أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بشارة - مراجعات في ما بعد الحداثة السينمائية من المفاهيم النظرية الي التجارب الاخراجية















المزيد.....

مراجعات في ما بعد الحداثة السينمائية من المفاهيم النظرية الي التجارب الاخراجية


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 1052 - 2004 / 12 / 19 - 11:15
المحور: الادب والفن
    



الحلقة الأولى
لقد كان اقتباس مصطلح (التجريبي) في مجال نظرية الفيلم بالمعني الجمالي المستخدم في الفن والعلوم الانسانية اقتباساً موفقاً وصحيحاً. ونعود الي القول ان هذه الطريقة (المغامرة) في البحث والتجديد كانت الاساس والاصل لبعض الآثار الفنية في السينما التي تعد من افضل ما انتج في تاريخ السينما، كالمواطن كين، الذي قال عنه مخرجه ارسون ويلز (لم اعمل متعمداً او قاصداً الابتكار والاختلاق والارتجال لأية اضافة او اي شيء آخر، بل كنت اقول لنفسي، ولماذا لا اجرب ولنري في ما بعد كيف تكون النتيجة. فالجهل بقواعد واصول المهنة التقليدية كان له الاثر الكبير في عملية التجديد النهائية التي طرأت علي الفيلم واكسبته حلته الابداعية النهائية فهذا ما جلبته لكين، اي الجهل الذي صار ابداعاً عن طريق التجريب.
ان الشخص الذي كان له فضل الريادة في نقل مصطلح (التجريبي) من قوقعته المختبرية في مجال العلوم الطبيعية الي مجال علم الجمال في العلوم الانسانية وهو اميل زولا فهو الذي جمع عام 1880 عدة نصوص نظرية بشأن الرواية في المستقبل وطبق اول طريقة في التجريب واستخدم الكلمة -المفتاح- التي سبق لكلود بيرنارد ان استخدمها ولكنها مطبقة هذه المرة علي ظواهر ليست طبيعية بل فنية وذلك في كتابة (الرواية التجريبية).
وبذلك يكون الروائي قد لبس بلوزة الجراح البيضاء وبزة عالم الاحياء وتحول قلمه الي مبضع للتشريح ولكن ليس بهدف الدخول للمختبر وتشريح (الرواية) بل لخلق معركة واثارة الجدل والنقاش في الاوساط الادبية والفنية، وكانت سابقة اولي وجريئة حين قال (ينبغي لكم جميعاً ان تتقبلوا ادبنا الطبيعي جيداً، وهو بالضبط الادارة الحية للحل العلمي الجديد الذي اوجده العصر، فكل واحد يقف مع العلم والي جانبه يجب ان يكون معنا فالرواية الشابة، رواية المستقبل، وهي الرواية التجريبية. واذا كنا مرغمين علي ترديد هذه النغمة، اي الرومانتيكية، فان اولادنا سيتخلصون منها ويهجرونها وآمل ان ينجحوا في ذلك).
وبعد مرور خمسين عاماً علي هذا الكلام سوف نجد نفس هذا الطرح تقريباً في النصوص النظرية للفنان السينمائي السوفيتي دزيغا فيرتوف حيث يقول (طريقة السينما - عين، هي طريقة الدراسة العلمية التجريبية للعالم المرئي) كتب ذلك في عام 1929، وبهذا اصبحت كلمة تجريبي مرادفة للجديد والطليعي.
وبعد هذا المدخل يطرح السؤال: ما هي السينما التجريبية؟.
انها سينما البحث، سينما متقدمة، سابقة لعصرها، وسابقة لأوانها، وهي سينما الاستكشاف. والسؤال الثاني هو: ما هي المعايير (ان وجدت) التي تعرفها وتحددها وتميزها عن غيرها؟
هناك معياران اساسيان، الاول يرجع الي ظروف وشروط وطرق هذا النوع من السينما والثاني للمكانة والاهمية التي تحتلها المشاغل والاهتمامات الشكلية والاسلوبية بما فيها المضامين الفيلمية التي تعد بحد ذاتها جزءاً من الشكل الجمالي لهذه السينما.
اذا كانت كلمة التجريب تعني البحث وفتح طرق جديدة للابداع والتعبير الفني فان المجرب محكوم ببعض العزلة والانسحاب عن الانظمة والمؤسسات الموجودة والمهيمنة علي عجلة الانتاج التجاري الشائع. اي لا يعنيه مبدأ الربح والمردودية، كما انه لا يشكل حافزاً له، وليس له أية قيمة بنظر المجرب السينمائي بشكل خاص فهو لا يقيد عملية الابداع لديه بالمردودية المادية ولا الربح بأي شكل من الاشكال. لذا فان الفنان السينمائي التجريبي مرغم علي العمل ضمن ظروف بالغة الخصوصية والصعوبة فعليه ان يعمل ويبدع بالاعتماد علي منحة من احد المحسنين كما حصل مع فيلم مان راي وعنوانه (سر القصر) او مع فيلم (دم الشاعر) لجان كوكتو وفيلم العصر الذهبي للوي بونويل. او ان يعمل عن طريق جمعية سينمائية او ثقافية تهتم بهذا النوع من السينما كما في الولايات المتحدة الامريكية اذ تتكفل هي بتمويل هذا النوع من السينما عن طريق جمع اشتراكات الاعضاء والتبرعات او الحصول علي مساعدات من مجلس الفنون في كندا علي سبيل المثال. كما يعتمد السينمائي التجريبي علي مصادره الخاصة وقواه الذاتية، فهو لا يصنع افلاماً بهدف البيع والاتجار بل لأجل الابداع نفسه. وتحقيق متعة الخلق للذات المبدعة اشباعاً لرغبة فنية. ويقدم الفيلم ليس للجمهور الواسع -تلك الخرافة التي تربض علي انفاس السينما التجارية وتقيدها- بل لجمهور خاص، نخبة مثقفة ومطلعة.
