أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - الصحافة الســوداء















المزيد.....

الصحافة الســوداء


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1063 - 2004 / 12 / 30 - 11:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كانت الصحافة الصفراء كما يعلم الجميع, هي ذاك النوع من الصحافة المنتشر ة والمزدهرة في الغرب, وفي الدول التي تتمتع بالكثير من الحريات الصحافية وحرية التعبير, وهي تتناول عموما قصص الفضائح والجنس والإثارة والأسرار, وتنشر دائما الغسيل الوسخ على الأبواب والحيطان والجدران, وهذه الصحافة لها قراءها وزبائنها ,وعموما هي ترمز الى الإنحطاط والإثارة الفارغة من أية مضامين وبعناوين براقة تستحوذ على نظر القراء وانتباههم,وهي تستعمل لمرة واحدة وترمى في القمامة غير مأسوف عليها,فإن الصحافة السوداء بشقيها الطالباني المتطرف والقومي الأصولي, هي التي ساهمت بشكل أو بآخر مع كتابها ومحرريها لما وصلنا إليه من حالة مزرية نظرا لما قامت به من عمليات تزييف وتشويه وعمليات غسيل دماع شاملة وقلب للواقع وإغفال للقضايا الكبرى والهامة التي تهم الناس بشكل عام . وباختصار شديد لقد كان تاريخ هذا النوع الصحافة أسودا نظرا لما قامت به من نفاق ودجل وكذب وتحريف للحقائق وطمس لها خدمة للسلاطين ورغباتهم السلطوية الشريرة والدنيئة.

فقد نشأ أيضا وفي فترة ما وفي ظل غياب كامل للفكر الحر والمتنور عن الساحة, وتغييب مقصود لحملته, ما يمكن تسميته مجازا بالصحافة السوداء, تيمنا بمثيلتها الصحافة الصفراء, التي كانت تبث كل ما هو تافه وسطحي ورخيص ولكثرة ما كانت تكتنز وتسوق لفكر الدجل والخرافة والظلام الأسود. و كثيرا ما كنت أشيح بنظري عندما يقع على واحدة من تلك الصحف التي نشأت وتسرطنت ونمت أيضا في بلاد الإغتراب مطاردة أولئك الفارين من جحيم الشمولية المجنونة ومتذرعة بالتحرر من أي انتماء لأي جهة وباستقلالية التمويل.

ولقد سيطرت هذه الصحافة على الشارع الإعلامي والسياسي لمدة زادت عن عقدين من الزمن. وكانت ذات اتجاهين مختلفين شكليا ولكن متفقين جوهريا, وهدفهما الأول والأخير هو القضاء على ما تبقى من عقل وتنوير ونزعة حضارية وتوق تحرري لهذا الإنسان الذي شاء حظه العاثر أن يكون إحدى الرعايا في هذه الجغرافيات الرثة. وكان جل اهتمامها لأول والأخير هو تكييف هذا الانسان وترويضه مع ظروف الحكم وإيديولوجيتهما المتناقضتين. والمقصود بالطبع تلك الصحف القومية الأصولية المتشددة التي كانت تهلل وتسبح وتمجد بفكر الزعيم الملهم والقائد التاريخي الذي لن يتكرر سليل الحقب الستالينية النكراء. وترصد أية حركة يقوم بها على أنها طقوس مقدسة وبركة سماوية غايتها سامية وما على الرعايا المساكين سوى التبرك به والتسبيح بحمده. وتظهر صغار المسؤوليين ,والتابعين, والحرامية ,و"المشلحاتية" و"النشترية", وسدنة السلطان المتمسحين بالفكر الثوري اللاهب ومن هم على شاكلتهم على أنهم منحة أممية ميتافيزيقية كريمة وطفرة تاريخية, في طقوس مفضوحة من الورع الوطني والطهر السياسي والعفة القومية, وعلى جميع الرعايا المسروقين والمنهوبين الإهتداء بهم واللحاق بهم.

