|
إرهاصات العالمانية فى مصر
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3548 - 2011 / 11 / 16 - 16:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عاشت مصر حتى أوائل القرن 19تحت سيطرة أبشع أشكال الاستعمار الاستيطانى الذى فرض التخلف الثقافى والتنموى ، ورغم ذلك فإنه بعد أقل من مائة عام ، نفضت مصرغبار العصورالوسطى ، فإذا كان التعليم طوال عدة قرون قاصرًا على الكتاتيب ، فإنّ معاصرًا لفترة المخاض هو أ. محمد لطفى جمعة يعترف فى مذكراته بأنه أتقن اللغة الإنجليزية منذ أن كان فى السنة الرابعة الإبتدائية. وأنّ التدريس بالإنجليزية كان يشمل الكيميا والرياضيات والطبيعة والتاريخ والجغرافيا وكتب ((أشهد أنّ مجموعة الأساتذة فى مدرسة إبتدائية ريفية فى أواخر القرن 19 كانت أرقى من مجموعة أساتذة فى مدرسة عليا أو جامعة فى أواسط القرن العشرين)) وكتب لويس عوض أنه عندما كان فى مدرسة المنيا الثانوية ((لم تكن هناك دروس دين ، وإنما حلّت محلها مادة (الأخلاق) ومادة التربية الوطنية ، كنا نتعلّم منها مبادىء المساواة فى الحقوق والواجبات )) وعن الكتب المقررة على الطلبة فى الفترة من 26- 1930 ذكر أنه ((درس فى السنتين الأولى والثانية الثانوية كتاب شفيق غربال (تاريخ مصر القديمة) وفى إحدى السنوات وزّعت الوزارة على الطلبة كتاب (أميل) لروسو وكتاب (قادة الفكر) لطه حسين)) . وكتبت د. سهير القلماوى أنه ((عندما تولى طه حسين وزارة المعارف عام 1950 كان أهم أعماله توحيد المرحلة الأولى فى التعليم ، فلم يعد هناك تعليم دينى متخلف وآخر مدنى ، وإنما أصبح التعليم واحدًا ، يضمن الوحدة الفكرية بين مواطنى الوطن الواحد)) وطه حسين عندما كان عميدًا لكلية الآداب رسّخ فى الطلبة ملكة (النقد) وهو المعنى الذى عبّرعنه د. عبدالحميد العبادى الذى كتب عن نظام التعليم الذى يتمناه ((عاوز أبث فى الطلبة روح طه . روح البحث والجدل و(الخناق العلمى) كما يقول أستاذنا لطفى السيد)) وطه حسين يتواضع إلى درجة أنْ يعرض مقالا بعنوان (كيف نحارب الطائفية) بقلم عبداللطيف شرارة نشره فى مجلة (الأديب) قال فيه ((إنّ التوفيق بين الدين والفلسفة محاولة عقيمة. قام بها ابن سينا منذ قرون فانتهى به الأمرإلى إعتباره زنديقًا من قِبل رجال الدين. قصير النظر من قِبل الفلاسفة. كما أنّ التوفيق بين دين ودين انتهى على يد كثيرين فى أوروبا وفى الشرق إلى مآسٍ ردّد التاريخ صداها)) . ودافع لطفى السيد عن استقلال القضاء وحرية الصحافة والكتابة وتأليف الأحزاب . وعن التعليم كتب ((إنّ الهدف من التعليم الجامعى أساسه حرية التفكير والنقد على وجه الاستقلال ، لا الحفظ والتصديق لكل ما يقال)) وفى رده على دعاة أنّ (الدين جنسية) كتب ((الإسلام ليس لمسلم بوطن. فوحدة الاعتقاد الدينى ليست كافية لإقامة وحدة التضامن الوطنى)) . ويدعو إسماعيل أدهم إلى أنْ ((تحيا مصر حياة فكرية صحيحة وتنشىء لنفسها ثقافة تقيم عليها أساس دولتها. ولابد من برنامج للتعليم يقوم على أساس علمانى لجميع طبقات الشعب)) وإسماعيل أدهم رغم أصوله التركية ، كان ممتلئًا بروح مصرية جعلته ينحاز للغة العلم ، فكتب يناشد المصريين أنْ يتركوا اللغة العربية ، لأنّ لهم لغة قومية ، نظّموها