لو استعرنا الوظائف الست الشهيرة للغة كما عرضها عالم اللغويات الشهير رومان جاكبسون وامكننا تطبيقها علي السينما ستكون ثمينة جداً للمنهج المقترح في هذه المقدمة النظرية للسينما التجريبية.
انطلق جاكوبسون من الاتصال اللفظي في ابسط انواعه لوضع هذه الوظائف الست للغة. اولاً المرسل -بكسر السين- او الموجه -بكسر الجيم- او الموجه اليه -بفتح الجيم- والذي يوجه اليه (الرسالة) عبر نظام يشير الي ظرف او مرجع يتناسب كل واحد من هذه العناصر الستة للاتصال مع وظيفة لغوية - السنية خاصة.
فوظيفة (الاتصال) توصل علي سبيل المثال الي وظيفة نطقية (Phone tique) لفظية، اي بمعني اصح الكلام، والذي هو ليس سوي الجهد او السعي الي انشاء او خلق الاتصال والحفاظ عليه مع (الظرف) ووظيفة المرجع او المستند تعني اظهار او تعيين شيء ما خارج (الرسالة) وللرسالة وظيفة (شعرية) اي ان غاية (الرسالة) هي تحقيق بعد نرجسي في جذب الانظار للذات، للظاهر والبنية.
ولو طبقنا هذا المنهج وهذه التصنيفات علي اللغة السينمائية نفسها لأمكننا تعريف الفيلم التجريبي بأنه: (الفيلم الذي تسيطر عليه او تغلب عليه بشكل واسع الوظيفة الكلامية او اللفظية ذات النظام المرجعي).
ان اهمال الوظيفة الكلامية - اللفظية او ارجاعها الي موقع خلفي، يعني في الوقت نفسه، عدم الاهتمام بالقيم والقواعد الطبيعية الموضوعة والمتعارف عليها في عمل (الاتصال) الجيد دون نفي هذا الاتصال، حيث يبقي قائماً. اي القبول بما قدمه جان لوك غودار مثلاً في افلامه الاولي بفيلم ذي شريط صوتي غير مسموع بصورة جيدة مصنوعة ضمن القواعد الحرفية المتقنة. وان اسباب هذا (النقص) وعدم جودة الصوت راجع الي دوافع مختلفة - غير فقر التقنية وقلة الامكانيات، كالتعمد في خلق حالة من الاستفزاز للمتفرج، او منع المتفرج من الولوج في عملية التقمص والاندماج بخلق حالة من التعبد او التغريب البريشتي، او الرغبة في خلق نوع من البلبلة واللغط اليومي السائد في مدن العالم الصناعي الصاخبة التي تمنع الانسان من الاستماع الجيد والمفهوم، حيث يمكن ان يخرق صمت الريف الكسول بضوضاء محرك طائرة تمر من هناك او محرك سيارة منطلقة بسرعة جنونية او اطلاق مدفع -وهذا ما حدث فعلاً في بعض افلام غودار- او ان يكون ذلك ناتجاً عن الرغبة في اسماع ضوضاء طاولة المونتاج غير المحتملة. نجد هذه الظاهرة نفسها في افلام تقليدية سياسية كفيلم (اليز او الحياة الحلوة) لميشيل دراش المعد عن رواية كلير ابتشيرلي.
فالسوء المتعمد هنا في تسجيل الصوت كان لغاية سياسية وليس المقصود سماع الضوضاء بل الاستماع الي صرخة.
اذاً، الفعل السينمائي التجريبي ليس مقيداً بعامل الاتقان الحرفي. فالاثر السينمائي المعاصر يهتم اولاً وقبل كل شيء ببعده الشكلي الخاص به وفق رؤية ورغبة مبدعة وليس بانتاج واعادة انتاج المعني وتدوين الواقع. هناك افلام تجريبية تساعد علي طرح المشكلات والتساؤلات ومعالجة المعضلات النظرية في اللغة السينمائية كفيلم (الليلة الصافية) لمارسيل حنون، الذي تثير مشاهدته سؤالاً بشأن موضع ومكانة الكاميرا بالنسبة للمرئي او المعبر عنه او الممثل بالصورة داخلها وخارجها، وفي ما وراء الواقع الحي المسجل في الصورة المعروضة اي ان الفيلم يجد حقيقته في الخيال الذي يبتكره.
فالنص عبارة عن تساؤل، والاتصال او (التواصل) المضموني ليس فعلاً ثانوياً ونسبياً كما يجب ان يكون عليه مبدئياً، بالنسبة للمشاهد السينمائي، الذي جاء في الظلام يبحث عن (رسالة) او (هدف) واضح ومريح لتفكيره وبسيط علي استيعابه دون بذل اي جهد، بينما يجد هذا المشاهد نفسه ازاء سينما تجريبية غريبة عليه، وفي مواجهة نص فيلمي صعب وغير واضح، حيث اللامعني واللامضمون يشكلان مفاهيم عسيرة علي الفهم، علي فهمه هو كمتفرج تقليدي. وهذه المفاهيم الصعبة ليست سوي تساؤلاته هو عن معني وجوده في هذا التيه. ثم تأتي بعد ذلك تأثيرات هذاالنص الفيلمي الخاص، لكونها غير معدة للتقبل الا من قبل مشاهد مستعد ومهيأ ومدرب مسبقاً قبل فعل المشاهدة والتفاعل، مشاهد مقاتل متحد، لا ينتظر تسلم (رسالة) جاهزة من (آخر) وبصورة سلبية استسلامية، وبدون ان يتوقع تسلم (رسالة مضمونية).
علاقة المشهد الخاص بالفيلم التجريبي -وهذا شرط لخلق التفاعل- علاقة عشق ورغبة وتعلق وهيام.



