أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - نزار عبدالله - الربيع العربي ومهمات القوى اليسارية والاشتراكية في المرحلة الراهنة.















المزيد.....



الربيع العربي ومهمات القوى اليسارية والاشتراكية في المرحلة الراهنة.


نزار عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 19:50
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    



حوار مع نزار عبدالله سكرتير اللجنة المركزية لاتحاد الشيوعيين في العراق

1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
نزار عبدالله: يمكننا ان نتحدث بشكل مسهب عن ظروف كل ثورة في بلدان العالم العربي على حدة والعوامل التي اسهمت بشكل او بآخر في المسيرة الثورية الا ان العامل المؤثر ثم الحاسم في احداث الثورة التونسية والمصرية تحديدا هو الحركة الاحتجاجية العمالية.
وان كل من يساوره الشكوك حول الدور المؤثر للاضرابات العمالية في قبل انفجار الثورة المصرية العارمة ماعليه الا ان يطلع على كتاب (عمال مصر 2009) وتقارير (المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المصرية) أو التقرير المفصل المعنون (النضال من اجل حقوق العمال في مصر) الذي نشره مركز التضامن الدولي ((Solidarity Center في واشنطن في شهر شباط 2010 بالتعاون مع المؤرخ المتخصص في شؤؤن مصر والشرق الاوسط جو باين في جامعة ستانفورد الامريكية، او ليلقي نظرة عن كثب حول التطور المتصاعد للحركة العمالية في تونس ويرصد احداث الحوض المنجمي في قفصة عام 2008 والموجة الاحتجاجية التي اعقبتها ضد نظام بن على وضد المؤسسات والشركات الرأسمالية في ذلك البلد، هذه الموجة الاضرابية هزت كيان وبنيان المجتمع التونسي وادت بدورها الى انتعاش الحركة النقابية وفرض مواقف وحلول راديكالية على الاتحاد التونسي للشغل الذي بدوره لم يبقى امام قياداته المتحالفة مع نظام بن على سوى الانصياع لرغبة الشارع العمالي والتونسي والرضوخ للاضراب العام الذي ادى بشكل مباشر الى سقوط بن على وفراره من البلد..
في مصر اكبر بلدان العالم العربي واكثرها اهمية بدأت الحركة العمالية بالانتعاش قبل عشرة سنوات خلت، بداية الانطلاق عبرت عن تشكيل "لجنة التنسيق للحقوق و الحريات و النقابية" سنة 2001 وابان انتخابات الدورة النقابية 2001-2006، ثم تطورت الحركة العمالية الاحتجاجية في مختلف القطاعات حيث شارك فيها الملايين من العمال وبخاصة في المدن التي تتركز فيها الطبقة العاملة المصرية مثل المحلة والسويس والقاهرة والإسكندرية. عدد العمال الذين أضربوا عن العمل خلال فترة 2006-2009 حسب نفس المصادر يزيد على مليوني عامل.
اما المطالب الرئيسة فقد خرجت من رحم النضال الطبقي! طالما كافحت في سبيلها الطبقة العاملة العالمية ضد النظام الرأسمالي العالمي: اي النضال في سبيل الاجور (تحديد الحد الادنى والاعلى منه)، تثبيت العمالة المؤقتة، الغاء سطوة الدولة من خلال الغاء وحل الاتحاد العام لعمال مصر وحل التنظيمات النقابية الصفراء او الاستبدادية التابعة للانظمة الحاكمة، الحرية والتعدد النقابي، النضال ضد الخصخصة (خصخصة الشركات والمؤسسات التي تعاقدت الحكومة المصرية مع صندوق النقد والبنك الدولي على انجاز 314 منها) .....الخ.
مع مجيء ازمة النظام الرأسمالي العالمي سنة 2008 ومااعقبته من خروج للرأسمال الاجنبي وقلة الاستثمارات الاجنبية وارتفاع جنوني لاسعار المواد الغذائية الاساسية بالاضافة الى تفشي الفساد وتدنى مستويات المعيشة وتفشي البطالة وغيرها ادت واعطت زخما جديدا للحركة الاحتجاجية العمالية والشعبية.
هذا التصاعد في موجة الاحتجاجات الطبقية (التي كانت تشبه موجة الاضرابات العمالية التي سبقت اندلاع ثورة 1905 في روسيا)، كانت لها الدور المؤثر والهام في خلق مناخ ثوري وكسر حاجز الخوف واتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية والمهنية والثقافية في مصر.
رغم القمع الشرس تمكن الموظفين من تأسيس اول نقابة حرة مستقلة في مصر، فى 21 نيسان 2009 تقدموا بأوراق التأسيس لوزارة القوى العاملة موقعا عليها من 35 ألف عامل لإنشاء نقابة عامة و27 نقابة فرعية، واستطاعوا تأسيس اول نقابة عامة للعاملين بالضرائب العقارية. وتزامن الحدث مع تصاعد موجة ثانية - والتي كانت اكبر من الموجة الاولى- لاحتجاجات الطبقة الوسطى(المحاميين، الاطباء والصيادلة والصحفيين والمعلمين وذوي المهن الصحية و...).
وفي تونس وفي خضم تصاعد موجة الاحتجاجات تشكلت لجان وتشكيلات عمالية عديدة قبل الثورة لتساهم في دفع سيرورة الحراك الاجتماعي وفرض مواقف جذرية وراديكالية على الاتحاد العام للشغل.
اما بصدد حركة اليسار الثوري في مصر او في تونس او في غيرها من البلدان فاننا كنا نلمس انتعاشا هاما في دور اليسار بشكل عام كحركة اجتماعية مناهضة للواقع الاجتماعي القائم الذي فرضه النظام الرأسمالي.
اذا توخينا الدقة ولم نختزل اليسار في الاحزاب والتنظيمات اليسارية وحدها فان المجتمع المصري والتونسي شهد قبل حدوث الثورة انعطافة اساسية نحو اليسار، ان القيم والافكار السائدة قبل الثورة كانت تعبر بالضبط عن برنامج للتغيير الاجتماعي والسياسي كان اليساريون سباقين في المناداة بها، ان قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم والكرامة والتحرر من كافة اشكال القهر والاضطهاد ومنع التمييز بكافة اشكاله وصوره و..... ان تلك القيم والمباديء الاجتماعية والسياسية تشكل كلها هوية يسارية اجتماعية رغم تنوع اشكالها ومشاربها..
أن التيّار الديني كان شبه غائب عن هذه الساحة، ومشاركة الاخوان المسليمن في انتخابات الدورة النقابية 2006 في مصر او في الدورة 2006-2011 فقد كانت محدودة وضئيلة واصطدمت بجدار الراديكالية العمالية المتجذرة.
في ظل انعطافة يسارية اجتماعية تشكلت مبادرات وشبكات اجتماعية عديدة وبخاصة من قبل الشباب والنخب المثقفة من الطبقات الوسطى والفئات والعناصر الاقرب من الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء لتزيد من رقعة الاحتجاجات الشعبية وتضفي عليها الطابع السياسي، حركة الكفاية، وحركة 6 ابريل وغيرها من الحركات في مصر دخلت في الصراع سياسي مكشوف مع النظام السياسي الحاكم بوسائل مدنية وحضارية جديدة واعطت زخما جديدا لمعركة الديمقراطية والحريات والاصلاح السياسي. ولعبت في نهاية المطاف دورا بارزا في تفجر الثورة التونسية والمصرية..
هذه العوامل والعناصر مجتمعة كانت عبارة عن تغييرات كمية تراكمت بشكل سريع في العقد الفائت وادت الى التغيير الكيفي الاساسي وهو حدوث الانفجار الثوري. يمكن لمبادرة او لحدث بسيط ان يشعل فتيل الازمة والثورة وتفجر بالون تناقضات النظام الرأسمالي بلا رجعة، ومع حادثة البوعزيزي انهارت دومينو سلطة الاقلية البرجوازية الحاكمة المبنية على الظلم والققر..
باختصار : قادت الطبقة العاملة حركة الاحتجاجات الاجتماعية التي اتسعت لتشمل العديد من الفئات الاجتماعية الاخرى ولتفعل من دور الطبقات المتوسطة وتزيد من حراكها ضد الدولة واصحاب رؤوس الاموال وغيرها.
ومع تفجر الثورة في تونس ثم في مصر كان للطبقة العاملة الدور الاكبر في كسب المعركة وحسمها، لعب عمال السويس دورا هاما في التعبئة الشعبية ضد مبارك، ولعب عمال النقل العام تأثيرا هائلا على حركة النقل في القاهرة الكبرى وكان لهم الدور المباشر في إسقاط النظام البائد باعلانهم الاضراب المفتوح قبل تنحي مبارك بثلاثة أيام.. اما الاضراب العام الذي دعى اليه الاتحاد العام التونسي للشغل قبل ان يلوذ بن على بالفرار حسمت المعركة لصالح الثورة التونسية..
واثناء المسيرة الثورية شهدنا تصاعد قل نظيره للاحتجاجات العمالية والشعبية تشكلت في خضمها العديد من التنظيمات النقابية والمهنية والشعبية التي عبرت بشكل او بآخر عن مطامح وتطلعات الطبقة العاملة المصرية والطبقات المناضلة الاخرى، ولم يوقف الوعد بالاصلاح السياسي والاجتماعي وهروب رموز السلطة و زيادات طفيفة في مستوى الاجور وغيرها من وقف مدها التصاعدي مما استتبع الهجوم المضاد عليها من قبل السلطة السياسية العسكرية الحاكمة في مصر من خلال قانون تجريم الاضرابات الذي اصدره المجلس العسكري، الا انهم زرعوا العفريت وحصدوا البراغيث، حيث اتسعت الحركة الاحتجاجية ليشمل المعلمين كافة والاطباء والصيادلة والمطالبة بتثبيت العمالة المؤقتة و وقف الخصخصة وبيع الشركات العامة وغيرها.
ويبدو- من وجهة نظر تطور حركة الطبقة العاملة وطرح بدائلها الاقتصادية والاجتماعية- إن احتلال شركة الكتان في مصر في الشهر المنصرم التطورالأهم منذ إضراب المحلة 2008، إذ إنه تحدي كبير للخصخصة التي فرضته صندوق النقد والبنك الدولى على مصر كشرط للاندماج في السوق الرأسمالي العالمي، كما ان احداث الايام الاخيرة لهذا الشهر بينت بان الثورة مستمرة وان مساعي اجهاضها باءت بالفشل..
ولكن محاولات الاجهاض والاحتواء مستمرة لحد اليوم، هذه المساعي تتلخص في ضرب شباب الثورة اولا ثم لجم الحركة العمالية ثانيا من خلال اعادة بناء سطوة الدولة على الحركة النقابية والشعبية، واعادة صنع الادوات القديمة للسيطرة الطبقية بحلى واشكال جديدة، ويأتي في هذا المضمار مساعي العسكر والاخوان المسلمين لاعادة فتح مكاتب ومقرات الاتحاد العمالي العام استنادا على فلول الحزب الوطني الحاكم مع اعطاء مفاتيح السيطرة للاخوان فيه، او التحالف المقدس لليبراليين والاسلاميين في النهضة لترتيب المؤتمر القادم للإتحاد العام التونسي للشغل بالتنسيق والتشاور مع البيروقراطية النقابية المسيطرة والمهيمنة على الاتحاد.

