أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نزار عبدالله - ماركس والماركسية















المزيد.....



ماركس والماركسية


نزار عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 3049 - 2010 / 6 / 30 - 22:33
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ماركس والماركسية
(حوار اجرته الموقع الالكتروني "الاصوات" مع نزار عبدالله)*

الاصوات: هل تخلى مجالنا الثقافي والسياسي عن ماركس بشكل تام ولم يعد بحاجة اليه؟ هل من الصحيح ان نعلن موت ماركس ومن ثم التخلي عن كل اطروحاته وافكاره؟
نزار عبدالله: لقد تخلى "المجال الثقافي والسياسي" للطبقات والفئات المسيطرة في عالم اليوم عن ماركس او يسعى بكل السبل الى التخلي التام عن ماركس والماركسية، ويبذل جهودا جبارة عن قصد وسابق تصميم لقتل ماركس وتخليص نفسها والبشرية جمعاء في هذه الحقبة المعينة من ماركس ومن اشباحه، هذه الاشباح التي، حسب قول جاك دريدا، تحولت الى كابوس يقض مضاجع الرأسمالية التي اعلنت على لسان فوكوياما عن سرمديتها وكونها نهاية للتأريخ.
ولكن "المجال الثقافي والسياسي" للطبقة العاملة والطبقات المستغَلة في عالم اليوم لم يتخل عن ماركس ولايستطيع في نضاله ومساعيه لنيل الحرية والديمقراطية تجنب الماركسية وعدم الرجوع اليها.
ان افكار وطروحات ماركس ومن ثم نشأة وتطور الماركسية فيما بعد قد كانت حاجة سياسية واقتصادية وثقافية في مرحلة مهمة من حياة البشرية، امتدادا نقدياً، كنزعة فكرية وايديولوجية وسياسية، للمكتسبات والمنجزات الفكرية والسياسية والثقافية السابقة لها وبخاصة منجزات عصر النهضة والعقلنة.
عقب مضي اكثر من 150 عاما على صدور البيان الشيوعي كأول رؤية ماركسية عامة شاملة للعالم ان البشرية بشكل عام والطبقة العاملة والطبقات المستغلة والمسحوقة بشكل خاص ليست بمقدورها التخلي عن ماركس والماركسية وصيرورة نضالها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي تتطلب الرجوع الى الافكار والاطروحات والمفاهيم الاساسية لماركس.
ويبدو بان العودة الى الماركسية على الصعيد الفكري والى حدما على الصعيد السياسي اتجاه بارز في هذه المرحلة، يعاد طبع كتب ماركس في سنوات العشر الاخيرة، ويعد من مفكري الالفية الثالثة، وبموجب استفتاء اجرته قناة "zdf" الالمانية فان اكثر من نصف مليون شخص عدوا ماركس اهم شخصية بارزة في عصرنا، كما ان مستمعي الاذاعة الرابعة لقناة بى بى سي اعتبروا ماركس من اهم فلاسفة العصر، وبدوره اعلن جورج سوروس رجل الاعمال البارز والسياسي الليبرالي بانه اثر قرأته لماركس فانه يرى بانه على حق في كثير من الامور.
ويبدو ايضا بان الحملات الاعلامية التي شنت على ماركس والماركسية في خبو وكما يقول هوبسباوم توشك على نهايته، والعودة الى ماركس تتجلى بشكل اكثر بروزا في المراكز المالية العالمية، في صفوف الرأسماليين الاذكياء النشطين في هذه المراكز الذين يفهمون ماركس ويهتمون به ويستفيدون من افكاره وشروحاته فيما يتعلق بطبيعة النظام الرأسمالي وآليات عمله.
الا ان المشكلة الاكثر الحاحا هو موقف اليساريين من ماركس، انهم لايعرفون ماذا يفعلون به، كيف يقرأونه وكيف السبيل لتجديد الرؤية الماركسية وتخليصها من اشكالياتها الفكرية والسياسية والفلسفية. ورغم ذلك فلا اليساريين ولا البشرية واجيالها اللاحقة ليست في وضع بقادر كما يقول هوبسباوم على التخلي عن ماركس.
ومن وجهة النظر هذه فاني ارى بان "المجال الثقافي والسياسي" الكردي بحاجة ايضا الى العودة لماركس والى الافكار والمعتقدات الماركسية والتمسك بها وكون ذلك خطوة هامة للتطور السياسي والثقافي المقبل لهذا المجتمع.
لاشك بان الحركة القومية الكردية والطبقات المسيطرة، والى حد كبير الطبقة المتوسطة ايضا، في كردستان العراق لم تعد تؤمن اليوم بـ"الحاجة" الى ماركس والماركسية، ولم تعد ترى في الماركسية اطارا للتعبير عن اهدافها وتطلعاتها القومية والوطنية وكفت الماركسية من ان تقدم لمعاناتها وتطلعاتها، كما في السابق، دواءا ناجعا، بل انها ترى بان تعلقها بها يزيد من عللها وشقائها. وهذه ليست بحالة فريدة من نوعه بل انها تشكل جزءا متناهي في الصغر من منظر عام يسود في الشرق الاوسط باسره، ان الكثير من مثقفي العالم الثالث اليوم لم يعد يرون في الماركسية فنتازيا وموضة وشغلهم الشاغل وغذائهم الفكري والفلسفي اليومي هي الديمقراطية الغربية والليبرالية والحداثة ومابعد الحداثة والفلسفات الوضعية او الفلسفة التحليلية (Analyetic philosophy).
ويبدو بان المثقفين المعاصرين في كردستان لم يتخلفوا عن الموكب، لقد تعلقوا بمنهج واسلوب مابعد الحداثة لتحليل العصر، ويعتبرون تناول الماركسية وافكارها واطروحاتها ومفاهيمها وبخاصة مايتعلق منها بالنضال والصراع الطبقي امرا نافلا، والحديث عن موت ماركس ونهايته وخلط وخبط الفاشية والشيوعية ومناهضة التوتاليتارية نوقشت على يافطات وشعارات الدكاكين والاسواق التي كانت ومازالت تروج بانتظام لافكار مابعد الحداثة، خلال سنوات العشر الماضية انتشرت تلك الافكار وتحولت الى موضة سائدة. ان اللاموقف وعدم النطق بشيء، الانضواء تحت سقف النص وعزله عن كتابه، اعلان موت الكاتب والعنصر الفاعل، ابراز اطروحة "الاختلاف"، نفي العمل وبخاصة العمل الثوري، اعلان موت الانسان المنتج والمبدع ....الخ اصبح سيد الموقف، وبالطبع فان ماركس، الذي بنى معظم اطروحاته وآرائه على الافكار الاخيرة اي العمل الخلاق والمنتج والثوري، تعرض وان بشكل غير مباشر للهجوم والنقد والهجمات اللاذعة.
يبدو ظاهريا باننا جميعا، وبخاصة المثقفين والسياسين المنتمين الى الطبقات المسيطرة، لم نعد بجاجة الى الماركسية، ولكن مع ايذان كل ازمة تتعرض لها البشرية بشكل عام في ظل النظام الرأسمالي العالمي المعولم والمشاكل السياسية والاجتماعية العميقة التي تعصف بالشرق الاوسط وبلد مثل العراق وتحول حياة ومعيشة العمال والكادحين الى جحيم لايطاق وجرهم الى اتون صراعات سياسية عقيمة، و...الخ في اوضاع كهذه ينمو الاحساس بضرورة العودة الى الماركسية وتكتسب النضالات الفكرية والسياسية ذات الطابع الماركسي اهمية سياسية ونضالية لاغنى عنها. وماشهدناه مؤخرا مع بدء افلاس البنوك الكبرى واندلاع الازمة التي اجتاحت النظام المالي الرأسمالي الامريكي الا بخير دليل على ذلك.
