أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - نزار عبدالله - حوار فضائية الحزب الشيوعي الايراني (كومةلة تى في) مع الرفيق نزار عبدالله حول الاسلام السياسي وامريكا ودور المعارضة الراديكالية والتقدمية في العراق.















المزيد.....



حوار فضائية الحزب الشيوعي الايراني (كومةلة تى في) مع الرفيق نزار عبدالله حول الاسلام السياسي وامريكا ودور المعارضة الراديكالية والتقدمية في العراق.


نزار عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1593 - 2006 / 6 / 26 - 11:34
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار فضائية الحزب الشيوعي الايراني (كومةلة تى في) مع الرفيق نزار عبدالله حول الاسلام السياسي وامريكا ودور المعارضة الراديكالية والتقدمية في العراق.

يونس مولود بور: مشاهدينا الاعزاء في فضائية "كومةلة تي في"، اهلا بكم مرة اخرى،في لقاء اليوم نتسأل ماهو دور الاسلام السياسي في الحالة العراقية، لم تؤيد امريكا اكثر من غيرها حركات الاسلام السياسي وتياراتها في المنطقة، وماهو بالتحديد دور المعارضة الراديكالية والتقدمية في العراق و......، هذه الاسئلة وغيرها ستصبح محور حديثنا مع ضيفنا لهذا اليوم وهو الرفيق نزار عبدالله سكرتير اللجنة المركزية لاتحاد الشيوعيين في العراق، وفي البداية باسمي وباسم الهيئة العاملة معي ارحب بضيفنا العزيز واطرح عليه سؤالى الاول كالتالي: في الوضع العراقي الراهن كيف تنظرون الى دور التيارات الاسلامية في العراق وكيف تقيمونه؟
نزار عبدالله: في البداية اقدم شكري لفضائية "كومةلة تي في" لتنظيمها هذا اللقاء واقدر جهودك بالتحديد في هذا المجال وحبذا لو تمكننا من التطرق الى تلك المحاور التي قمت بتحديدها وغيرها بالطبع بمزيد من التفصيل في لقاءات اخرى.
لاشك بان العراق يمر بمرحلة حساسة وهو مفتوح بوجه كل الاحتمالات، وجلب نظر كل الاطراف والدول والوسائل الاعلامية المختلفة، وبضمنها بالطبع "كومةلة تى في" التي هي منبر سياسي يساري ينوي تفسير وتحليل تلك الاوضاع من وجهة نظر ماركسية، ونطمح في هذه الظروف الى تقوية المنابر الاعلامية للحركة اليسارية والشيوعية في العراق والمنطقة بالاجمال بغية تفسير تلك الاوضاع وبيان الحقائق من وجهة نظر شيوعية ومن زاوية مصالح العمال والكادحين في هذا البلد والمنطقة باسره.
بعد هذه المقدمة القصيرة وفي ردي على السؤال المطروح وهي لِمً تلعب قوى الاسلام السياسي في العراق دورا رئيسيا في الساحة العراقية ولِمً تمكنت من الصعود الى السلطة واصحبت جزءا رئيسيا من مكونات السلطة الائتلافية العراقية فانه يعود الى جملة اسباب وعوامل عالمية واقليمية ومحلية.
ان القاء نظرة عابرة على الاوضاع العالمية نرى بان الحركات الاسلامية بشكل عام تلعب دورا اكثر اهمية وفاعلية مقارنة بالعقود السابقة، اما في بداية قرن العشرين فان الدور كانت للحركات الشيوعية والتقدمية حيث تحولت الى قطب منافس للامبريالية العالمية، وايا كان نوع وشكل هذه الحركات وبغض النظر عن وجهة نظرنا وتحليلنا لطابع تلك الحركات فقد كانت تمارس دور كبيرا وحيوياً في تلك المرحلة وسببا في افشال العديد من المخططات الامبريالية في الشرق الاوسط ومنطقة آسيا الوسطى. وبغية احتواء تلك الحركات وافشال مساعيها لم تدخر الامبريالية العالمية وبالتحديد بريطانيا وسعا في دعم تطور ونشأة الحركات الرجعية الاسلامية لتكون بديلاً ومنافسا للحركات الشيوعية والتقدمية والتحررية. وهذا ماادى الى تطور ونشأة تلك الحركات من رحم الامبريالية العالمية وعلى رأسها امريكا وحلفائها من الدول الاسلامية الرجعية والدكتاتورية التي تأسست على بنية بدوية وعشائرية في منطقة الخليج. لقد لعب ذلك المسعى دورا كبيرا في تطور حركات الاسلام السياسي وبفضله تمكنت في العديد من المجالات ملء الفراغ الذي خلفه الاحزاب الشيوعية في بعض البلدان وامتدت الى حد الاقتراب من السلطة السياسية او خلق حالة من الاصطدامات العنيفة والشاملة بينها وبين الحكومات الحاكمة في البلدان الاسلامية والعربية. كما لايخفى على احد بان تلك الحركات تمكنت ايضا من الاستفادة من الازمة التي عصفت بالمجتمع الايراني ومن الانتفاضة الجماهيرية التي نشبت هناك وتمكنت في ظل اوضاع الحرب الباردة من ركب موجة الثورة الشعبية ومن ثم الصعود الى السلطة والاستئثار بها.
اما احداث افغانستان في بداية عقد الثمانينات فقد اعطت زخما جديداً للحركات الاسلامية وبخاصة ادت الى ظهور تيار اسلامي جديد اي التيارات المسمى بالجهادية التي تتخذ من الجهاد الشعار الرئيسي لها وتسعى الى نيل اهدافها من الخلال اساليب اكثر تطرفا ووحشية وتخلفاً، وتتخذ من الارهاب وسيلتها الوحيدة لنشاطاتها وفعالياتها. ان تلك التيارات تمكنت في فترة وجيزة من بسط نفوذها وتوسيع رقعة نشاطها في المنطقة عموماً.
وما يجري في العراق هو انعكاس لهذا الواقع الدولي والاقليمي حيث ان صعود تلك الحركات الى السلطة في العراق جاءت بمعونة امريكا وايران والسعودية واغلب دول المشايخ الخليجية،حيث اصبحوا الدعامة الرئيسية لتلك الحركات.
ولايغفل عن بالنا ايضا ماجرى في 11 ايلول حيث ان هذه الضربة استهدفت امريكا بالتحديد وادت الى رجحان كفة ميزان القوى لصالح حركات اسلامية سياسية اكثر تطرفا واكثر وحشية وهمجية، وبخاصة منظمة القاعدة الارهابية.
ان الظروف الراهنة تغيرت لصالح التيارات الاسلامية الاكثر تطرفا ونشهد توسعا كثيرا في رقعة نشاطاتها، اما التيارات الاسلامية التي تسمى بالمعتدلة اي التيارات التي كانت تدعو بشكل او بآخر الى التطابق مع الاوضاع والمسارات العولمية السائدة وبخاصة المصالح الامبريالية والتي تلجأ بشكل او بآخر الى استخدام الوسائل السلمية او الديمقراطية السائدة للفوز بالسلطة، ان تلك التيارات تقلصت دورها وانكمشت نشاطاتها بعد 11 ايلول وافسحت المجال لصعود وغلبة التيار الاسلامي الجهادي والقاعدي، وبخاصة بعد غزو العراق توفرت لتلك التيارات مصدرا آخر من مصادر تغذيتها حيث كان في السابق تتغذى من القضية الفلسطينية وتتخذها مصدرا لرزقها وكسبها اما اليوم فقد اضيفت للقائمة القضية العراقية، فاحتلال امريكا للعراق واطلاق العنان للطموحات الامبريالية والعسكرية الكبرى حفزت تلك التيارات لحشد طاقاتها وحشد وتعبئة وارسال مايسمى بالمجاهدين الى العراق وتحويل البلد الى ساحة لتصفية الحسابات مع امريكا وساحة للوغى والجهاد.
ولكن بالاضافة الى التيارات الجهادية والارهابية التي تنتمي للقاعدة بشكل مباشر هناك العديد من التيارات الاسلامية الناشطة الاخرى في البلد، ورغم تنوع تلك التيارات فان التيارات الجهادية التي تنتمي الى منظمة القاعدة او التي تمارس دورها بالتنسيق معها فهي تزداد نشاطا وفاعلية كلما تنغمس امريكا في الوحل العراقي وتفشل مساعيه لحل معضلة السلطة السياسية والاتيان بحكومة موالية لها وتطبيع الاوضاع السائدة فيه.
اما التيارات الاسلامية الاخرى التي جاءت مع المظلة الامريكية او التي تمارس نشاطاتها بفضل الراية الامريكية، هذه التيارات اختارت الربط بين مصيرها ومصير التدخل الامريكي في العراق ومن ثم حربها فيه، لذلك ايدت فيما مضى المساعي الامريكية لاندلاع الحرب والقفز من المظلة الامريكية الى السلطة في العراق، فقد رأت تلك الجماعات بشكل صائب بان تناقضا ما لايوجد بين مصالحها الرجعية والسياسية وبين ماترنو اليه امريكا في الظروف الراهنة ويمكن التوفيق فيما بينها، ومن جهتها اعتبرت امريكا تلك القوى بمثابة القوى الاساسية المختارة لسقوط النظام البعثي حيث اختارت مثلا المجلس الاعلي للثورة الاسلامية في العراق ضمن قائمة القوى الاساسية في "قانون تحرير العراق" الذي سنته امريكا.
