أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - فرات المحسن - ما يضمره السلفيون لدعاة الحريات المدنية















المزيد.....


ما يضمره السلفيون لدعاة الحريات المدنية


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 18:40
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    




هناك الكثير من السمات التي يمكن توصيفها كمشتركات للثورات العربية التي انبثقت في بعض البلدان العربية بداية عام 2011 بعد جدب طويل كان الجميع يظن أن لا انعتاق بعده من ربقة الدولة الشمولية ودكتاتورية الفرد. مشهد الثورات وحضور جماهيرها في الساحات العامة كان لوحده سمة خلاقة حققتها روح الشباب وعنفوانه حين اختارت الجماهير المنازلة في الأماكن المكشوفة وجعل تلك الأماكن رمزا للثورة ومنها وفيها تُنتزع الرهبة من قلوب الجماهير ويكسر حاجز الخوف في أرواحها.
في قدرتها على حشد الناس باغتت تلك الثورات وأذهلت الجميع وبالذات السلطات الحاكمة ومثلها عرابيها من البلدان الرأسمالية، فحسابات تلك القوى كانت مبعث اطمئنان، وتقارير المخابرات العالمية والمحلية تشير فقط لمقدار التذمر والاحتقان الذي ينتاب الشارع جراء القصور الكبير في الخدمات والبطالة المتفشية والقسوة في التعامل مع مخالفي الرأي والفساد المتفشي بين أوساط السياسيين وموظفي الدولة، ومع كل هذا لم تكن تلك التقارير لتتوقع مثل هذا الزخم والحراك الجماهيري ليصل الأمر في قوة شده وأوج مواجهاته إلى تحدي ومقارعة السلطة بصدور عارية ومن ثم المطالبة برحيلها. كان المشهد غرائبيا بعد أن يئس الناس وظن الجميع بأن تلك الشعوب لا قدرة لها على المنازلة وأن قدرها اجترار الوجع والرضا بما تجود به يد الحاكم.
المشهد الأخر الذي أكسب تلك الانتفاضات خاصية غير تقليدية على الإطلاق وطبيعة تختلف كليا عن سابقاتها هي شعبيتها وبدايتها العفوية وتجاوزها منذ ساعاتها الأول الأحزاب التقليدية التي بوغت بعضها وأرتبك في تحليل الأمر والمشاركة فيه من عدمه. أيضا نأي خطابها عن تلك الأيدلوجيات والخطابات الحزبية بعموم أطروحاتها ورؤاها، ليتبلور خلال الثورات نموذج بسيط من الشعارات شدد على الهوية الوطنية ووحدة الجماهير وأعلن عن مطالب اقتصرت بدايتها حول الخدمات والبطالة والفقر وتعرية المفسدين وإطلاق الحريات المدنية، وبمرور الوقت وأمام الموقف المتعنت والقسوة التي استخدمتها السلطات الحاكمة تصاعدت حدة الشعارات المطلبية ليطرح في النهاية شعار الشعب يريد إسقاط النظام الشعار الفاصل بين مرحلتين وتشكيلين هما جماهير الانتفاضات ومن ورائهم قطاعات شعبية واسعة بمواجهة السلطات الحاكمة ومرتزقتها.

