أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - لطيف الحبيب - اطفال الظلال خلف اسوار- تورغاو-















المزيد.....


اطفال الظلال خلف اسوار- تورغاو-


لطيف الحبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 22:26
المحور: حقوق الانسان
    


اعتقدت الانظمة الاشتراكية ان الانسان هو القيمة العليا لبناء المجتمع الانساني الخالي من الاستغلال والعبودية وسعت الى انشاء مجتمع يتساوى فيه الناس وكل حسب عمله بعد انتصار ثورة اكتوبر وسقوط نظام القياصرة , اخذت المنظومة الاشتراكية تعد هذا الانسان لبناء هكذا مجتمع خيالي , وغالت في قدرتها على تطويع هذا الكائن للوصول الى سعادته حسبما اعدت له من انظمة وقواعد ومسارات لكل مناحي حياته , واشتراطاتها بالولاء والطاعة لتنفيذ اوامر القادة, وعزلته عن عالم الذئاب الرأسمالي كما تعتقد , وحصنته بين اسوار عالية تحت تراتيل من الانشاشيد , والمارشات العسكرية وطغت عسكرة المجتمع , وتلقين الاوامر والوصايا الحزبية للشباب والفتيان والاطفال على كافة المؤسسات الانظمة فطالت كل مفاصل المجتمع والسلوك الاجتماعي, وتركزت اكثر في مناهج الانظمة التربوية للاطفال والاحداث , فلم تعد منظمات الشباب في الدول الاشتراكية تساعد العوائل وتوحي بالامل لمستقبلهم ولا منظمات الطلائع للفتيان مراتع للعب والمتعة ولا الرواد للاطفال ترمز لبرائتهم , بل اصبحت اجهزة تهديد للشباب والفتيان والاطفال , وخاصة لمن يخرج منهم على نظم المجتمع الاشتراكي والانحراف عن سمات الشخصية الاشتراكية المزمع بناؤها يتحول الى العدو الاول ويضاهي النظام الرأسمالي في عداء لدولة العمال والفلاحين حتى الاطفال الصغار يعاقبون من امهاتهم بتهديدهم بارسالهم الى الملاجئ الحكومية . تسرد الكاتبة هايداماري بولس في كتابها اطفال الظلال خلف اسوار" تورغاو"
صدر الكتاب عن مطبعة رنكه روستوك 2009 تعرضها الى اشد انواع التعذيب النفسي والجسدي على ايدي مدارء وعمال هذا الملاجئ ومعسكرات العمل والاصلاحيات . في القسم الغربي من المانيا الراسمالي كان الحديث يدور عن استغلال رجال الكنيسة للاطفال والاعتدادات الجنسية عليهم وترتفع المطالبة بالاصلاح التربوي في داخل المؤسساسات التعلمية من رياض اطفال ومدارس ومعاهد وجامعات,حينها كان القسم الالماني الثاني الشرقي الاشتراكي, يمارس غمط حقوق ووحشية استغلال وتعسف وضرب , وتمارس الاعتدات الجنسية ضد الصبيان والصبيات في 57 موسسة اصلاحية ومعسكرات اعادة تربية الاطفال والاحداث, الذين لم يستطيعو التاقلم مع سلوك واخلاقيات المواطن الاشتراكي , ومن يفشل من هولاء الصبية في اعادت تاهيله , يسفر الى معسكر "تورغاو" 50 كم شرق مدينة لايبزج ,اصلاحية الشباب المغلقة والوحيدة في المانيا الشرقية , خلف جدار يرتفع اربعة امتار فوق الارض تعتليه اسلاك شائكة , خلف هذا الاسوار,يطبق جدول عمل يومي من الخامسة صباحا , يشمل المران والتدريبات العسكرية ترافقها الاهانات والاذلال والتطويع تطبقا لشعار " من يريد ان لايسمع يجب ان يحس ويشعرالاوامر"