اما فيما يتعلق بالماركسية الكلاسيكية او الحديثة يجب في البدء الاشارة الى ان الماركسية في جوهرها ليست بنظرية دوغمائية، وما تحولها الى عقيدة جامدة دوغمائية ومن ثم قدرها الفكري والايديولوجي المؤلم فيما بعد الا ثمرة لممارسات المدرسة السوفيتية وبخاصة الستالينية التي قضى على روحها وجعلت من الدوغمائية خصيصتها وجوهرها ولم تسمح بتطورها وتغييرها وتجديدها وتحديثها حتى في المجال الفكري والفلسفي المجرد، مما حدا بمفكرين كبار مثل التوسير الى محاربة "الماركسية" باسم ماركس نفسه مثلما حارب سبينوزا الله باسم الله.
وهناك الكثير من الادلة التي توضح بان ماركس نفسه لم ينظر الى اعماله وافكاره بقدسية ودوغمائية، وقد تخلى هو بنفسه عن بعض من آرائه عندما كان ينعم بالحياة، وحتى كتابه "الايدولوجية الالمانية" بوصفه احدى اعماله الفلسفية الهامة بالاشتراك مع انجلز تركه في الارشيف لانقراض الفئران، في كل مرة كان يراجع بلا رحمة اعماله وافكاره ويقوم بتصحيحها على ضوء احدث وآخر المستجدات والمنجزات الفكرية والعلمية والتقنية، واخيرا وليس آخرا اذا كان ماركس اخطأ في بعض من اطروحاته وافكاره ولم يتحقق بعضا من نبؤاته فان هذا لايعني البته خطأ مجمل المنظومة الفكرية الماركسية، ان النظريات هي رمادية اللون وتبقى شجرة الحياة خضراء الى الابد، ان الاخلاص للماركسية تعني ان ندرك ذلك بلحمه ودمه وننطلق منه للتعامل معها او مع سائر النظريات والمنظومات الفكرية والفلسفية الاخرى.
باعتقادي ومهما كانت نقص واشكالية هذه الاطروحة او تلك من الافكار والاطروحات الماركسية فان اهم سماتها الفكرية والفلسفية هي رؤيتها الشمولية المتماسكة، مع الرؤية الماركسية نصل الى القمة وهناك نرى الآفاق والمناظر الكبيرة الرحبة، كما ان منطق وميسودولوجية الماركسية في التفكير والتفسير والمعرفة مشعل علمي للتعرف على طبيعتنا ومعرفة الظواهر التي تحيط بنا.
ان البشرية الآن بامس الحاجة، اكثر من اي وقت مضى، لهذه الاطروحات والرؤى الشمولية والعامة كي يتعرف الانسان على نفسه ونظامه الاجتماعي وعلاقاته المحيطة به، انني لاارى ولحد اللحظة الراهنة نظرية تضاهي ماتقدمه الماركسية في هذا المجال، وبالطبع يوجد الكثير من النظريات والرؤى ولكن الماركسية بشكل عام تتصدر جميعها وتقف في الطليعة من الناحية الفكرية والفلسفية. ولااعتبر هذا الموقف نفي ونبذ والاستخفاف بالاخر بقدر ماهو اشارة الى حقيقة فكرية واجتماعية ماثلة للعيان، حيث ارى بان النظريات الاجتماعية والسياسية والفلسفية الاخرى لاتستطيع تلبية تلك الحاجة الملحة. ولنضرب مثلا ونشير الى انه لاتوجد نظرية مثل الماركسية تولي الاطروحات الاساسية للدياليكتيك والتغير الاجتماعي اهمية بالغة وتقدر اهميتها في النضالات السياسية والاجتماعية الحديثة، حيال هذه الاطروحات لن تصمد اية عقيدة وفكرة محافظة وميتافيزقية جامدة ومقدسة امامها وتصبح وجودها ليست سوى لحظة تأريخية عابرة و زائلة.
ومع كل ذلك من ايجابيات يجب ان نقر بان الماركسية في العقود المنصرمة اكتسبت صفة الجمود والدوغمائية ولم تجدد نفسها بالقدر الكافي، لقد تغير الكثير من الامور والاحوال، فلا يمكن ان نغفل ماتمخضت عنه المنجزات العلمية والانثروبولوجية وتغيرات علم الاجتماع ونكرر ونردد فقط ماقاله انجلز في كتابه عن "اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"، او ان نردد نظرية الازمة في الماركسية واطروحة تفسخ الرأسمالية في اعلى مراحلها بشكل تقليدي ونغض الطرف عن قدرة الرأسمالية المعاصرة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مجال التحكم بالازمات والخروج منها او قدرتها على كبح جماح الاعتراضات والثورات في المراكز الرأسمالية الرئيسة، او لايمكن التغاضي مثلا عن المنجزات الهامة في العلوم السياسية بصدد الاحزاب السياسية والاليات السياسية والنضالية المعاصرة، او التغيرات التي حصلت على تركيبة الطبقة العاملة وتلاشي حدودها المرسومة القديمة مع سائر الطبقات المتوسطة والفئات المحرومة الاخرى ولانوليها الاهتمام الكافي في مجال النضال الاجتماعي-الطبقي الراهن، كما لايمكن تخطي وتجاوز كل التجربة الشيوعية الروسية والصينية وغيرها من التجارب وجمعها في بوتقة واحدة ونوصمها على كونها
"شيوعية برجوازية" لااكثر ولاقل ونريح ضميرنا بعد ان نوصف الآخر بانهم برجوازيين ولاعماليين ومزيفين ونعتبر انفسنا بغرور وتعالي باننا عماليين واشتراكيين او شيوعيين حقيقيين.
ذكرت ذلك الاعلاه على سبيل المثال لا الحصر حيث هناك الكثير من الامثلة والجوانب الاخرى التي لايمكن التطرق اليها باسهاب وبهذه العجالة وليس من المناسب التطرق اليها في هذا الرد. اهم مافي الامر هو ان كل مفكر ماركسي عليه ان ينظر الى تلك التطورات والتغييرات بتأمل وامعان ومن ثم يسعى استنادا عليها بغية تجديد الماركسية وشحذ افكارها.
ويجب هنا اتخاذ الحيطة والحذر، لان غالبية دعاة التجديد والاصلاح والتحديث في العقود التي خلت شرعوا باثارة الاسئلة ومن ثم ساروا باتجاه التشكيك والنفي وفي النهاية اصبحوا من دعاة اجهاض الماركسية بدلا من تجديدها وشحذها واصلاح نواقصها، في خضم هذه المسيرة الطويلة تم تقويض الكثير من الثوابت التي اعتبرت فيما مضى جزءا هاما، ولو بشكل نسبي، من ثوابت الماركسية وبخاصة من قبل التيار البنيوي واتجاهات مابعد الحداثة والتيار التفكيكي، في هذا السياق جاءت اطروحات ماركس الشاب وماركس العجوز، ماركس الايديولوجي وماركس الفيلسوف، ماركس الاقتصادي وماركس الثوري، علاقة ماركس باعوانه ورفاقه و.....الخ تم فصل كل ذلك بعدة مراحل او دفعة واحدة وفي اطار تفكيكي من قبل البرجوازية ومفكريها، ولم يسلم تيار مابعد الماركسية من ذلك بل تأثر كثيرا بهذه الانتقادات والهجمات وانعكست سلبا عليه.