2 ـ
بعد الأيام الأول للثورات وبعد استيعاب لحظة المفاجئة والمباغتة الشعبية سارعت قوى وشخصيات وأحزاب من مختلف الأطياف وبالذات التقليدية منها بزج قواها وسط تلك الجماهير الغاضبة وتبني شعارات الثورة المطالبة بالإصلاح أو الإطاحة بالأنظمة الحاكمة لتبدأ مع دخول هذه الأحزاب والقوى مرحلة جديدة لمحاولات تجير الغضب الشعبي وروح الانتفاضات لصالح تلك الأحزاب، أي سلب روح الثورة وإلباسها عنوة جلباب تلك الأيدلوجيات، ومع تقادم الوقت بدأت تطرأ على مشهد الثورات الشعبية تحولات تميل لصالح تلك الأحزاب والتنظيمات وبالذات منها أحزاب الإسلام السياسي وهذا له أسبابه التي سنتحدث عنها لاحقا. أما في الجانب المقابل أي السلطوي فقد استطاعت القوى المرتبطة بالنظام استيعاب الصدمة الأولى والعمل على تفكيك زخم الانتفاضات عبر اتخاذ إجراءات كفيلة بامتصاص زخم الثورة وقوة الحشد الجماهيري، ففي مصر ولعوامل عديدة موه على العلاقة بين الجيش وسلطة الرئيس مبارك وبدأت عمليات مغازلة من قبل الجيش لقادة وجماهير الثورة وروج لشعارات وخطط للتهدئة تبدل معها إيقاع الخطاب الإعلامي وتصريحات المسؤولين وضيق الخناق على رجالات حزب مبارك وقدم بعضهم إلى المحاكم، وطفح نحو السطح بقوة مشروع تهدأ وتروي يكون الجيش فيه المعادل والبديل المقبول الذي يكفل وضع البلد في منتصف الطريق إلى حين تهدأ الأمور ويعاد ترتيب البيت السلطوي، لذا رحل مبارك ليسلم السلطة إلى أحد رجاله المخلصين من العسكر ومن ذوي الارتباط المعروف بالدوائر العسكرية الأمريكية، وكانت مهمة السيد طنطاوي تطمين الجميع وبالذات أمريكا وإسرائيل فجاء بيان المجلس العسكري الأول تأكيد الحفاظ على جميع معاهدات مصر مع البلدان الأخرى، في الوقت ذاته عرض على الجماهير الشعبية المنتفضة والأحزاب والقوى السياسية المصرية مشروع المجلس العسكري المطمئن للجماهير الغاضبة بمنح الشعب الحريات المدنية ووعد بأجراء انتخابات ديمقراطية لسلطة تشريعية ومثلها لرئاسة الجمهورية خلال فترة محدودة لا تتجاوز العام، عند تلك المرحلة لم تخمد مطالب الجماهير الداعية لانتخابات حرة وإصلاح سياسي وتوفير الخبز والخدمات، في حين أن هدف المرحلة بالنسبة للمجلس العسكري وقائده الطنطاوي كان استغلال الوقت لترتيب بيت السلطة بما يضمن عدم انفلات الأمور إلى ما لا يحمد عقباه مع وضع مصر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي القلق وغير المطمئن ومكانتها في هذا الوسط الإقليمي والعالمي الملتهب والذي يعيش مخاضات كبرى. وقد استطاعت المؤسسة العسكرية وبقايا نظام مبارك أن تتلاعب بعض الشيء بالقوى والأحزاب السياسية المصرية وتزرع الخصومة وسطها عبر مشاريع مفاوضات وتقارب أو طرح حلول للمناقشة. وأصدر المجلس قرار ألغي فيه قراره السابق بمشاركة الحزب الوطني أي حزب الرئيس مبارك في الانتخابات وهذا ما يثبت تشابك الخيوط بين العهدين، لذا اندفع الشعب المصري نحو الساحات للمرة الثانية وبزخم كبير للمطالبة باستحقاقات الثورة وإعادة جذوتها، ومع أدراك المجلس العسكري لصعوبة مواصلته المراوغة ومسكه لخيوط صناعة القرار خلال الفترة المقبلة لذا حدد المجلس رغم انقسام الشارع يوما للانتخابات التشريعية والرئاسية حيث أفرزت الانتخابات تركيبة جديدة للسلطة التشريعية كانت أحزاب الإسلام السياسي الرابح الأكبر فيها.
