أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - رحيم الغالبي وجسوره الطينية الملونة















المزيد.....

رحيم الغالبي وجسوره الطينية الملونة


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 3183 - 2010 / 11 / 12 - 15:16
المحور: الادب والفن
    




ليس بي حاجة لمقدمة طويلة عن صاحبي رحيم الغالبي الذي كان يطلع جواري كل صباح ليراني ونتجاذب حديث المحبة والألفة، ضحكة بريئة كأنها صادرة عن طفل، ودقة في التعبير وذكاء وقاد وحافظة أعجز عن مجاراتها. أربع سنوات فيها كل ذلك العمر الموشى بندى الحشائش وطراوة الروح، ما افترقنا سوى عطل الدراسة.
صبواتنا، ألق محبتنا، هواجسنا، مرحنا، شدونا وقوة شكيمتنا، وأملنا بأن مسيرتنا تمشي الهوينى نحو مرافئها الفسيحة المزركشة بضوء الأقمار. لن يثلمها القبح وأن القادم هو المسرة والوطن الحر السعيد.
ما كنا لنعرف أننا مشبعون ببكائية تتوارثها الأجيال، وأن أحلامنا محشورة لحين في مجمرة تتقد بها الأرواح وتضج بالدم القاني فتتوقف نقطة الزمن الرجراجة ويباغتنا الشر ونحن بعد لم نعب ضحكاتنا، ولم تكتمل نشوتنا، فنصمت وتمتلئ صدورنا قيحاً وصدياً.
ما كنا لندرك أننا كالمسحورين كنا نردد حزنا ونتوعد أرواحنا بأن الزمن سوف ينفصم وتفلق نواته إلى شطرين لا ثالث لهما.. أبدأ لا ثالث لهما. حزن العراق حزننا نحن الذين أردنا له السعادة والحرية والفرح، وما التقينا أبدا في دروبنا غير البكاء والنواح كأنه عاصفة قدر لها أن تلفنا مثلما قدر لنا أن نكون دائما في جوفها. معادلة ظالمة بقدر قبحها. هدت فينا أحلى سنوات العمر.

أليمشي بدربنه شيشوف يا أبو غيث .. لو موت لو سعادة.

وأنشطر الزمن عنوة لتستباح وتقتل زهورنا وتخمد ضحكاتنا ويتلوث البنفسج ويتوقف صوت مزاميرنا وطرطشة الماء وكركرات الطفولة، وتندفع الضباع تنهش كل تلك الصباحات البليلة وتحيلها عتمة قست وقست لتجف في مآقينا تلك الالتماعة ويختفي ذاك البهاء وتهرب منا الكلمات ونلوذ وراء صمت أشد وجعا وظلمة من عالم المكفوفين و الصم والبكم.
ولكن لم تكن لتختفي من خاطري صورته حين يعود من مدينته ويستقبلني بوجه فلاح لوحته شموس الشطرة وتباريحها. وكانت ابتسامته تحيله لطفل مشاكس فيبدو وكأنه أرق من نسمة وأفصح من فاخته.

اجيتك ارد بالوحشه...مهر
كالولك نهر يمشي عكس ممشاه
جي ضيّع مصبه وما بعد يلكاه
اكول الهم :
نهر ... من يرجع بشوكه
يغمك بالعشك مجراه
بحلم باجر يبوسك ،
يدفه باللذه...
تطيح الوحشه كلها اوياه

ولكن صاحبي عافني مثلما تواعدنا على لقاء وعفنا سوية رائحة الياس وجلسات النادي الصاخبة ورقة وحياء دكتورة حياة شرارة وضفائر ألف تينه وحيوية دكتور سلام شهباز وطيبة وأريحية دكتور ضياء نافع وضحكات الفرح وجدل الكلمات وأشعار العاشقين وجدائل الصبايا.
ذهب نحو طراوة الغراف وخرير ماء البدعة يتلحف بهما ويعب منهما رحيق كلماته وقعدت أنا أتملى سماء الوحشة ببلاهة الثكالى. ورقدت سنواتنا في المتاهة.
كان رحيم الغالبي ينصت في خلوته دبيب الحياة كمن يترصد اللون حين يهبط مع جاري الماء، يجيس بروحه بين قطراته، يتلمس بأصابعه فورانه ثم يلملم قوس قزحه ليصيره لوحة. أنه صياد اللحظة، المتلذذ أبدا ببهجتها.