2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
نزار عبدالله: لعب الاستبداد والقمع بالطبع ولايزال دورا هاما في اقصاء وتهميش الحركة اليسارية الثورية والديمقراطية، رغم كسر حاجز الخوف وزيادة الثقة بالنفس وبالحركة الجماهيرية وبآفاقها الرحبة الا ان هجمات القوى الامنية والعسكرية الحاكمة واطلاق يد الحركات السلفية المسمى بالمعارضة وتهديدها يمثل سيف ديموكليس بالنسبة للثوريين والاشتراكيين والنشطاء الديمقراطيين و لازال يرهب الكثيرين.
لقد عانت الحركة اليسارية والديمقراطية والاشتراكية الامرين في العالم العربي، وتحطم بين سندان نظام عسكري استبدادي عربي قومي وبين مطرقة الاسلام السياسي السلفي والاخواني، ولازال يعاني رغم تفجر الثورة في العديد من البلدان العربية وبدء حقبة جديدة : اي حقبة التحرر من الانظمة الاستبداية القومية والرجعية.
لازال شباب الثورة، القادة العماليين والنقابيين النشطاء يتعرضون لابشع انواع الاضطهاد والتجريم، ان القاء نظرة بسيطة على ساحات التحرير في مصر وتونس وسوريا واليمن وغيرها او رصد بسيط لتحركات القوى الامنية ضد العمال والفلاحين الفقراء في المصانع والمعامل والمزارع والمراكز الخدمية تبين بوضوح مايتعرض له النشطاء الثوريين واليساريين من قمع وبطش وتنكيل وقطع للارزاق والاعناق..
وقد ترتب على القمع والاستبداد بالاضافة الى الاقصاء والتهميش نتائج ضارة اخرى مثل افساد ضعفاء النفوس وشراء الذمم واستغلالهم كادوات بغية اعادة لجم الحركة العمالية واليسارية والنقابية النشطة.
ولكن ينبغي ان لانحول القمع الاستبداد كشماعة لتبرير ما نعاني منه من ضعف ووهن وتخبط، لم يكن القمع والمجازر التي ارتكبت بحق الشيوعيين واليساريين والديمقراطيين السبب الرئيس في فشلهم واندثارهم واضمحلالهم بل مرده باعتقادي غياب المشروع الاشتراكي الثوري وآفاقه، لم يحظى اليسار العربي بفرصة الانتعاش في العقود الخمسة الفائتة بسبب ذلك وضاعت فرصه ابان ازمة 1967 ولم يستطع النهوض رغم انهيار المعسكر السوفيتي الذي كان يجثم على صدور الحركة الاشتراكية والتحررية، بل ان الانهيار زاد من الطين بلة وادى الى فقدان البوصلة بالنسبة للكثيرين واللهاث وراء القطار الليبرالي والحداثوية.
زاد القمع من شدة عجز الحركة اليسارية بشكل عام ومساعيها لفرض نفسها قوة مهيمنة في الساحة ومعظم القوى التي يمكن تصنيفها في خانة اليسار ظلت تعاني من محدودية حجمها وتأثيرها.. وحدا ببعضها الى الانغلاق والانطواء في عالمها الخاص وترديد امجاد الماضي وتكرار الانشاءات السابقة.
ان الحقبة الثورية الراهنة تخرج الكثير من القوى من سباتها وكبوتها ومن عالمها السفلي، ومع الانفتاح الثوري او الديمقراطي وعودة الحياة السياسية الملغية منذ عقود بسبب الانظمة الاستبدادية القومية والعسكرية فان ميزان القوى الاجتماعية سيتغير ونسيم الحرية يكفي لاعادة تدفق الدم في شرايينها المتصلبة.
نأمل ان يتمكن اليسار الراديكالي والاشتراكي في المرحلة القادمة من تشكيل نخبة واعية تسعى بشكل منهجي ومدروس الى بناء حركة اجتماعية مكونة من عناصر عمالية وعناصر مثقفة تبغي امتلاك ركيزة اجتماعية جماهيرية قوية.