مثل ما حدث في مصر سبقه مشهد مشابه في تونس حيث أمتص رجال سلطة زين العابدين زخم وقوة الثورة التونسية التي فجرها الشهيد بوعزيزي، وسارعوا لتبني هيكل تنظيمي جديد لحكومة مؤقتة نأت بنفسها بعيدا عن رجال مخابرات بن علي وأقاربه من الذين كانوا يسيطرون على الثروة وأجهزة القمع التونسية، ليتقدم الصفوف الأمامية بعض الزعامات من عهد حكومات زين العابدين بن علي وكذلك رجال الصف الثاني من سلطته. كانت مهمة هؤلاء واضحة وصريحة هي تهدئة الأوضاع وأخذ زمام المبادرة لتأمين انتقال سلس بعيدا عن أعمال العنف التي شابت الأيام الأولى للثورة. لم تكن للأحزاب التي ظهرت بعيد استتاب الأمور والتي شاركت في الانتخابات الأخيرة أية ادوار حقيقية في اندلاع شرارة الثورة الشعبية بقدر ما كان الشعور بالتهميش والبطالة المستشرية بين أوساط الشباب وشح الخدمات وسوء إدارة مؤسسات الدولة ووحشية الأجهزة القمعية، جميعها المحرك الفعلي والمسبب الرئيسي في اندلاع التحركات الأولى واشتعال فتيل معارك الشوارع التي زعزعت نظام زين العابدين بن علي وأقصته عن زعامة البلاد. أما ما أسفر عنه مشهد الانتخابات الأخيرة وفوز حزب النهضة الإسلامي وتبوئه المقدمة في القوة التصويتية فلذلك أسباب منطقية موضوعية سوف نتحدث عنها في جزء أخر.
الثورة الليبية ومثلها ثورتي سوريا واليمن ورغم وجود الكثير من الأسباب بما يقربها من نماذج ثورتي تونس والقاهرة ولكن الوقائع على الأرض تسجل لها خصوصيات مختلفة عن وقائع وطبيعة تلك الثورتين. ولمحاولة تفكيك بعض المشاهد في طبيعة وعوامل الثورة في اليمن وأيضا ما أل أليه الحال في ليبيا وما سوف تتمخض عنه الأحداث في سوريا فذلك يستحق التدقيق بطبيعة حراك القوى الشعبية والسياسية في تلك البلدان.
جماهير الثورة مثلما مختلف شرائح الشعب في اليمن لها طبيعة وخصوصيات تتداخل فيها عوامل كثيرة تفرض على المرء التمعن بالجو العام والخاص للشعب اليماني وقواه المجتمعية والسياسية قبل البحث في توصيف ثورة الشعب اليمني، فالوضع يفرض قراءة مشهد الثورة دون الابتعاد عن الجانب القبلي في تركيبة الصراع وأيضا طبيعة العلاقة بين أصحاب مشروع أعادة بناء اليمن الجنوبي وانفصاله وسلطة المركز في العاصمة صنعاء، كذلك البحث في حيثيات الخلافات العميقة بين أوساط رجال المؤسسة العسكرية ومثله ذلك الصراع المتكرر بين السلطة وقبائل الحوثيين يجاوره التدخل السعودي القوي والفاعل في تركيب لوحة الحراك السياسي والطائفي فضلا عن وجود أعداد هائلة من المهاجرين الصوماليين والارتيرين الذين يضفون صعوبات جمة على الأوضاع الداخلية والاقتصادية لليمن وتتداخل في هذه اللوحة قوى التشكيلات الدينية وبالذات منها المتطرفة مثل منظمة القاعدة التي تسيطر على بعض الأراضي والبلدات في ذلك البلد الفقير والمهم في آن واحد. لذا فأن تطور وتصاعد زخم الثورة ضد سلطة صالح يحمل في رحمه الكثير من التداعيات غير المطمئنة والتي أرى إن نتائجها سوف تذهب مثلما باقي الثورات لصالح القوى السياسية المتأسلمة والقريبة من السلفيين وتنظيم القاعدة وأيضا المشهد مفتوح نحو صراعات دموية داخلية.