في الاسابيع المتبقية الاخيرة في اصلاحية " تورغاو المغلقة " كانت هايداماري تعمل بسرعة روتنية عالية تتجاوز فيها المقرر من الانتاج وكانت تنفذ كل ما يطلب منها في 11تموز عام 1974 اطلق سراحها من الاصلاحية بعد خمسة اشهر من المعانات في معتقل الاحداث هذا وتعاد الى اصلاحية " بورغ "الى بيت الاحداث ,تمكنت من اثبات قدرتها ومهاراتها الجيدة في عمل الخياطة ,اضافة الى مثالية في السلوك والتعامل , والحرص الشديد على عدم ارتكاب اى خطا خوفا ورعبا من ذكريات معسكر " تورغاو المغلق " وربما يكلفها العودة الى تلك العذابات , عليها السيطرة على نفسها ليلا ونهارا . .( في السابعة عشر من عمري اجبرت على توقيع تعهد من قبل ادارة اصلاحية الاحداث " التزام الصمت " , قبل هذا هددني عدد غير قليل من الناس بالقوة واستخدام كل الوسائل الممكنة لاجباري على الصمت , وكبت ما يعتمر في دواخلي لاكثر من ثلاثين عاما ), تم لهم ما ارادو ونجحوا في اجباري على " الصمت الاجباري " بالتهميش دفعوني الى الزويا المظلمة في المجتمع , ان لا شمس بعد اليوم او تعيش ابدا اصم ابكم اعمى . على حافة المجتمع , صبرت وابتلعت كل شيء اختنقت بدموعي , حتى اصابني الانهيار التام فتعرفت في المصحة العقلية على ناس طيبون واصدقاء يشعرون بما اشعر, استمعوا الي وشجعوني على الحديث والبوح بما في دواخلي , وادع اسراري ترى النور , اصبح واضحا من واجبي ان افصح بما يحمله قلبي وراسي من مـأسي وذكريات ليعرف العالم.
". كان للجحيم اسم اخرعند هايداماري بولس انه " اصلاحية تورغاو " فحينما تمر تحت يافطة اسم المكان في هذه المدينة الصغيرة في منطقة زاكسن , تعتريها حالة رعب وتعرق حاد وضيق نفس شديد , يرتجف صوتها حتى اليوم بعد ان بلغت 52عاما , على الرغم من مضي 35 عاما على ما عاشته في تلك الفترة , ما زالت تعاني تلك الالام المبرحة فهذه السنوات الطوال لم تدمل جراحها بعد . في "تورغاو" حيث شد الجنود الامريكان والروس على ايادي بعظهم عند نهر الالبا , قامت اصلاحية " تورغاو" وارتفع جدرانها في 1963 بعد عامين من انشاء جدار برلين لغاية 1989, الاصلاحية الوحيدة المغلقة في المانيا الشرقية, معسكر اعادة تربية الفتيان والفتيات الذين لم يرغبو المدارس ونظامها , غابو عن المدرسة , لم يحققوا علامات جيدة , لم يتمكن اولياء امرهم اعادتهم الى حضيرة المجتمع , فاعتبرتهم الدولة ونظامها التعلمي والتربوي خارجون عن طاعة الحزب والدولة ومنظماتها الجماهرية وخانو الصلوات العشرة لمنظمة "أرنست تيلمان" للطلاع . هايداماري بولس واحدة من اربعة الاف صبية وصبي تعرضوا للعذبات والاهانات في معسكر تورغاو " , ما جري وحصل لنا في" تورغاو" لا يستطيع احد ان يتخيله " . تعرضت لنفس اساءات زوج امها في فترة لاحقة من قبل اثنين من الفتيان واحد المربين في ملجأ للاطفال , هي ومجموعة من الاطفال , قساوة في المعاملة ، اهانة ،واذلال يومي في "دوراصلاحيات الأطفال والاحداث المغلقة", انها قلاع وقصور قديمة للنبلاء والامراء والسادة في عمق الغابات احالتها دولة المانيا الديمقراطية الى مؤسسات اعادة تاهيل وتربية الاطفال والاحداث على غرار تجارب الاتحاد السوفيتي وعراب التربية الاشتراكية " مكارنكو " الذي اسس اول مستعمرة لاصلاح الشباب حملت اسم