هواجس روحي
نور وضي ..
مشه ألحايط ..... وظل الفي..!!!
عبرت اشكد
سواجي وياك...
عافتني الجروف..
وثبت بس المي !!!

ولكنه يتعلق بكل العمر الذي يتسرب من بين الضلوع كما الماء، يهرب من بين الأصابع، يمسكه ولكن... تظل الكف خاوية، يتلمسه فيشعر بالخذلان للفراغ المكين الذي يحيط به. وكأن رجع سنواته الماضيات هي الفي الراكد المخادع وليس الحائط .

ما حسبالي..
ورد الليل
ألكه ألصبح .. بس * خرنوب *
..جم مره ؟؟
جم مره ...كسرنه العمر
من نصه ؟ أبمعزه نتوب !!!
جم مره ..
نحط ألعين :
... بجفوف الزغار... أنريد بس مكتوب !!!

بجفوف الزغار كان يبعث رسائله بعذوبتها المطرزة بالماء الرقراق، يُحمَلها حلمه وشغفه ببريق أخر لسماء صافية وأمل مرتجى. يراوغ ما يواجهه من صيهود روحي يجعله يتخبط بإحساس مفرط بالغربة، لذا تراه يستخدم لغة مشاكسة تلعن الواقع وتحيله لما هو هلامي غير ملموس وغير واقعي. تتحول الأشياء لديه إلى صور مقلوبة تفزعه، ولكنه يقاربها ولا يملها فيفرط في توسلاته وأمانيه التي يحلم أن يعود معها كل شيء لسابق عهده حين كان يبث لواعجه بطمأنينة يستكين بها عند رفاقه وأصحابه وطيبة ناسه.
ولكنه أبدا يستيقظ مكسورا من وجع غربته عن عالم اختلف معه وفيه، وهربت منه طيبة الناس وألفتهم.

مشت ليش الشوارع ؟
ظلت الخطوات..تتخبط بغربه وهم
كمت اتطشر و التم ...!
فتحت الكلب طلعت الاسرار البيه....
..... شفناها , جذب مديوره دايرنه ..

الحب عند رحيم ليس لحظة تمر عابرة وهو ليس فقط طقس وجداني يخطر بالروح فينفض في جعبتها شجنه ولوعته. أنه حب أخر يجمع حشد من أطياف وأحلام وألوان ووجوه تلتف ألفة ابتساماتها حوله. أنه الحب بطعم وشذا لا يمسكه غير قلب رحيم وروحه المعلقة في تلك الشموس التي تآلف معها أبدا فبدت تسكنه دون فكاك ويشعر تجاهها بالذنب بقدر الحب. يتعذب ويتوجع لأنها عافته مثل أيام سفر لم يبق منها غير مسمى ريل ومكان مقفر وعبق ثياب وأشباح صور. وأن هجرته تلك الأيام فهو يشعر بالذنب يثقله لأنه ما كان يستطيع الإمساك بها و الحفاظ عليها. ولذا فهو يعتذر حتى من الصبر كونه لم يملكه في لحظة المحنة ، وقبلها يعتذر من الظل ( الفي ) رغم كونه الرديف المخادع للمكان والشخوص. وحتى اعتذاره يحمل نكهة المنتظر.



هاي اسنين
تاكل عمري
دوب ادوب
ورد ألنرجس بروحي.. مثل صبير
يرسم عالضمير اذنوب..
.... ذبنه , ومثل ثلج أيذوب
تبنه... ونعتذر من الزمن
والفي....
ومن * أيوب *


ما انفك رحيم الغالبي يصارع زمنه الذي أعطى له ظهر المجن وعافه في غربة ووحشة وتوحد، يتلمسه جرحا يعاقره كل يوم، دمعته رقيقة تتلوى لتحفر في شغاف القلب وجع الأمس الذي رقد في روحه دون رحمة، ليجد بعد ذاك أن أشياء كثيرة قد هربت منه وإن ناسه وصحبه راحوا دون وداع. فرح الأمس وأصوات الضحكات وقرقعة الكؤوس والنقاشات الحادة والمستكينة وأوراق تتخفى بتحد وبسالة تحت جلد الحقائب، كل ذلك أنفرط دون أن يجد لهجرانه جواب.
رحيم يخالط بذكاء وحرفة بين ثلاثة أشياء يمسكها بإصرار ويمسد بها روحه لتنطلق قريحته فترسم دمعته ألوان لوحة عامرة تعبق ببديع الكلم ويعلو صوتها رغم همسه. لوحة تجمع قبل كل شيء حسجة أبناء أور الخالدة. وبوعي لملمه من خبرة طويلة بالأحداث، يفجر لوعته بوصم المحيط بالخراب والغرائبية، يدينه ويستنكره لأن الأشياء فيه اُستبدلت، لتنقلب معادلة الخير التي يواددها الغالبي دوما ويركن أليها، إلى صور مشوهة معكوسة ملوثة.