3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
باعتقادي اعطت تلك الثورات والانتفاضات دروس ثمينة في المباديء واقصد تحديدا المباديء الثورية الماركسية التي تخلى عنها الكثيرون. من اولى الدروس هو اعادة الاعتبار على المستوى الاجتماعي للمفاهيم الثورية المناهضة للرأسمالية. اعتقد بان ثورات الربيع العربي غيرتنا وغيرت الكثير من مفاهيمنا، وهذا هو فعل الهزات والاحداث الكبرى، حيث جرفت نفايات الماضي ما كنا نستطيع التخلص منها بسوق آلاف وملايين الحجج الفكرية، ورفعت راية جديدة وفتحت آفاق رحبة ليست في الشرق الاوسط لوحده بل في العالم باسره.
باعتقادي زادت تلك الثورات من مخزوننا الثوري وتصلبت قناعاتنا الثورية، وهذا اكبر انجاز تحقق ضد خصومنا، اعداء كل مايمت بصلة بالثورة والمفاهيم الراديكالية. بالنسبة لهؤلاء تحولت الثورة الى احلام بريئة، ووصفت الثورة الايرانية سنة 1979 بانها الحلقة الاخيرة في عصر الثورات ولهذا كان الحصاد من نصيب الاسلام السياسي، لن نرى من بعده ثورات تقدمية وديمقراطية، وعلى الصعيد الايديولجي زعموا بان زمن السرديات الكبرى (بما فيها الماركسية) ذهبت بلا رجعة، فهذا هو قدرنا في عالم مابعد الحداثة، وماعلينا سوى الرضوخ لالهة الرأسمال المتوحش لتشفي غليلها من دم ضحاياه وتداوي جروحها وتناقضاتها التي تنفجر في احشائها بين فترة وفترة..
قاومنا تلك الادعاءات الا ان صيحاتنا ظلت محبوسة ولم تخرج من الحنجرة، كانوا يقولون لنا بان قطار التأريخ غادركم في المحطة الاخيرة وان التأريخ انتهى بالنسبة لكم، واننا كائنات منقرضة في طريقنا الى الزوال والتلاشي. كل شيء كان مستحيلا سوى الرأسمالية التي كانت ممكنة، العيش بحرية والحلم بنظام اجتماعي عادل حر وانساني مستحيل اما عبودية العمل المأجور وقدسية الملكية الخاصة وتسلط وقسوة الدولة على رقابنا ممكن ومقبول!
في العراق وايام كنا نرفع شعار اسقاط النظام البعثي بواسطة ثورة شعبية عارمة كنا مدعاة للسخرية، عدوا ذلك مستحيلا في العراق الا ان الغزو والاحتلال والتدمير وقتل مئات الالاف من السكان واطلاق الوحش الطائفي من جحوره ليحصد الارواح ويبدل العاصمة والمدن الحضارية الى مدينة اشباح ممكن ومقبول..
اما اليوم لم يعد الثورة حلما بريئا بل غدت واقعا، وتجاوز الرأسمالية ومعاداتها بالثورات والانتفاضات سبيلا للخروج من ويلاتها وقهرها..
ها قد اصبحنا اكثر ثقة واعتزازا بالنفس، اقل ماتحقق هو اننا نشهد موجة ثورية جديدة، وحركات معاصرة للقيام بالثورات والاحتلال، احتلال وول ستريت، احتلال المصانع والمعامل والشركات واخراجها من دائرة السوق والربحية، احتلال الرأسمالية وتدميرها على مستوى عالمي.. انه اول درس يجب ان نتعلمه من الثورات الراهنة، درس استمرارية المسيرة الثورية والايمان بها والعمل بجد واخلاص ومثابرة في سبيل فهم ديناميكيتها وقوانينها وتفاعلاتها.
اما الدرس الثاني باعتقادي هو ان الحركة العمالية وحركة الطبقة العاملة تلعب الدور المؤثر والحاسم في السيرورة الثورية، ينبغي على كل من اراد الثورة ان يعول على دور تلك الطبقة وعلى تنظيم وتصاعد نضالاتها.
الدرس الثالث يتعلق بطبيعة الثورات الراهنة، فرغم الدور المؤثر للطبقة العاملة الا انها لاتستطيع القيام بها لوحدها، ينبغي تضافر النضال الطبقي مع نضالات اجتماعية اخرى للشرائح والطبقات المتوسطة وسائر الطبقات الفقيرة مثل الفلاحين وصغار المنتجين لاحداث سيرورة ثورية.. ان الثورات من صنع الجماهير ذاتها، وان التعددية الحزبية والنقابية والجماهيرية وتعدد الشبكات الاجتماعية النضالية امر ضروري لتنظيم الثورة ونجاحها.
الدرس الرابع يتعلق بالاستراتيجية الثورية، لم تعد الانتفاضات المسلحة السبيل والطريق الرئيسي للقيام بالثورات رغم ان تلك الحقيقة لازالت صادقة بالنسبة لبعض الدول التي لن تسقط الا بقوة الانتفاضات المسلحة مثل سوريا او اليمن و.....الخ.. ان اللجوء الى الاساليب الحضارية والمدنية والسلمية لاسقاط الانظمة الاستبدادية وتمهيد طرق القضاء على الرأسمالية واركانها وابتكار اساليب احتجاجية وتنظيمية جديدة اصبحت جزءا لايتجزء من الاستراتيجية الثورية الراهنة والمقبلة.
الدرس الرابع يتعلق بالاممية والسيرورة الثورية العالمية، فلم يعد حدوث ثورة في بلد ما- مهما كان صغيرا- حدثا محليا بل انه حدث دولي بامتياز، ينبغي ان نعرف بان تفجر ثورة ما في بلد ما هو ثمرة لتناقضات رأسمالية عالمية وافرازا من افرازاتها، وان نجاحها وفشلها ومدها وجزرها يتوقف على عوامل داخلية وعالمية على السواء.. رغم تشابك المشهد وتعقيده الا انني مقتنع بان الثورات الراهنة لن تفشل ولن تهدأ بسهولة، فلم تتحقق ماكان الشعوب يطمحون ويصبون اليه قبل الثورة، ولن تستطيع الطبقات الحاكمة من اعادة الماء الى مجاريها (حركة الرأسمال والربح والاسواق وسطوة الدولة) بسهولة في وقت بدت عاجزة على المستوى المحلي والدولي على السواء من معالجة الازمات التي تفجرت بحدة في اطار النظام الرأسمالي العالمي منذ سنة 2008..
ولكن الدرس الخامس والاهم في نظري هو عدم الاستخفاف بقدرة الرأسمالية على ضبط تناقضاتها واعادة تصحيح مسارها، رغم اني اعتقد بان النار اصبحت في الهشيم ولكن لاينبغي استعظام الجوانب الايجابية للثورات وتجاهل جوانبها السلبية ومايؤول اليها، وبخاصة في اوضاع لم تنضج بعد ثمارها الثورية. حدث في الماضي القريب والبعيد (ايران، فلبين، مالي، ودول امريكا اللاتينية...) الكثير من تلك الثورات في دول العالم والشرق الاوسط الا انها لم تأتي بالثمار المطلوبة، بعضها (في امريكا اللاتينية تحديدا) رغم نكستها غيرت سمة وملامح مجتماعاتها بغير رجعة، وبعضها الآخر (ايران كنوذج) مثلت ردة اجتماعية رجعية اكثر قوة واندفاعا ادت في نهاية المطاف الى قبر الثورة وتوقف تام للمسيرة الثورية..
ومن هذه الزاوية يجب ان ننظر هنا بتفاؤل حذر الى واقع الثورات العربية الراهنة، لان المخزون الرجعي حاضر بقوة في الحدث، والحصن المنيع للاستبداد الاسلامي القروسطي السفي (السعودية) والاخواني (القطري) او كليهما معا لازال منيعا، ويرزح غالبية المجتمعات العربية الثائرة تحت وطأة الفقر المدقع ومعرضة الى التجهيل والتخريف والتضليل وذر الرماد في العيون، وشرايينها تصلبت بالرجعية الدينية والطائفية المقيتة وثقافة الاستبداد والاستعباد.
لن نتمكن من هزيمة المعسكر المقابل الا باستمرار السيرورة الثورية لاطول فترة ممكنة! وفي حال لم نتمكن من ذلك وضع خارطة الانسحاب المنظم باكمل وجه بغية الدفاع عن المنجزات التي تحقق.