بالنسبة لي فان اهم شيء ينبغي التمسك به في الماركسية، واعتبره كذلك اولوية اساسية، هو اولا وقبل كل شيء جوهرها النقدي، نظرية النضال الطبقي ومناهضة الرأسمالية، وضرورة دحر وازالة هذا النظام الاستغلالي، تحديث مفهوم الاشتراكية والنضال التحرري للانسان من اجل القضاء على الاستغلال والاغتراب والعبودية وتبني الميسودولوجية الدياليكتيكية والمادية التأريخية بوصفها فلسفة النضال والتغير والتجديد، لقد نشأت الماركسية من هذه البيئة وعلى كل مهتم بالفكر الماركسي ان ينطلق منها بغية تجديدها واستنهاضها في العالم المعاصر.
انني اعتبر الاسس المادية والموضوعية التي ادت قبل اكثر من 150 سنة الى ظهور ونشأة الماركسية مازالت هي نفسها، لاشك بان العالم طرأت عليه تغيرات كثيرة لاحصر لها الا ان تلك الاسس مازالت تحتفظ بثباتها النسبي، فاغلبية البشر مازالت تعيش في اطار عبودية العمل المأجور، ضحية جشع وربحية الرأسمالية و نهم شركاتها، والقمع والاستغلال والفقر والبطالة وانعدام العدالة الاجتماعية مهيمن في غالبية الدول الرأسمالية، وفي الدول الغربية وعلى اثر نضال دؤوب متعاقب لعب الاشتراكيين والعمال دورا كبيرا فيه فقد توفر وتحقق فقط قدر معين من التحسن المعاشي والرفاه، وبسبب فوضى الانتاج الرأسمالي المعولم ومنطق الربح والجشع الذي يحرك هذا النظام من رأسه الى اخمص قدميه فان مستقبل الحياة البشرية على الارض يواجهه خطر الفناء والانقراض، والبحوث العلمية الحديثة تبين يوما بعد يوم بان هناك ضرورة ملحة لوضع حد للحرب الدائرة بين الانسان والطبيعة (والتي وصلت في ظل النظام الرأسمالي الى اوجها) وفي حال عدم توقفها فان الانسان كانما يقوم يوميا بقطع الشجرة بينما هو جالس عليه، ولايخفى على احد من جهة اخرى بان النزاعات التي تنشب بين فينة واخرى بين الدول الرأسمالية العظمى وشركاتها العملاقة والجشعة يجعل العالم يعيش في خوف وهلع مستمرين من خطر اندلاع حروب نووية مدمرة تقضي على الاخضرو اليابس على المستوى الاقليمي او الدولي على السواء.
في هذه الاوضاع لابد لماركس والماركسية من ان تحتفظ بحيويتها سواء كايديولوجية تحررية او كمسعى الانسان وتحديدا سعي الطبقة العاملة والمحرومين بغية التحرر والخلاص من عبودية العمل المأجور ونيل حياة افضل وبناء نظام اجتماعي يخلو من الاستغلال والظلم.
وبالنسبة للشق الثاني من السؤال علي ان اشير بان الكثير من الافكار المادية التي طرحتها الماركسية في الميدان الفكري والفلسفي قبل غيرها باتت الآن جزءا لايتجزء من المنجزات الفكرية والفلسفية للبشرية قاطبة، وان الد اعداء الماركسية وافكارها الذين لم يدخروا جهدا لوقف وتطهير ومسخ الفكر الماركسي اقروا بذلك ولم يستطيعوا انكاره، فمثلا شخص مثل "لشك كولاكوفسكي" اقر بذلك في نهاية كتابه الذي اصدره في ثلاثة مجلدات باسم (التيارات الرئيسية في الماركسية) واشار الى ان الكثير من الاعتقادات والمفاهيم والاطروحات الماركسية هي حاليا جزء من العلوم السياسية والاجتماعية للانسان المعاصر وغدا جزاء من المناهج العلمية والتدريسية المختلفة.
السؤال الثاني: عقب انهيار النظام الاشتراكي وظهور اطروحة "نهاية التأريخ" على يد فوكوياما والدعاية التي اعقبتها هل نحن في الحقيقة امام نهاية ماركس الفيلسوف؟ او هل انتهى حقبة ماركس الايديولوجي؟
نزار عبدالله: ان ماركس الفيلسوف وماركس الايديولوجي شخص واحد، اشارك سمير امين رأيه بان ماركس كان ناقد سياسي وفلسفي واقتصادي في آن واحد و ان الجوهر النقدي للماركسية يتجلى بسطوع في غلاف كتاب "الرأسمال" اي "نقد الاقتصاد السياسي"، اي ان الهدف ليس عرض اقتصاد سياسي ماركسي كما روجت له المدرسة السوفيتية بل نقد نظام اجتماعي محدد.
هذا التفكيك في رأي وبهذا الشكل الذي يروجون له يبتغي دفن ماركس وتقطيع اوصال الرؤية الماركسية تدريجيا. ان تحويل ماركس الى ماركس الفيلسوف يمثل احدى افرازات الماركسية الغربية ، فكما يقول برى اندرسن ان الخصيصة والسمة والجوهر الاساسي للماركسية الغربية منذ بدء مكتب فرانكفورت وصولا الى اواسط السبعينات ومااعقبتها في القرن العشرين كانت عبارة عن تخطي وقطع صلة الماركسية بالنضال الطبقي واخيرا افراغ وتجريد الماركسية منه. في خضم الماركسية الغربية بدأت رحلة التمييز بين ماركس الشاب وماركس العجوز (التوسير والمدرسة الالتوسيرية)، او تمييز ماركس الثوري عن ماركس الفيلسوف، اماتة الاولى في سبيل الثاني، و....الخ ثم في نهاية المطاف وعقب انهيار النظام الاشتراكي السوفيتي انتهت المسيرة باعلان موت "ماركس" بشتى انواعه ، ومع فوكوياما غدت الماركسية تأريخا وعلى يده وضعت خاتمه ونهايته !
ان تكرار "اطروحة النهايات" من قبل فوكوياما وزملائه لم تكن الا ترديدا للهيغلية والتأريخانية (هذه الاطروحة التي قام انجلز رفيق ماركس بتكرارها في كتابه ضد دوهرينغ)، ثم قامت المدارس السوفيتية بتحويل الفلسفة الماركسية الى استقطاب شكلي بين المادية والمثالية (كانعكاس للاستقطاب بين المعكسر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي الغربي) وتحويله الى اداة لشرعنة السلطة الاستغلالية لرأسمالية الدولة في ذلك المعسكر، واخيرا وليس آخرا وكما اشار الى ذلك التوسير تم اعادة بناء وتعريف الفلسفة الماركسية على اساس "الروح المطلق" لهيغل، من المقدمات والاسس والبيئة المذكورة نشأت اطروحة "نهاية التأريخ" كأن "النظام الشيوعي الروسي" هو بحد ذاته مطلق ونهاية للتأريخ، عليه فان السوفيتين اول من استخدموا مفهوم الاطروحة قبل فوكوياما بهدف الترويج لانتصارهم الحاسم على النظام الرأسمالي الغربي، لم يفعل فوكوياما سوى ترديد ماسبق ومحاكاته وتغير عناوينه.
عليه فان انهيار النظام السوفيتي تعني من جملة ماتعنيه انهيار وموت "الروح المطلق" الهيغلي ومساراته الايدولوجية، دون ان يعني ذلك نهاية ماركس. ومجمل القضية هي ان الميت (بتعبير ماركس نفسه) يمسك بالحي، ويبدو باننا نحتاج الى مزيد من الوقت للتخلص من اشلاء الموتى!
السؤال الثالث: هل انتهت قدرة الفلسفة الماركسية على تغيير المجتمع، ام ان الماركسية وحدها قادرة على تغييره؟
نزار عبدالله: يصنع الانسان تأريخه بنفسه، والقوة التي تغير المجتمع وتصنع التأريخ هو الانسان وحده، وفي النهاية ان وظيفة الفلاسفة ليست تحليل وتفسير العالم بل تغييره، عليهم انتاج المعرفة والرؤية التي تنور سبيل الانسان لتغير نفسه وتغير نظامه الاجتماعي والبيئة المحيطة به.
