نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1048 - 2004 / 12 / 15 - 10:28
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
We ve got him" Ladies &gentlemen"" ايها السيدات والسادة "لقد اصطدناه",
وباللكنة الامريكية المعروفة , كان الكاوبوي الوسيم المتخفي ببزة مدنية وياقة انيقة لم يكن يريد ان يذكر ذلك الرجل البائس بالاسم ,كما افعل انا دائما, لعدة اسباب ربما لما كان يثيره هذا الاسم من اشمئزاز وغيظ وحنق لدى مجموعات متباينة وغير محددة لكثرتها, او لان الرجل يترفع عن ذكر اسم غريمه الاسير وبالتالي امعانا بإهانته, والذي كان يوما ما من المقربين الحميمين,او لان الرجل كان اشهر من نار على علم ولا حاجة لذكر اسمه.ولكن ومهما يكن من امر, فبهذه الكلمات المقتضبة اعلن الحاكم المدني السابق للعراق بول بريمر نبأ القاء القبض عن المناضل المتواري الذي شوهد لاخر مرة في شوارع بغداد,ببزة المهيب الركن المزيفة, وعينيه الزائغتين ترصدان شيئا ما في الافق ,ربما طائرة امريكية تترصده بقنبلة ذكية او موعد مع المجهول الذي كان الرجل البائس على موعد معه طوال عمره المثير بفصوله الدموية المشهورة. كان هذا اليوم ظهيرة الثالث عشر من كانون الاول ديسمبر وبعد ثمانية اشهر على السقوط المجلجل والمخجل في آن واحد لعروسة الرافدين الحزينة. ولقد شاهد العالم اجمع وبالعين المجردة ذلك الغول القومجي المرعب وهو مرتعد الفرائض بين يدي غر امريكي يتحسس القمل والاورام الاخرى في رأسه وقد تحول الى مسخ صغير مهزوم يطلب الصفح والعفو والمغفرة وهو مصدوم وبحالة مزرية جدا.وعند هذا المشهد الجنائزي الفضائحي المشين لانتهاء حقبة الغوغائيات الخلبية والاوسمة الزائفة والزعيق المتراقص الذي بدا انها لن تنتهي في يوم ما, بدأت مرحلة جديدة مليئة بالالم والامل في نفس الوقت. وقد بدا الرجل الذي كان يجاهد هذه المرة بالكاسيتات المهربة الى الفضاء الاستهبالي ضعيفا وهزيلا وخاويا وتساءل المعجبون المحبطون عن سر الطلقة الاخيرة الضائعة في الوكر الجرذوني الغائر. وادرك المخدرون بالغيب القومي الاصولي ان العنتريات الفارغة, والعوائيات المزعجة,والدونكيشوتيات التهريجية المضحكة اضحت وبلمح البصر دونيات رخيصة, ومخزيات مشينة, وشرشوحيات فضفاضة بصق عليها الجمهور المحبط ومضى الى قدر جديد غامض. وكم كان الخذلان كبيرا والشماتة عظمى والتشفي واضح من الجمهور الموزع بين معارض ومستغفل وهائم. فيما كانت الارامل والثكالى والايتام يزغردن ويصرخن ويولولن في عرس جل حضوره من الاموات والقتلى المضرجين بدماء لم تجف بعد, وحملة الاكاليل الحزينة السوداء ولا معزين. وكانت جوقة الزفة العربنجية تكتب مرثيات الدفن الاخير وتغني مواويل النحيب الطويلة. كما باشرت لجان من الصليب الحمر الدولي ومنظمة الصحة العالمية بتفحص المكان الذي انزوى فيه المناضل المنبراتي الخنفشاري الهارب لدراسة القدرة البشرية التحملية الكامنة لعودة الانسان الى الجحور في حال فناء العالم على يد متهور طائش قد يعبث بالازرار النووية الخطرة بغباء وحماقة يوما ما. وقد كانت نتائج هذه الدراسة غريبة وصاعقة وفاجعة وستقدم بشفافية للجمهور في وقت لاحق. وفي هذه الاثناء ايضا وبينما لم يصح البعض من هول صدمة المشهد الانفجاري الماحق انطلقت ابواق نشاز تبشر بالاصلاح مخافة استنساخ مشاهد صيد مرعبة جديدة --مستوحاة من محطة ديسكفري -- وغير مألوفة في جحور واوكار قد تكون قريبة او بعيدة. وبدأت السيمفونيات الاصلاحية بالعزف على ايدي قائدي اوركسترات بدوا وكأنهم غير مؤهلين لهذا النوع من العمل الذي يستلزم انامل ملساء ناعمة ورقيقة ,فيما كانت الاكف الخشنة الضاربة تصلح لدق طبول الحرب فقط, وصفع ولكم المعارضين المشاغبين بضربات بدا بعضها قاضيا وقاتلا في مرات كثيرة.