ووضعوا لها القواعد . وقال (( إنه منذ حط رحاله فى مصر لدراسة حياتها الاجتماعية والأدبية وقف على ثروة جديدة هى (اللغة المصرية) ومن الخطأ القول أنها عامية العربية)) وعن أسباب التخلف فى دول الشرق والتقدم فى دول الغرب لخّصها فى جملة واحدة ((إنّ فى الشرق استسلامًا محضًا للغيب . وفى الغرب نضالا محضًا مع قوى الغيب)) . أما قاسم أمين فيرى ضرورى أنْ ((نربى أولادنا على أنْ يعرفوا شئون المدنية الغربية. وأنه من المستحيل أنْ يتم إصلاح ما فى أحوالنا إذا لم يكن مؤسسًا على العلوم العصرية الحديثة. ولهذا لانتردد فى أنْ نُصرّح بأنّ القول بأننا أرقى من الغربيين هو من قبيل ما تنشده الأمهات من الغناء لتنويم الأطفال)) كلام قاسم أمين أعجب فرح أنطون فكتب (( مما تقدم يتضح أنّ مدنيات الأمم لا تتوقف على الدين بل على العلم. وأنّ الأمم (الوثنية) كاليابان إذا سلكت سبيل العلم والنواميس الطبيعية ، ارتقت مدنيتها على كل مدنية. حتى مدنية الذين يعملون بقواعد الإنجيل والقرآن حرفًا ومعنى دون أنْ يشتغلوا بالعلم. لأنّ الدين شىء والدنيا شىء (آخر) وكيف يقال إنّ الإنسانية كلها ستعود إلى القرآن فى المستقبل كما يقول الأستاذ محمد عبده. وأنها ستعود كلها إلى الإنجيل كما يقول رؤساء الدين المسيحى ؟ كلا ثم كلا. إنّ الإنسانية طُبعت على التنوع والاختلاف. ولابد من هذا التباين فى المعتقدات)) ويعرض إسماعيل مظهرأربعة أنواع من المذهبية تؤدى إلى التعصب. ودعا إلى تحطيم المذهبيات إذا كنا نسعى إلى الارتقاء الحقيقى ليكون الفكر حرًا. وأنّ الارتقاء والمذهبية عدوان. ولن يكون ارتقاء مع مذهبية . وتختفى المذهبية مع الارتقاء. إذن وجب علينا أنْ نضحى بأحدهما ليخلص لنا الآخر. ولاجرم أننا نضحى بالمذهبية فى سبيل الارتقاء نحو الحضارة الحديثة . وتشارك المرأة فى زلزلة ثوابت الموروث. فيجد الباحث أسماء منيرة ثابت ، درية شفيق ، هدى شعراوى وزميلاتها فى لجنة السيدات بحزب الوفد اللائى أجمعن على أنْ يكون الطلاق أمام المحاكم المدنية. وإلغاء تعدد الزوجات إلاّ للضرورة كأنْ تكون الزوجة عقيمًا. أما سعاد الرملى فقد شبّهت رجال الدين بالفاشيين الذين ينظرون إلى المرأة نظرتهم إلى تحفة أو متاع لأمزجتهم . فى هذا المناخ الذى كانت مصر فيه يتخلّق فى أحشائها جنين دولة عظمى فى الشرق الأوسط ، يعثر الباحث على أول فتاة مصرية تقود طائرة ( لطيفة النادى) عام 1932 وأول فتاة مصرية ارتدت روب المحاماة (نعيمة الأيوبى) ويكون الاحتفال بخريجات الطب فى نفس العام . ورغم الاحتلال والأزهر والقصر والإخوان المسلمين ، يجد الباحث مادة خصبة فى الصحف والمجلات الصادرة فى تلك الفترة ، تؤكد على تنامى الفكر العالمانى ، مثل مجلة الجامعة ، التطور، المجلة الجديدة ، العصور، الحديث ، الجريدة ، السياسة ، الفجر الجديد ، الكاتب المصرى إلخ شكّلت هذه الدوريات (بخلاف الكتب) تيارًا تنويريًا ، ضمّ عددًا كبيرًا من الكتاب المؤمنين بمبادىء العالمانية. وكان المنطلق الرئيسى لأفكارهم أنّ ((الدين شىء والسياسة شىء آخر)) ولايجوز الخلط بينهما. لذلك فإنه لم تكن مصادفة أنه فى ظل هذا المناخ الثقافى أنْ يصدر فى عام 1946 كتاب (الإخوان المسلمون فى الميزان) تأليف عبدالرحمن الناصر