وعلى الضفة الأخرى, تلك التي كانت تروج للغيب والظلام والشعوذة والخزعبلات الغامضة. وكأن الاتجاهين المتناقضين كانا على اتفاق ووئام بان الهدف من هذه الحرب الشعواء هوالتدمير الكلي والتحطيم التام لهذا الكائن المرهق والممزق والمحمل بأعباء وأوزار وأثقال تاريخية كبرى. وقد كنت أقوم بحركتي اللاإرادية العفوية تلك – ومعي الكثيرون -- لأسباب منها أنني كنت أعلم سلفا مافي هذه الصحافة من درر ولمن تسوق وباسم من تنطق, ومن هم الدهاة الذين يلعبون هذه الألعاب القذرة ,وبسبب رائحة النفط العربي الثقيل وتطايرغاز الميتان منها وبواعث الديزل الفواحة والفساد والعفونة السياسية وحجم الدجل والنفاق الموجود بها, والتي كانت تنطلق منها بشكل نفاذ وقوي وواضح , ولمعرفتي التامة أيضا بفرسان الكلمة الأشاوس الذين كانوا يحررونها ويقدمونها ويستهبلون ويستغفلون القراءالذين وقعوا في مخالبهم في إخراج فاخر وجميل لا يعكس المضمون الأسود الحقيقي فيها. وكانت في فترات متباعدة تقدم وتستضيف أو تستكتب ذاك المفكر اليساري العلماني واستخدامه كطعم وإبعاد تهمة الظلام الداكن عنها. واستغلت بدهاء ومكر الستار الحديدي والطوق الأمني والإغلاق الفكري في الدول شمولية التوجه ببعديه الظلامي والقومجي لتعود تحت مسمى صحافة مهاجرة مستقلة فيها قدر من الحرية والليبرالية الخادعة.وكانت تقدم للصوص والمافيات على أساس أنهم رجال أعمال محترمين ومبدعين على شاكلة بيل غيتس تماما وأنتجوا ثرواتهم وممتلكاتهم وبنوا امبراطوريتهم في الغرب ولا علاقة لأموالهم لا من قريب ولا من بعيد بخزائن وخوابي الذهب المستباحة وهكذا بكل بساطة. وساهمت تلك الصحف والمجلات لكثرة الضخ الظلامي الأسود الذي كان يتدفق من بين جنباتها في تكريس ثقافة الإلغاء والإستئصال وفكر الإجرام الذي يعاني منه الممولين السابقين لهذه الصحافة السوداء الآن.

فقد كانت تقدم نجوم الإرهاب الدوليين الحاليين المعروفين والمطاردين على أساس من أنهم مجاهدين ورجال تحريرعظام بذلوا الغالي والرخيص لنصرة الحق وقتال الكفار المشركين.وكانت هذه المقابلات والأحاديث والخبطات الصحفية المثيرة تجري ليس ببعيد عن الأماكن المقدسة الإسلامية الأخرى المحتلة اللتي لم تكن تعني لهم أي شيء في ذلك الزمن الجهادي الغابر, ولم تتم الإشارة إليها لا من قريب ولا من بعيد .كما اختارت كتابا بعينهم من أصحاب الفكر الظلامي الأسود وثقافة الإستئصال ليبثوا سمومهم ومخدراتهم التي جعلت الكثيرين في حالة غيبوبة حضارية وإنسانية وسبات عقلي دائم قد لا يفيقون منه في مدى الألفية الرابعة القادمة حسب تقدير أشد المراقبين تفاؤولا. وأجج لدى شرائح الرعاع والدهماء نزعة الإجرام التي لا يشفي غليلها سوى رؤية الدم المسفوح والرؤوس المقطوعة والتي نرى تجلياتها الواضحة اليوم.فيما كانت زميلاتها الأصولية القومية تبث المخدرات القومية والأحلام المريضة, والشعارات الخلبية الكاذبة ,والأوهام المستحيلة مغفلة القضايا الكبرى, والإستراتيجية العظمى, ومبتعدة وبشدة عن الواقع,ورأينا نهاية ذاك النفاق المتراقص بأن قامت دبابتين لا أكثر في دحر جيش القدس المليوني الكرتوني الورقي والذي كان موجودا فقط على الأوراق والإحصاءات المزيفة التي كانت تقدم للرفيق القائد المهيب الملهم من قبل جوقة الكذابين المعروفة, والتي لاتزال تمارس نفس الدور الكارثي في أماكن أخرى.

وكانت تتصدر صور المقاتلين والمجاهدين وأخبارهم وهم بالزي الطالباني المشهور, مع صحفييهم المغامرين والأبطال الميامين, العناوين الرئيسية لهذه الصحف في مسحة جهاد صوفية وملائكية أظهرتهم وكأنهم هبطوا من السماء بمباركة ربانية لتتم نصرة الإسلام المستضعف على أيديهم ممارسين بذلك واحدة من كبريات عمليات غسيل الدماغ الجماعي في تاريخ البشرية والإستهبال التوتاليتاري الجمعي والبهادل الأممية والشرشوحيات الدولية الكونية التي لم ير العالم مثلها من قبل, وكان ضحيته بالطبع ما نراه اليوم من بؤس وترد وضياع وشتات لشعوب كاملة أصبحت بمنأى عن اللحاق بالركب البشري الحضاري بسبب الإصابة بالفالج الظلامي الذي لا برء منه ولا شفاء. وقد انتهت الإثنتان إلى كوارث فجائعية كبرى. إذ كان من نتائج الضخ الأحادي الظلامي الإقصائي الأسود مأساة الحادي عشر من سبتمبر, فيما كانت نتيجة الدجل والنفاق القومي الأرعن مسلسل تساقط الاصنام الفانتازي الشهير و"كليبات" وسينمائيات الذل الحردونية التي شاهدها الغادي والبادي, والقاصي والداني, وملت شاشات الإستهبال والعهر السياسي من عرضها.

