أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - هشام غصيب - الهندسة اللاإقليدية














المزيد.....

الهندسة اللاإقليدية


هشام غصيب

الحوار المتمدن-العدد: 3585 - 2011 / 12 / 23 - 13:54
المحور: الطب , والعلوم
    


أثارت مصادرة التوازي في نظام إقليدس الهندسي زوبعة عاتية منذ ضمنها إقليدس كتابه “الأصول” أو “الإسطقسات”، استمرت لمدة تنوف على ألفي عام. إذ يظن أن إقليدس نفسه لم يكن مرتاحاً لاعتبارها مصادرة أولية وتردد كثيراً في ذلك، وأنه عندما عجز عن اشتقاقها منطقيا من مسلماته الأخرى، اضطر إلى تثبيتها في نظامه بصفتها المصادرة الخامسة. وبالطبع، فقد توالت محاولات اشتقاقها مذاك وطوال العصور القديمة والوسيطة والحديثة، وعلى أيدي الرياضيين الإغريق والعرب والأوروبيين، لكنها أخفقت جميعاً.


وفي العشرينيات من القرن التاسع عشر حصلت انعطافة كبرى في النظر إلى هذه المعضلة تمثلت في عمل غاوس الألماني ولوباتشفسكي الروسي وبلياي المجري. فبدلاً من محاولة اشتقاقها، افترض أولئك الرياضيون الأفذاذ نقيضا لها، أي افترضوا الآتي: إذا كان هناك خط مستقيم ونقطة خارجه على سطح مستوٍ، فإن هناك أكثر من خط مستقيم يمر في هذه النقطة ويكون موازيا للخط المستقيم، بمعنى لا يتقاطع معه مهما امتدت هذه الخطوط المستقيمة. هذا ما افترضه غاوس ولوباتشفسكي وبلياي في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، وحاولوا بناء نظم هندسية متكاملة على أساس هذا التعديل في نظام إقليدس، وبطريقة إقليدس المنطقية ذاتها. وكان هدفهم من ذلك أن يبينوا ضرورة مصادرة التوازي ببيان استحالة نظام هندسي منطقي متكامل من دونها. لذلك توقعوا أن يوصلهم افتراضهم الجديد إلى طرق منطقية مسدودة وإلى تناقضات منطقية تفجر نظمهم الجديدة من داخلها. لكنهم فوجئوا بعكس ذلك تماماً. إذ توصلوا إلى نظم هندسية منطقية ومنسجمة مع ذاتها ولا تقل تماسكاً عن نظام إقليدس الهندسي، ولم يصلوا إلى أي طريق منطقي مسدود ولا إلى تناقضات منطقية مربكة. لذلك خلصوا إلى نتيجة ثورية خطيرة مفادها أن نظام إقليدس الهندسي ليس النظام الهندسي الوحيد الممكن، وأن هناك نظماً هندسية لاإقليدية ممكنة، ومن ثم أن نظام إقليدس لا يمثل حقيقة مطلقة لا يمكن تجاوزها ولا صورة مطلقة للمعرفة اليقينية التي لا يرقى إليها الشك. فالنظم البديلة محكمة ومنطقية ومتماسكة بالقدر ذاته، وإن اختلفت عن نظام إقليدس في بعض مسلماتها وفي جلّ نتائجها وقضاياها الهندسية. قد لا نستطيع تخيل هذه النظم، كما نتخيل نظام إقليدس ومسلماته وقضاياه. لكن ذلك لا يعني شيئا فيما يتعلق بالمشروعية المنطقية لهذه النظم. فمسألة تخيل القضايا والعلاقات الهندسية لا تتعلق بالمشروعية المنطقية، وإنما تتعلق بطبيعة ملكة التخيل عند الإنسان وتركيبها وعملية تكونها بالعلاقة مع بيئة الإنسان، وربما أيضا تتعلق بالطبيعة الهندسية لبيئة الإنسان المحدودة. لذلك، فإن قدرتنا على تخيل الهندسة الإقليدية وعجزنا عن تخيل الهندسة اللاإقليدية لا يدعمان معقولية الأولى وينفيان معقولية الأخرى، وإنما لا يدخلان أصلاً في مسألة معقولية النظم الهندسية.