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - فقه العنف المسلح في الاسلام
- التشكيلة الهلامية للميليشيات المسلحة في العراق
- محاولات التجديد للأثر الفيلمي ضوئياً
- رؤية تحليلية للسياسة الفرنسية إزاء الاستراتيجية الأمريكية -ا ...
- مراجعات في السينما التاريخية - التحول من نصوص التاريخ الي ال ...
- حوار مع جواد بشارة
- التيار الديني معضلة واشنطن في العراق
- جدلية القوة والضعف في أعمال المخرج الألماني فيرنر هيرزوغ
- على مفترق الطرق : العراق وآفاق الحل
- العراق : اليوم وما بعد اليوم هل يمكن أن تصبح بلاد الرافدين ف ...
- من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال ...
- تداعيات من داخل الجحيم البغدادي
- الإسلام يهدد الغرب أم يتعايش معه ؟
- من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال ...
- من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال ...
- رؤية أمريكية للوضع في الشرق الأوسط
- من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال ...
- أمريكا ومنهج التجريب في العراق : قراءة في تحليلات وسائل الإع ...
- الرؤوس المفكرة الأمريكية في خدمة الدولة العبرية
- التيار الديني معضلة واشنطن في العراق


المزيد.....




- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جواد بشارة - مراجعات في ما بعد الحداثة السينمائية من المفاهيم النظرية الي التجارب الاخراجية