بينما راحت ثلة بعينها تتكاثر وتتسرطن في هكذا اجواء بفلسفة وجدولة وأصلحة الاصلاح وبمدحيات قصائدية عصماء مراوغة زائغة وتاويلات سطحانية استهبالاتية هلامية خزعبلاتية فاضحة, لا يعرف لها شكل ولا تمسك من طرف,مجترين بذلك مقولات وادبيات فانتازيا الضحك على اللحى والذقون والتسويف المعهودة والمستمرة بنجاح ودون انقطاع منذ نصف قرن, والتي يتابعها الجمهور بملل واضح. فيما كان قسم اخر من الجمهور وعلى الطرف الاخر الاكبر يتابع ببلاهة تسويق الوهم وتبديد الامال ووأد الاحلام من الجهبذ الالمعي المتفلسف المستهبل دون ان يكون له الخيار في مغادرة صالة العرض المقفلة باحكام .واعود هنا وفي هذه النقطة بالذات لاتذكر لحظات منذ زمن البراءة والاحلام البيضاء الوردية الباسمة قبل ان يسفحها الطيش العربنجي الغاشم الارعن ,وكنا نتابع افلام "الوسترن" القادمة من وراء المحيطات حيث كان البطل الاسطوري الذي لا يهزم والذي ينتصر في النهاية على زمرة الاعداءمهما كان عددهم والذي لاتنفذ ذخيرته ابدا, وكيف انتهى هذا الفيلم "الايسترن " المثير دون ان يكون لدى "البطل" اية طلقة يطلقها في الفيلم العجيب.وادركت حجم الخداع والنصب الشامل الذي تعرض له هؤلاء القوم البائسين ولعقود خلت من العصابات الجهنمية الساقطة.وحمدت الله في نفس الوقت ان المستور قد بان ولم يعد هناك مخبوءات او براقع عربنجية براقة يتسير خلفها المتسترون. ولكن نعمة النسيان تصيب الجميع ومهما كان الحدث جللا والزمن قريبا. فلقد عادت جحافل الابواق التزييفية الهادرة الى اعادة الضخ الحشوي الاجوف من نفس البئر الجاف تماما,بعد ان ملت الشاشات الفضية من عرض مناظر الفيلم البغدادي الكئيب . وكأن ماحصل لم يكف, وكان انهار الدروس والعبر لم ترو صحارى العقل القاحلة المصابة بمرض الخدر والنسيان. وعادت الاكف الخشنة الغليظة لتضرب على نفس الطبول الفارغة البالية وبايقاع ممل مرة اخرة ولكن "اخيرة" .وضاعت وسط الايقاعات المدوية تلك الالحان العذبة التي لم تسمع إلا مرة يتيمة في ذاك الجو الصاخب المليء بكل أسباب الانفجارات التلقائية الكارثية العظمى. وقد اصبح في حكم المؤكد ان الانسان سمي بهذا الاسم لان الله انعم عليه بنعمة النسيان التي هي فعلا نعمة , لانه لو اتيح للانسان ان يتذكر كل شيء في حياته الفانية لانفجر دماغه واصيب بالشلل والعجز الدائم, هذا ان لم يكن قد "توكل" اصلا. واضحت الظهيرة البغدادية التراجيكوميدية في عالم النسيان ولحظات للذكرى والفرح والبكاء المرير في نفس الوقت.وتذكرت في هذه اللحظات -- على نقيض نعمة النسيان المعروفة -- ما قالته الامثال الشعبية المعبرة: "اللي مو معود عا الحليب بيحرقو اللبن".ولذلك ان كل ما جرى من نعمة النسيان الاصلاحي الفجائية اليتيمة المثلى هو خوف حقيقي على الرعايا المنكوبين ,وعلى الانامل الناعمة المستعدة للعزف يوما ما, لكي لانحترق باللبن. او بكلام اهل السياسة الدهاة اللي مو معود عا الشموليات بيحترق بنار الاصلاحات . فشكرت الله وطلبت المغفرة والسماحة والتوبة لسوء الظن بالآخرين. و.....
فالـــــــــــــــج........................لا تعالج.
نضال نعيسة صحفي سوري
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