والآن وبعد أن حصل ما حصل, وصار ما صار استدارت تلك الصحافة استدارة كاملة على مبدأ وراء در, تلك الحركة المشهورة عسكريا لمن سبق له وأن أدى الخدمة العسكرية لأنه لا يملك البدل النقدي الدولاري الباهظ في الدول الثورية, وليس نخوة وطنية وحبا بالشهادة والتحرير. وبعد أن شهد الجميع مهرجانات الظلام الدموية السوداء وكيف آلت أليه حالة بني العربان وهذا السيرك المضحك المبكي والذي كان نتاج تلك الحقبة السوداء وطرحا غير شرعي لعمليات الغسل الدماغي الجماعي الشامل,تعود هذه الأدوات المفضوحة لتتجمل وتحاول الظهور بمظهر تحرري تحديثي وديمقراطي وترى نفس الكتبة الأشاوس الذين روجوا للظلام والأوهام أصبحوا وعاظا متنورين وروادا محدثين أين منهم روسو ومونتيسكيو وفولتير,ونفس الكتاب الثوريين الهائجين المسعورين وقد أصبحوا معتدلين وإصلاحيين وكأن الزمن والبشر بدون ذاكرة.

لقد كان العقل والحكمة والحياد والحقيقة, بشكل عام ,هم الغائبون الأكبر دائما عن هذه الأدوات الإعلامية ولم تكن في يوم من الأيام موجهة أو داعية للعقلانية ومخاطبة النخب المثقفة, ومارست اللعبة القذرة في استقطاب الرعاع من كلا الجانبين القومي والأصولي لكي تقدم النبأ فيما بعد وكأنه حقيقة مطلقة يتقبلها الجميع ودون مناقشة وهذه اللعبة ماتزال تمارسها الى اليوم بعض الصحف والأبواق الاستهبالاتية, وتتخفى وراء براقع قومية او دينية لتستقطب البسطاء والسذج الذين هم غالبية الجمهور إذا علمنا أن نسب الأمية التعليمية تتجاوز الثمانين بالمئة في بعض البلدان ,فيما تبلغ الأمية السياسية نفس النسب الإنتخابية الرئاسية المشهورة في نفس هذه الدول ,وكانت دائما تتناسب معها وباطراد.وغالبا ماتخاطب هذه الأبوق الجديدة المكبوتين بشكل عام دينيا وقوميا وجنسيا,ولتسويق نفسها بشكل جيد تبدأ بثها الإستهبالاتي وعناوينها الرئيسية بأحدى أدبيات هذه الأقانيم الثلاثة المعروفة والمكشوفة للجميع.

ومع ظهورالصحافة الإلكترونية الحرة والمنفلتة من أي قيد ومتحررة من التبعية,ولم يبق شيء مخبوء أو مستور, والمتوفرة بكثرة والمتعددة الأطياف ولألوان السياسية, انطلقت تلك الصحافة السوداء الى مراحل جديدة في محاولة منها لمواكبة زميلاتها الجديدات المبهرات- والتي سحبت البساط من تحت اقدام الجميع- والظهور بشكل آخر مختلف و "متنور ومنفتح", واستبدلت اللحى والعمامات والجلابيب الطالبانية بالبذات الإنكليزية, والياقات الإيطالية, وربطات العنق الفرنسية. فيما صارت الأخرى- وبشكل يدعو للدهشة والإستغراب أحيانا - تدعو للإصلاح والإنفتاح والتحرر والتعددية, بعد ان كان التعصب القومي العنصري ديدنها الأول, وتبييض تاريخها الأسود المشين بعد أن أمعنت فؤوسها ولوقت طويل في عملية الإنهيار الكبرى التي حصلت, وبالتالي فقدت مصداقيتها وأصبح الجميع يعلم ويعرف من يقف وراءها ومن يمولها ومن يخرجها.
الصحافة السوداء................لاشيء يبيضها.

نضال نعيسة كاتب سوري مستقل



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزلــزال
- إلى الأبـــــد
- حتمية العولمـة-عولمة لغويــة
- بابا نويـــــل
- مأوى العجـــزة
- أضغــاث أحـــلام
- البــدون
- الأمـــــوات
- -هرطقات عربنجية-
- صـــــــح النوم يامو
- يوم للذكرى
- المعصومون
- الحضاريون الجدد
- اللعب في الوقت الضائع
- الحوار المتمدن ........عفوا
- الثورة العالمية الثالثة
- سوق عكاظ .........الالكترونية
- اللعب مع الكبار
- الحلقة المفقودة في حلقة الاتجاه المعاكس
- الفرق الضالة..............سياسيا


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - الصحافة الســوداء