أما الثورة في سوريا فلها نموذجها المختلف، فالانقسام السياسي على أشهده بين أوساط الساسة السوريين من المعرضة ومثل أي بلد كانت وما زالت تحكمه طغمة دكتاتورية لاتعرف غير لغة القسوة مع شعبها ومخالفي الرأي منهم نجد أن قوى الشعب السوري السياسية المعارضة لا زالت تحبوا في أعراف العمل الديمقراطي الجمعي وحتى السياسي العام وهي في كثير من الأوقات تستعير لغة خصمها في تأطير مسألة الوحدة الوطنية والأهداف المشتركة لتقدم لغة الخصومة والفرقة وتجعلهما حديث الساعة على حساب ما يجري من ثورة جماهيرية سال فيها من الدماء الكثير. والسلطة الفاشية لا ترغب أن تعترف بوجود ثورة شعبية وحشود تظاهرات يقودها يوميا شباب كانوا لفترة قريبة هم طلائع الثورة وشبيبة حزب البعث، في ذات الوقت الذي يدرك حزب البعث وشركاؤه في جبهته القومية من الأحزاب الهزيلة والمنبوذة بأن هناك من يتربص بسوريا كوطن وشعب ويريد لهما الخراب قبل أي شيء أخر، نجدها تضع هذا الوطن وشعبه في سلة واحدة مع حزب البعث وترفض أي فصل بينهم وتدفع للقول بأن سقوط حزب البعث يعني سقوط سوريا شعبا ووطننا. وتختلط بقوة يوميات الثورة السورية مع صعود درجات السلم في المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الساعي إلى إعادة هيكلة المنطقة سياسيا يجاوره طموح تركي يسعى لتسيد المنطقة، أيضا الخصومة مع إسرائيل وثقلها كسبب رئيسي على الوضع السوري والمنطقة بعمومها، كذلك الوضع القلق والمقلق في لبنان وما يمثله حزب الله بالنسبة لإسرائيل يضاف لكل ذلك وضع الجوار العراقي غير المستقر بل الحامل لمفاجئات ربما تكون من النوع الثقيل الذي يضفي على المشهد السوري أحداث غير متوقعة وبالذات منها الطائفية المقيتة، ولا يستبعد الزخم الفاعل لقوة الضغط الذي تتبناه دول الخليج العربي والمملكة السعودية، كل تلك المشاهد تعطي انطباع أكيد أن كان داخل سوريا أو خارجها بأن النهاية باتت قريبة جدا وسوف تكون نهاية مدوية بالنسبة لسلطة بشار الأسد ومثلها لحزب البعث وتوابعه من أحزاب الجبهة القومية ولكنها أيضا تحمل مشهد ملتبس متعدد الوجوه مفتوح وغير مستقر لمستقبل سوريا والمنطقة كذلك، وإن جاء هذا اليوم وسقطت سوريا وهو قريب جدا فالمسبب والمذنب الرئيسي فيه هو حزب البعث الذي أختار جانب العناد الفارغ والتهور على حساب استحقاقات الشعب السوري.
في المحصلة النهائية فأن تلك الثورات غيرت الصورة النمطية التي كانت تمثل نموذج لمجتمعات غيبت وركدت قواها الشعبية لعقود طويلة، ومهما اختلفت النظرة نحو هذه الانتفاضات أو الثورات فأن من أفضل حسناتها أنها أفرزت صورة جديدة لمجتمعات تسعى للانعتاق وأعطت للشعوب القوة وألهمتها الشجاعة لكسر قيودها لذا نرى لهيبها الذي أشعله جسد بو عزيزي سرعان ما انتشر في بقاع أخرى. ورغم عدم وضوح الرؤية كاملة لنتائج تلك الثورة فيكفي الشعوب أنها انتزعت حريات كانت في الأمس القريب تخاف وتعذب وتسجن وتقتل عندما ترغب فقط في الحديث عنها.