يونس مولود بور : دعنى اقاطعك واثير السؤال التالي: لاشك بان امريكا والغرب خلال الحرب الباردة كانت لها دور في تقوية الحركات الاسلامية ضد المعسكر السوفياتي و كان للغرب دور في صعود الجمهورية الاسلامية في ايران ودور لايخفى على احد في تقوية الحركة الاسلامية في افغانستان، ولكن زال الاتحاد السوفياتي عن الوجود وتلاشت ورغم ذلك هناك استمرارية في دعم تلك الحركات ومثال العراق دليل على ذلك، طوال السنوات الثلاث المنصرمة قامت امريكا باحتضان تلك الحركات واستشارة المرجعيات الدينية في اتخاذ القرارات الاساسية مثل السيستاني وغيره، ما علة ذلك؟
نزار عبدالله: في الحقيقة ان الحركات الاسلامية في الشرق الاوسط ومنطقة آسيا الوسطى لم تفقد اعتبارها كقوى اساسية حليفة لامريكا رغم زوال الاتحاد السوفياتي السابق. فقد استفادت امريكا من التيارات الاسلامية في افغانستان وبالتحديد من منظمة القاعدة لتصفية بقايا النفوذ السوفيتي في افغانستان وفي الجمهوريات السوفيتية السابقة وفي آسيا الوسطى، هناك نالت الحركات الاسلامية الدعم الامريكي وتمكن العسكريين الاسلاميين من الصعود الى السلطة وتأسيس دكتاتوريات اسلامية، ان امريكا لاتريد لروسيا ان تبقى خلفا للاتحاد السوفياتي السابق ومن الضروري الحيلولة دون ذلك وقطع اوصالها في المنطقة الغنية بالثروات والتيارات الاسلامية تعد وسيلة لتحقيق تلك الغاية.
اثر زوال الاتحاد السوفيتي وضعت الادارة الامريكية ستراتيجيات طموحة للهيمنة على العالم ولاتوجد فيها خطط معينة لضرب الحركات الاسلامية وتهميش دورها، بل يمكن ايجاد الكثير من الخطط لدعم تلك الحركات بخاصة عقب صعود المحافظين الجدد الى السلطة في امريكا ذاتها، فهؤلاء لديهم نظرة استراتيجية اخرى لتلك الحركات ويعتبرونها الحليف الاستراتيجي الاكبر لهم، فهم المناصرين الاشد تحمساً للهويات الثقافية والقومية والدينية اي الاسلامية بالتحديد في الشرق الاوسط حيث عليهم ابرازها ومناصرتها كما يجب ان تكون الحكومات التي تأتي للسلطة بمعونة امريكا عليها ان تمثل تلك الهويات.. هذا ماجرى في افغانستان والعراق.
وعلى ضوء ذلك فانى اعتقد بان حركات الاسلام السياسي لاتزال تلعب دورا هاما في تنفيذ او تحقيق المصالح الاستراتيجية الامريكية في المنطقة.
يونس مولود بور: ولكن يبدو بان امريكا تخاف من شيء آخر ولهذا تتحالف وتدعم تلك الحركات، ماهو هذا الخوف برأيك؟ لم الاستمرار بدعم تلك الحركات في الوقت الذي قاموا بالكثير لضرب المصالح الامريكية مثل تفجير البرجين في عقر دار امريكا ذاتها او هناك حركات اسلامية تقوم بشكل يومي بالتفجيرات والقتل او هناك القوى الاسلامية المتطرفة الموالية لمقتدى صدر التي حازت على الكثير من المقاعد في البرلمان ومع ذلك لاتبالي امريكا بذلك بل تتحملها وتقوم بدعمها باشكال متعددة؟
نزار عبدالله: في الحقيقة ان الدول مايسمى بالشرق الاوسط مثل العراق وايران ودول المشايخ الخليجية ومختلف الدول العربية هم على عتبة تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، هذه الدول وبعد اكثر من نصف قرن من وجود سلطات ديكتاتورية وعسكرية وسلطات اسلامية ورجعية وتراكم قضايا اجتماعية واقتصادية ضخمة على بعضها البعض تعيش على فوهة براكين اجتماعية كبيرة قد تنفجر في اية لحظة وتغير كل الحسابات، في تلك الاحوال فان احد الاحتمالات الاساسية المقبلة هي ظهور حركات تقدمية ويسارية فاعلة قد تتناقض مع امريكا ومصالحها في الامد القريب والبعيد. لنأخذ العراق كمثال، فقد تؤدي كل انفجار سياسي الى ظهور حركات يسارية وتقدمية وظهور حركات ماركسية جديدة، ففي سنة 1991 واثناء قيام امريكا باندلاع حرب كبيرة لحماية مصالحها اي حرب الكويت، لم تقف الناس مكتوفة الايدي ولم تقبع في بيوتها بل انتفضت الجماهير في الجنوب وفي كردستان العراق، وفي كردستان بالتحديد لعب الشيوعيين والماركسيين الدور الاساسي فيها ورفعوا الرايات الحمر وتشكلت في خضم تلك الاحداث المجالس العمالية والشعبية وكانت الحركة المجالسية نموذجا صارخا للحالة التي تثبت بان اية انتفاضة جماهيرية حقيقية من الممكن ان تؤدي الى تطور حركات ماركسية وشعبية متعارضة مع مصالح امريكا وتطلعاتها.
لذلك فقد عقدت امريكا العزم على ان تكون التغيرات المرجوة في هياكل النظم السياسية والاقتصادية في المنطقة تنفذ بشكل فوقي بحيث لاتسنح المجال فيها لتدخل الجماهير الشعبية وممارسة دورها في حلبة الصراع واستنشاق نسيم الحرية، وان تقرر وجود معارضة من نوع ما فيجب ان تكون تلك المعارضة ايضاً معارضة رجعية واسلامية وذلك بغية ارسال رسالة مفادها بان الامبريالية الامريكية وحلفائها هم اكثر تقدما وتمدنا من منافسيها واعدائها وان فحوى مهمتها الانسانية النبيلة يتخلص في انقاذ شعوب تلك المنطقة من البرابرة والمتخلفين. وفي الحقيقة فان وجود معارضة اكثر رجعية من امريكا نفسها قد برر الوجود الامريكي في المنطقة من وجهة نظر البعض. ولاول مرة في التاريخ تصبح وجه المقاومة مع الامبريالية اكثر بشاعة من وجه الامبريالية نفسها، ففي بداية قرن العشرين وعندما اكتسحت الوجود الامبريالي البريطاني والفرنسي دول الشرق الاوسط برزت مقاومة بوجه المحتلين يمكن اعتبارها بكل المعايير بانها كانت تعبر عن التقدم والتحرر رغم كل الشوائب التي كانت تعتريها. اما اليوم فقد تمكنت امريكا بالفعل من لصق الارهاب والتخلف والاعمال البربرية بالمقاومة في العراق وتسجله في سجلات مايسمى بالمقاومة العراقية التي تقوده منظمات مثل القاعدة وغيرها من المنظمات الاسلامية التي ركبت الموجة، واستطاعت الى حد ما ان تصف القوى التي تناهض الوجود الامريكي بانها قوى في خانة الارهاب ! ولذلك فان وجود معارضة اسلامية رجعية متزمتة تخدم هي الاخر المساعي والمخططات الامريكية ولاتتعارض معها من حيث الجوهر.
يونس مولود بور: ولكن لنتحدث عن الاسلام السياسي كحركة في ذاتها، ماهي تأثيرات تلك الحركة على حياة الناس بشكل عام؟
نزار عبدالله: قلنا سابقا بانه اذا كانت العوامل الدولية والاقليمية قد لعبت دورا هاما في تقوية نشاط تلك التيارات الرجعية فعلينا الآن ان نشير الى الاسباب الداخلية ايضا.
ان المجتمع العراقي ونظيراته في المنطقة منذ مايقارب اربعة عقود متتالية دخل في طور التراجع والتقهقر، فقد انسدت بوجهه ابواب التقدم والازدهار والنمو الاقتصادي وتطور الحضارة المدنية والحصول على المنجزات العلمية والتكنولوجية الجديدة للمجتمع البشري، مثل تطور الصناعة والتنمية الصناعية، التطور المتناسق للحضارة المدينية وتطور الحياة الثقافية والتقرب الى حد ما من مستوى التطور والتقدم والازدهار السائد في الدول الاوروبية والامريكية الرأسمالية. كانت احدى الآمال الاساسية والطموحات الرئيسية لشعوب تلك المناطق هي اللحاق بركاب التطور الحاصل في تلك البلدان ونيل الحقوق والحريات الشخصية والمدنية السائدة هناك. في العقود الفائتة وبدلا من ان نشهد تطورا في هذا المسار نرى بالعكس تراجعا في مختلف الاصعدة. لنأخذ العراق كمثال، ولنأتي على ذكر الحركة النسوية بالتحديد، فقد تمكنت تلك الحركة في عقد الخمسينات والستينات في قرن العشرين من الحصول على مكاسب ومنجزات تقدمية لايمكن مقارنتها مع وضع الحركة النسوية في الحقبة الراهنة. فقد كانت حرية وحقوق المرأة اكثر اتساعا وثباتا، وبخاصة في وسط العراق وجنوبه، مع الوضع السائد الحالي. كان ينبغي تطور الحركة النسوية بعد اربعة عقود وتحقيق حريات ومنجزات اكثر ولكن العكس هو الصحيح تماماً. وهذا التراجع وبسبب الحروب المتوالية بدءا من الحرب العراقية- الايرانية وصولا الى حرب الخليج الاولى والثانية قد ادت الى خلق اوضاع رجعية وسوداوية بالنسبة للحركة النسوية بشكل عام.
والحركة العمالية ليست بافضل حالاً، فقد كانت الحركة العمالية حركة اجتماعية مقتدرة ليس على صعيد العراق فحسب بل في المنطقة بشكل عام بحيث يتم الاشادة بها، الى الحد الذي كانت تعرقل المساعي اليمينية في الحزب الشيوعي العراقي لعقد صفقات او مساومات معينة مع الحكومات السياسية المتعاقبة. وهنالك الكثير من البطولات والمفاخر التي سجلت في تأريخ الحركة العمالية العراقية. ولكن مع صعود البعث الى السلطة السياسية واندلاع الحرب العراقية- الايرانية فقد تراجعت تلك الحركة ايضاً الى الحد الذي نراه اليوم حيث تفتقر الطبقة العاملة الى التنظيم والاتحاد والحقوق والحريات المطلوبة للعب دور فاعل على الساحة العراقية.
