الطريق
أولاّ لا أريد أن أكون متجاوزاً على حرية أي أنسان وحقه في أن يدافع
عن حق الله في الأرض ، أو عن حق الانسان في السماء . أو عن حق السياسي في القول
والتعبير وحتى في العرش . فلكل رجل دين حقه في قول ما يريد .. ولكل رجل سياسة الحق
في ما يراه حقاً .. وانطلاقا من هذا كنتُ قد انتهلت من منهل وسيرة و دعوات الإمام
المجاهد محمد الصدر ضد الوجود البريطاني في العراق ، وتعلمتُ من أبو القاسم السيد
أبو الحسن صلابة المبادئ في رفضه الانصياع لرغبات الملوك المعادين
للشيوعية ، وكنت أقف مع آية الله الكاشاني في بداية الخمسينات في جميع
المظاهرات المناصرة للشعب الإيراني ، وكنتُ مع ثورة الخميني في صمت صدري
مناصراً لنضاله أيام كنت داخل العراق ، تماماً مثلما كنتُ مع لينين وآينشتاين ومحمد
مهدي الجواهري وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الكريم الماشطة ومع كل صوت حر
يريد الخير لشعبه ودينه وللبشرية جمعاء في كل أرض ومن كل جنس .
من المنطلق نفسه اشتركت
، قبل ثلاثة أعوام ، بمظاهرة الاحتجاج في مدينة لاهاي الهولندية لاغتيال
المرحوم المجاهد / المناضل محمد صادق الصدر ، بينما كنتُ في أصعب الظروف الصحية
وفي قمة تعلقي وفهمي للماركسية ، غير منتمِ للحزب الشيوعي والجميع يعرف
ملاحظاتي الكثيرة عن بعض جوانب السياسة الشيوعية المعاصرة أقولها جهاراً نهاراً
نائلاً احترام قارئيها من الشيوعيين قبل غيرهم ...
في هذه الأيام تأتي في
الصحافة والمجالس وغرف المحادثات الأنترنيتية فتاوى كثيرة ، سياسية
ودينية ، تحاول أن تفرض نفسها فرضاً على قارئها وسامعها ، إما بالإرهاب الفكري أو
بالإرهاب السياسي أو الأرهاب الديني .. وهذه الفتاوى تعبر عن خصومتها مع حزب معين ،
هو الحزب الشيوعي ومع الشيوعيين العراقيين المضطهدين من كل السلطات العراقية
المتعاقبة على حكم العراق، بدون استثناء ، منذ أن نبتت أول بذرة منها
في التربة العراقية قبل سبعين عاماً حتى اليوم .
الملاكون الإقطاعيون حاربوا
الشيوعيين الفلاحين في الأرياف بتهمة الكفر بينما هم أكثر إيماناً بالله من
الإقطاعيين الفاسدين حتى النخاع .
الاستعماريون بكل الأصناف حاربوا الشيوعيين العراقيين
بمختلف الادعاءات بما فيها الإلحاد والكفر بينما هم من صلب أبناء الشعب ومن مختلف
المدن والعشائر العراقية ومن مختلف الأسر المعروفة بما فيها الأسر الدينية .
أزلام
السلطات الدكتاتورية وجميع المنتفعين منها كانوا من أشد المحاربين ضد
الشيوعيين ..
أزلام الأنظمة الغاشمة في المدارس والجامعات ودوائر الدولة ، كلهم
حاربوا الشيوعيين .
في العام 1954 وما بعده كانت منشورات الحزب الشيوعي في البصرة تنقل
إلى أحد بيوت الله بمدينة البصرة ( جامع سوق الدجاج ) الذي كان إمامه وخطيبه
الملاّ محمد جميل روزبياني المغضوب عليه المبعد من مدينته السليمانية (
كردي سني أغتيل في بغداد العام الماضي ) يقوم بعد إدائه فرائضه الدينية
بترتيب المنشورات برزم خاصة تمهيداً لتسليمها إلى عضوين من الحزب الشيوعي من
المؤمنين ومن رواد الصلاة في نفس الجامع لتوزيعها على سائر عباد الله في لواء
البصرة كله. ثم يأخد الملا محمد جميل أول نسخة لتسليمها بيده الكريمة إلى يد
العلامة السيد محمد سعيد الحكيم ( شيعي ) وكيل السيد محسن الحكيم ( قدس سره ) في
لواء البصرة . وكلاهما لم يكونا من الشيوعيين بل كانا من المناوئين للظلم والظالمين
وكانا يريان في الشيوعيين ، كباقي الوطنيين قوة طليعية كفاحية من أجل الحرية
والعدالةالأجتماعية .