انطلقت الماركسية منذ بدء نشوئها من تلك الاطروحة وكانت لها الفضل في سرعة انتشارها وعدم حصرها في المجال الفلسفي ومن ثم تحولها لاحقا الى نظرية اجتماعية نقدية شاملة، وخلافا للنزعات الفلسفية والفكرية الاخرى (مثل الوضعية، الوجودية، البنيوية، مابعد الحداثة، ...) اكتسبت الماركسية ابعادا ومضامين وامتدادات اجتماعية واسعة ، بينما انحصرت التيارات المذكورة في اطار نخبوي على الصعيد الاجتماعي ولم تتخطى حدود الجامعات والمعاهد والمراكز الفكرية والاكاديمية. اما الماركسية ومنذ انطلاقتها الاولى بنت اسسها وركائزها واطروحاتها ومساعيها على الدفاع عن الاغلبية الاجتماعية، كانت ومازال نقد النظام الرأسمالي واظهار تناقضاته هو بوصلتها وموضوع عملها، ونضالها السياسي والفكري يتلخص في الدفاع عن الطبقة العاملة كطبقة اجتماعية جديدة مستغَلة، وهذا هو سر انتشار الاطروحات الماركسية وافكارها واكتسابها قوة مادية واجتماعية تغييرية، وتحولها الى مفاهيم ونظرية للثورات الاجتماعية ضد الظلم والاستغلال الرأسمالي وضد جميع اشكال استغلال الانسان من قبل بني جنسه.
في الميدان الفلسفي فان التيارات التي ظهرت في الغرب منذ عقد الخمسينات، سواء ماخرجت عن اطار الفلسفة الماركسية المالوفة او التي ظهرت كرد فعل عليها، وانتشرت ووصلت الى ذروته في بداية عقد السبعينات وبداية الثمانينات في القرن الماضي ووجهت سهام انتقاداتها بشكل لاذع للماركسية والمادية التأريخية والنضال الطبقي و....الخ، نشهد اليوم تراجعها وانحسارها وبعضها لم تبقى منها سوى كومة من الرماد. ان اعلان موت العقلانية ونهاية عصر الانوار، اعلان موت الايديولوجيا، هدم الانظمة الفكرية وتفكيكها بحجة وذريعة مناهضة الشمولية والتوتاليتارية وسيادة المنهج التفكيكي (Deconstructive)، رواج العدمية وفلسفات موت الانسان، استعظام اطروحة "الاختلاف" وحلها محل "التناقضات" والدياليكتيك، اعلان موت العمل الواعي، موت الكاتب وحياة النص، الرمزية، انتشار المنهج الرمزي اللغوي، جمود الزمن، الهيرمنطوقية الحديثة ، .... الخ ان كل ذك انتشرت بشكل واسع كنتيجة وافراز للحقبة التي اعقبت الحرب العالمية الثانية وهي الآن في انحسار وتراجع مستمر، كما ان اطروحات وافكار هابرماز التي تمثل الاصدار الاخير لمكتب فرانكفورت تبينت قصورها وشوائبها اكثر من ذي قبل.
والمفارقة هي ان تلك الافكار والاطروحات عندما وصلت الى كردستان العراق وانتشرت الدعوة الى موت الايديولوجيا والنظام والكاتب ونفي ماركس وتفنيده وانتشرت البنيوية وافكار وتوجهات مابعد الحداثة على يد الرهنديين (نسبة الى مجلة رةهةند"المسار" التي تصدره عدد من المثقفين الاكراد) كنا نشهد في الغرب انحسارها وغروبها وتخليها عن مواقعها لصالح تيارات اخرى مثل الفلسفة التحليلية والوضعية.
ولايعني ماذكرته بان الفلسفة الماركسية في ايامنا هي في انتشار وتوسع، بل هي اشارة قبل كل شيء الى حقيقة كون التيارات الفلسفية الاخرى وبسبب مايعانون من نواقص واشكاليات رئيسة تركوا فراغات فلسفية وفكرية واسعة، وان هناك فرصة سانحة للعودة بقوة الى النظريات والرؤى العالمية الكبرى والشاملة ورسم الخطوط الرئيسة لنظرة اجتماعية وسياسية عريضة، وهنا تكمن باعتقادي اسباب انتشار العودة الى هيغل، او العودة الى ماركس وفلسفة التغيير، وباستطاعة الفلسفة الواقعية الماركسية ان تستنهظ من جديد وتصبح نبراسا للتغييرات الاجتماعية والسياسية المقبلة.
وانجاز مهمة كهذه امر بالغ الصعوبة وتواجه صعوبات جمة، والسبب عائد الى ان الماركسيين انفسهم لم يهتموا بالفلسفة ولم يعطوها حق قدرها ولم ينظروا اليها بمثابة ميدان نضالي هام مثل الميادين الاخرى، او توهموا بان الماركسية فلسفة كاملة وشاملة ونهاية كل الفلسفات الاخرى! وهذا الموقف ليست بدون خلفية او مقدمات، حيث ان ماركس وانجلز نفسيهما ابتدءا بالفلسفة ولكن سرعان ما قطعا صلتهما بالفلسفات السابقة في كتاب "الايديولوجية الالمانية" ثم اتخذا موقفا رافضا وسلبيا منها.
لم يكتب ماركس في اعماله اللاحقة نصا فلسفيا محددا، واعمال رفيقه انجلز الفلسفية لم يملء الفراغ بالشكل المطلوب بل في بعض الاحايين قام بعرض افكاره في اطار كأن الفلسفة والفلسفة البرجوازية تحديدا قد انتهت (مثلا في كتاب نهاية الفلسفة الكلاسيكية الالمانية)، اما الجهود الفلسفية الماركسية اللاحقة بسبب هزيمة ثورة اكتوبر وبدء عصر الاغتراب الفكري والفلسفي البرجوازي والطلاق الذي حصل بين الفلسفة والتغيير لم تكتسب القيمة الفلسفية المطلوبة، فرغم الجهود القيمة للينين وغرامشي وجورج لوكاش والتوسير وغيرهم فان الماركسية المعاصرة ليست في جعبتها الكثير في هذا المجال وعليها شق طريق وعر.
والواقع الذي ذكرته يؤثر بهذا الشكل او ذاك على قدرة الفلسفة الماركسية في احداث التغيير وقد تطرقت باسهاب في فرص اخرى عن ذلك الامر(مثلا في الندوة المتعلقة بالماركسية والرهنديين) واشرت الى نواقص واشكاليات الماركسية في هذا المجال ولاأرى هنا ضرورة لتكرار ماذكرته.
الاصوات: كيف نقرأ ماركس في الحقبة الراهنة؟ كيف نخلص ماركس من الاطر والتفسيرات الايديولوجية له ومن الفهم الدوغمائي للماركسية الذي يحصرها في اطار ايديولوجي ضيق؟
نزار عبدالله: ان قراءة حديثة ومعاصرة للماركسية حاجة ملحة آنية، واعتبر طرح السؤال بهذه الشاكلة هو نتيجة قراءة معينة للماركسية مبنية على رد الايديولوجيا والاتجاهات الايديولوجية المختلفة. لاانوي التطرق للاطروحات المعرفية بصدد الايديولوجيا ومساراتها وتوجهاتها، ولكن محاولة فصل الماركسية عن "التفسيرات الايدولوجية" بذريعة محاربة الدوغمائية امر غير صحيح، ان جذور الدوغمائية لاتكمن في تحويل الماركسية الى نص ايديولوجي، بل تكمن في افراغ الماركسية من مضمونها النقدي. ان مجمل كتاب "الايديولوجية الالمانية" هو نص ايديولوجي الا انه يتضمن جوهرا نقديا ولايحتمل تفسيرات دوغمائية وحيدة الجانب والتوجه، لذلك فان مناصري الماركسية ينبغي عليهم احياء تلك النصوص ومراجعتها.