4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
باعتقادي لم تسقط الانظمة الاستبدادية بل سقطت رموزها، وماتسمى بـ"العملية السياسية" لاتختلف من حيث الجوهر عن نظيرتها في العراق ابان سقوط النظام البعثي الطاغي، حيث ان المساعي هي لاعادة بناء سلطة استبدادية قديمة بحلى واشكال جديدة وفي اطار انتخابات سريعة تضفي الشرعية عليها..
شعار الثورة الاساسي"اسقاط النظام" لم تتحقق بعد، لازالت الطبقة الحاكمة القديمة بنفس وجوهها المقيتة تمسك بزمام السلطة ومرافقها الاساسية، والتعديلات الدستورية الجارية في مصر والانتخابات العاجلة الغرض والغاية منها قبر الثورة واضفاء الشرعية على بعض التغييرات والتعديلات الطفيفة في شكل الحكم، وتحالف العسكر والاخوان والسلفيين، والغنوشي والقايد سبسي وغيرهما بمباركة امريكية وفرنسية وبريطانية وتمويل ودعم سعودي-قطري جلى للعيان.
وضعت وتضافرت جهود الطبقات السياسية الحاكمة لوضع "خارطة خروج" من الازمة الثورية والعمل جار على قدم وساق لتنفيذها..
المشاركة السياسية الفاعلة هو استكمال المهمات الثورية الراهنة، وتعميق مضامينها وفضح المساعي الداخلية والدولية لقبر الثورة والتخلص من تداعياتها، باعتقادي لازالت الثورة مستمرة، لم ندخل بعد مرحلة الانسحاب المنظم وبالتالي ينبغي التأكيد على ان المشاركة السياسية الفاعلة والمؤثرة هي استكمال المهمة الثورية وعدم الاكتفاء بانصاف الثورات الراهنة.
وهنا اود ان اشير الى نقطة في غاية الاهمية في نظري وهي تتعلق بقضية الدولة، عقب آخيل كل ثورة. على اليسار الثوري والاشتراكي ان يوضح رابطة الدولة بالثورة ويطرح مفهومه وبديله للدول الاستبدادية الراهنة. يطرح بديله للدولة على اسس ديمقراطية، تشاركية وتعاونية ومجالسية لاهرمية، ويمهد السبيل الى تفكيك الدول الراهنة وتسلطها تمهيدا لالغائها في المجتمع التشاركي الحر، مجتمع يسوده الحرية والمساواة وخال من الاضطهاد الطبقي.
لازال اليسار الاشتراكي والثوري يراوح مكانه في هذا المجال، ويكرر ويردد مفاهيمه السابقة كأن الزمن لم يتغير والفلك توقف عن الدوران، بعضه يطالب بحكومة عمالية ثورية وجل تركيزه على كيفية الاستيلاء على السلطة وبعضه الآخر يطرح مفهوم دولة مدنية وديمقراطية برلمانية معاصرة وانتخابات شفافة ونزيهة وشغله الشاغل كيفية حصوله على بضعة مقاعد برلمانية والبعض الآخر مهتم بتنظيم هيئات ومؤسسات شعبية تمارس الرقابة على عمل الحكومات الراهنة، وبعض المجاميع الاناركية لازالت تردد المفاهيم القديمة رغم مرارة التجربة في الثورة الاسبانية وهلم جرا.
هذه الاجابات المختلفة والمتعارضة والتناقضات في المواقف والتوجهات مردها تأريخ طويل حافل بالدروس والتجارب والاخفاقات لاسبيل الى الغور فيه بهذه العجالة.
ولكن من المفيد ان نذكر بان الحركة اليسارية والشيوعية واحزابها وضعت اهدافها بالغاء الدولة الا انها تحولت الى اداة لبنائها، وبررت موقفها ذلك بضرورة الدفاع عن الثورة وتمرحلها وقضية الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية ومنها الى الشيوعية..اما الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية تمسكت بالدولة كضرورة للاصلاح والتوافق الطبقي وتخفيف حدة التناقضات الطبقية تمهيدا لالغائها حسب تصوراتها. وانصار الغاء الدولة من اول ايام الثورة (الاناركيين) فقد اخفقوا في تحقيق ذلك في الثورة الاسبانية ونتائج الاخفاق لم يكن اقل مرارة وخطورة.
وتجربة اليسار العربي في مجال الموقف من الدولة حدث ولاحرج.. بالاضافة الى كون اليسار التقليدي الشيوعي العربي لم يكن وفيا للتجربة اللينينية ولقضية دكتاتورية البروليتاريا ولدولة العمال والفلاحين الفقراء المتشكلة من المجالس والسوفيتات العمالية والشعبية فقد اصبح من دعاة وباني الدول البونابارتية، دول العساكر والجنرالات العسكرية التقدمية المعادية للاستعمار والامبريالية، دول الطغيان العسكري والطبقي، دفع اليسار الشيوعي والتقدمي الثمن باهضا ومازال المجتمع العراقي والمصري والتونسي والسوداني والسوري وغيره لم يتخلص من تبعات تلك الانظمة العسكرية الاستبدادية. ولسخرية التأريخ وعقب حدوث الثورات في العالم العربي مازال البعض يراوده حلم الدولة العربية الموحدة على غرار اوروبا الموحدة!
اليوم انتهت تلك التجارب بالاخفاق، ولكن لايعني ذلك انها لن تتكرر.. بل اننا نلمس المواقف والخطاب السياسي السائد والتوجهات الجارية كما هي. واذا لم يراجع اليسار الثوري مواقفه ويمحصها بدقة فان مشاركته السياسية الراهنة في العملية السياسية التي تلي سقوط الانظمة الاستبدادية بفعل الثورات تصبح هشة وفي نهاية المطاف داعمة لقوى سلطوية اخرى تقدم لها كعكة السلطة على طبق من الذهب..