ان مجمل تلك الاوضاع الذي ذكرناه بالاضافة الى الحصار الاقتصادي الذي تم فرضه لاكثر من 13 سنة قد استنزف قوى الحركة العمالية والشعبية والجماهيرية وانهكتها بشكل لم يسبق له مثيل، وحالت دون تطورها السياسي والاجتماعي والثقافي، وهذا بدوره ادى الى خلق ظروف رجعية وبسط الرجعية السياسية والاجتماعية في مختلف الاصعدة. ولايجب ان نغفل ايضاً ماقام به البعث من خلال الحملة التي اطلق عليها "الحملة الايمانية"، حيث كان الهدف الرئيسي لتلك الحملة هو اسلمة المجتمع العراقي وتقوية وتغذية الرجعية الاسلامية والعشائرية والمد البدوي على الصعيد الاجتماعي، وقد انعكس ذلك ايضا في سن مختلف القرارات والقوانين والانظمة التي نفخت الروح بشكل او بآخر في الشريعة الاسلامية والبنود الرجعية التي ترجع الى الف وخسمائة سنة تقريبا.
وهذه الظروف بالاجمال بالاضافة الى تفشي البطالة والفقر والبؤس الذي تعاني منه الغالبية الساحقة من المجتمع العراقي قد هيأت المستلزمات الكافية لتطور وتقدم الحركات الاسلامية عقب سقوط النظام البعثي وقامت تلك الحركات بدورها باستغلال كل الفرص المتاحة لتقوية الرجعية السياسية والاجتماعية وانمائها وتجذيرها. انها تشبه الفايروسات التي تنمو وتزداد نشاطا وفاعلية مع زيادة العفونة والتفسخ والتحلل.
يونس مولود بور: ولكن كيف تقيم مسألة التوعية والتثقف في هذا المجال، قرأت في الآونة الاخيرة تقريرا خاصا يقول بان البلدان العربية الاربع والعشرون التي تقطنه مئات الملايين من الناس رغم انها مهد لاقدم الحضارات البشرية الا انها لم تطبع الكتب بمثل ما طبعته اسبانيا التي نالت استقلالها قبل 300 سنة تقريباً؟ هل لهذا الفقر الثقافي دور ما في هذه العملية؟ لنأخذ الجمهورية الاسلامية كمثال فقد حاولت بعد استيلائها على السلطة القيام ببعض الاجراءات التي من شأنها الحد من الثقافة من خلال الطرد والتصفيات في الجامعات ولكن الذي جرى هو التصدي الشعبي لتلك الاجراءات وبالتالي افشالها، لماذا لم يتم هذا الامر في العراق بوجه الحملة الايمانية للنظام البعثي؟
نزار عبدلله: ان المجتمع العراقي بالمقارنة مع سائر المجتمعات العربية الاخرى في المنطقة كان اكثر انفتاحا على الخارج واكثر تقبلا للافكار والايدولوجيات التقدمية والتحررية، وقد حاز على المرتبة الاولى في مجال مكافحة الامية والقضاء عليها، والمنجزات الثقافية لهذا البلد كانت اكثر تطورا وتقدما بالمقارنة مع الدول الاخرى في المنطقة، ويعود سبب ذلك في جانب منها الى نضال الحركة اليسارية والماركسية في العراق. لم يتمكن البعث ايضا من اغفال هذا الجانب وتأثرت به في الكثير من الاحايين. ولكن بدء انحدار الخط البياني للازدهار والتنمية ومن ثم دخول العراق في ازمة اقتصادية وسياسية منذ اواخر السبعينات بدءا من سنة 1976-1977 قد لعب دورا اساسيا في انحدار التطور الثقافي في البلد ومن ثم توقف ذلك وبدء صيرورة التراجع. فالازمة الاقتصادية التي بدأت بالظهور خيمت بظلاله على كل الاصعدة الاخرى بما فيها الصعيد الثقافي والفكري.
وهنا من الضروري الاشارة الى الطبيعة السياسية والفكرية للنظام الحاكم ايضا، فقد اعتبر البعث الهوية الاسلامية جزءا لايتجزء من هوية العروبة وهوية المجتمع العراقي، صحيح ان البعث كان يمثل الحركة القومية العربية الشوفينية الا ان الحركات القومية العربية على اختلافها واشكالها لم تكن في جعبتها ما يناهض الاسلام بل كان التزاوج بين الفكرة القومية والاسلاموية هو السائد، والبعث بدوره اعتبر الاسلام ركنا اساسيا من اركان ايدولوجيتها القومية. لذلك فقد رفعت تلك الحركات دوماً راية الاسلام والعروبة وبخاصة في مجال المواجهة مع الغرب وامريكا، كلما ازدادت حدة المواجهة كلما جرى التقوقع داخل الهويات الاسلامية وجرى احيائها بمختلف اشكالها.
لاشك بان الدولة تلعب دورا هاما في المجال الثقافي، ففي الوقت الذي لم يتطور المجتمع بالشكل الكافي ولايوجد دور يذكر لمنظمات المجتمع المدني وهناك فراغ خلفه الحركة الشيوعية والماركسية والتقدمية، في هذا الوقت بالذات تبقى دور الدولة اساسي في هذا المجال اي في مجال التراجع الثقافي الذي حصل في العراق. ان تأسيس كليات الشريعة الاسلامية في كافة المدن العراقية، وبناء وفتح المساجد، ودمج الدين مع التعليم والتربية وتدريس الخرافات والخزعبلات في المدارس، ان كل ذلك تمهد بشكل او بآخر التى تطور الافكار الرجعية بشكل عام والافكار القومية و الاسلامية الرجعية بشكل خاص. ان كل ذلك ادى الى ضياع العديد من الفرص لتقدم وتطور الافكار التقدمية والتحررية واليسارية.
وهناك استثناء في العراق ينبغي الاشارة اليه وهو الوضع السائد في اقليم كردستان العراق، حيث شهد هذا الاقليم بعد انتفاضة آذار سنة 1991 تحولات جذرية وكبيرة في مختلف المجالات، ان تطور الحركة الشعبية خلقت ظروفا تختلف كثيرا عن ماهو سائد في سائر العراق. حيث انفتح المجتمع اكثر بوجه العالم الخارجي وتطورت الحياة المدنية والثقافية فيه، وآخر هذه التحولات هو تأسيس دور كثيرة للنشر والطبع ونهوض كبير في المجال الثقافي وترجمة العديد من الكتب واصدار الكثير من المجلات، ورغم ملاحظاتنا ومآخذنا على العملية يعد ذلك تطورا ايجابيا وسياسيا هاما لايمكن انكاره واغفاله. وبالطبع لايمكن عزل ذلك عن التطور الاقتصادي والازدهار الذي يشهده الاقليم في بعض النواحي حيث ان تلك الاوضاع بينت من جديد العلاقة بين الوضع الاقتصادي والثقافي، كل ماهنالك تطور في المجال الاقتصادي وتزداد القوة الشرائية للجماهير كلما يزداد الطلب على الكتب والمواد الثقافية الاخرى. ولكن في بداية عقد التسعينات وفي ظل ظروف الحصار الاقتصادي كان الناس خاوي البطون وغير قادرة حتى على شراء رغيف خبز ناهيك عن الكتب والمجلات وغيرها من غذاء الفكر.
يونس مولود بور: في حديثك اشرت الى وجود التيارات الاسلامية المتطرفة والمعتدلة، ولكن هناك العديد من المفكرين والسياسيين والباحثين لديهم قناعة بان المرء لايمكن ان يميز بين ماهو معتدل وماهو متطرف في الحركات الاسلامية، فمثلا يشير احد الباحثين في الفكر الاسلامي مثل السيد فواد مجيد ميسرى بان التمييز بين هاتين الحركتين غير وارد على الاطلاق، وهنا اتسأل هل انك تميز بين هذان الاتجاهان في الحركة الاسلامية وماهو تعليقك على هذا الامر؟
نزار عبدالله: من الناحية الفكرية انى اتفق مع هذا الرأي، لان الفكر والايدولوجية الاسلامية هي نفسها كما هي ولايمكن الحديث عن فكر معتدل وفكر متطرف طالما ان الشريعة الاسلامية والقرآن والاحاديث هي الاساس والمصدر، وتلك المصادر لاتقبل التأويل والتفسير لكونها حدية في احكامها ونصوصها، لذلك فان الحركات الاسلامية رغم تلاوينها واشكالها المتنوعة وصعوبة جمعها في بوتقة واحدة الا انها تتغذى من المصدر المذكور في نشاطاتها الفكرية والسياسية. ولكن ما ان نتجاوز هذا البعد الفكري والايدولوجي للمسألة حتى نجد بان تلك الحركات منقسمة على نفسها وتتفرع منها العديد من الاتجاهات السياسية التي تحمل سماتها الخاصة بها في كل بلد، وفي داخل بلد واحد ايضا تختلف تلك الحركات عن بعضها باختلاف الحقب السائدة والانعطافات الاساسية في تأريخ كل بلد على حدة. فهناك تيارات اسلامية معينة مارست النشاط المسلح ضد السلطة السائدة ودخلت في مواجهات مسلحة حادة معها ولجأت الى مختلف الانشطة الارهابية والمسلحة لتحقيق غاياتها، وهناك في نفس الوقت تيارات اسلامية اخرى اقنعت نفسها بضرورة النضال ضمن الاطر السياسية والديمقراطية السائدة ولعب دور فاعل في مؤسسات المجتمع المدني ومن خلال جمعيات الاغاثة والمعونات واعداد العدة للفوز بالاصوات المطلوبة في اي انتخابات تجرى بغية الوصول الى السلطة والفوز بها من خلال صناديق الاقتراع. وهناك امثلة كثيرة في هذا الصدد وكما قلت فان تلك الممارسات تختلف من بلد الى آخر ومن حقبة الى اخرى.