" مستعمرة غوركي " عام 1920 من خلال هذه الاصلاحيات والاقسام الداخلية ومعسكرات اعادة التربية , ارادت السيد " مارغريت هونيكر" وزريرة التربية والتعليم زوجة ريس الحزب والدولة "اريش هونيكر " اعادة هولاء الاولاد والبنات الضالين الى حضن المجتمع الاشتراكي الى حضن الدولة والحزب عبر الاجراءات العسكرية وانظمتها الصارمة التي طبقها روساء هذه المؤسسات علىمن يبدوا جموحا من الاولاد والبنات اويمارس عصيانا او تمردا ويتململ لثورة ما , ينتهي به المطاف عند" تورغاو" , هذه هي المحطة النهاية , ومن يصل الى هذه المكان يكون في نظر المجمتع ومدراء الموسسات التربوية يافعا صعب المراس و التربية , خارج عن انظمة المجتمع الاشتراكي , ضد الشخصية الاشتراكية التى تطمح الدولة لبنائها ويطلق عليه " منحرف عن المجتمع" ورغبات هذا الكائن الجموح هي بقايا حطام سفينة مجتمع يجب تكسيرها هنا تماما , "في العادة نحتاج الى ثلاثة ايام لاخضاع الاولاد والبنات الى تطبيق اوامرنا" كتب السيد هورست كريتشمر مدير معسكر" تورغاو" لسنوات طويلة , نضع كل قادم جديد في زنزانة "التوصيل" لمدة ثلاثة ايام حجمها ثمانية امتار مربعة مظلمة وقبل ان يدخل الصبية او الصبي زنزانة الانعزال يقص شعره ويلبس ملابس الاصلاحية . ويخضع الى نظام العقاب الفردية و الجماعي فالعقاب الفردي من قبل المربي والجماعي من خلال المجموعة التي ينتمي اليها الفرد , فالمجموعة تعاقب اذا اخطاء الفرد فتحاول المجموعة هذه تجنب الاخطاء تفاديا للعقوبة الجماعية عبر العمل على تنفيذ الامر بدقة وهمة عالية , والضغط على افرادها للالتزام وعدم التفرد والخروج على نظام الجماعة , " العمل الجماعي يخلق السلوك والطاعة الجماعية لتنفيذ الامر ويؤمن بناء الشخصية الاشتراكية الملتزمة بسلوك واخلاق المجتمع الاشتراكية الذي يطيع الحزب الاشتراكي " كل مايقوله الحزب صحيح لا يحتمل الخطأ" ويسير بالدولة الاشتراكية الى ضفاف المجتمع الشيوعي." افكار مكارنكو التربوية بعد تحولاته الاستالينية"
(لقد شارك في تاسيس مدارس العمل المختلطة ضمت ايتام الحرب والشباب اللصوص واعضاء العصابات , والجنود الاطفال والصبايا العواهر, متبعا الطرق التربوية المسالمة الغير عنيفة, لاتعتمد عقوبة الضرب , اضافة الى الحد من السيطرة الابوية للمعلم استمد افكاره التربوية من المفكرين الانسانين مثل روسو وبيستالوزي, ووضع مبادئ اساسية لطريقته اولا الانضباط الداخلي , ثانيا الادارة الذاتية والعمل المنتج ثالثا , السلطة التربوية تعتمد على احترام التلميذ ومنحة الثقة المطلقة بقدرته على ادارة شؤنه ومعالجة مايطرحه الظرف المحيط وما يترتب عليه من نتائج . اجتاز مكارنكو محنة الاستالينية بدون اضرار لكنه اضطر ان يخضع ويطبق طروحات استالين )
في 22 ديسمبر 1974 اخلي سبيل هايداماري مبكرا من بيت الاحداث, بناء على اجتهادها في العمل ومثالية الاخلاق والسلوك , وبقيت تحت ادارة رعاية الشباب حتى بلغت الثامنة عشر من عمرها فسمح لها بالسكن مع جدتها .