5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
نزار عبدالله: رغم وجود انعطافة هامة نحو اليسار في بعض المجتمعات العربية، وبدء سيرورة ثورية في بعضها الاخر الا ان ماتسمى بالقوى اليسارية (التنظيمات اليسارية الماركسية، التنظيمات الشيوعية القديمة، التنظيمات القومية والتنظيمات الديمقراطية وفرق ومجاميع يسارية وديمقراطية عديدة واطياف اخرى) غير مهيمنة على الساحة وانها ماتزال في طور النمو والاستنهاض ويبدو بان البرجوازية والامبريالية والصهيونية والسلفية الدينية السعودية والقطرية قد تفوت عليه فرصة النهوض، وفرصة استنشاق هواء الحرية والثورة.
اللوحة او الخارطة العامة لليسار معقد ومتشابك للغاية، والقوى اليسارية في طور التحول والتغيير، تغيرت سماتها وملامحها ونقاط ارتكازها الطبقي والاجتماعي وخارطة تحالفاتها مع نفسها او مع غيرها من الاحزاب والجهات، ولذلك لايسعنا الا ان نتحدث بشكل عام او مجرد او نعبر عن امنيات لااكثر ولااقل. والتشتت حالة قائمة لايمكن تجنبه اذ انه نابع من اختلاف الميول السياسية والانتماءات الطبقية واختلاف درجات الوعي واختلاف الاجيال والتجارب وغيرها من الاختلافات السياسية والاجتماعية والطبقية والتدرجية، والاتفاق على برنامج موحد في خطوط عريضة امر يصعب تحقيقه بين كل القوى اليسارية حتى مع توفر شرط الالتزام التام بالديمقراطية واحترام الغير وتعدد المنابر.
ولكن يبدو بان اليسار الثوري والراديكالي (الماركسي والاشتراكي والتقدمي والاناركي والديمقراطي و..) اقرب الى الاتفاق مع بعضها البعض في المرحلة الراهنة حيث باستطاعته التوصل الى بلاتفورم سياسي مشترك يتضمن الخطوط العريضة لاستراتيجية التغيير الاجتماعي في الحقبة الراهنة.
انني كنت ومازلت من مؤيدي "العمل المشترك" بين اليسار واعتقد بان تلك الاطروحة ينبغي ان يشكل القاعدة الاساسية في العمل السياسي الديمقراطي اليساري، ما من قوة يسارية لوحدها تستطيع او قادرة على خوض غمار التحدي.
لاشك بان الاتجاه صوب تشكيل تحالفات يسارية او تكوين جبهة ديمقراطية شعبية تجمع العناصر الثورية بصفة خاصة الشباب، مع القوى التقدمية واليسارية والعلمانية الحقة، بالاضافة الى المجاميع النقابية الحرة، الشبكات الاجتماعية الراديكالية والمنظمات النسوية والفلاحية ومنظمات حقوقية ومراكز نضالية مختصة و...غيرها هي خطوات مرحب بها باتجاه احداث تغيير اجتماعي اكثر جذرية وراديكالية، باتجاه تعميق مضامين الثورة، او المشاركة بقوائم مشتركة في الانتخابات الجارية او المقبلة على الصعيد الوطني او على الصعيد الاقليمي والمحلي على السواء..