وبالنسبة لكيفية قراءة الماركسية في الحقبة الراهنة فاننا بحق نواجه عراقيل لاتعد ولاتحصى، الكثير من القراءات للماركسية ونصوصها الاساسية وبخاصة عقب هزيمة ثورة اكتوبر هي من جهة افرازات تفكك وتقويض الاطروحات والافكار الاساسية لماركس والماركسية ومن جهة اخرى ثمرة جهود مكثفة من قبل مفكري الطبقات المسيطرة لاجهاضها. ان المصير الذي لاقاه النظام الفكري الهيغلي الذي اشارا اليه ماركس وانجلز في كتابهما "العائلة المقدسة" اصابت الماركسية بنفس المعاني والمسارات، اثر موت هيغل تفكك نظامه الفكري والفلسفي العام وسارع مناصريه ومؤيديه واحد يسبق الآخر لاقتطاع جزء منه واظهاره كانه يمثل الهيغلية الحقة، كان هذا مصير الماركسية ايضا بل ان مااصابها اخطرو اعمق بكثير.
اثر هزيمة الثورات العمالية والحرب العالمية الاولى وهزيمة ثورة اكتوبر وانحسار النضال الطبقي بدأت عملية فصل وعزل وانقطاع الماركسية عن موضوع عمله الاجتماعي-الطبقي تتشكل عناصرها، ويعود رواج وانتشار مكتب فرانكفورت بصرف النظر عن منجزاته الفكرية والفلسفية ثمرة هذا الانقطاع والفصل. في الحقيقة ان القوى التي سمت نفسها ماركسية اقتطعت جزءا من الماركسية وعنصرا من عناصرها وقامت بتحويله الى موضوع عملها ونضالها واظهرته كانما هو جوهر الماركسية او عبرت عنه كانه يمثل الماركسية الحقة.
على اثره انقطعت العلاقة بين "الثورة والاصلاح" في الخطوة الاولى، اخذ الفوضويين ثورية الماركسية بينما اخذ الاصلاحيين بدورهم روح الاصلاح فيها (الاشتراكيين الديمقراطيين وبقية النزعات الاصلاحية المشابهة)، وكرد فعل على انعزال وانقطاع صلة الماركسية بالطبقة العاملة سارع انصار الاتحاد واندماج الماركسية مع الطبقة العاملة الى طرح اطروحة "العمالية" ( اي عملَنة الماركسية) وترديدها وبعضهم ذهبوا ابعد من ذلك حيث اضافوا لمصطلح الماركسية والاشتراكية والشيوعية كلمة "العمالي" كمضاف اليه، دون الاستناد الى قراءة معاصرة لطبيعة التركيبة الطبقية للعمال وموقع تلك الطبقة في العملية الانتاجية المعاصرة وعلاقته مع الطبقات والفئات الاخرى، وجعلوا من تلك الكلمة دالة على هوية فكرية وسياسية مميزة لمظماتهم واحزابهم وحتى لحكومتهم الاشتراكية المقبلة واسماء جرائدهم والمجلات التي يصدرونها.
ومن جهته انطلقت النزعة الانسية من قيمة ومكانة الانسان في نظر ماركس وحديثه عن اغتراب الانسان في ظل النظام الرأسمالي الى اعتبارها جوهر الماركسية ممهدة لعملية اندماج بين الماركسية والانسية، النزعة النسوية بدورها استندت على التحليلات الماركسية بصدد جذور واسس استغلال النساء في ظل النظام الرأسمالي وقامت بقولبته في نزعة ماركسية نسوية جديدة.
وفي نفس السياق تفقد الطبقة والانقسام الطبقي ثقله وجاذبيته وتأتي "الثقافة" واطروحة "الجيندر" الى المقدمة وتظهر "ماركسية ثقافية" كنزعة جديدة، اما "المادية التأريخية" تتحول من نظرية نقدية اجتماعية للنظام الرأسمالي مركز ثقله العمل الثوري والنضال الطبقي الى التأريخانية والحتمية التأريخية، ونقد الاقتصاد السياسي الرأسمالي يتحول الى اداة بيد المدرسة السوفيتية والصينية لبناء وترسيخ اسس "اقتصاد سياسي ماركسي" مبنية ركائزه على اقتصاد رأسمالية الدولة.
من الناحية الفلسفية هجنت الماركسية، وبخاصة من قبل الستالينية، بالهيغلية وبـ"روحها المطلق"، وامتزجت في الغرب في عقد الخمسينات والستينات من القرن المنصرم مع البنيوية واتجاهاتها، نزعوا عن "المادية الدياليكتيكية" جلدها وروحها وجوهرها الثوري وتحولت الى فلسفة محافظة علموية (نسبة الى العلم) في المعسكر السوفيتي، اما في الغرب وبحج وذرائع مختلفة تم تفكيكهما وفصلهما حيث اخذ البعض "دياليكتيكها" والبعض الآخر "ماديتها".
في العالم الثالث اضحى الدفاع عن حقوق الشعوب لتقرير مصيرها ومحاربة الامبريالية جوهر الماركسية الرئيسي، بدلا من التحليلات والتفسيرات الماركسية عن الرأسمالية والامبريالية حلت محلها تفسيرات اخرى تحمل سمة ضد امبريالي او حتى في بعض الأحايين ضد امريكي.
بالاضافة الى كل ذلك فان الاسلاميين والهندوسيين والمسيحيين والروحانيين وغيرهم اخذوا نصيبهم من الماركسية وسعوا الى مجاراتها او التطابق معها، وظهرت العديد من الهويات الدينية-الماركسية اوالاشتراكية في هذا السياق.
وفي خضم تلك التحولات والمستجدات تحولت الوفاء للماركسية ولرموزها وشخصياتها الى كليشة فارغة من المضمون او الى نوع من الكاريزمية، تحولت الصور الى لوغو، ولاظهار مدى الالتزام بالماركسية الكلاسيكية ونبذ "التحريفية" استعرضوا صور ماركس وانجلز ولنين في ثلاثية متوالية، الستالينية اضافت صورة ستالين الى الثلاثية، والماوية اضافت صورة ماوتسى دونغ، الغيفارية صورة غيفارا، وفي العراق وايران المنصورية صورة منصور حكمت.
واذ نراجع الآن تلك الحقبة السابقة ونمحص القراءات المختلفة للماركسية الكلاسيكية ونصوصها وتراثها ومراحلها المختلفة يمكن بسهولة تشخيص غرابة الكثير من القراءات والتفسيرات والنزعات مع نصوص وافكار واطروحات الماركسية الكلاسيكية الاساسية ومن الصعوبة، في حالات كثيرة اخرى، تشخيص وتمييزعدم تطابق بعض القراءات مع جوهر الماركسية وروحها.
لااريد هنا التطرق الى القراءات الرئيسة في هذا المجال حيث ان عملا كهذا يمتاز بصعوبة بالغة ويحتاج الى بحوث علمية دقيقة، ولكن اود الاشارة هنا الى نقطة اساسية وهي ان التشبث بجزء من الماركسية واحدى ميادينها وتحويله الى جوهر وهوية وشكل الماركسية الرئيسي رغم ماتحمله من سلبيات اساسية الا ان الامر لم يخلو من الايجابية حيث ان مختلف العروض والقراءات والتوضيحات المختلفة للنصوص الماركسية سلطت الضوء على العديد من الجوانب الفكرية الغامضة والمبهمة في الماركسية، عولجت الكثير من النواقص والاشكاليات، تم تصحيح الاخطاء، روعيت المستجدات والتغييرات، وبمجرد ان يتخلى اي شخص عن الدوغمائية والتعصب الفكري والايديولوجي ولايلبس الماركسية وشخصياتها ورموزها هالة مقدسة كاريزمية يرى بانه تحقق الكثير من المكاسب والمنجزات الهامة.