ولدت هايداماري في "نيو كالن"بالقرب من رستوك في المانيا الشرقية عام 1957 عانت لسنوات طويلة من اساءات زوج أمها بعد ان انفصل الاب عن امها ,وظلت متعلقة بابيها الذي مثل لها مثال الرجل ," اتذكر اخواتي الصغار وبيت امي وطواف صورة ابي بلمح بصر كنت اكبر الثلاثة في بيتنا الدافئ بالموقد الاخضر والمقعد المستطيل جلست عليه طويلا جنب امي اتلمس دفئها ولكني لا اذكر غير الم صفعات كفها , وارتجاف اصابعها وصوتها الموتور دوما الحانقة على كل شيء واوامرها الصارخة دوما . في زاوية رطبة باردة معتمة من الغرفة الكبيررة ارقد انا واختي بكائنا نشيج متقطع هامس تنسب الدموع فقط مع حشرجة في البلعوم ناتف على بعضنا من البرد لا نجرأ ان نصرخ تجنبا لكف امنا الكبير على ظهورنا العارية ص 7 , كانت تقول دوما البيت للنوم فقط وليس للبكاء , اسمع اغلب الليالي الصراخ المكبوت وانهض مفزوعة واعود الى النوم , في هذه الليلة سمعت امي تبكي ذهبت اليها كانت في حالة يرثى لها تفوح منها رائحة الكحول وزجاج النافذة مهشم , وايضا هناك رجل لا اعرفه, حدثني ببطئ واحتضنني بذراعيه ولكن رائحته ليست رائحة ابي , طلب مني ان اذهب الى النوم . بعد فترة ولدت اختي الثالثة " برتا ", كانت صغيرة جدا تشبه اختي روزي كثيرا التي ذهبت الى بيت جدتي لتعيش هناك لضيق المكان في البيت . انتقلنا بعد فترة من البحث الى بيت بغرفتين ومطبخ وحمام كنت العب في الشارع مع الاطفال ,ولكني لا استطيع دعوتهم الي البيت , امي ترفض بشدة ,اضافة الى عدم وجود اللعاب لدي في البيت وليس لدينا غرفة اطفال مثل بقية العوائل , بقيت وحيدة بلعبة وحيدة هدية من ابي لم اسمح لاحد ان يمسها , كلما حضنت لعبتي ازداد شوقي لابي . يتصاعد صراخ امي يوميا بسبب شجارها مع زوجها المخمور فتاتي الى غرفتنا وترقد معنا .
ملجأ الاطفال
بلغت من العمر 11 عاما فتراجعت نشاطاتاتي المدرسية وتردت معدلاتي الصفية حتى اصبحت اخر الطلاب في الصف بعض الاحيان انام على مقاعد الصف في درس الرياضة لم اخلع ملابسي حتى لا يرى احد البقع الزرقاء على جسدي مما يفعله زوج امي معي ,كنت اهرب من المدرسة وتنتابني نوبات من الغضب لم يكن احد يعرف انها نتاج ماتعرضت له من اعتداات جنسية واغتصاب من قبل زوج امي لعدة اشهر متتالية , وحينما ابلغت امي كشخص اثق به رغم تهديدات زوج امي لي , صمتت امي وبكت بحرقة لم اعهدها قالت " لا تخبري احد بذلك اطلاقا , اتسمعين , لا اسمح لك اخبار اقرب الناس اليك , سوف يحدث الاسوء لنا جمعيا ان فعلت ذلك والا سادخل السجن وانت وبرتا الى الملجأ والملجأ هو اسوأ المكان للاطفال " ص . 26
حاولت هايداماري الهروب عدة مرات, هربت من البيت وهربت من المدرسة دون وجهة , لكنها تعاد الى بيت امها. حاولت الانتحار ايضا, ابتلعت مجموعة من اقراص الحبوب المنومة , صحت صباحا لتجد نفسها في المستشفى, بعد ايام دخلت مستشفى الامراض العصبية , لترتاح قليلا ,مثلما نصحها الاطباء , رفضت العودة الى البيت ,وهددت بابتلاع حبوب منومة مرة اخري , بعد عدة ايام حضر الى المستشفى سيدة متوسطة العمر ورجل سأل عن رغبتها بالعودة الى , بكيت وطلبت الذهاب الى