6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
نزار عبدالله: انه لمن الغريب حقا- من وجهة نظر اليسار الشيوعي والماركسي- الحديث عن قبول قيادات شابة ونسائية من عدمه بالنسبة للاحزاب اليسارية لكونه من بديهيات العمل السياسي التقدمي والديمقراطي.. ولكن طرح السؤال بشكله الراهن يشير الى واقع الاحزاب اليسارية المترهلة، وتناقض بين الاجيال واختلاف في التجارب والاساليب.. رغم ان اللوحة العامة غير واضحة المعالم الا ان الاحزاب اليسارية القديمة لازالت تعاني من الترهل والنمطية وتفتقر الى آليات سياسية وتنظيمية فاعلة لاستيعاب الطاقات الشابة او العناصر النسوية النشطة ناهيك عن وصولها الى المستوى القيادي.
انه لمن الاهمية بمكان ان تسعى الحركات اليسارية الماركسية والثورية واليسار التقدمي الى بناء منظومة استيعاب الطاقات الشابة وبناء لبنات تنظيماتها الاساسية من العناصر الشابة (ذكورا واناثا)، وتبوء تلك العناصر صدارة المشهد الحزبي يعطي زخما جديدا للتنظيمات اليسارية الشابة. لقد استطاعت الاحزاب اليسارية الاشتراكية والتقدمية في امريكا اللاتينية من احراز الكثير من المكاسب في هذا المجال في العقدين الماضيين ومن الضروري الحذو حذوهم.
7- قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
نزار عبدالله: باعتقادي لم تفعل ولم تفي القوى اليسارية - في هذا المجال تحديدا- بالتزاماتها الثورية الحقة، ترك الحبل على الغارب، ولم تدعو بالصرامة الكافية الى حرية المرأة ومساواتها التامة مع الرجل في الحقوق والواجبات وفي الدساتير والقوانين، رغم ان موقف معظم القوى اليسارية التقليدية يتسم بالتخلف في هذا المجال وتبرر الاضطهاد النسوي بالف وسيلة و وسيلة وتتهاون مع حركات الاسلام السياسي وبطشها بالنساء الا ان اليسار الثوري الماركسي والاشتراكي ايضا لم يتخذ موقفا حازما في هذا المضمار.
اننا نشهد أسوأُ مستوى من الاضطهاد الجنسي في البلدان العربية من بين جميع مناطق العالم قاطبة، والقوى اليسارية لازالت قوى ذكورية بالدرجة الاولى، ولازالت تلك القوى لاتطالب بالعلمانية وبفصل الدين عن الدولة وعن التربية والتعليم، وحتى اليسار الثوري الماركسي تخلف كثيرا في هذا المجال ولم يبلور موقفا واضحا حول المطالبة بالعلمانية والمساواة الكاملة للمرأة مع الرجل وذلك بحجج واهية مثل حساسية الموضوع وعدم استفزاز الخصم وغيرها.
ان قضية المرأة هي جزء لايتجزء من القضية التحررية للطبقة العاملة، وهي جزء لاينفصم من هوية اليسار الثوري ونضاله الاشتراكي والديمقراطي والتقدمي، وهو لب قضية الثورة والتحرر.. ان مانشهده حاليا في تونس ومصر وغيرها من البلدان من انتهاكات بشعة بحق الحركة النسوية وبحق نشطائها وبحق النساء البسطاء ينبغي ان يكتب كعار على جبين الحركات الاسلامية السلفية والاخوانية كما كتبت من قبلهم على جبين نظيراتها في افغانستان وايران والسعودية والعراق والسودان وغيرها من البلدان التي تعاني الامرين من سيطرة القوى الاسلامية (الرجعية حتى النخاع). ان مايقوله الغنوشي والمرشد والمفتي الاخواني والمفتي السلفي والزاهد والشيخ اهل الطريقة الفلانية عن حقوق المرأة وحريتها وكرامتها هو مزايدات رخيصة وديماغوجيات سياسية سبقهم في ذلك الخميني والصدري والمالكي والافغاني والقرضاوي ومن لف لفهم.
ولكن الامر المحزن والمقلق في الحقيقة هو ترك هذا المجال (المجال النسوي) مفتوحا لعنتريات وبهلوانيات الحركات الاسلامية والسلفية ولردتها المفضوحة، ونقص الحزم والاصرار في المطالبة بحقوق المرأة الدستورية والقانونية وبناء نظام ديمقراطي جديد يكفل حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل في كافة ميادين الحياة المعاصرة.. ان الاستمرار على هذا النهج – وهو استسلامي في نظري- يضر كثيرا بسمعة الحركة اليسارية والشيوعية والتقدمية.
لابد من التصدي لمعالجة هذا النقص والقصور الحاد والا فان المجتمع ينغمر في الرجعية والسلفية والردة والحديث عن التجدد التنظيمي وتعزيز المشاركة النسوية والتوازن الجندري والجنسي داخل التنظيمات والاحزاب او خارجها يبقى تجريدات لفظية وامنيات طيبة لااكثر. وتصبح المنجزات القديمة للمرأة في ظل الدستور التونسي الذي يكفل مساواة المرأة مع الرجل او في ظل القوانين القديمة على كف الريح..