ولا غرابة في أن يكون هناك استعداد دولي وحتى إقليمي فتحت شهيته على طبيعة جديدة توجب إزالة موديل الدكتاتور فذلك النمط من الحكم ما عاد يناسب العصر ولا يشرف العلاقة مع الراعي الرأسمالي لذا وقفت الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي وذراعها العسكري حلف الناتو بقوة وحزم مشجعة على تغيير الحكومات في تلك البلدان لبناء نماذج مختلفة في مفاهيمها ورؤاها وعلاقاتها الداخلية والدولية عن سابقاتها القمعية وهي في مساندتها هذه تطمح أن تكون هناك نقاط التقاء وحوار وتعامل ايجابي مع الحكومات التي تتمخض عنها تلك الثورات أو بالأحرى خوض تجربة جديدة للكشف عن ما يتمخض عنه صراع الإرادات السياسية والاقتصادية في تلك البلدان.



3 ـ

الجميع يعلم أن هناك العديد من العوامل التي ساعدت على صعود المد الإسلامي بمختلف مذاهبه وتلاوينه ولكن واقع الحال يؤكد على عدة وقائع ساعدت في انتشار وتضخم قاعدة الأحزاب السياسية بالتسمية الإسلامية. أولى تلك الأسباب هو الثورة الشيعية في إيران ومحاولاتها الانتشار خلف حدود الجمهورية الإيرانية وتعميم ونشر أهدافها وفكرها السياسي الشيعي الذي جوبه منذ البداية برد فعل قوي وتطير وخوف عند الطرف السني في العالم العربي مما دفع لتبني سياسة طائفية ترفع شعار الإسلام هو الحل أي بناء السلطة الإسلامية وفق الفهم والمشروع الإسلام السني، وبالرغم من وجود الخلاف الطائفي سابقا ولكنه مع ظهور أهداف الثورة الإيرانية بدأ يأخذ طابع أخر أكثر غلوا وتطرفا ومثلت أفغانستان مترعا خصبا لوجود تنظيمات متطرفة بسخاء سعودي خليجي. بدأ المشروع السعودي الوهابي كمناهض للمشروع الإيراني ثم تطور إلى رؤية إستراتيجية لعموم الأحزاب السلفية في البلدان العربية، وتلك المعركة التي أشتعل أوارها بين المذهبين وجدت لها صدى واستحسان في الشارع العربي والإسلامي المنشطر على نفسه منذ عهود قديمة وجاءت الطائفية لتوحده.وتعزز هذا الاتجاه من الحشد الطائفي وبنيت هياكل لجمعيات وأحزاب وكتل تبنت مثل هذا النهج بواسطة الأموال الطائلة التي ضخت لتعزيزه من قبل دول الخليج والسعودية وقابلها في الطرف الأخر إيران,
العامل الثاني الذي ساعد على انتشار الظاهرة يتمثل في البطالة المتفشية والفقر والجهل الذي تكون دائما العوامل ذات الأثر الفعال والمجال الأرحب والساحة المناسبة لترويج وانتشار قاعدة الاتكال على المطلق والالتجاء إلى الغيبيات والالتزام بالتدين في المجتمعات المنغلقة، يضاف لذلك ضعف القاعدة المادية التي تساعد على تقليص البطالة وتوفير الدخول والتعليم المناسب للمواطنين. ولم يكون ذلك بعيدا عن المأزق الأخلاقي والثقافي الذي يمثله التمسك بالاجترار اليومي لحديث السلف والدين.