جدتها " , ليس في دار جدتك مكان وان اختك تسكن هناك " سناخذك الى ملجا الاطفال فاغلبهم في عمرك ويذهبون ايضا الى المدرسة وافقت على ذلك ." بيت كبير جدا اشبه بالقصر واسع تتسع معه وحدتي ووحشتي توقفت عنده سيارة النقل , دخلت غرفة المدير وسمعت ظجيج الاطفال وكركراتهم " ص 60 جلست هايداماري على سريرها سالتها احدي الفتيات عن سرها " احكي لنا اسرارك فهنا لاتخفى اسرار الكل يريد ان يعرف ذلك "ص67, اعترى هايداماري غضب شديد وارتعشت يدها وبدات تتنفس بسرعة ,انها اشارات العداء , خرجت الى الحمام ومن ثم الى البوابة الرئيسية وبدون هدف استمرت في السير على حافة الشارع العام, لا تريد ان تحكي اسرارها , جلست منهكة على الطريق تتساءل لماذا يوجد هذا العدد الهائل من الاطفال هل كلهم يخبؤون اسرارهم , وهي في زحمة افكارها, توقفت اماها سيارة وطلب منها السائق الصعود والعودة الى الملجا ," بهدوء جليل سالني مدير الملجأ الى اين ترغبين الذهاب ؟ لا اعلم اني خائفة جدا , امي وحيدة وعمي كورت سكير ويؤلمني كثيرا واختي برتا مازالت صغيرة " ص 68. هربت مرة ثانية من الملجأ قبض عليها في منتصف الطريق اعيدت الى الملجا ودخلت عليها امراة ضخمة ذو نظارة سميكة , صرخت في وجهها , هايديماري لا يجوز الهروب من الملجأ وعليه ستواجهين عقوبة الحبس الانفرادي , بعد الحبس الانفرادي ,هربت ثناية وقبض عليها وقصو ضفائريها الجميلة واحدة تلو الاخرى , ونقلوها الى مكان اخري اشبه باالسجن .
اصلاحية بورغ
جاؤوا من كل انحاء الجمهورية يختلفون في كل شيئ وتجمعهم هنا اشياء عدة , منها ملابس العمل الزرقاء الرؤوس المحلوقة والاجساد المبقعة باثار الذل والاهانات اليومية , وبنفس الوقت كل لذاته ونفسه , وحيدا يبحث عن طريق الخلاص في كل السبل يخضعون لنظام تربوي عسكري صارم , يعتمد نظم الجيوش في الانضباط والطاعة العمياء , انضباط حديدي في تطبيق وتنفيذ الامر حسب تراتيبة الافراد , يصطفون خلف طاولات الطعام بانتظار اوامر الجلوس , يجلسون وينتظرون اوامر البدأ بالافطار , افطار لمدة 15 دقيقة , لم يعد هنا شيئ خاص , كل شيئ عام مشترك للجميع الحمامات والتواليت مفتوحة دون ابواب, نجلس لقضاء حاجتنا محدقين ببعضنا , عانت هايداماري كثير تحت هذه الظروف ولم تكن قادرة على قضاء حاجتها امام الاخرين , لكنها اعتادت على ذلك الصمت الاجباري والخوف من العقوبات خذل مقاومتها , امتلات بالحنق والغضب من تحمل الاهنات المقصودة لاذلالها وترويضها على اطاعة الامر حاولت الهروب لم تفلح في ذلك , تزداد عقوباتها وحبسها الانفرادي , كتبت على الجدران بملعقة الاكل رغباتها وما تريد , تريد العودة الى بيت جد-تها
معسكر تورغاو