باعتقادي ان وجهة النظر الذي يرفض جملة وتفصيلا كل المنجزات المعرفية في المدرسة السوفيتية وفي دول اوروبا الشرقية وفي الصين بصدد الماركسية واقسامها ضار بلا نهاية، حيث ان البحوث التي اثيرت في عقد الخمسينات والستينات في القرن المنصرم بغية مراجعة الماركسية وتنقيتها لايمكن غض الطرف عنها ورميها في سلة المهملات بذريعة "التحريفية" او بمختلف الذرائع الاخرى مثل كونها"شيوعية برجوازية" او ماشابه من مصطلحات وذرائع مختلفة، ومن يقوم بذلك لايولي اية قيمة للتجارب الاجتماعية ويرى العالم بمنظاره التعصبي والايديولوجي المجرد.
لذلك كله فاني على اعتقاد الآن بانه توجد نظرية شاملة واسعة وغنية، من الناحية النظرية بالاضافة الى ماركس وانجلز ولينين وتروتسكي وبخارين وروزا لوكسمبورك وبقية القادة الكلاسيكيين الماركسيين، هناك لوكاش وغرامشي والتوسير وهوركهايمر وادورنو وبوليتزر، كروش وسارترو توني كليف وارنست ماندل وهوبسباوم واندرسن وماكدوف وفوستر والان ميكينز وود وسرافا واسحاق دويتشر وكالينكوس وسمير امين وهابرماز و.....الخ وقائمة طويلة باسماء اخرى من السياسيين والشخصيات والرموز الماركسية التي يمكن الرجوع اليهم واعتبارهم مراجع معتبرة في الماركسية والاستفادة من مقالاتهم واعمالهم وتراثهم وقراءاتهم الحديثة بغية انتاج المعرفة الماركسية والاهتداء بها لقيادة وتسيير النضال الطبقي والاجتماعي المعاصر.
كما ان تجربة الثورات، والانتفاضات، والمظاهرات، تجربة اكثر من 200 سنة من النضال العمالي والجماهيري، النضال الحزبي والتنظيمي، النضال المدني والسياسي الشامل في العالم، مصادر وينابيع غنية وقيمة يمكن ان ننهل منها لتنقية الافكار والاطروحات والرؤية الماركسية وشحذها في مختلف المجالات.
باعتقادي ان الماركسية اضحت اغنى من الناحية الفكرية، ولكن تنقصها النقاوة، هناك بدايات جيدة لتطوير وتنمية الماركسية كنظرية اجتماعية نقدية عامة، او كنظرية اجتماعية نقادة و واقعية.
وفي هذا السياق من الضروري خوض نضال فكري ونظري اعمق واشمل من ذي قبل، التخلي عن التعصب والشكليات سواء داخل التيارات الماركسية المختلفة او في علاقة الماركسية بسائر التيارات الفكرية والسياسية والفلسفية الاخرى. كما علينا البدء بحوار بناء، شحذ النضال النظري، تأسيس المراكز والمعاهد والعديد من الخطوات المماثلة الاخرى للتنقية والتنمية الفكرية، ومما لاشك فيه يجب البدء باتخاذ تلك الخطوات بالترابط والتزامن مع النضالات والمساعي الاجتماعية والطبقية او بتعبير ادق واوضح تنفيذها كجزء لايتجزء من تلك النضالات. تشكلت وترعرت وخرجت الماركسية من بطن تلك النضالات والمساعي الطبقية، وقد اشرت من قبل وفي المقدمة التي كتبته لكراس "مباديء الشيوعية" الى الاوضاع السياسية والاجتماعية التي ظهرت فيه لاول مرة البيان الشيوعي (باعتباره اهم وثيقة توضح بشكل شامل ملخص الرؤية الشيوعية) الى ان الماركسية واطروحاتها الفكرية والنظرية تشكلت منذ البدء كجزء لايتجزء من التكامل السياسي والعمالي في عصره، لم تتشكل كعلم بخارج عن الطبقة العاملة ونضالاتها الاجتماعية على يد مجموعة من المثقفين الماركسيين بمعزل عنها، وذكرت بان مفهوم "التمثيل" في البداية اي تمثيل الشيوعيين للطبقة العاملة لم يكن مطروحا، برأي ان المفكرين الماركسيين المعاصرين عليهم طوي صفحات ذلك التأريخ بدقة وامعان النظر فيه واستخلاص العبر والدروس منه..
بالاضافة الى القراءات التي ذكرته ارى من الضروري اعادة قراءة اشتراكية ماركس تحديدا. اذا رفضنا التأريخانية والمرحلية التي ابتدعتها المدرسة السوفيتية وتخلينا كذلك عن وجهة النظر الاقتصادوية فيما يتعلق بالاشتراكية، وكذلك ان قمنا باعادة تقييم وتصحيح بعض اشكاليات اشتراكية ماركس على ضوء تجربة 150 سنة المنصرمة (ولمحدودية الحوار لانستطيع التطرق الى محاوره) ومن تلك الاسس وصفنا الاشتراكية كحركة العمال الاجتماعية وحركة الانسان المستغلين والمحرومين في سبيل حياة افضل والقضاء على الاستغلال والحرمان وبناء نظام اجتماعي عادل وانساني، فان هذا المنظور للاشتراكية يكفي لانهيار جميع القصور الرملية التي بنيت على قبر ماركس منقوش عليها بخطوط عريضة شعارات موته وموت الاشتراكية، سيتضح بجلاء بان الكثير من المطالبات والشعارات التي رفعتها الحركة الاشتراكية وناضلت في سبيلها تحقق الكثير منها، ظهرت كحركة اجتماعية قبل اكثر من 150 سنة وهزت خلال مسيرتها وانطلاقتها ولازالت تهز احشاء النظام الرأسمالي برمته، وفرضت بقدر استطاعتها "حياة اشتراكية" على الرأسمالية، بل سعت تلك الحركة قبل ظهور النظام الرأسمالي كنظام اجتماعي جديد في مناطق عديدة (مثل الشرق مثلا) الى اعداد العدة لمقاومة الرأسمالية الناشئة ورفع السلاح ضدها، بفضل الحركة الاشتراكية انخفضت معدلات الاستغلال وتقلصت دائرته، وانتشرت الحرية والرفاه -بموجب ميزان القوى المتوفرة- في بعض الدول الرأسمالية المتقدمة (مثل انتشار نموذج نظام دولة الرفاه الذي حمل معه الكثير من السمات الاشتراكية)، واخيرا وليس آخرا فان الحركة الاشتراكية استطاعت فرض تراجعات وتعديلات حادة على قوانين وآليات بربرية الرأسمالية وطبعتها بسماتها وخصوصياتها.
باختصار اذا توسعنا في مفهوم الاشتراكية نفسها، نجد ان الاشتراكية تولدت في رحم الرأسمالية، هناك نوع من الاشتراكية تعيش وتنمو في احشائها، اشتراكية غيرت الانسان خلال 150 سنة الماضية، غيرت حياته نحو الافضل، فرضت ثقافة انسانية واسلوب جديد في الحياة والتفكير الانساني وغيرت وجهة نظر الانسان عن نفسه والبيئة التي تحيط به اي المجتمع والطبيعة على السواء، ومكن الانسان من تفهم وضعه الراهن ومستقبله وكيفية القضاء على الاستغلال وشروط تحقق انسانيته، وكيفية النضال لبناء نظام اكثر عدلا وانسانية. ان هذه المفاهيم والنضالات والامور صارت جزءا من المجتمع ولاينفصم عن وجود حركة اجتماعية كبيرة، حركة تأكل احشاء النظام الرأسمالي ببطء، ومكونة من العمال والتحررين منهمكين في اقتلاع النظام الرأسمالي من جذوره.