فكتني ألسوالف باب أشوف ألناس

شفت سعف ألنخل مدفون وسط ألطين..!!

و سبّاح ألنخل

ليفوك..

هوّ ألشايل ألراس ..

وشفت خرسان، بس هيّ ألتغني

و كاضّه ألاعراس

وشفت عميان....

يقرون بتعاليم .. ألنبي، بأوراق سود

أثيابهم بيضه، و أيصفّك وراهم ..

. . . واكف ألفحّام . . !!!

ويتساءل أبدا ويييييييييييييين... أنه جمع الأنين بالآه .. البحث عن الحنين المخلوط بالتعب.. انفلات العمر... وجع من وقاحة وقباحة يتبرع البعض بها لنهش جسده.. تراوده الوجوه الطافحة بالحزن وصدى ضحكات المحبين ورايات الأمل التي حلم بها ترفرف مثل أشرعة تذهب نحو الشمس.
رحيم يتنفس الشعر ويجد روحه المعذبة تستكين عند حوافه الموشاة بكلمات يدبجها من شغاف قلبه ليضمها إلى صدره مثل حمامات بيض، يفلس لها ريشها ثم يطلقها سابحة في فضاء شفيف. دائما هو الباقي عند فرحه الطفولي العامر بالخسارات .

من أسنين . . .
ويايوم من أرد لهلي ,
طعم بوسات . .طعم التين
غركانين
ومامش ماي جوّانه...!!
أعثر لون بحلامك : أرد أزغير
يمه وفركه كتلتني
و لا كذله....
وتحرّك ماي راكد .. بالنواعير....؟!
وييييييين ...؟
وين ألكه مهر وأيدير ناعورك ...!!
. . يحنن كلبك أعليّ
وجديد اتصير....
يرجع
عمري
وآنه ..أزغير

وها هو اليوم يعود ليلملم خيوط وشيعته ويعاود حلمه، مسكون بوطن وسعه عراق وأصحاب يخاطبهم رغم النأي ووحشة البعاد. يجمع ما أنفرط من خرزات عقده ويروح يشدو، وبدأب وعزيمة يدق ركائز جسور طينية جديدة تتلمس أفق الحياة الممتد نحو سماء تتوشح ببروق خلابة تبهر الأبصار.
يا صاحبي رغم ما بات عليه شجر الياس في حديقة كلية الآداب قسم اللغات من يباس فإن ود الصحبة والرفقة وضحكات وفرح شباب وقصائد وأمل لقاء، ذخيرة نحتفظ بها سوية لعهد ربما.. ربما تتجدد فيه الآمال وتورق نجمات توشم سماء العراق بوميضها المبهر. لنتأمل ونحلم ونرفع فرشاتنا ونروح نخط ألوان محبة فوق جسرك الطيني المدهش.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في انتظار جوده
- السيد جوليان آسانج يشرب نقيع وثائقه
- الارتزاق وأجندة دول الإقليم
- من يربح البرلمان
- جيش محمد العاكَول في البغدادية
- النوارس تشدوا للفرح والسلام
- انتخابات الخارج دعوة مفتوحة للسرقات
- طريقان لا ثالث لهما
- انتخابات عجفاء وخيار كسيح
- صباح بهي نسائمه شيوعية
- الفن والثقافة ميوعة وبدعة
- الإقصاء والتهميش ليس خيارا ديمقراطيا
- نبوءة أصحاب الجباه المكوية بالبيذنجان
- الجميع يمتطي ماطور سكلات السيد محمد العسكري
- طوق النجاة للمجلس الإسلامي الشيعي
- تساؤلات حول إجابة السيد رئيس الوزراء
- السلب والقتل والكذب وفق الشريعة
- استغفال جارح للسيد المالكي
- أخوة أبو عمر البصري و أبو عمر الموصلي
- الانتخابات وقانون تنظيم عمل الأحزاب


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - رحيم الغالبي وجسوره الطينية الملونة