"هددني مدير الاصلاحية اذا عدت الكرة مرة اخرى وحاولت الهروب للمرة الثالثة سوف ارحل الى " تورغاو " , بدا الفحص الطبي العام , انه بديات الرحيل بعد انقضاء فترة احتجازيالانفرادي , لابد ان ياتي دور " تورغاو , شعرت برجفة تجتاح جسدي " تورغاو " اسم مرعب يلغي وجودي , صرخت باعلى صوتي ساذهب الى" تورغاو" وساعود مرة اخرةى اليكم , واعاود الهرب الى جدتي . رعب" تورغاو" يواصل تدمير داخلي . كل من عاد من هناك لزم الصمت وتغير سلوكه بشكل كبير , لزم الهدوء والسكينة الطاعة والولاء وتنفيذ الامر ." تورغاو" اسوار وجدران واسلائك شائكة تحيط به , فاضت دموعي , اضطجعت على ارض زنزانتي الانفرادية , اخذني نوم عميق الى صباح اليوم التالي , البسوني ملابس العمل بنطال ازرق وقميص مخطط , بعد ان دخل زنزانتي رئيس سواق الطرق الطويلة ,وقادوني الى رئيس اصلاحة" بورغ" الذي لم يترك لي بعض الشك " انت تعرفين الى اين تسير الرحلة , امتلات غيظا وحنقا , ولكن لا استطبع ان افجره امام هولاء , استجمعت قواي وضحكت , اعرف , انه " تورغاو" ثم ماذا اجلبوا كل الاطفال الى هناك كل من لا تستطيعون السيطرة عليه " ص 188 اني متاكدة سوف يزول كل شيئ , دخلت سيارة النقل طوعا بذلت الجهد الكبير لاحبس دموعي , حدثت نفسي توقفي عن البكاء , لا تظهر ضعفا . أنحبست كلماتي في حلقي ضربات قلبي تتصاعد شعرت انه سينفجر, كورت قبضة يدي " تورغاو ماذا سيحدث هناك اغلب الفتيات الاواتي رجعن من تورغاو لزمن الصمت ويفعلن مايطلب منهن ! هل سيحدث لي ذلك ايضا ؟ اني ذاهبة الى الجحيم " ترجلت من سيارة النقل, فتح باب ضخم , سرت وسط باحة طويلة تحيطها جدران عالية جدا تعلوها اسلاك شائكة , بناية رمادية اللون , تغطي شبابيكها الصغيرة قضبان حديدية , ليس هناك مجال للهرب. اسلاك وجدران تحيط بي, اصاب جسدي شلل تام بعد ارتعاشات متقطعة , حاصرتني رغبة الذهاب الى التواليت , طرقت الباب امامي لم يرد احد, فتحت الباب بهدوء, قبل ان اتمكن من ادخال راسي في شقة الباب صدمتني ضربة عنيفة على الراس ,صرخ احد المربين بي ان اقف الى الجدار , فعلت ذلك , " استديري وجهك الى الحائط ايتها الصبية بوكهارت " رغبت ان اذهب الى التواليت " كان جوابي وقبل ان ان انطق بحرف اخر شعرت بضرة عصا على ظهري , توالت الضربات حتي انحنيت الى الارض وغطيت راسي ووجهي بذراعي كورت نفسي على الارض لا اعرف كم من الضربات تلقيت, ومازلت اصرخ به , توقف , توقف , كلما زاد صراخي اشتد الضرب حتى خرست وتبلل بنطالي بين فخذي ,غرست الالام انيابها في ذراعي , تتصاعد الحرقة حين تلامس فخذي بنطالي المبلول , شعرت هنا اني لاشيء . رميت في احدى زنزانات الحبس الفردي يتوسطها دلو للتبول لم اعد بحاجة اليه " ص 191
"هنا لايسمح بالسؤال ,هنا عليك الانتظار فقط حتى تصلك الاوامر من المربي , انت هنا لتتعلمي اطاعة الاوامر وليس طرح الاسئلة ,سيري امامي تقدمي الى باحة الدار بالهرولة , صرخت المربية ,هنا ينفذ كل شي بالهرولة وبالحركة الدائمة" ص 192
"اننا نتشابه جمعيا في" تورغاو" في كل شيئ اللون والحجم والسلوك , في الصمت المريب ونظرات العيون الحانقة اختناق الانفاس , نرغب في الهروب حتى لو كان انتحارا لكنها العقوبات القاسية , والضرب المبرح , الركل والحبس الانفرادي" ص 201
