو سلمان ياسين زوير ، الذي هرب مؤخراً من العراق ، بأن صدام حسين أمر العلماء العراقيين في آب / أغسطس سنة 1998 باستئناف نشاطهم السري على قدم وساق  لتنفيذ البرنامج  النووي العراقي الذي توقف مؤقتاً بسبب  الحرب ، خاصة بعد خروج لجنة الأونيسكوم  من العراق ، وكان هذا العالم قد خدم مدة 13 سنة في هذا البرنامج وقال أن التجارب تجري اليوم في منطقة الجادرية في بغداد . وفهم العالم العراقي الهارب ان صدام حسين لم يغيّر رأيه وهو فخور بفريقه النووي لأنه ما زال يطمح ويحلم أن يكون أول  رئيس عربي يملك القنبلة النووية العربية. " فالعراق لم يتوقف حقاً عن إنتاج أسلحة التدمير الشامل  ( نووية وكيماوية وبيولوجية ) ، وسائل إيصالها إلى أهدافها الاستراتيجية أي الصواريخ الباليستية البعيدة والمتوسطة والقصيرة المدى " وقد سبق لصدام حسين  أن صرح في إحدى خطبه قائلاً : " إن طموحات الشعب العراقي وآماله تتعدى حدود العراق إلى ما ورائه " .

كما أكد عالم نووي عراقي آخر هذا الكلام وهو الدكتور خضر حمزة  الذي صرح : " إن كلفة  البرنامج النووي العراقي بلغت 10 مليار دولار ، وهو مازال مستمراً ، حيث نجح العراق في خداع وكالة الطاقة الذرية الدولية إذ أفلح في إختراق هذه الوكالة الدولية من خلال تعيين أحد عملائه في داخلها وهو الدكتور  عبد الواحد ساجي  في مقر لوكالة في جنيف  ومن خلاله تمكن العراق من معرفة أساليب عمل الوكالة في إجراء التفتيشات وعمليات الاستشعار عن بعد بواسطة الأقمار الصناعية . وأكد خضر حمزة أن صدام حسين كان قريباً جداً من تحقيق حلمه في انتاج القنبلة النووية العراقية ، وإنه كانت لديه عبوة نووية قارة على إحداث انفجار نووي يعادل 1 ـ 3 كيلو طن ، أي حوالي 100 ـ 3000 كيلوغرام من مادة التي أن تي TNT وامتلك 25 كيلو غرام من اليورانيوم المخصب 235 الصالح والجاهز للاستخدام لصنع القنبلة النووية وكان يختزن هذه الكمية في مجمع الأثير  لكن عاصفة الصحراء دمرت هذا المجمع الصناعي إلاّ أن صدام نجح في إنقاذ هذه الكمية من اليورانيوم رغم إدعائه بفقدانها ، وقد نقل صدام حسين نشاطه إلى دول صديقة  ومؤازرة له لمواصلة مشاريعه التسليحية كما صرح بذلك عالم نووي عراقي آخر هرب من العراق مؤخراً هو الدكتور إبراهيم ياوي . وقد سبق للعالم العراقي سالم ياسين زوير أن صرح لصحيفة الصنداي تايمز البريطانية في 17 ديسمبر 2000 " إن العراق مايزال قادر على إنتاج القنبلة الذرية  " وهو الأمر الذي اشار إليه سكوت ريتر  عضو لجنة التفتيش الدولية المتعاون مع إسرائيل ، وقال إن العراق مايزال يمتلك 18 صاروخ باليستي  بعيد المدى يمكن تسليحها برؤوس نووية  إذا  توفرت للعراق الكمية اللازمة من اليورانيوم  المخصب 235 وهو ما قد يكون قد حصل عليه من روسيا من خلال التهريب والسوق السوداء . وقد يكون العراق  أخفى ثلاث قنابل  جاهزة  لللاستخدام بمجرد توفر مايلزمها من اليورانيوم المشار إليه . وان لجنة الأونيسكوم على علم بذلك  وتعرف الكثير من التفاصيل بهذا الشأن وعن كيفية إخفائها .

ثم نشرت صحيفة " بيلد " الألمانية  ، نقلاً عن جهاز المخابرات الألماني ب ن د ، إن العراق  يستخدم مصنعاً سرياً لتطوير صواريخ باليستية في مصنع  يقع شمال شرقي بغداد بـ 40 كلم وقد أجرى ثلاث تجارب ناجحة بصواريخ يبلغ مداها 3000 كلم ، بينما أكدت نشرة فورين ريبورت في أيلول / سبتمبر الماضي  أن هناك تعاون نووي بين العراق والجزائر . ولا يزال العالم يتذكر اعترافات صهر الرئيس العراقي  حسن كامل ، الذي هرب من العراق إلى الأردن ثم عاد إلى العراق وقتل هناك ن حين قال : " إن صدام حسين ما يزال يمتلك قدراً من الأسلحة الفتاكة وأسلحة التدمير الشامل  المتنوعة  التي يهدد باستخدامها  إذا ما أحكم الطوق على رقبته باعتبارها أسلحة الملاذ الأخير  للمحافظة على نفسه ونظامه " لكنه لم يستخدمها في حرب الخليج الثانية ضد قوات التحالف خوفاً من ردة فعل عنيفة بضربه بالقنابل النووية  وبعد أن حصل على ضمانات بابقاءه ونظامه في السلطة والسماح له فيما بعد كدليل على هذا الالتزام ، بسحق الانتفاظة الشعبية واستخدام الأسلحة الثقيلة والمروحيات والأسلة الكيماوية .

