أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد الحمّار - الإصلاح اللغوي مُضاد حيوي لفيروس التطرف














المزيد.....

الإصلاح اللغوي مُضاد حيوي لفيروس التطرف


محمد الحمّار

الحوار المتمدن-العدد: 3566 - 2011 / 12 / 4 - 20:55
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


قد حَبَانا الله بنص اسمه "القرآن". ولم يأمرنا بإعادة كتابته، معاذ الله. وإنما أمرنا سبحانه وتعالى بقراءته لكي نكون قادرين على كتابة نص الحياة المتدبر منه. والذي يحصل اليوم، من جامعة منوبة وما تسجله من اعتصام سلفي إلى بن قردان في جنوب البلاد، بل ومن البحرين و اليمن إلى المغرب، يوحي لنا بأنّ المسلمين لكأنهم يحاولون قسرا كتابة النص الأصلي. ألا يستحون من التحايل النابع من الجهل؟ وألا يستحي خصومهم من التحايل النابع من الغرور العلموي؟

في سياق الإنقاذ الذاتي من هذه الكارثة أفترض أن الانضباط اللغوي والألسني مَخرجٌ ذو بال من أزمة الوجود هذه، التي نعاني من مظاهرها االسلوكية، إن دينية أم علمانية. وهو مَخرج علمي وتعليمي وتربوي وثقافي قبل أن يكون مخرجا سياسيا مباشرا. ولنرَ إن كان لإصلاح التعليم معنى، سواء في الابتدائي أم في الثانوي أم في العالي، من دون أن يمتثل السلطة الإصلاحية لمنظومةٍ مكتملة لعقل لغوي أصيل.

لننظر مثلا إلى الوضع السياسي العام في بلاد الإسلام قبل الطفرة البترولية لسنة 1973 وبعدها (أعتبر هذا الحدث نقطة تحول خطيرة ومركزية في مسار الدولة في بلاد المسلمين). سنلاحظ أنّ الحقبة القبْلية اتسمت ببناء الدولة الحديثة وبتشييد المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة التربوية بينما اتسمت الحقبة البَعدية بتسخير الدولة المبنية على أسس وطنية، والمؤسسة التربوية المشيّدة على أيدي مناضلين أكفاء، لأجل خدمة الاقتصاد المعتاش في الداخل والاقتصاد الامبريالي في الخارج. تلك كانت الصيغة التي ساهم كل من الغرب الغاضب (مِن "الهزيمة" النفطية) والشرق الخليجي (الغانم مؤقتا من "هزيمة" الغرب) في نسجها بكل وقاحة.

إذن منذ زمن الوهم البترولي بدأت الأزمات العربية تنخر المجتمع، إلى أن كشرَ الذئب عن أنيابه (تونس وحدها عرفت أزمتين اثنتين من العيار الثقيل، مرة في سنة 1978 ومرة في سنة 1984). وما بدأ في الانهيار حينئذ كنتيجة مباشرة لعقيدة الوهم ليس الاقتصاد (الليبرالي المنفلت) الذي استعملته قوى التغوّل الداخلية والخارجية لمساومة للشعب، صاحبِ الثروات وسلاح النفط، ولغاية تركيعه. إنما الذي انهار للتوّ هو البناء التربوي القبْلي لحرب النفط وعلى رأسه المنظومة اللغوية العامة.أمّا خسارة النمط الاقتصادي المفلس فأُرجِئت إلى وقت لاحق. وها نحن شاهدون الآن في تونس ومصر وليبيا وسوريا على التحقيق شبه الكلي لهاته الخسارة.

لقد درّستُ في بعض الثانويات في تونس وفي الخليج العربي ولم أرَ أداءً لغويا أتعس مما رأيت في الثمانينات. وبحكم احتكاكي بالعديد من الزملاء الذين يُدَرسون بالمؤسسات "العادية"، ازددتُ يقينا من استدامة التدهور الكلامي في التسعينات وفي الألفينات، إلى اليوم. عدا ربما "المعاهد النموذجية" (مدارس النخبة التلمذية) في تونس أين لي تجربة طويلة. لكنّ هذا الاستثناء دليلٌ آخر على استفحال العلة لا تنصّلا من وجودها. حيث إنّ الأداء اللغوي الجيّد في مثل هذه المؤسسات التربوية يسيرُ اليد في اليد وبخطى حثيثة مع هجرة الأدمغة.