8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر؟
نزار عبدالله: لاشك بان صعود الاسلام السياسي وخروج العفريت الاخضر من علب صناديق الاقتراع في تونس والمصر وصناعته في ليبيا والتهيأ لطبخه في سوريا و... امر مقلق للغاية.
ولكن علينا ان نكون مقتنعين بان تعميق السيرورة الثورية الراهنة ومضامينها الديمقراطية وقيمها في الحرية والمساواة والعدالة والعيش الكريم كفيل بدحر قوى الاسلام السياسي وتكالبها على السلطة والحريات العامة والحقوق الانسانية.. ان صعود القوى الاسلامية الراهن يعبر عن نكسة الثورة وعن توقفها في منتصف طريقها.
ان الثورات الراهنة ان تطورت وتعمقت هي بطبيعة الحال ومن حيث الجوهر ثورات على هيمنة الاسلام السياسي الاخواني والسلفي في آن واحد، لان سجل تلك القوى حافل بخدمة الانظمة الاستبدادية الحاكمة ومهادنتها، كانت على طول الخط ادوات مضادة لوقف المد الشيوعي واليساري، وقفت مع الملك والباشاوات ابان حكم الانكليز والحقبة الاستعمارية، ومع سلطة العساكر (الناصر وسادات ومبارك) ضد الشيوعيين والتقدميين وضد القوى الديمقراطية والعلمانية، وضد الحركة الطلابية اليسارية وحركة الفلاحين الفقراء. رغم الحظر المفروض على نشاط الاخوان والسلفيين الا ان الدولة لم تعرقل مسيرتهم بل كانوا يمسكون بمفاتيح السيطرة على الاعلام والتربية والتعليم والقضاء واماكن العبادة وغيرها من الميادين الحساسة.. بفضل البترودولار الخليجي راكمت القيادات الاخوانية ثروات هائلة وغدوا اصحاب الملايين وجزءا من الشبكة العنكبوتية الرأسمالية ومن العوائل المالكة الرئيسية في مصر وتجار ورجال اعمال ذوي علاقات وطيدة بالنظام السعودي والقطري.
طيلة فترة الاضرابات العمالية الكبرى اتسم موقف الاخوان من الحركة العمالية بالغموض والتناقض والرجعية، بل الوقوف في اللحظات الحاسمة مع مبارك ضد الطبقة العاملة المصرية وضد الفلاحين الفقراء (حادثة تصويت نواب الاخوان المسلمين في البرلمان ضد المضربين وتأييدهم لكبار الملاك العقاريين ضد الفلاحين المطرودين من ارضهم).
اما سلوك الجماعة في الثورة المصرية الراهنة والموقف من التعديلات الدستورية التافهة ومن قضايا الثورة اجمالا وبخاصة موقف الجماعة اثناء وعقب احداث 25 نوفمبر ان كل ذلك كشفت بجلاء طبيعتها الطبقية كقوة برجوازية رجعية متعاونة مع سلطة العسكر في مصر، واثبتت بانها متحالفة في السر والعلن مع جبهة الثورة المضادة وانها تشتهي كعكة السلطة عبر انتخابات هزيلة تضفي الشرعية على وصولها الى سدة الحكم.
العم سام وامراء الخليج تولوا الاشراف والمباركة على هذا الزواج المقدس بين العسكر والاخوان وبين السبسي والغنوشي التونسي وبين الناتو والمجلس الاسلامي الليبي..
هذا التحالف المقدس يشن اليوم اعنف حملة اعلامية وسياسية وامنية واقتصادية شاملة ضد شباب الثورة وضد القوى المعادية لهم. باسم الدولة والعائلة والدين والنظام (اركان الرأسمالية الاربع) تبذل مساعي حثيثة لاعادة بناء النظام الرأسمالي المتداعي وهيكله الامني ومنظومته وقهر دولته. وجلي للعيان ان النظام السياسي الذي يرومون اعادة ضخ الدم فيه لهي اسوء من الانظمة التي سبقتها..
ان مواجهة هذا التحالف المقدس ليس بالامر اليسير. ولكنه ممكن شرط العمل بجد ومثابرة لاقناع الجماهير بصحة الاراء والمواقف والتوجهات اليسارية والماركسية والعلمانية وبصحة المشروع الاشتراكي الثوري وبيان الطبيعة السلطوية والبرجوازية والرجعية للحركات الاسلامية وبخاصة موقفها من المرأة ومن الحقوق والحريات العامة والحريات الشخصية والفردية ومن القضايا الطائفية.. وكذلك من الضروري تفعيل دور اليسار الاشتراكي والثوري في ساحة الصراع العمالي والطبقي وفي الساحة النسائية كونها الساحات الاهم لمواجهة الاسلام السياسي حيث تنكشف فيها عورتها ونقاط ضعفها.
ان التجارب المريرة التي مرت بها بلدان الشرق الاوسط بدءا من السودان وافغانستان وايران والسعودية والفلسطينية وغيرها من البلدان بسبب سلطة وسيطرة الحركات الاسلامية وتأزم تلك التجارب في معاقلها ربما تساعد الحركة اليسارية والشيوعية الراهنة والحركة اليسارية بشكل عام في تبلور بدائلها الخاصة ومواجهة تلك الحركات سواء كانت في المعارضة او في سدة الحكم..
هذه المهمة هي مهمة اليسار الثوري والاشتراكي بالدرجة الاولى وليس مهمة انصاف اليسار، لقد دفع الحركة الشيوعية واليسارية بشكل عام ثمن توهماته ومهادنته الحركات الاسلامية في التجربة الايرانية سنة 1979 وفي التجربة الفلسطينية ابان الانتفاضة الاولى اواخر الثمانينات وغيرها ومن الضروري استخلاص دروس وعبر منها في الانتفاضات الشعبية الراهنة..