بعد انجاز الاعمال , يقوم مراقب العمل بفحص الكميات المنجزة , انتهى العمل, والكل يحلم بفترة رائحة وعشاء ثم الخلود الى النوم , لكن صرخة الامر بارتداء ملابس الرياضة افسدت كل شيء , لقد تم اكتشاف نقص في كميات العمل المنجزة فالعقوبة جماعية تحركنا الى الساحة وبدانا الدوار حولها, تجاوزتنا بعض الفتيات في الدورة الاولى والثانية ايضا, بقيت مع فتاتين نحفتين ضعفتين, لا يقوين على الحراك , حين وصلنا الى المربي, سلمنا قضبان حديدية لاكمال الدور الثالثة , بكت احدى الفتاتين ورمت القضيب الحديدي على الارض صارخة بقوة " اضربني ايها الخنزير بشدة وعجل بموتي " سقطت الفتاة على الارض , ساد صمت لم يدم طويلا , تقدم المربي شاهرا عصاه السوداء الغليظة الى الفتاة المطروحة على الارض بلا حراك , لا اعرف من اين تجمعت في جسمي كل هذه القوة التي دعتني الي القفز على ظهره والتعلق برقبته من الخلف لمنعه من ضرب الفتاة , لم اشعر بالضربة التي تلقيتها اصابني دوار, وبدأ الدم يغطي عيني سقطت على الارض قبض على المربي وبركلات متتالية انهضني وسلمني المقبض الحديدي وامرني ان اكمل الدورة وفعلا قمت بذلك دون ترد ص203
يذكرنا سرد هايداماري لحكايتها وما دار من احداث في معسكر" تورغاو" في دولة المانيا الشرقية الاشتراكية بسجون احد دكتاتوريات الدوا العربية وامريكا الاتنية , اكد هذه الوقائع عدد من نزلاء هذه الاصلاحية الذين توزوعوا في المانيا الشرقية مثلما جمعتهم بعد ان قادوهم اليها بسن مبكرة . اثناء فترة الثورة الشعبية في المانيا الشرقية في 1989 هدمت اقسام "تورغاو" السرية وحرقت كل الوثائق لكن عمال البناء اشارو الى السراديب والانفاق تحت الارض ومات مدير اصلاحية تورغاو اثناء الانتفاضة . تحول معسكر "تورغاو الى متحف يشهد على مادار فيه من عذابات . منحت المحكمة الاتحادية الالمانية راتبا تقاعديا لكل نزلاء "تورغاو" طرد كل المربين من العمل و لم يعاقب اي من المربين الذين عملوا في المعسكر بسجن او حبس ,لكن بعظهم بغرامة مالية , لم يعتذر احد منهم الى الضحايا . وجهت هايداماري بولس الى المربين الاحياء منهم نداء جاء فيه " لقد سرقتم طفولتنا وصبانا لكن بقية حياتنا لن نمكنكم منها "

لطيف الحبيب / برلين



#لطيف_الحبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باصابع محترقة اكتب عن طبيعة النار رحيل كرستا فولف سيدة الروا ...
- السكن والعيش الجماعي للتوحدي اليافع
- العشاء الاخير
- حفنة من تراب فصول من الكوميديا السوداء -حرائق نادي الرافدين ...
- المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي و- مكنسة غريغور غيزي-
- خمسون عاما على جدار برلين
- حتى لا ننسى .... كاظم الخالدي 29 عاما على تغيبه
- في ذكرى رحيله الثانية حوار مع أنور الغساني
- بغداد المغول على الابواب
- أحايث مع مظفر النواب
- فرص العمل وطاقات التوحدي اليافع
- فاشية احزاب الاسلام السياسي نموذجا حزب الدعوة الاسلامي
- نصب الحرية فوق كل الرؤوس
- صعود وسقوط حزب الدعوة الاسلامي
- التيار الديمقراطي في المانيا وغصة الديمقراطية
- قرأءة التيه والاغتراب في قصص فرات المحسن
- علاج الطفل المعوق والفنون التشكيلية
- في اربعينية الراحل الفنان منذر حلمي
- حفنة من تراب 3 حينما أسمع ثقافة أتلمس عمامتي
- حفنة من تراب 2 حرائق وادي الرافدين


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - لطيف الحبيب - اطفال الظلال خلف اسوار- تورغاو-