وعلى ضوء ماتقدم يمكن تمييز وتشخيص تيارات اسلامية معتدلة وتيارات اسلامية متطرفة من الناحية السياسية، فالاول تنحصر نشاطاته السياسية ضمن عمليات ارهابية ومواجهات مسلحة وتسعى الى تحقيق غاياتها عبر اللجوء الى الارهاب بوصفه الوسيلة الوحيدة لها، اما الثاني فهي مقتنعة او لنقل اقنعت نفسها او فرضت عليها العمل ضمن الاطر السائدة واضطرت تحت ضغط الظروف السائدة او كاستجابة لضغوط التمدن والتحضر الى الانطباق مع الاوضاع السائدة وتزعم بانها حركات معتدلة وانها تريد تحقيق غاياتها من خلال صناديق الاقتراع او عبر الالتزام بالنضال السياسي والمدني.
يونس مولود بور: ولكن دعنا نشير الى التجربة الايرانية التي قد تثبت عكس ماذهبت اليه، فهنا نرى بان التيار المسمى بالمعتدل اي تيار الخاتمي كان يتوحد مع التيار المسمى بالمتطرف اي تيار خامنئي في الكثير من المواقف وبخاصة لدى مواجهتهما مع النضال الشعبي في ايران والطرفان كانا يدافعان بضراوة عن القانون الاساسي للبلاد. ولنشير ايضا الى تجربة كردستان العراق حيث نرى بان الاتحاد الاسلامي الكردستاني الذي يعتبر تيارا معتدلا مقارنة بالجماعة الاسلامية الكردستانية يأخذ موقفا اكثر تطرفا من غيرها في مواجهة كاتب مثل "مريوان حلبجةيى" وكتابه المعادي للفكر الاسلامي، هذا في الوقت الذي تملك الجماعة الاسلامية قوة مسلحة والاتحاد لاتملكه، هذه الامثلة تثبت بان تلك الحركات تواجه بضراوة كل محاولة للهجوم على الاسس الاسلامية وهي تتصدى لها بشكل مشترك وبنفس الاسلوب، لذلك فاني لست مقتنع لحد الان بصحة ماذهبت اليه بشأن ذلك التميز في الوقت الذي اشرت الى ان تلك الحركات تتقاسم منهجاً وبرنامجا مشتركا فيما بينها، هل لك ان تشرح وجهة نظرك اكثر من ذلك؟
نزار عبدالله : ان التجربة الايرانية وجناحا النظام الاسلامي المسمى بالمعتدل والمتطرف تختلف اختلافا كثيرا عن مايجري في العراق، عندما نشير الى اعتدال طرف اسلامي معين ماذا نقصد بالتحديد؟ لنأخذ التجربة التركية وتجربة رجب طيب اوروغان، فالتيار الاسلامي في تركيا لم يتمكن من اعادة المجتمع التركي بشكل قهقري الى العهود البدائية الاولى للمجتمع الاسلامي،فعلى سبيل المثال لم يتمكن من فرض اوضاع تشبه عن قرب او بعد مايجري في المجتمع السعودي، فالمجتمع التركي كان اكثر انفتاحا وتمدنا وتنشط فيه العديد من الحركات المدنية القوية بما فيها الحركة اليسارية والتقدمية وكان اكثر انفتاحا بوجه المد الغربي والافكار الغربية مما حدا بالتيار الاسلامي المهيمن على الساحة التركية الى التأقلم واختيار وسيلة اخرى تتفق مع الاوضاع السائدة ويختار نهجا اكثر انفتاحا واعتدالا عن نظيراتها في الدول الخليجية وتخضع لقواعد اللعبة السياسية وقواعد العملية الديمقراطية الطاغية. واني مقتنع تماما بانه كلما ازداد المجتمع تطورا وتكاملا وتنامت فيه التمدن والتحضر سوف يكثف ضغطه على التيارات الاسلامية ويفرض عليها الاعتدال في الممارسة السياسية ونبذ العنف وادعاء الاعتدال بهذا الشكل او ذاك. من وجهة النظر هذه فان هناك فرصة من الناحية السياسية لفرض الاعتدال على الحركات الاسلامية وترويضها وتهميش دورها في المجتمع ومن ثم تهيئة المستلزمات المطلوبة لدحرها ضمن التنافس الانتخابي او بمختلف الانماط والاشكال الديمقراطية الاخرى.
ولكن لايجب ان يغيب عن بالنا ضرورة التعامل بحذر بالغ حتى مع اكثرها اعتدالا ومرونة، لان هناك دائما وضع قد ينقلب فيه تلك الحركات بين ليلة وضحاها على اعتدالها هي وتلجأ الى العنف والارهاب مثلما شهدنا ذلك في تجربة الاخوان المسلمون في مصر وفي كيفية انقلابهم على الحكم الملكي في حينه.
وتجربة كردستان العراق يمكن ان تفيدنا من هذه الناحية. صحيح ان الحركات الاسلامية اشارت مرارا وتكرارا بانها وان تعددت اجنحتها الا ان لديها منقارا واحدا ضد اعدائها والحركات المناوئة لها وتدافع بشكل موحد عن المباديء والاسس الفكرية للاسلام.
ان الشرح الذي قدمته هو لاقناع الشيوعيين والتقدميين والتحرريين بان عليهم ان لايستسلموا لليأس في نضالهم ضد الحركات الاسلامية بمختلف انواعها ولايتشبثوا بفكرة ان تلك الحركات لايفيد معها النضال السياسي والمدني بل على العكس من ذلك يمكن من خلال تكثيف النشاط السياسي والمدني فرض الاعتدال على تلك الحركات وترويضها. ان هذه القناعة لاتنم عن الوهم بالحركات الاسلامية بقدر ماهي تمعن في اساليب النضال لمواجهتها.
ان تجربة كردستان العراق كانت تجربة حية ومهمة في هذا المجال. فرغم ان العديد من الحركات والتيارات الاسلامية دخلت بقوة في الساحة الكردستانية وتمكنت لفترة من الزمن اقتطاع مناطق معينة في الاقليم واستولت عليها بالقوة واصبحت عاملا مهما من عوامل عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في الاقليم، ولكن في نهاية المطاف فان تلك القوى لم تتمكن من الهيمنة على الساحة والمد المدني والتقدمي واليساري والراديكالي كان اكثر قوة مما قذفها الى هامش المجتمع الكردستاني، لذلك نرى اليوم بان القوى الاسلامية التي توصف بانها معتدلة او التي تسمى بالمتطرفة تنظر بيأس وقلق بالغ لوضعها السياسي والاجتماعي الراهن حيث لم تتمكن كما ارادت من اسلمة المجتمع الكردستاني وحشد الجماهير للمشروع الاسلامي.
وهنا اود ان انوه الى نقطة اخرى في تلك التجربة وهي ان الاتحاد الاسلامي الكردستاني الذي يمكن ان نصفه في خانة التيارات الاسلامية المعتدلة من الناحية السياسية يعتبر نفسه مديونا لنشاط المنظمات والجماعات الاسلامية الارهابية والطرف الاخير ايضا مديون للنشاط السياسي والمدني للطرف الاول وفي النهاية فان كلا الجناحين يخدم المشروع الاسلامي الذي يتقاسمونه بشكل مشترك ولكن كل واحد بطريقته واساليبه الخاصة به.
يونس مولود بور: قبل ان انهي هذا المحور اطرح سؤالي الاخير الذي يتعلق بواقع الحركة الاسلامية في الوضع الراهن، نرى بان حماس رغم خلفيته المؤيدة للعنف والمناهضة للغرب قد صعد من خلال الانتخابات الاخيرة الى السلطة، وفي مصر تمكن الاخوان المسلمون من الفوز بمقاعد كبيرة في البرلمان، وفي تركيا لايزال حزب العدالة والتنمية الاسلامي يحتفظ بسلطته، كيف تصف هذا الوضع وماهو اسبابه الرئيسية؟
نزار عبدالله: بالاضافة الى ماذكرناه فيما سبق اود ان اشير الى المخططات الامريكية في الحقبة الراهنة، فقد عجزت الامبريالية الامريكية عن تنفيذ العديد من مخططاتها والحل الامبريالي لازمات المنطقة تعاني من التخبط في فلسطين واخيرا في العراق والمنطقة باسره، مما خلف فراغا سياسيا هاما في هذا المجال، وفي هذا الوضع نحن امام احتمالين لا ثالث لهما: اما ان تتمكن القوى اليسارية والشيوعية والتقدمية من ملء هذا الفراغ وتصبح رمزا من رموز المقاومة بوجه تلك المساعي والمخططات الامبريالية وفي نفس الوقت تتحول الى قوة تغير اساسي وجذري داخلي في مختلف الميادين الاجتماعية في تلك البلدان، واما تستغل الحركات الاسلامية بمختلف تلاوينها هذا الوضع وتظهر نفسها بانها رمز لمقاومة تلك البلدان وخندق اساسي في الدفاع عن الهوية ورمزا للمواجهة مع الامبريالية الامريكية وتطلعاتها، اما في الواقع فان تلك الحركات هي رمز للعجز والاستئصال والتخبط في تلك البلدان لاغيره.
اما بالنسبة لصعود الحماس الى السلطة فيعود اساسا الى افلاس الحركة القومية الفلسطينية التي طالما ادعت بانها رمز للنضال والمقاومة المشروعة والعادلة للشعب الفلسطيني وفي النتيجة اظهرت عجزها التام في واقع الامر. وفي مصر ايضا فان السلطة الحاكمة ادعت بانها تسعى الى بناء مجتمع حر وعادل ومنفتح الا انها فشلت في ذلك وفقدت كل شعبيتها ولم يبقى امامها سوى اللجوء الى تثبيت الركائز الاستبدادية وتقليص مساحة الحريات والحقوق، يوما بعد يوم تزدادا الاحتجاجات وتزداد معها القمع والاستبداد والبطش بالمعارضين، والفقراء يصبحون اشد فقرا، فبموجب الاحصاءات الرسمية هناك مايقارب 18 مليون شخص اي مايناهز ربع سكان مصر يعيشيون تحت خط الفقر.