ولو تتبعنا مسيرة الحكام الدكتاتوريين من أمثال حسني مبارك وصدام حسين وبن علي والقذافي والأسد وعلي عبد الله صالح والبشير وقبلهم أنور السادات وبذات الطبيعة والتوجهات باقي جوقة عباد الكراسي ومصاصي دماء الشعوب لوجدناهم يوجهون جل حملات قمعهم الأكثر شراسة ووحشية نحو القوى التقدمية والعلمانية في ذات الوقت الذي يروجون لصورة عن طبيعة سلطتهم تظهر تمسحهم بمسوح الدين، يستعرضون فيها طيلة أيام السنة علاقتهم وتزلفهم للدين ورجاله من خلال حضور فروض المناسبات الدينية والتبرع وبناء المساجد والتكايا، وخير مثال هو الحملة الإيمانية لصدام حسين وقبلها حملات الإيمان لأنور السادات ومعمر القذافي وبن علي وحسني مبارك والبشير، ومن خلال استغلال هذه الظواهر المخادعة كانت قطاعات وشرائح مجتمعية دينية تعمل على انتشار التدين لا بل التطرف الديني وصولا لدعوى قتل المخالف الفكري والديني وتحريض الدكتاتور وسلطته ضد القوى العلمانية والتقدمية الديمقراطية وترويج الإشاعات المغرضة واللئيمة الكاذبة بين أوساط الجماهير وبالذات الفقيرة والمعدمة منها على أن العلمانية هي صنو الكفر والإلحاد وأن ما يسعى له العلمانيون والوطنيون الديمقراطيون هو محو الدين وحرق القرآن ومنع الشعائر وهتك الأعراض والمقدسات، وكان الدكتاتور وسلطاته تقدم العون وتمهد السبل لرجال الدين ليس فقط في باب مدح السلطة وإنما في جانب الطعن بالقوى التقدمية والترويج للدعايات المغرضة التي تنال منها. وكان التخويف من سقوط البلد الإسلامي في أحضان الإلحاد كفيلا ببناء قواعد لتحالف خبيث بين بعض رجال الدين ورجال مؤسسات الدكتاتور،هذا الحشد بكل ما حمله ويحمله من وضاعة ودناءة وافتراء وجد له صدى كبير وواسع بين أوساط الجماهير الغير متعلمة والفقيرة والمغيبة عنها الحقائق. ومن يدقق في مشروع الحملة الإيمانية لصدام حسين ونتائجها سوف يجد الكثير من تلك الشخصيات الفاعلة في الساحة السياسية العراقية اليوم ومن المعممين هم بالذات من خريجي تلك الحملة التي حولت رجل الدين إلى مرتزق كذاب وكاتب تقارير، كذلك فعلت الحملات الإيمانية لرؤساء مصر والسودان واليمن والقائمة تطول.وقد استغلت بعض الشخصيات والقوى الإسلامية وبالذات السنية منها علاقتها مع الحاكم و مشاريعه الإيمانية للتغلغل بين أوساط الجماهير والسيطرة على الشارع. ومبدأ التقية الذي يستخدمه رجال الدين وتوابعهم في الأحزاب الإسلامية هو المبدأ الأهم والباب المفضي لتمرير المشاريع وتنفيذ المأرب، ولم يكون كل ذلك بعيدا عن المأزق الأخلاقي والثقافي الذي يعيشه الشارع العربي والإسلامي والذي يتمثل بالتمسك والاجترار اليومي لحديث السلف والدين.


4 ـ
بالرغم من نتائج الانتخابات في تونس و حدوث ما يشابهها في مصر وليبيا والمغرب والتي أظهرت تفوق الإسلاميين وصعود أنجمهم فان هذا لا يعني على الإطلاق نكران دور قوى اليسار واللبرالية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني على شحها وضعف تنظيمها، فقد كانت القوى العلمانية واللبرالية واليسارية ذات السبق في خوض النضال ضد الدكتاتورية وهي من أولى القوى التي نزلت إلى الشارع ودخلت بزخم وفاعلية شديدين في قلب الحدث وكانت رؤاها وشعاراتها مؤثرة في الخطاب الذي تبناه الشارع لمقارعة الأنظمة وفي الكثير من الأحيان كان صوتها يمثل الوجه الأكثر إشراقا وقوة في وسط الحشود الجماهيرية.وما تمخض عن تلك الثورات يمثل نجاحا لا يستهان به لتلك القوى، فقد فتحت لها أبواب إعلامية واسعة للتحدث عن رؤاها ومشاريعها، أيضا شرعت أمامها منافذ جديدة لتطوير علاقاتها مع الجماهير واستغلال جو الحريات العام للوصول إلى مناطق كان محظورا عليها الولوج فيها كذلك جاء مع الانتفاضات عوامل جديدة مختلفة تستطيع تلك القوى لو أحسنت التحرك أن تكسر التابوات التي بنيت كمتاريس أمام انتشارها السياسي والاجتماعي.