وبالطبع، فما كان من الممكن أن تمر مثل هذه الثورة المدوية على نظام منطقي صاغ العقل الجمعي على صورته ومثاله لمدة ألفي عام، بسلام وهدوء ووئام. لذلك آثر غاوس، المتمرس بشؤون الدنيا، الصمت وأخفى اكتشافه العظيم في أدراجه المغلقة تفاديا لصدام مع قوى الرأي السائد لا تحمد عقباه. أما لوباتشفسكي وبلياي فقد دفعهما حماسهما الكبير لهذا الاكتشاف العظيم إلى المجازفة براحة بالهما وسمعتهما بنشر أبحاثهما في هذا المضمار. وقد صح تخوف غاوس في هذا المضمار. إذ جوبه الرياضيان العظيمان بزوبعة من السخرية والاستهزاء والازدراء، أعقبها إهمال لهما، حتى إن طلابهما أداروا ظهورهم إليهما وابتعدوا عنهما حتى مماتهما. ومع ذلك، فقد ظل هذا الاكتشاف الثوري يتوهج ويصعد نجمه حتى هيمن على الوسط الرياضي الأوروبي وفرض نفسه عنوة عليه، جاراً وراءه عشرات الرياضيين الكبار. وسرعان ما أثبت الرياضي الألماني كلاين أن درجة تماسك النظم الجديدة وانسجامها الداخلي لا تقل عن نظيرتها الإقليدية. فكان ذلك وتداً جديداً في مدماك الهندسة اللاإقليدية. وبرز السؤال الخطير عن مدى انطباق الهندسة الإقليدية على العالم المادي، أي على المكان الذي يشكل مسرح الأحداث المادية. إنها بالتأكيد تنطبق ضمن الخبرة المحدودة التي لا تتخطى المجموعة الشمسية. لكنها إلى أي مدى تنطبق على المسافات الشاسعة؟ فلئن كانت تنطبق موضعيا، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنها تنطبق مجريا وكونيا. أي نظام هندسي ينطبق على الكون؟ وكيف نجيب عن هذا السؤال؟ بالمنطق والرياضيات أم بالتجربة والقياس؟ هذه هي الأسئلة التي انبثقت في الوسط الرياضي إبان القرن التاسع عشر، ووجدت طريقها إلى الفيزياء عبر ألبرت آينشتاين في الخمس الأول من القرن العشرين.



#هشام_غصيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغز عطارد بين نيوتن وآينشتاين
- كون آينشتاين
- لماذا لا تنفجر الشمس ولا تنهار؟
- هندسة غاوس
- جاذبية نيوتن
- العقل من أجل الثورة
- من نسبية غاليليو إلى نسبية آينشتاين
- الزمكان المنحني
- جولة في الزمكان
- حياة المادة في الزمكان
- جدل الوجود والعدم في الفيزياء
- الثورة الدائمة في الوطن العربي
- الجمعية الفلكية الأردنية
- كيف ركب آينشتاين نظرية النسبية ؟
- أزمة الفيزياء الحديثة
- البحث عن الزمن التائه (سيرة ذاتية فلسفية)
- تعقيب على ورق د. أومليل حول العولمة
- حول كتاب “القفز بلا أقدام” لجلال فاخوري
- مغزى ثورة أكتوبر
- من الفلسفة إلى الثورة


المزيد.....




- انتشال نحو 392 جثمانا من مجمع ناصر الطبي بخان يونس خلال 5 أي ...
- طبيبة: الكركم يبطئ الشيخوخة ويحمي من السرطان
- الناقة تحلّ محل البقرة بسبب التغيُّر المناخي
- باحثون يكشفون سر التوهجات الغامضة حول الثقب الأسود
- انقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة في مدينة رفح الفلسطينية ...
- شركة الاتصالات الفلسطينية تعلن انقطاع خدمات الإنترنت الثابت ...
- “لولو الشطورة رجعت من تاني يولاد”.. تردد قناة وناسة للأطفال ...
- مراسلنا: انقطاع خدمة الإنترنت عن مناطق واسعة جدا في مدينة رف ...
- ما هي العلامات التجارية الكبرى المسؤولة عن غالبية التلوث الب ...
- إيران تقترح تشكيل ائتلاف دولي ضد التمييز في مجال العلوم


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - هشام غصيب - الهندسة اللاإقليدية