في فلسطين فان الحل السياسي للقضية القومية الفلسطينية دخل في نفق مظلم واستغل حماس هذا الوضع و اعلن بانه القوة الوحيدة التي تقاوم الاحتلال الاسرائيلي و....
يونس مولود بور: وهناك اشارة ايضا الى وجود الفساد السياسي والاداري في حكومة حركة فتح
نزار عبدالله: بالطبع هذا صحيح، فقد استغل زعماء فتح اتفاقية غزة-اريحا وبقية الاتفاقيات الاخرى مع اسرائيل على ارض الواقع وراكموا ثروة طائلة من خلالها وتحولوا الى حفنة من الرأسماليين الفاسدين ومدراء الشركات الفاسدة فمثلا تزود شركة فلسطينية بقيادة احد الشخصيات البارزة في حركة فتح اسرائيل بالسمنت المطلوب لبناء الجدار العازل الفلسطيني! لقد اندمجت راسمال هؤلاء بشكل او بآخر مع الرأسمال الاسرائيلي وتأطرت ضمن الاتفاقيات المبرمة مع اسرائيل. لاشك بان الشعب الفلسطيني والتحررين ينظر بعين الغضب الى هؤلاء الفاسدين ويمقتهم ويعتبرهم غير مؤهلين البتة لقيادته. لذلك فان افلاس الحركات القومية بشكل عام قد اوجد فراغا هاما في المجال السياسي والاجتماعي و وفر فرصة ذهبية لتحرك التيارات الاسلامية بشكل فاعل.
ولكن هذه الوقائع لاتعني بان تلك المجتمعات قد اصاب بشكل تام بعدوى الحركات الاسلامية، ففي فلسطين صوت مايقارب 45% فقط من الشعب الفلسطيني لحركة حماس رغم انها فازت بغالبية بمقاعد البرلمان، رغم التطور والصعود فان الحركات الاسلامية لم تطغى على الساحة السياسية بشكل كامل، وحتى في العراق ومع استمرار حالة العجز والاستئصال والتأزم الهيكلي وانسداد الافاق لانفراج الوضع ورغم هيمنة الحركات الاسلامية فيه فان القوى السياسية اليسارية والتقدمية والشيوعية لاتزال تتحرك بنشاط وحيوية في المجتمع العراقي رغم ضعف تلك الحركة وتشرذمها وانقسامها على العديد من المنظمات السياسية وافتقارها الى القوة الفاعلة المطلوبة.
وكذلك لم تتجذر الحركات الاسلامية بشكل يمكن استبعاد كل امكانية لدحرها او تهميشها في المرحلة القادمة، اني شخصيا اعتبرهم فقاعة كبيرة ينبغي ان تنفجر في اية لحظة، صحيح ان تلك الحركات هي حركات فعلية تمارس نشاطا محسوسا وفاعلاً وتملك سلطة على المجتمع الا اني اعتبر ذلك عرضيا ومؤقتا، لان تلك الحركات بطبيعتها لاتمتلك بديلا حقيقياً تجاه الاوضاع الراهنة مما يعرقل تقدمها وتجذرها في المرحلة الراهنة والقادمة. من الواضح بان اية حركة لاتمتلك بديلا اجتماعيا خاصا بها على مختلف الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وان تطورت وتقدمت فانها تفتقر الى مقومات بقائها وديمومتها وتجذرها وبالتالي فان انحدارها وسقوطها وتهميشها يصبح من الامور الحتمية لامحالة.
يونس مولود بور: لنتطرق الى محور آخر في حديثنا، وهي تتعلق بنا كمعارضة. لقد سقط النظام البعثي و على اثره تمزق وتفكك النسيج الاجتماعي في العراق ويبدو بان الاستقرار بعيد المنال في الاوضاع الراهنة، انتم بصفتكم معارضين لهذا الوضع، نتسأل هل يوجد بالفعل معارضة رايكالية ويسارية شيوعية؟ ان كان الجواب بالايجاب نتسال ماهي تلك المعارضة، وان كان بالنفي فهل توضح لنا العراقيل التي تقف بوجه ظهور و بروز عارضة تقدمية فاعلة؟
نزار عبدالله: بالتأكيد لايمكن نفي وجود معارضة شيوعية وتحررية ويسارية في العراق، فرغم انها ضعيفة وخافتة الصوت ويجري تعتيم اعلامي صارم على وجودها ونشاطاتها، الا انه رغم كل ذلك موجودة في الساحة وتمارس نشاطاتها وفعالياتها وهي مستمرة في ذلك.
كما نأمل وكنا نسعى فعلا الى ان يكون سقوط النظام البعثي يتم من خلال حركة الجماهير العراقية وانتفاضتها ، كنا نأمل ان تتمكن الجماهير التحررية العراقية من اسقاط النظام البعثي وان يحل محله نظام مدني ديمقراطي حر، نظام وان لم يكن اشتراكيا ولكن كحد ادنى يمثل طموحات وتطلعات الشعب العراقي. لكن لم تجري الرياح كما تشتهي السفن، فمسار التحولات السياسية في العراق تحكمت به الامبريالية العالمية وسقوط النظام جرى من خلال تدخل عسكري وحرب امبريالي صلف، حيث لم تكن للجماهير العراقية دور يذكر في تلك العملية، ان عملية مايسمى بتحرير العراق كانت عملية موجهة من قبل امريكا وحلفائها والاحزاب البرجوازية المحلية في العراق وقادوها بشكل لم يسمحوا باي شكل من الاشكال بتدخل الجماهير في ابسط مظاهره وفي مختلف الاصعدة. واذا كان الوجه الاول للحرب هو سقوط النظام البعثي، فان وجهها الثاني هو احتلال العراق من قبل القوى الامريكية وحلفائها وسيطرتها على المرافق الحيوية والاساسية في المجتمع العراقي. لذلك ورغم غياب النظام البعثي وسقوطه الا ان هناك سلطة اخرى قد حلت بشكل مباشر محله وهي السلطة العسكرية الامريكية المباشرة، بالاضافة الى وجود قوى ميلليشياوية عسكرية تابعة للاحزاب الدينية والقومية التي تمارس هيمنتها على الساحة العراقية.
في الحقيقة هناك اختلاف واضح بين مايجري في العراق الان وبين الذي جرى في اقليم كردستان عقب سنة 1991، ففي الاخير هبت انتفاضة جماهيرية عارمة في خضم الحرب والتحولات التي عصفت بالعراق في حينه، فلو لا هذه الانتفاضة كان النظام البعثي يحتفظ بسيطرته وسطوته في الاقليم حاله حال بقية مناطق العراق الاخرى. لذلك فان المنشأ الاساسي لتلك الظروف كانت ترجع الى الانتفاضة التي قامت بها الجماهير الكردستانية، الا ان منشأ الظروف الحالية في العراق هو التدخل والحرب الامبريالية لا غيره. واني اعتبر هذا الاختلاف جوهريا على كل الاصعدة، ففي الاول تمكنت الجماهير من اعلاء صوتها وفرض ارادتها وابراز قوتها وحشدها وتنظيمها في منظمات واتحادات وتنظيمات سياسية وجماهيرية، وفي خضم تلك الظروف تمكنت القوى اليسارية والشيوعية ايضاً من ممارسة دورها ومرت بمراحل نضوجها ثم تغيرت وتحولت الى قوة سياسية يحسب لها الحساب وتتحدى سلطة الاحزاب القومية الكردية وحتى تتحدى وجود وتهديدات النظام البعثي، ومن خلال مسيرة نضالها تمكنت من الحصول على الكثير من المنجزات السياسية والمدنية في الاقليم.
وعلى ضوء ذلك وعندما نتمعن في الظروف الراهنة في العراق نرى بان الجماهير مسلوبة الارادة ولم يسمحوا لها باية شكل من الاشكال من اعلاء صوتها وتنفيس اعتراضاتها واحتجاجاتها وتنظيم صفوفها في اتحاداتها ومنظماتها ومجاميعها الخاصة بها. بالاضافة الى ذلك فقد وضعوا عراقيل جمة امام الحركة العمالية والشعبية للتمظهر بمظاهرها الخاصة بها وتنظيم صفوفها بخاصة اذا كانت تلك الحركة موجهة من قبل الشيوعييين واليساريين.
اما في اقليم كردستان فرغم كل العراقيل تمكنت القوى اليسارية والشيوعية من لعب دورها واداء دور يليق بها رغم ان الحرب الطاحنة التي اندلعت بين الفصيليين القوميين المتناحرين قد عرقلت جهود تلك الحركة واحيانا اوقفت او حرفت مسارها. ولكن في الوضع العراقي الحالي لم تتنفس الجماهير فيه صعداء لحد هذه اللحظة.