ولكن ما هو مستقبل العلاقة مع الأحزاب الإسلامية التي استحوذت على الغالبية في الحكومات التي شكلت في تونس أو مصر أو ليبيا والمغرب وسوف تلحق بها حكومات أخرى في سوريا واليمن. وما الذي يكون عليه دور وتأثير العالم الديمقراطي على مسيرة تلك البلدان وحكامها الجدد؟؟. ما الذي سوف يعاد تركيبه في الإقليم والعالم بعد نشوء وظهور هذه الكتلة الكبيرة الحاملة لفكر واحد هو الفكر السلفي الاخواني ؟؟. وهل تصمد لعبة تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع مع سيطرة أصحاب الفكر الإقصائي؟؟. هذه الأسئلة وغيرها الكثير من الصعب الإجابة عليها رغم بروز بعض ملامح لنتف من الإجابات تؤكد المخاوف المشروعة لدعاة الحريات المدنية مما تضمره قوى الإسلام السياسي كمشاريع للحكم وبناء مؤسسات الدولة بمقومات الدولة الدينية.


من كل هذا الذي ذكرته وغيره من الأسباب الذاتية والموضوعية بأخطائها الكثيرة والكبيرة التي يتحمل بعض وزرها من يمثل القوى التقدمية العلمانية ومنها واليسارية، شكلت المرحلة مشهدا أراه طبيعيا في سياقه التاريخي المنهجي بالرغم من ما أظهره من خلل واضح في تشكيل الكتل السياسية وقواها الجماهيرية مما جعل العلمانيين واليساريين يأتون في التسلسل الأخير من قوائم الناخبين، وبذات الأسباب فمن الطبيعي أن تحل الأحزاب الإسلامية محل الدكتاتوريات أن كان الحدث مشابه لسقوط السلطات الشمولية في العراق أو ليبيا وكذلك المرتقب من سقوط سلطة البعث السوري وما تمخضت عنه الانتخابات التونسية أو المصرية والمغربية. فالقوى الإسلامية وفعالياتها كانت دائما بشكل وأخر تتماها بتلاوين وتشكيلات عديدة لتحابي السلطة وتمرر بعض مشاريعها وبعضها يترعرع وينمو لا بل يخرج من رحم السلطة ولن تختلف طبيعتها حتى وأن استلمت السلطة، فهي وفي جميع الاحتمالات لن تقدم غير خيار مشروعها الذي لن يتوافق لا اليوم ولا في الغد مع الديمقراطية وسوف تكون الحريات المدنية أولى ضحاياه، فسلوك القوى السياسية المتأسلمة دائما هو التمويه على الهدف والقبول بالديمقراطية ليس كهدف بعينه بقدر ما هو غاية ومشروع للامساك بتلابيب السلطة ثم يأتي حديث القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسيون ساعون لتمزيق العراق 2
- سياسيون ساعون لتمزيق العراق
- صمت الطليان
- الغالبي رحيم وداعا
- ويكيلكيس عراقي
- لغز اختفاء موسى الصدر يكشفه عبد الحسين شعبان
- فتوى سياسية لغلق مقر الحزب الشيوعي
- المالكي في ملكوت الكرسي
- عطايا قليلة تدفع بلايا كثيرة
- ما فضحته مظاهرات 25 شباط
- شلون أو وين ويمته
- البو عزيزي العراقي
- كلمة السر مقر اتحاد الأدباء
- أجندة الأحزاب الدينسياسية
- عجائب وغرائب ساسة العراق
- رحيم الغالبي وجسوره الطينية الملونة
- في انتظار جوده
- السيد جوليان آسانج يشرب نقيع وثائقه
- الارتزاق وأجندة دول الإقليم
- من يربح البرلمان


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....



المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - فرات المحسن - ما يضمره السلفيون لدعاة الحريات المدنية