وكان تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية قد اشار إلى إحتمال إجراء العراق لتجارب نووية قبل حلول عام 2015 لكن ذلك يبقى مرتبطاً بمدى تأثير  ونجاح أو عدم نجاح  مساعي مجلس الأمن في إحتواء العراق وتطويقه ومنعه من مواصلة مشاريعه التسليحية  وتطوير  دراته الصاروخية  وامكانياته التصنيعية .

وكانت محاكمة المتهم المصري بالتجسس شريف فوزي الفيلالي  قد كشفت عن تنسيق بينهوبين متهم روسي يدعى غريغوري غيفنس  لبيع اسلحة محرمة دولياً للعراق تم تهريبها من مخازن الجيش الروسي  ، ومن أوروبا الشرقية ومن السوق السوداء في الغرب .

من الثابت اليوم أن العراق تمكن بأمواله وبكادراته  الوطنية  وأموال دول الخليج ووساطاتهم لصالحه في سنوات  الثمانينات مع دول العالم ، من تكوين قوة استراتيجية لايستهان بها،ولولا أوهام العظمة  والغرور والاستهانة بالآخرين  والانزلاق إلى مغامرات غير محمودة العواقب كحربي إيران والكويت ، لتمكن العراق من الانضمام إلى النادي  النووي أسوة بالباكستان والهند وإسرائيل ولأصبحت صواريخه تبلغ في مداها 3000 كلم منذ العام 1992 ، حسب تقديرات مدير الاستخبارات العسكرية العراقي الهارب الجنرال وفيق السامرائي .

وأخيراً ، إذا كانت استحقاقات الحروب قد جردت العراق من إمكانات صنع أول قنبلة نووية عربية ( وهو حق مشروع طالما تمتلك إسرائيل مثل هذا السلاح )، فهل تستطيع سيروة السلام ، إذا ما تم التوقيع على معاهداتها ، تجريد  إسرائيل من سلاحها النووي ؟ وهل ستكون الولايات المتحدة الأميركية قادرة على كبح الطموحات الإيرانية  في إمتلاك السلاح النووي كما أمتلكته كل من الهند والباكستان، وهل يستطيع السلاح النووي أن يحافظ على قامته وقيمته العسكرية والسياسية  السابقة أمام السلاح الكيماوي والجرثومي والصواريخ الباليستية البعيدة المدى التي يمكنها إيصاله إلى أي مكان ( باعتباره سلاح الفقراء  الفتاك ) ، والذي مازال يتطور يوماً بعد يوم  بأساليبه المتطورة من ناحية الاطلاق والتفجير ؟ العبرة ليست في نوعية السلاح بل في طبيعة من يمتلكه  وهل يمكن أن يستخدمه إذا دعته الضرورة إلى ذلك وهنا تكمن خطورة الموضوع .

  

 

 



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- د. نصر حامد أبو زيد ومسألة التأويل وفلسفته
- أبعاد الحملة الإعلامية ضد المملكة العربية السعودية
- العراق: لعبة القط والفار في تهريب النفط العراقي
- حقيقة الحوار بين الأديان
- حرب المخابرات لن تقع؟
- الإسلام في مرآة الإعلام الغربي الإسلام الأصولي والإسلام العص ...
- اليورانيوم المنضب ّ: الحرب غير المرئية
- النظام السياسي الإسرائيلي
- هل بدأ العد التنازلي لمصير نظام صدام حسين في العراق فعلاً ؟
- زمن المرارة بين واشنطن والرياض
- الإسلام والأصولية التاريخية
- الشرق الأوسط بين طموحات الأمريكيين وعجز الأوروبيين واستسلام ...
- الانتفاضة الفلسطينية في مرآة الإعلام الإسرائيلي
- الحق القديم : وثائق حقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية
- منى أيوب :- الحقيقة : سيرة ذاتية
- مونوبولي MONOPOLY
- الإسلام السياسي وإشكاليات الديموقراطية السياسية المعاصرة : ن ...
- البعد الأيديولوجي لنشوء الإسلام السياسي: رؤية غربية
- بغداد المنفى والحنين
- هل يحق للمثقف الفرنسي نقد السياسة الاسرائيلية دون ان يتهم بم ...


المزيد.....




- شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري ...
- جنوب إفريقيا.. مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من على جسر
- هل إسرائيل قادرة على شن حرب ضد حزب الله اللبناني عقب اجتياح ...
- تغير المناخ يؤثر على سرعة دوران الأرض وقد يؤدي إلى تغير ضبط ...
- العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان مساعدة إنسانية عاجلة- لغزة ...
- زلزال بقوة 3.2 درجة شمالي الضفة الغربية
- بودولياك يؤكد في اعتراف مبطن ضلوع نظام كييف بالهجوم الإرهابي ...
- إعلام إسرائيلي: بعد 100 يوم من القتال في قطاع غزة لواء غولان ...
- صورة تظهر إغلاق مدخل مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل بال ...
- محكمة العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان توفير مساعدة إنسانية ...


المزيد.....

- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم
- افغانستان الحقيقة و المستقبل / عبدالستار طويلة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - جواد بشارة - مشاريع التسلح العراقية: واقعها ومخاطرها