يونس مولود بور: دعنى اذكر امثلتين فيما يخص هذه النقطة، فكلا المثالين شبيهة ببعضهما البعض الا ان نتائجهما متعارضة مع بعضها. قلت في السابق بان الحركة العمالية في العراق تملك مفخرة تأريخية في نضالاتها، وفي ايران فان الحركة العمالية لديها ايضاً خلفية تأريخية نضالية اطول، وفي سنة 1979 ورغم ان القوى المناهضة للثورة غلبت على مسار الثورة واجهضتها، الا ان العمال كان لهم دور كبير في تلك الثورة وبخاصة عمال صناعة النفط. ولكن لم نرى وجودا ملموسا لدور الحركة العمالية، لاشك بان اسلوب سقوط الانظمتين يلعب دورا في هذا المجال، فالنظام الايراني سقط جراء ثورة شعبية اما العراقي فقد انهار بسبب الحرب الامريكية، هل كان لاسلوب زوال النظام العراقي دور في عدم تحرك القوى العمالية في العراق بشكل فاعل؟ ام ان القوى المحتلة في العراق لم تفسح المجال لتلك الحركة بالنهوض والانتعاش وممارسة دورها؟
نزار عبدالله: بالتأكيد هناك اختلاف جوهري في الوضع العراقي والايراني، في ايران لعبت التناقضات والتفاعلات الداخلية في المجتمع الايراني دورا رئيسيا في مسار الاحداث واخيرا نضج الانتفاضة الشعبية وانفجارها ومن ثم سقوط نظام الشاه على اثرها، ان تلك الانتفاضة الجماهيرية كانت فرصة رائعة لتطور الحركة العمالية والشعبية وخير دليل على ذلك هو تجربة المجالس العمالية والشعبية التي تطورت في خضم تلك الاحداث. وحتى ان ظهور المنظمات اليسارية مثل منظمة العصبة وغيرها من المنظمات الشيوعية واليسارية وانضاجها وتبلورها الفكري والسياسي كانت ثمرة لتلك التفاعلات والانجازات الشعبية والعمالية. ولايخفى على احد بان الغرب وامريكا لم يكن لها اية دور في تلك التحركات بل انها كانت تنظر بقلق بالغ حيال ماجرى في ايران ولم تكن مطمأنة لاحداث تلك الحقبة ولم تدخر وسعا البتة لاحتواء الوضع والسيطرة على الموقف وافشال واجهاض تلك التجارب العمالية والشعبية. ولكن خرجت الامور عن السيطرة في 1979 وجرى ماجرى.
اما في العراق فبقدر ماكانت للجماهير دور في رسم الاحداث السياسية وطبعها بطابعها امكن الحديث عن المكاسب والانجازات العمالية والشعبية وتجربة كردستان العراق سنة 1991 هي احدى تلك النماذج. اما تجربة بقية العراق فتمثل العكس. ان مايجري في العراق هو ثمرة مباشرة للتدخل والحرب الامريكية ولايمكن باية حال من الاحوال فصلهما عن بعضهما البعض.
ولكن بقدر مايتعلق بالحركة العمالية فان تراجعها يعود بادراجها الى العقود السابقة ولايرتبط بشكل مباشر بالحرب الامريكية. في النهاية فان القدرة العسكرية الامريكية رغم امتلاكها للتقنيات العسكرية الحديثة محدودة ولاتتجاوز عدد قواتها اكثر من 150 الف شخص، بينما المجتمع العراقي يعيش فيه حوالي 24 سنة وان مايناهز 10 ملايين شخص على الاقل ينتمون للطبقة العاملة والمحرومين. السؤال هو لِمَ لم تتمكن الغالبية العظمى من ابراز دورها والتمظهر بمظاهرها الخاصة بها في الوقت الذي تمكنت قوى صغيرة اخرى من ذلك؟ مرد ذلك يعود الى التراجع الحاصل في الحركة العمالية والشعبية الذي بدأ بشكل واسع منذ عقد الثمانينات في القرن الماضي وفي خضم الحرب العراقية- الايرانية التي شنت في اطارها هجمات واسعة على الطبقة العاملة وعلى نقاباتها واتحادتها وعلى الحركات الاجتماعية في العراق ومورست بحقها القمع والاستبداد الوحشي وفرضت عليها اكثر من 12 ساعة عمل في اليوم والبطالة و....الخ، ثم جاءت حرب الخليج الثانية وفرض الحصار الاقتصادي وغيرها من الظروف التي حالت دون تطور وحراك الطبقة العاملة.
ورغم المصاعب الانفة الذكر فان الحركة العمالية ارادت ان تلعب دورها في الاوضاع الراهنة فمثلا فان عمال نفط البصرة قاموا بطرح وبلورة مطالب عدة بالاضافة الى بعض التحركات المهمة لعمال نفط كركوك وعمال مصفى الدورة، وقد شهد تلك المرافق تحركات نشطة لتشكيل نقابات عمالية ومهنية جديدة بوصفها الوسيلة النضالية للذود عن مطالبهم وحقوقهم. ان الرجوع والعودة الى النشاط النقابي الفعال قد اقلق الادارة الامريكية مما حدا بها اتخاذ خطوات قمعية اعداد الهجوم على المكتب المركزي لنقابات العمال في بغداد حيث قامت بغلقه عنوة. ان الحركة العمالية رغم تلك المصاعب مارست دورها ولكن وضعت بالطبع عراقيل جادة على طريق تطورها.
يونس مولود بور: ولكن لم تلعب الحركات اليسارية والاحزاب الماركسية والشيوعية ايضا دورها اليس كذلك؟ في الوقت الذي ينهار مجتمع باسره وتتقوض اسسه كان من الواجب ان تقوم تلك الاطراف بممارسة دورها الحقيقي في تنظيم العمال وحشد طاقاتهم واعدادهم، ولكن للاسف لم نرى بشكل ملموس هذا الدور اليس كذلك؟
نزار عبدالله: عقب سقوط النظام البعثي انهارت الدولة بكاملها ولم يعد لها اي وجود، واصبح المجتمع بلا دولة وبلا مؤسسات يواجه الفوضى والانقضاض والهدم والسلب والنهب كما شاهدناه في مختلف الاصعدة. هذا في الوقت الذي كانت الحركة الشيوعية ايضاً ضعيفة بما يكفي وتعاني من خلل بنيوي، لم تكن تلك الحركة مستعدة لخوض تلك التحديات ولم تكن تملك مؤسسات وتنظيمات قوية تؤهلها للعب دورها بغية ممارسة الهيمنة والسيطرة وتوجيه الجماهير وقيادتها وتوفير المستلزمات لرص صفوفها في منظماتها واتحاداتها وبالتالي توجيها للسيطرة على المعامل ومواقع العمل والمرافق الحيوية في البلد.
من الضروري ان نقر هنا بوصفنا منظمة شيوعية بان الحركة الشيوعية في هذه الحقبة لم تتمكن من اداء دورها ولم يكن بامكانها ذلك نظرا للهزيمة التي تعرضت لها تلك الحركة منذ تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع النظام البعثي في منتصف السبعينات، في هذه الحقبة تعرض الكثير من القادة النقابيين الى الاعتقال والقتل والاعدام واجبروا على ترك البلاد نتيجة للممارسات الاستبدادية للبعث، وابيدت بشكل كامل تقريباً جيل من الشيوعيين، اما اولئك الذين فروا الى كردستان تعرضوا ايضا الى ضربات موجعة بحيث لم يتمكنوا من انشاء قوة عسكرية شيوعية خاصة في الاقليم، ولعل تجربة انصار الشيوعيين مثالا جلياً على ذلك الامر.
ولذلك من جهة لم تكن الحركة الشيوعية في العراق بشكل عام تملك منظمة شيوعية فاعلة تلعب دورا مهما على مختلف الاصعدة، ومن جهة اخرى لم تتمتع الحركة العمالية ايضا بمساندة ودعم دولي فاعل ومؤثر، فعلى سبيل المثال فان الحركة الاسلامية والقومية في العراق تتمتع بدعم اقليمي ودولي فاعل وهي تسعى على اساسه لنيل نصيبها واقتطاع حصتها في المجتمع العراقي. اما الحركة العمالية والشيوعية فلا نصير لها على الصعيد الدولي، هذا في الوقت الذي نرى بان هناك حركة فاعلة ونشطة وتقدمية ويسارية وتحررية في العالم تناضل من اجل غاياتها ولكن لاتوجد لديها حتى اللحظة الراهنة برنامج ملموس لدعم وتفعيل الحركة العمالية والتحررية في العراق. اما الاسلاميين فنرى بانهم يتجاوزون الحدود المرسومة دوليا ويدعمون بعضهم بعضا بشكل فاعل ويعتبرون انفسهم مجاهدين في حركة دولية جهادية، لكن مع الاسف فان الشيوعيين واليساريين لايمارسون نشاطاتهم بالشكل الذي بحثناه.
هناك بالفعل حركة عظيمة معاصرة ضد الحرب، وتجري مظاهرات صاخبة ضد الحرب في العراق وضد الاحتلال الامريكي والامبريالي، ولكن لايوجد حتى الان خطة معينة لدعم وتفعيل الحركة العمالية والشيوعية والتحررية في العراق. ان هذه لمعظلة كبيرة للحركة العمالية في العراق. ولاننفي بان هناك تحركات معينة هنا وهناك وقد شهدنا بعضا منها في امريكا.ان الغاية من هذه التحركات هي تفعيل وتقوية الحركة العمالية ولكنها تعاني من نواقص حادة ولم تتطور الى المستوى المطلوب الذي تؤهل تلك الحركة لممارسة دورها الفاعل والمؤثر في خضم الاحداث الراهنة.
ورغم تلك الصعوبات هناك امثلة حية على التحرك العمالي النشط، فعلى سبيل المثال ماجرى قبل ايام في مدينة النجف خير دليل على ذلك، ففي تلك المدينة قامت النقابات العمالية بتنظيم حفل مهيب بمناسبة الاول من آيار يعد الاول من نوعه في تأريخ مدينة اشتهرت بانها قلعة دينية للاسلاميين وللتيارات الدينية الشيعية.