وهل أقوى من هذا برهانا على تبعية الاستطاعة اللغوية المحلية إلى الاقتصاد العالمي الفاسد؟ أليس هذا دليلا كافيا على تثبيت الاقتصاد الريعي في مجتمعاتنا بالتوازي مع وأد العقل حتى لا يقاومه وحتى لا يعي بضرورة إيجاد البديل له؟ لكأنّ التحالف الشيطاني، المحلي والأجنبي، يقول لهؤلاء الطلبة المتميزين:"ها أنتم نَجَوتُم من الموت اللغوي. لكن هيهات، ستدفعون ثمن ذلك بدعمكم المباشر لليبرالية المتوحشة، إن في عقر دارها أم في دياركم أنتم بالذات."
هكذا كانت التُّربة الثقافية للتونسي وللعربي عموما مهيأة لزراعة كل أصناف التحجر والتطرف. وما التطرف الديني الذي نعيشه اليوم باسم الحرية والانتقال الديمقراطي، إلا الوجه الخفي لألوان عدة من الإخفاقات، وفي مقدمتها الإخفاق اللغوي. كما أنّ "السرطان الآخر"، وهو التطرف العلماني الحداثي، جنيسٌ للسرطان الظاهر (الديني)، بما هو نتاج أيضا لتلكم الإخفاقات.

إنّ هذا التطرفَ ذا الرأسين هو المرحلة الأخيرة والحاسمة، مرحلة حصاد ما زُرع. وليس الدين مسؤولا عن رداءة الحصاد بقدر ما أنّ المسؤول هو غياب التجديد الديني، وغياب الإصلاح اللغوي المفترض أن يعاضده. وليست الحداثة أيضا مسؤولة عن فساد المحصول بقدر ما يُعتبر غيابُ تأصيلها في العقل اللغوي وفي الثقافة الوجهَ الآخر للفريضة الغائبة.

هكذا حدثَ الانتحار اللغوي، المُلازم للانفجار الديني. بينما في الأصل يُراد من اللغة أن تكون السند الرئيس للتوازن الديني (والروحي) و العقلي.أما الشرط في ذلك فهو حفاظ اللغة على استقلاليتها عن كل إيديولوجيا. بينما الذي حدثَ، كما قدمنا أنفا، أن استأثرت إيديولوجيا الاقتصاد (العولمة) باللغة. فاللغة بحدّ ذاتها إيديولوجيا، والذي حدث لمّا احتوَتها إيديولوجيا غير لغوية أن انهارت اللغة نفسها. وانهارت معها المنظومة التعبدية المترابطة بها عضويا، بالموازاة مع العقلانية. هكذا خسر العرب لغتهم العربية وسائر اللغات التي أوهَموا أنفسهم بأنهم يتعلمونها، وخسروا الأهلية للتعبير الإيجابي أي العقلاني عن الإسلام.

لهذه الأسباب أرى أنّ الحل اللغوي، مع أنه يبدو سحريا، فهو واقعيّ وضامن للإصلاح، إن دينيا أم عقليا، لكنه باهض الثمن. وما على النخب السياسية الجديدة، الحاكمة والموازية والمعارضة، في تونس وفي مصر وفي كل بلد عربي متحرر من الاستبداد، إلا أن تدرج خطة لاسترداد ما خسره الشعب من أموال طائلة، لكي تضخها أين كان ينبغي أن تُضخ من الأول، ألا وهي التربية والتعليم عموما وتعليم اللغات على وجه الخصوص، وبعنوان الطوارئ.

الأحرى في نهاية المطاف أن تتحلى النخب العلمية بعقيدة الانضباط اللغوي كحصانة من كل تطرف وضمان للصرامة العقلية. والسبب أنّ الشعب "يريد" طفرة لغوية كي يتخلص من اللغو المؤدي إلى التطرف والهلاك، والمجتمع بحاجة إلى كتابة النص الإنساني المتدبر من الإسلام.



#محمد_الحمّار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تنفع أنصاف الأفكار في مجابهة الرجعية الدينية؟
- عقيدة الكلام للتحرر من الرجعية باسم الإسلام
- تصحيح المسار في باب اليمين واليسار
- تونس اليسار المؤمن: دعم ثورة الشعب بثورة الفكر
- العلمانية خادمٌ مُطيعٌ للإسلام، تُخصِب التربة لتأصيل الحداثة ...
- نحن نعيش خارج التاريخ بسبب الاحتباس التواصلي، والحلّ هو الاج ...
- لكي تكون قمّة الوُجود العربيّ
- لا إسلامي ولا علماني، المواطن العربيّ سلوكُه إنساني وقانونُه ...
- لوحات من الفكر الديني المُجَدَّد: فهمُ الإسلام
- في تجديد الفكر الديني
- مقاومة التخلّف اللغوي بوّابة لانفتاح الحداثة على الإسلام
- الأُسُس النظرية للفهم المَيداني للإسلام*
- هل انقرض العرب ثقافيا من أجل أن يولدوا من جديد؟!
- المسلم المعاصر منارة علم ووَرَع وليس كوما من الإسمنت والهَلع
- أخي الإنسان العربي المسلم، تمهّل! الطريق من هنا...


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد الحمّار - الإصلاح اللغوي مُضاد حيوي لفيروس التطرف