ومن منطلق فهم الاشتراكية بوصفها نضال ومسعى الانسان المستغل والمحروم في سبيل الحرية والعدالة والتحرر من الاستغلال فان الكثير من نضالات الاشتراكيين قد وصلت الى المبتغى بصرف النظر عن انهيار الامبراطوريات والدول المسمى بالاشتراكية، ان اشتراكية ماركس قطعت اشواطا كبيرة وحققت انجازات كثيرة وفرضت تراجعات خطيرة على النظام الرأسمالي، ويشمل تلك الانجازات بالطبع دول الاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الشرقي السابق حيث ان تأثير ثورة اكتوبر العظمى والحركات الاشتراكية فيها كبير الى درجة ان رأسمالية الدولة في تلك البلدان تقبلت الكثير من المنجزات الاقتصادية والسياسية والثقافية للطبقة العاملة وسائر الطبقات والشرائح المحرومة الاخرى.
واخيرا اود القول بان قرع طبول موت ماركس والاشتراكية والاحتفال بالمناسبة واظهار واستعظام المساويء والمظاهر السلبية المقززة لتجربة الشيوعية السوفيتية ودول المعسكر الشرقي السابق وتأثيراتها قد جعل من البعض يستحون من اظهار هويتهم الشيوعية والماركسية ويخفون رؤوسهم، ولكن كل اشتراكي او ماركسي اذا نظر الى الاشتراكية من هذا المنظور آنذاك سيرفع رأسه عاليا ويفهم وينظر بشكل افضل الى دوره ونضاله ونضال الاجيال السابقة المتعاقبة ويكتب تأريخه بمجد، وفي نفس الوقت يتفائل بدوره الراهن وحركته في بناء مستقبل زاهر جديد. لم يذهب نضال الاشتراكية سدى ودون جدوى، ان وجود تلك الحركة ونموها مصدر وينبوع عودة الارادة والقوة الى الانسان ورفع مستوى مقاومته للاستغلال وتسارع وتيرة بناء غد افضل وتحسين الحياة وتقدمها اكثر فاكثر صوب تحقيق العدالة والحرية والمساواة الاجتماعية وخلق الشروط الاساسية للقضاء النهائي على النظام الاستغلالي الرأسمالي.
الاصوات/ يرى جاك دريد بان الميت هو ماركس الايديولوجي وليس ماركس الفيلسوف، انه يشبه ماركس بشبح هامليت الذي يرجع كلما اراد ليتحدث ويدرك ويفسر حقيقة قتل الاب، اذن هل ان ماركس راجع لامحالة ليحثنا على التحدث والنطق واظهار الحقيقة؟
نزار عبدالله: اذا اردنا ان نعرف بدقة في اي وقت يرجع وينطق ماركس فاني ارى بان فلسفات مابعد الحداثة ودريدا وتفسيره وقرائاته مابعد الحداثوية لماركس -كنسخة اخيرة- لايقدم مرجعية . لقد تحدثت فيما سبق عن خطأ التمييز بين ماركس الفيلسوف وماركس الايدولوجي، ان التمييز الذي يقوم به دريدا هو امتداد لمنهجه التفكيكي واسلوبه المعرفي وتفسيراته الفلسفية والفكرية. ان دريدا قد اعاد الاعتبار لماركس في ظروف تميزت بشن هجمة شرسة على الماركسية وماركس وقد تنبأ بعودة ماركس تحديدا، ولكن دريدا مثل زملائه يحمل قصة موت الكاتب وحياة النص، وما حياة اشباح ماركس الا عبارة عن استخدام وتطبيق منهجه فيما يتعلق بمفاهيمه عن "الوجود" و"الحضور"، هناك الحضور ولكنه لايطابق "الوجود"، ان ماركس حاضر الا انه غير موجود، هو ميت الا ان اشباحه احياء حاضرون.
ان انشغال دريدا وانهماكه في اثبات عودة واظهار حضور ماركس كان في وقت بلغت دعاية موت ماركس والماركسية النهائي في السوق الرأسمالي اي سنة 1993 اوجها، الا انه كمفكر اصيل اشار ونبه الرأسمالية الى عودة اشباح ماركس بقوة وبشكل اسطوري وشيطاني وبالتالي حول حلم الرأسمالية الى كابوس مرعب، عليه يجب ان ننظر في هذا المجال وباهمية بالغة الى هذه المشاركة من قبل دريدا رغم اشكالياته ونواقصه كما اسلفنا.
لقد تحدث دريدا وخرج عن المألوف، اي موت ماركس، حينذاك، وكتب في كتابه "اشباح ماركس" بصريح العبارة بان الرأسمالية اذا كانت تدعي قتل ماركس عليه الخوف من اشباحه (الاشباح التي بطبيعتهم مخيفون ومرعبون)، وهو لاثبات صحة مايذهب اليه يقرأ من جديد مقدمة كراس البيان الشيوعي، وفي معترك النضال والصراعات الجارية فان ابناء واحفاد ماركس (اي الهامليتيون) رغم مايراودهم من شك وعدم اليقين فانهم في النهاية يكتشفون الحقيقة ولن يعفوا الرأسمالية ويحثهم على الانتقام.
ومن خلال تبني وجهة نظر دريدا اذ قمنا بمفاتحة اشباح ماركس وتحدثنا اليهم نرى بان ماركس في كل مكان، في كل قضية هامة حساسة تخص البشرية الراهنة هو حاضر واقف، في الازمات الاقتصادية، في الازمات السياسية العميقة، في انعدام العدالة الاجتماعية والاستغلال الطبقي واستغلال الانسان لاخيه الانسان وفي قضية بناء مجتمع انساني حر و... في كل تلك القضايا فان "اشباح" ماركس حاضرون معنا يدلون الطريق للهامليتيون.
لقد قلت فيما سبق بان القضية الكبرى هي ان اليساريين انفسهم (الهامليتيون) لايعرفون ماذا يفعلون بماركس او حسب تعبيركم لايدركون حقيقة قتله. تطارد اشباح ماركس باستمرار الرأسمالية مع كل ايذان ببدء ازمات واضرابات واحتجاجات عمالية وجماهيرية (مثل الازمة المالية والبنكية الاخيرة التي انفجرت في امريكا واستحقاقاتها)، الا ان مفكري الماركسيين والنشطاء العماليين والتحررين لم يفهموا تلك الحقيقة بلحمها ودمها ويبدو باننا بحاجة الى المزيد من الوقت لادراكها.
الاصوات: هل ان زمننا لم يطرأ عليه تغير وهو نفسه الذي اشار اليه جان بول سارتر: اي ليست هنالك فلسفة قادرة على تجاوز ماركس؟
نزار عبدالله: اذا كانت الفلسفة معنية بالامور الاساسية والشاملة او كما يقول هيغل تحدد الخطوط الاساسية الكبرى للعقل والفكر، معنية بتصوير الغابة وتبتعد عن تعداد اشجارها وتترك ذلك الى العلم ليقوم بمهمته، اذن فان الفلسفة الماركسية يمكن ان ننظر اليها من هذه الزاوية على كونها تيار فلسفي اصيل، تيار يسعى بعمق الى فهم الانسان والطبيعة والبيئة المحيطة به، علاقاته الاجتماعية، وجوده وحياته، فكره ورؤيته، اسلوبه المعرفي، المجتمع اجمالا وبنيته التحتية والفوقية و.....الخ ان التطرق الى كل تلك القضايا التي اشغلت الفكر والعقل البشري طوال تاريخه، كانت ضمن اولويات واهتمامات الماركسية سابقا وحاليا، ويشكل كذلك الارضية المشتركة لكل الفلسفات الاخرى بما فيها الماركسية بالطبع.