يونس مولود بور: من المظاهر البارزة للوضع العراقي هو انعدام الامن، وهذا يشمل العمال ايضاً، نسمع بشكل يومي في الاخبار بانه تم قتل كذا عدد من العمال بواسطة الارهابيين او تم خطفهم ومن ثم وجدوا جثثهم مرمية على الشوارع، وهناك اعتقالات تجري هنا وهناك ضد القادة النقابيين. وقد اشرت ايضاً الى دور عمال النفط في البصرة او في مدينة النجف، برأيك ماهو المطالب العمالية البارزة في الوضع الحالي؟
نزار عبدالله: كما اشرت بصواب فان السمة البارزة للوضع السياسي العراقي هي انها اوضاع غير طبيعية في مختلف النواحي مثل فقدان الامن واستمرار الحرب وغلبة الميليشيات الرجعية والاسلامية والاختطاف وغيرها من السمات والاحداث التي تتناقله وكالات الانباء العالمية بشكل مضطرد. ان هذه الاوضاع اللاطبيعية السائدة تجعلنا لانتحدث عن المطالب العمالية الطبيعية والعادية مثل سائر المجتمعات الاخرى. واذا قمنا مثلاً ببلورة وصياغة المطالب العمالية الطبيعية الاكثر الحاحاً لانجد سلطة معينة ومحددة ترفع بوجهها تلك المطالب. لاتوجد حكومة على ارض الواقع حتى ترفع العمال مطالبهم بوجهها ويتفاوضون بشأنها بهذا الشكل او ذاك. ان انعدام سلطة معينة او حكومة بحد ذاته يجعل من العسير على الطبقة العاملة ايضا توجيه سنة رماحها الى طرف مسؤول معين في الوضع الراهن.
ان البطالة كمعظلة رئيسية للطبقة العاملة تجاوزت كل الابعاد المتوقعة وترزح اكثر من 60% من العمال تحت وطأتها و....
يونس مولود بور: يعني انك ترى بان معظلة الطبقة العاملة في العراق هي عدم وجود دولة محددة او ان المشكلة تكمن في انها غير منظمة؟
نزار عبدالله: ان المشكلة لها ابعاد مختلفة. ان الاوضاع الحالية هي اوضاع الحرب وانعدام الامن بخاصة في مناطق الوسط في العراق وقد حالت دون تعبئة قوى الطبقة العاملة وبلورة المطالب والنضال في سبيل تحقيقها وحشد قواها وتنظيمها في اتحاداتها ومنظماتها. لاشك بان التنظيم العمالي ورفع مستواه ليس هدفا بحد ذاته بقدر ماهو وسيلة لتحقيق غايات واهداف ومطالب معينة وهو يأتي ضمن عملية نضالية وتفاعلات داخلية وتتجسد التنظيم ويتقوى كلما تقدم العمال في النضال وكلما تمكنوا من تحقيق مطالبهم. وتحقيق كل مطلب بدوره يضخ الدم في تنظيمهم ويقويه استعدادا لخوض معارك ونضالات اخرى.
بالاضافة الى ذلك اشير الى مشكلة اخرى تتعلق بمستوى وعي الطبقة العاملة. فلم تبلغ مستوى وعي تلك الطبقة بدورها الى الحد الذي تؤهله لممارسة دورها كقوة مستقلة بحد ذاتها، فمثلا عندما تستولي الميليشيات الاسلامية على موقع ما تقوم بادارتها كما يحلو لهاـ ولكن الحركة العمالية لم تبلغ المستوى الذي تمكنه من بسط هيمنتها على مواقع العمل وفي اماكن حياة العمال بحيث تقوم بعملية ادارة ذاتية من خلال نقاباتها واتحاداتها الخاصة بها. ان الوظيفة الرئيسية للنشطاء السياسين والعماليين هي كيفية توعيتهم بهذا الاتجاه وكيفية بلورة المطالب العمالية الاكثر الحاحا وتقوية التنظيمات العمالية في خضم تلك العملية النضالية.
يونس مولود بور: لقد غلبت على ساحة المعارضة ايضا القوى المتخلفة والرجعية في العراق، وعلى ضوء التوضيحات المذكورة اعلاه هل يمكن ان نأمل ان الحركات الاجتماعية العمالية والشعبية سوف تظهر على الساحة وان كان ذلك ممكنا كيف وباية طريقة؟
نزار عبدالله: اني ارى بان الاوضاع الراهنة تدعو الشيوعيين والتحرريين الى لعب دور فاعل ومؤثر في رسم الاحداث السياسية في البلد. ان غيابنا اذا كان مدعاة للقلق وتأسف عميق فانه من جهة اخرى يمكن اعتباره مفخرة لنا، ففي اوضاع تصول فيه الرجعيين والاسلاميين وتجول لايمكن توقع شيء آخر مثلما نراه كل يوم في الساحة العراقية. هذه هي فعلتهم ومكاسبهم للمجتمع العراقي وهم يتحملون مسؤوليتها. في ظل سلطة هؤلاء توجه المجتمع نحو الاسئتصال والتقويض والقتل ومزيدا من الارهاب والعنف الدموي.
اما في الاوضاع التي تسود فيها نضالات الحركة العمالية والشيوعية فان المجتمع، كما اثبتت كل المسارات التأريخية، يتجه صوب المدنية والتحضر والتوسع في الحريات المدنية والشخصية وتطور المطالب الشعبية، فلكي لانبتعد كثيرا ونشير فقط الى عقد الاربعينات وخمسينات القرن الماضي في العراق حيث كانت السيادة والغلبة للحركة الشيوعية في المجتمع العراقي شهدنا تطورا في مختلف المجالات والاصعدة وتحقق الكثير من المنجزات المدنية والتقدمية آنذاك.
اما في الحقب التي كانت الحركة الشيوعية والتقدمية ضعيفة او جرت محاولات مستميتة لاضعافها نشهد التراجع والتقهقر التعفن مثلما نشهده اليوم في الساحة العراقية. ذكرت تلك الامثلة لابين بان التجربة التأريخية الحية للمجتمع العراقي والاوضاع التي تسود حاليا في العراق تدعونا الى لعب دور فاعل ومؤثر في الحياة السياسية ولانقاذ المجتمع من الحالة التي يعيش فيه.
يونس مولود بور: هل ترى بان ذلك ممكن من الناحية العملية؟
نزار عبدالله: هناك امكانية في ذلك، لقد اجرت كل القوى السياسية المهيمنة على الساحة العراقية تجاربها وفرغت ما بجعبتها من سياسات وبدائل واطروحات، وقد رأى المجتمع بأم عينه ماهية تلك البدائل والسياسات، ماذا فعلت القوى الارهابية في العراق غير القتل واراقة المزيد من الدماء؟ ماذا فعلت امريكا في العراق؟ انها تعاني بالفعل من ازمة وتخبط سياسي شديد بسبب عوامل وعجز دولي واقليمي وداخلي. ان القوى اليمينية جربت حظها وساق المجتمع نحو الهاوية. حان الوقت للانعطاف صوب اليسار، هناك امل كبير في ذلك وهو ممكن من الناحية العملية. من الممكن ان تدخل الحركة العمالية ساحة النضال المتنامي وتجر ورائها سائر الطبقات الشعبية و.......
يونس مولود بور: يعنى ان هناك فرصة او افق معين لتطور وتقدم الحركات الاجتماعية الاخرى مثل الحركة النسوية وحركة الشبيبة وغيرها من الحركات الاجتماعية؟
نزار عبدالله: هناك اجماع عام بين اليساريين والاحرار والجهات والشخصيات العلمانية والتقدميين على ضرورة انتشال المجتمع العراقي من المأزق الذي وقع فيه، وخلق حالة سياسية اخرى تتجاوز الطائفية والاحتراب الطائفي بين السنة والشيعة وسائر المكونات المذهبية الاخرى وتتجاوز التعصب القومي و الصراعات القومية بين العرب والاكراد وسائر المكونات القومية الاخرى. وهناك جدل ساخن بين مختلف الاطراف والاطياف السياسية حول ضرورة تشكيل جبهة اخرى تسعى لخلق هذه الحالة وتتراصف بشكل واسع لتمثل تطلعات وتوقعات الشعب العراقي وتطالب بتطبيع الاوضاع السياسية الجارية وتناضل في سبيل نزع السلاح عن الميلشيات وتقوية دور الجماهير في رسم الاحداث السياسية وفي الادارة السياسية للبلد.
ونحن بدورنا لسنا بمنعزلين عن هذه العملية ونناضل كمنظمة سياسية شيوعية بشكل منفرد او بالتنسيق مع بقية القوى والاطراف اليسارية والتقدمية الاخرى الى خلق هذه الحالة. ان البلد يزخر بالطاقات الجديدة والفاعلة وهناك محاولات هامة لخلق منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية والشبابية وهناك امل كبير بتطور تلك الجهود اما بفضل دور ومبادرة الشيوعيين او بفضل دور مختلف الاطراف والشخصيات التقدمية والتحررية. في الحقيقة هناك جبهة واسعة مترامية الاطراف ولكن هذه الجبهة تعاني من نواقص وشوائب جمة وهي متشرذمة ومتبعثرة القوى، والجهات الرئيسية فيها او المنظمات الاساسية في تلك الجبهة لاتزال غير مقتنعة بضرورة التنسيق والتعاون المشترك ولم تتخذ الخطوات المطلوبة لذلك، و...........
يونس مولود بور: دعنى اقاطعك مرة اخرى واطرح عليك السؤال التالي: هل تعتقد بان الاوضاع الحالية في العراق يمكن ان تتغير وتنقلب الى عكسها؟ هل يمكن للحركات اليسارية والشيوعية ان تأخذ مكان الحركات الاسلامية والرجعية التي تغلب الساحة العراقية؟
نزار عبدالله: انى اعتقد بان على الحركة الشيوعية واليسارية رغم ضعفها الراهن ان تطرح حتى مسألة تغير السلطة السياسية الراهنة و....
يونس مولود بور: ولكن هل هناك ارضية لذلك؟
نزار عبدالله: ان ارضية ذلك هي مأزق العملية السياسية المتأزمة التي دخلت في طريق مسدود، ان السلطة التي تشكلت على الاسس الطائفية والقومية جلبت الكوارث للمجتمع العراقي ولايمكن فك عقدتها، في اوضاع كهذه لِمَ نحصر مطالبنا في اطارات ضيقة ولا نطالب كحركة يسارية وشيوعية او كجبهة علمانية ومدنية بتغير هذه السلطة واحلال سلطة اخرى محلها؟ ان النضال في سبيل تغير تلك السلطة ومن ثم استلام السلطة السياسية يعد من النضالات السياسية الهامة في هذه المرحلة رغم مانعانيه من ضعف وتشتت. ان تحديد هذا الافق لنضالنا والعمل على ازاحة الاطراف اليمينية والرجعية في السلطة هو كفيل ايضا بسد النواقص السياسية والتنظيمية التي نعاني منها في الوقت الحالي. ان ذلك النضال هو الطريقة الوحيدة لتغير مسار الاحداث الراهنة وخلق فرصة اساسية لتدخل وتفعيل دور الجماهير المحرومة في العراق وتوسيع حرياتها السياسية وتحقيق مطالبها المشروعة.