9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
لاشك بان الاعلام المرئي والالكتروني يلعب دورا هاما، مع ظهور التلفزيون والاعلام المرئي بدنا نعيش في عالم افتراضي تحكمه الصور والحركات المسجلة، فلم تعد الصور تنقل الوقائع بل اضحى الواقع نفسه، في هذا العالم الافتراضي يمكن ان تنخدع بسهولة، ليس على مستوى الافراد وحسب بل على مستوى الشعوب كذلك، الاعلام المخادع وهندسة التضليل والاكاذيب وصناعة الاذعان كما يسميه تشومسكي هو المهيمن على الساحة الاعلامية المرئية وغير المرئية.
مع ظهور الانترنت وتوسع استخدام الاعلام الالكتروني تكسرت الى حدما شوكة ذلك العالم الافتراضي المرئي، وبات في باستطاعة الناس البسطاء وباقل التكاليف ممارسة الدعاية والاعلام وبث الصور ولقطات الفيديو ومن ثم تأمين الاتصال بالغير عبر الشبكات الاجتماعية العاملة على الويب. هذا التطور التقني والمعرفي يوفر ويخدم كذلك بناء وادارة وتنظيم الاحزاب والتنظيمات السياسية، اصبح بالامكان بناء احزاب الكترونية ان جاز التعبير (التصويت والمناقشة وابداء الرأي حول المواضيع الحزبية بشكل علني بدلا من حبسه في الجدران التنظيمية الضيقة، النقاش السياسي الالكتروني، النقاش حول البرامج والخطط الحزبية او اتخاذ التكتيكات المناسبة وحتى عقد المؤتمرات والكنفرانسات و...).
ولكن دعنى اتوقف عند نقطة هامة وهو ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر في هذا المجال والكف عن الاوهام بصدد دورها. ان خدمات الانترنت والشبكات الالكترونية بيد الشركات الكبرى الرأسمالية، وهي المسيطرة على الفضاء الالكتروني وعلى بنيته التحتية وتحتكر خدمتها، باستطاعتها وقفها حسب ماتقتضيها مصلحتها ومصلحة الدول التابعة لها.
ويوما بعد يوم تنكشف فضائح وحقائق جديدة بان تلك الشركات ليست امينة في تقديم خدماتها ومتعاونة تماما مع الجهات الاستخبارية والتجسسية ولديها فرق وغرف خاصة للتعاون مع تلك الاجهزة، ان فضيحة مردوخ في بريطانيا كانت برأي ظهور وكشف قمة جبل جليدي، الهاتف النقال اضحى الجاسوس الجوال، والبريد الالكتروني في متناول الاجهزة الامنية والقراصنة، والفيسبوك مراقب والعيون التجسسية الالكترونية في كل مكان لايغادرنا حتى في غرف نومنا. ان العالم اصبح بفضل الربحية الرأسمالية والقرصنة والتجسس الالكتروني بغير امان، وانتهاك الخصوصية وكشف الاسرار والعلاقات الخاصة مرهون بعدة ازرار ونقرات بسيطة.
لذلك فان الاعتماد الكامل على تلك الخدمة خطأ فادح، والسرية مطلوبة في بعض المجالات، ولاننا نعيش او نريد خوض الغمار الثوري علينا ان نربط العمل العلني بالسري ان اقتضت الحاجة والضرورة.
عليه وباعتقادي ينبغي المزج الواعي بين الاليات القديمة والجديدة، وباستطاعة الاحزاب والمنظمات فعل ذلك ان شاءات فهي وبحكم تنظيمها وكثرة عناصرها تستطيع ايجاد تقسيم للعمل مرن في هذا المجال..

10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
في البداية اهنيء اسرة تحرير الحوار المتمدن بمناسبة الذكرى العاشرة لانطلاقته كما اهنيء قراءه بهذه المناسبة.
انني من متابعي موقع الحوار منذ انطلاقته الاولى ومازلت، حينذاك كانت مبادرة تأسيسه فريدة وجريئة بالنسبة للعالم العربي ولحركته اليسارية والتقدمية، وبفضل اهتماماته وتنوع مصادره وجهد ومثابرة محرريه يحتل الان موقع الصدارة في الاعلام اليساري والتقدمي الالكتروني.. الحوار المتمدن كان مرآة لواقع الحركة اليسارية والشيوعية والتقدمية باختلاف مصادرها ومشاربها، وان انفتاحه وتنوع مصادره واقلامه يعد من نقاط قوته.
حمل الحوار رسالته الاعلامية بامانة وثقة واستقلالية، اتمنى له الاستمرارية والغنى والتوفيق.



#نزار_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تطلق الحرية
- نزار عبدالله سكرتير اللجنة المركزية لاتحاد الشيوعيين في العر ...
- على هامش اعلان تشكيل حكومة المالكي: اين -خارطة الطريق-؟
- مهزلة تشكيل الحكومة ومهزلة الانسحاب الامريكي
- ماركس والماركسية
- حوار مع الرفيق نزار عبدالله بصدد الاوضاع السياسية في الشرق ا ...
- مغزى ومدلولات تراجع مستويات العنف في العراق
- عمال شركة نفط الجنوب –تأريخ كفاحي و تجربة للتعلم *
- في الطائفية
- التحديات والاولويات الاساسية للحركة اليسارية والماركسية في ا ...
- حوار فضائية الحزب الشيوعي الايراني (كومةلة تى في) مع الرفيق ...
- حوار مع الرفيق نزار عبدالله بصدد انتخابات كانون اول 2005 ونت ...
- الركائز الاساسية للحركات الاسلامية
- حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق: الـضرورة والهدف
- ملاحظات على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الخاص برفع العقو ...


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....



المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - نزار عبدالله - الربيع العربي ومهمات القوى اليسارية والاشتراكية في المرحلة الراهنة.