واما بصدد مدى ماتوصلت اليه الفلسفة الماركسية في هذه المجالات وقدمت اجاباتها فقد تطرقت اليها باختصار في الاجابة على السؤال الثالث من الحوار.
الاصوات: لنقتبس جملة للمفكر "بابك احمدي" حول ماركس الذي يقول: ان ماركس لايعطينا دواء التحرر، ولكنه يذكرنا باننا مرضى وما علينا الا ان نبحث عن الدواء، انه يوصي احيانا باخذ بعض الادوية، ولكن الامر متروك لنا لنقم بفحص فاعلية تلك الادوية وسبل انجاعها، هل ان عقلنا قادر على كشف تلك الادوية؟
نزار عبدالله: ان مرض الانسان يعود قبل كل شيء الى "نظامه الاجتماعي"، سَخر ماركس كل طاقاته لتفسير وتحليل وتشخيص وادراك قوانين وآليات النظام الرأسمالي بمثابة نظام اجتماعي جديد، نظام مبني على الاستغلال وجني الارباح. ان العودة قبل كل شيء الى النظام الاجتماعي السائد في كل مرحلة بغية تشخيص "مرض الانسان" والتخلص منه هو اول رسالة من رسائل ماركس، والسعي الى تغير ذلك النظام هو رسالته الثانية. ولذلك كانت الماركسية تنتقد فيورباخ في حينه لانه كان يدرك وينظر الى الانسان بمعزل عن علاقاته ومحيطه الاجتماعي، يصوره كانسان مجرد ومنه ينطلق لعلاج امراضه.
عليه فان العقل في رحلة بحثه عن الدواء يجب ان يستند على تلك المنطلقات ويكون نقطة شروعه، ثم يبحث عن القوى الاجتماعية القادرة، بحكم موقعها الاقتصادي والسياسي، على تغيير تلك الانظمة الاجتماعية "المريضة"، وبعكسه فانه يفقد قدرة التشخيص ويبقى حبيس اعراض الامراض الاجتماعية وكل علاج يقدمه يخفف من الآلام والاوجاع لا اكثر ولا اقل.
هكذا كانت قدر بابك احمدي وزملائه مابعد الحداثويين في ايران والعراق على السواء.
فرغم ان مابعد الحداثويين بدأوا رحلتهم بتجاوز ماركس الا انهم فشلوا، لذلك عادوا الى الماركسية ومفاهيمها وانطلقوا منها (ويعد بابك احمدي بايران من احد رموزه)، الا ان مشكلتهم الاساسية كانت في قرائتهم للماركسية بمنظار فلسفة مابعد الحداثة والتقاليد الهيرمنطوقية لعل ذلك يساعدهم في ايجاد علاج للامراض التي كانوا يعانون منه، لم تثمر جهودهم واخيرا تخلوا عن بحوثهم، فرغم ماقاموا به من شرح المفاهيم الفلسفية والسياسية للماركسية، الا ان مساعيهم لم تكن مبنية على الاسس والمنطلقات الآنفة الذكر وفي النهاية لم يكتشفوا الجوهر الراديكالي والثوري للماركسية.
ان قدر الشخصية التي جملته قيد الاقتباس كان تراجيديا مرا، حيث ان قراءاته مابعد الحداثوية للماركسية ورحلة بحثه عن العلاج اوصله الى طريق لايحسد عليه اي الدفاع عن اصحاب العمائم مثل خاتمي والاصلاحيين وتمجيد مهدي كروبي وافتخاره بكونه تلميذ للسيد عبدالكريم سروش!
اما في كردستان العراق فان تجربة "الرهنديين" ماثل للعيان، هؤلاء لم يعتنقوا الماركسية قط وحاربوها منذ البدء الا انهم عادوا الى ماركس بين فينة واخرى، ولكن في النهاية صب جدول تيارهم الانتقادي في نهر جناح آخر من اجنحة الحركة القومية الكردية التي يقوده نوشيروان مصطفى تدعي الليبرالية، واضحى هؤلاء مفكرين و واعظي حركة التغيير في كردستان العراق وعلاج كل الامراض التي كانوا يعانون منها تلخصت في الديمقراطية التمثيلية (او الديمقراطية الانتخابية) والبرلمانية.
باعتقادي ان الماركسية في حال ادراكها وفهمها بشكل صحيح يمكن ان تقدم علاجات ناجعة، وبعكسه فان العقلية المهيمنة حاليا في كردستان والعراق وفي اوساط الجالية الكردية في المهجر ليست بمقدورها معالجة (وفي احسن حالاتها يخفف الآلام فحسب) القضايا والمشاكل التي يواجه المجتمع الرأسمالي المعاصر في العراق وكردستان.
نزار عبدلله
10 مارس 2010

-----------------------------
*تم نشر الحوار المذكور باللغة الكردية في موقع "الاصوات" في الملف المتعلق بماركس في شهر مارس المنصرم.
*** *** *** *** *** ***

المصادر:
 ماركس وانجلس : كتاب العائلة المقدسة
 ماركس وانجلس: الايديولوجية الالمانية سنة 1844
 كارل ماركس: الرأسمال –الكتاب الاول
 حوار علاءالدين محمود مع سمير امين في 22 نيسان 2009 (www.socialisthorizon.net).
 حوار مارشيلو موستو مع اريك هوبسباوم (www.palpeople.org/atemplate.php?id=256&x=16)
 الماركسية والرهنديين في كردستان ندوة نزار عبدالله –موقع بركرى : ((www.bergry.com
 الماركسية والفلسفة: الكس كالينيكوس- ترجمة اكبر معصوم بيكي باللغة الفارسية 2005
 التيارات الرئيسة في الماركسية (ظهور، نمو، وسقوط) – لشك كولاكوفسكي- المجلد الثالث- ترجمة عباس ميلاني سنة 2008 (باللغة الفارسية).
 الفلسفة والماركسية –لويس التوسير- حوار مع فرناندو نافارو- الطبعة الاولى سنة 1995 باللغة الفارسية.
 نهاية التأريخ وخاتم البشر- فرنسيس فوكوياما - ترجمة حسين احمد امين دار الاهرام سنة 1993
• Jacques Derrida: the state of the debt, the work of the morning, and the new international- Routledge 1994
• Considerations on western Marxism – Anderson Perry- September 1976
• The Cambridge companion to Marx- edited by Terrell Carver –Cambridge university press 2006

*** *** *** *** ***



#نزار_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الرفيق نزار عبدالله بصدد الاوضاع السياسية في الشرق ا ...
- مغزى ومدلولات تراجع مستويات العنف في العراق
- عمال شركة نفط الجنوب –تأريخ كفاحي و تجربة للتعلم *
- في الطائفية
- التحديات والاولويات الاساسية للحركة اليسارية والماركسية في ا ...
- حوار فضائية الحزب الشيوعي الايراني (كومةلة تى في) مع الرفيق ...
- حوار مع الرفيق نزار عبدالله بصدد انتخابات كانون اول 2005 ونت ...
- الركائز الاساسية للحركات الاسلامية
- حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق: الـضرورة والهدف
- ملاحظات على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الخاص برفع العقو ...


المزيد.....




- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - نزار عبدالله - ماركس والماركسية