لذلك وان جرى العمل بهذا الاتجاه فاني متفائل بشأن انعطاف هذا المجتمع نحو اليسار واعتبره احد الاحتمالات المرجحة للوضع الراهن. بعد ثلاث سنوات من الانغماس في البدائل الرجعية وبعد سيطرة اليمين في العراق لعدة عقود جاء دور الحركة اليسارية والشيوعية. ولكن لايوجد بالطبع ضمانات في السياسة. ان الامر مرهون بالعمل السياسي النشط وتفعيل الارادة وسد النواقص والثغرات وتجاوز الحالة السياسية الراهنة للحركة اليسارية والشيوعية وكذلك مرهون ايضا بمستوى الدعم والمساندة الذي تحصل عليه تلك الحركة على المستوى الدولي، لان من الواضح بان حجم و وزن المهمات الملقاة على عاتق الشيوعيين والتقدميين في هذا البلد اكبر بكثير من طاقاتهم الذاتية المحدودة وهم لايقدرون لوحدهم تحمله.
يونس مولود بور: ولكن ماالسبب في تحول وانعطافة هذا المجتمع نحو اليسار؟. انتم بصفتكم منظمة يسارية وشيوعية في العراق هل ان رؤيتكم هذه تستند على قدراتكم الذاتية او لان هناك تحركات عمالية نشطة مثلا في مناسبات الاول من آيار او ان هناك اعتراضات شعبية هامة بحيث يعطيكم مساحات سياسية هامة للتحرك، ماهو بالضبط هذه الاسباب؟
نزار عبدالله: ان تشخيصنا هذا يستند على ماذكرته اعلاه وعلى خصوصيات الحالة العراقية نفسها. ان العراق لايشبه باية حال من الاحوال بلد مثل السعودية وافغانستان. ان العراق يملك تأريخاً زخر بالطاقات اليسارية والشيوعية والمدنية، ليس من السهل مسح هذا التأريخ وتسويته بالارض وفرض تراجع في مختلف الاصعدة..
رغم مايجري لم نقطع الامل ولم تتمكن الاطراف الدينية والاسلامية المتزمتة من مسح ماجرى وتسوية المنجزات المدنية والتقدمية في البلد مع الارض. عندما نمعن النظر في واقع سيطرة تلك القوى الاسلامية والارهابية نرى بانها تسبح في السطح اما في الاعماق تجري امواج هائجة اخرى تختلف كليا عن الصورة الراهنة. ان سيطرة هؤلاء سيطرة هشة ولاتستند على قاعدة شعبية عارمة.
كما ان المجتمع تعيش على فوهة من البراكين الاجتماعية الاحتجاجية التي ركودها لايدل على عدم تهديدها وخطورتها. ان الاحتجاجات التي جرت ضد زيادة اسعار البنزين والمشتقات النفطية كانت مؤشرا هاما على خطورة الاحتجاجات الاجتماعية ضد الاحتلال الامريكي والسلطة البرجوازية والرجعية السائدة المتحالفة معها. ان تلك الاحداث اثبتت بان الجماهير العراقية لاتنوي الاستسلام امام الهجمات المتكررة التي تشنها القوى اليمينية على حياتها ومصدر رزقها، ان انفجار تلك الاوضاع في البصرة والكوت وكركوك والسليمانية دليل حي على تلك الطاقات الكامنة في الشعب العراقي في مختلف مناطق البلد. الحقيقة الهامة الاخرى هي ان السلطات الحاكمة واحزابها وميليشياتها لم تتمكن من السيطرة واقناع المحتجين مما حدا بها الى التعامل معها بعنف ووحشية واطلاق النار على المحتجين وقمعها بالحديد والنار. ولاشك بان ممارسة القمع والبطش بالجماهير لها حدود معينة وما ان تتجاوزها حتى تفقد كل فاعلية لها وتنقلب الى عكسها وتصبح زيتا على النار.
اننا نعلق آمالنا على عمق و سعة وشمولية تلك الاحتجاجات الشعبية وان حركتنا وتقدمنا مرتبطة بها، فاذا كانت الجماهير تمارس دورها في الحلبة فان قوتنا ووجودنا ودورنا ستظهر على الساحة ايضا ونستقوي بها ونثبت ركائرنا التنظيمية في صفوفها.
يونس مولود بور : انتم كاتحاد الشيوعيين في العراق ماهو برنامجكم وخطة عملكم لعكس مسار الاوضاع الراهنة؟
نزار عبدالله: كان حديثي فيما مضى تعبيرا بشكل او بآخر عن سياسات و وجهة نظر منظمتنا بالتحديد...
يونس مولود بور : ولكن بشكل مختصر ومحدد؟
نزار عبدالله: يجب قبل كل شيء تطبيع الاوضاع الراهنة وعودة الحياة في العراق الى مسارها الطبيعي، ان استمرار الحرب والفلتان الامني الحالي قد انهك الشعب العراقي واستنزف طاقاته وقواه، لقد كررنا دوماً ايماننا بان الاحتلال الامريكي وبقائه يشكل مصدرا لعدم استقرار الاوضاع الحالية ومصدرا من مصادر الفوضى العارمة. يجب انهاء هذا الاحتلال بشكل او بآخر لانه اتخذ كذريعة لتحرك القوى الاسلامية والرجعية التي تزعم انها تناهض الاحتلال والقوى الارهابية التي تدعي بانها تمثل المقاومة العراقية، ومن جهة اخرى اصبح الاحتلال شماعة لقوى الاسلام السياسي ولتحركها ومن ثم صعودها الى السلطة والاستئثار بها وقد اسهبنا الحديث في هذا المجال لاانوي هنا تكراره.
اننا نهدف الى انتشال المجتمع الراهن من المأزق الذي يغوض فيه، ولسنا وحيدين في ذلك بالطبع، عن طريق انهاء الاحتلال والحرب عبر تفعيل دور الجماهير في العراق بالتضامن مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ومنظمة الامم المتحدة في العراق والعمل على انسحاب القوات الامريكية فيه. اننا نهدف الى اعادة تشكيل السلطة السياسية في العراق بشكل ينبذ الطائفية والمحاصصة القومية والطائفية البغيضة والمقيتة وتتأسس سلطة جديدة على اسس مدنية وعلمانية وتقدمية معاصرة، وهذا الحل لايستبعد بالطبع الحل العادل والمشروع والنهائي للقضية الكردية في العراق حيث من الضروري حل هذه القضية بشكل نهائي وتجنب احالة ذلك الملف الى مستقبل مجهول. اننا في الوقت الذي ننبذ الاساس القومي للدولة العراقية لاننكر بل نؤيد حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وحقه في العيش بهدوء في اقليم يتمتع بخصوصياته القومية والثقافية الخاصة.
النقطة الثالثة الاخرى الذي هو اساسي جدا في برنامجنا هو الدفاع عن الحريات السياسية والمدنية والشخصية او بشكل عام الدفاع عن الحريات الديمقراطية في العراق، اننا من اشد المتحمسين لهذه الحقوق مثل حق التنظيم والتظاهر والاحتجاج والاضراب وحرية العقيدة والمعتقد وحرية البيان والحقوق المتساوية للمرأة مع الرجل ونبذ الابوية و..... ان كل ذلك هو نقاط رئيسية وهامة في برنامجنا وفحوى شعاراتنا الاساسية في كل المراحل وخصوصا في الاوضاع الراهنة التي تنتهك بشكل واسع وشامل تلك الحقوق. اننا نناضل في سبيل ان تكون تلك الحقوق اساسا ومضموناً للدستور والقوانين في البلد وتصبح اساسا لاية دولة مقبلة في العراق. كما وان هناك مواثيق ومعاهدات دولية تتعلق بحقوق الطبقة العاملة التي قامت منظمة العمل الدولية بصياغتها وتدوينها او هناك معاهدة حظر التمييز ضد المرأة وسائر المواثيق والمعاهدات التي تتعلق بحقوق المرأة وحقوق الشبيبة وقعت عليها العراق فيما مضى من الضروري ان تتعهد الحكومة العراقية الجديدة والقادمة بتنفيذها وتلتزم بروحها ونصوصها وتتبناها في قراراتها وممارساتها.
ان ماذكرته وغيرها من النقاط تتقاطع بالطبع مع ماتطرحه جهات واطراف اخرى في الساحة العراقية وهو قاسمنا المشترك وهو دليل آخر على وجود جبهة واقعية وفعلية رغم عدم الاعلان عنها وتبلورها في اطر محددة وملموسة الا انها موجودة على ارض الواقع وكلنا امل بان يتم تحقق ذلك في المستقبل القريب.
يونس مولود بور : اعزاء المشاهدين في نهاية هذا اللقاء نشكر مرة اخرى الرفيق نزار عبدالله سكرتير اتحاد الشيوعيين في العراق ونشكركم كذلك على حسن المتابعة.
نزار عبدالله: وبدوري اشكركم واقدر تعبكم.



#نزار_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الرفيق نزار عبدالله بصدد انتخابات كانون اول 2005 ونت ...
- الركائز الاساسية للحركات الاسلامية
- حركة انبثاق حزب العمال الشيوعيين-العراق: الـضرورة والهدف
- ملاحظات على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 الخاص برفع العقو ...


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - نزار عبدالله - حوار فضائية الحزب الشيوعي الايراني (كومةلة تى في) مع الرفيق نزار عبدالله حول الاسلام السياسي وامريكا ودور المعارضة الراديكالية والتقدمية في العراق.