الذى نشره باسم مستعار هو محمد حسن أحمد ، وصف فيه الإخوان المسلمين بالفاشيين. وبعد أنْ عرّف الفاشية ، لخّصها فى تسعة مظاهر ، ثم طبّقها على الإخوان. وفى عام 1950 يُصدر خالد محمد خالد كتابه (من هنا نبدأ) الذى انتقد فيه الدولة الدينية ودافع عن الدولة العصرية. أود أنْ أحيط القارىء المهتم أنّ ما تقدم مجرد هوامش على إرهاصات العالمانية فى مصر (مستخلصة من عدة مجلدات) قبل أنْ يأتى البكباشية فى شهر أبيب / يوليو 52 ليقطعوا مسيرة الحداثة . وعندما أنزلوا معاولهم على الفترة السابقة على عهدهم ، أجهضوا تجربة الليبرالية المصرية ، وأجهضوا الجنين المتكون فى أحشاء مصر ، الجنين الذى كان يُنبىء بمصر دولة عظمى فى الشرق الأوسط ، وبالتالى (فى أقل تقدير) أجهضوا أية محاولة للتقدم . وعن الدور التنويرى للعلمانيين المصريين كتبتْ د. لطيفة الزيات ((وأنا أشيّع جنازة طه حسين ، شعرتُ أنى أشيع عصرًا لارجلا . عصرالعلمانيين الذين جرؤوا على مساءلة كل شىء . عصرالمفكرين الذين عاشوا مايقولون وأملوا إرادة الإنسان حرة على إرادة كل ألوان القهر)) . *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحب والظلال للمبدعة إيزابيل اللندى
-
الحرام بين النظرة الأحادية وتعدد المنظور
-
الأدب التراثى وأنظمة الحكم وجهان لمنظومة واحدة
-
جدل العلاقة بين البؤس الاجتماعى والميتافيزيقا
-
دستور يحكم الثقافة ويحمى المثقفين
-
عقاب الطغاة بين دولة القانون وقانون الغابة
-
انعكاسات الحرب والدمار على أهل الهوى
-
الفلسطينيون بين العرب والإسرائيليين
-
محمد البوعزيزى : الإبداع على أجنحة الحرية
-
نجران تحت الصفر للكاتب الفلسطينى يحيى يخلف
-
المبدعة الليبنانية هدى بركات وجدل العلاقة بين الحياة والموت
-
عمارة يعقوبيان : الإبداع بين الأحادية والجدل الدرامى
-
اللغة القبطية بين لغة العلم والأيديولوجيا السياسية والعواطف
...
-
المبدعة البنانية رشا الأمير وروايتها البدية ( يوم الدين )
-
الإيمان بحق الاختلاف هو الحل
-
تحالف الديكتاتورية مع العداء للخصوصية الثقافية للشعوب
-
أولاد حارتنا بين الكهنوت الدينى والإبداع
-
أبو حصيرة : من الضرح إلى المستوطنة
-
نبوءات الليبراليين المصريين حول المخطط الصهيونى
-
رد على القراء بشأن مقالى عن هيباتيا
المزيد.....
-
عم بفرش اسناني.. ثبت تردد قناة طيور الجنة 2025 على الأقمار ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة: ثبت التردد على التلفاز واستمتع بأحلى ا
...
-
مصادر إيرانية: المرشد الأعلى علي خامنئي يسمي 3 شخصيات لخلافت
...
-
طريقة تثبيت قناة طيور الجنة بيبي على القمر نايل سات وعرب سات
...
-
وردة المسيح الصغيرة: من هي القديسة تريز الطفل يسوع وما سر -ا
...
-
سلي طفلك تحت التكييف..خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة 2025
...
-
فوق السلطة: شيخ عقل يخطئ في القرآن بينما تؤذن مسيحية لبنانية
...
-
شيخ الأزهر يدين العدوان على إيران ويحذر من مؤامرة نشر الفوضى
...
-
مسيرة مليونية في السبعين باليمن للتضامن مع غزة والجمهورية ال
...
-
إسرائيل تعرقل صلاة الجمعة بالأقصى وتمنعها في المسجد الإبراهي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|