كان يوسف سلمان يوسف / فهد ( شيوعي نصراني ) يعتمد على
بعض أقوال الأمام علي بن أبي طالب (ع) وعلى بعض آيات القرآن الكريم في
استهلاله لبعض مقالاته السياسية والأدبية المنشورة في جرايد ومجلات الشيوعيين
واصحابهم .
كما يأتي إلى البال ، في هذه اللحظة ، موقف الإمام أبن باديس حول
تعاون المناضلين من مختلف الأحزاب والقوى المناوئة للأستعمار الفرنسي إبان
الثورة الجزائرية المتحالفين ومن ضمنهم الحزب الشيوعي الجزائري أيضاً .
عشتُ مع
الشيوعيين في عدد من سجون العراق وكان الكثير منهم يؤدي فرائض الصيام والصلاة حتى
في غرف التعذيب ، وقد رأيتُ أحدهم من المعذبين وهو الكادر الشيوعي
الفلاحي ( سيد سجاد من أهالي القرنة / مديـْنة ) في زمن الحرس القومي ،
يؤدي صلاته بهمس تام وهو جالس في زاوية الغرفة ، وكان يعبر لي عن ألمه الشديد لا من
التعذيب المبرح ، بل لأنه كان يصلي ، جالساً ، من دون " تربة " حسينية . وفي تشرين
الثاني من عام 1956 سمعتُ بأذني مدير الشعبة الخاصة ( ياسين الشيخلي / ملازم
أول) يطلب من أحد الشيوعيين ( السنة ) أن يشتم خروشوف وجمال عبد الناصر والحسين
الشهيد ، مقابل إطلاق سراحه الفوري لكنه رفض بإباء مثل هذه الرشوة الدنيئة . ولو
كان الحسين ( ع ) يعيش بيننا حتى اليوم لاتهموه بالشيوعية أيضاً ، مثلما
اتهموا عبد الرحمن الخميسي في مصر بالشيوعية لأنه كتب عن استشهاد الإمام الحسين
الخالد مسرحيته الخالدة ( الحسين ثائراً ) ..!
ولا يمكنني أن أنسى ما سمعته
من خير الله طلفاح في بداية السبعينات بأن أعداء الله
ثلاثة ( شينات ) : الشيوعية
والشيعة والشراكَوة ..!
مع الأسف أنني أسمع فتاوى هذه الأيام تنطلق من نفس المنطلق بتحريم
الشيوعية والحرية والديمقراطية التي سقطت كل حججها الموهومة، وراحت تحرم على
الأحزاب الوطنية والإسلامية تعاونها مع الحزب الشيوعي بحجة كفره وإلحاده من دون أي
دليل ترضاه عدالة الله . بينما لم تصدر حتى الآن أية فتوى تحرم
البسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في الإذاعة والتلفزيون ، التي تطلق
هذه الأيام ، استهلالاً لكل خبر عن الرئيس العراقي صدام حسين . كما لم
تصدر أية فتوى بشأن ( أسماء الرئيس الحسنى ) التي نشرت ووزعت بمليون
نسخة عام 1985 وما بعد ذلك العام وحتى اليوم ..
الفتاوى ، غير العادلة ،
نفسها هي التي مزقت البوسنة إرباً إرباً . الفتاوى هي التي مزقت لبنان وأوقعته في
حرب الدماء .
الفتاوى هي التي أوقعت بلدين مسلمين ، العراق وإيران بحرب الصواريخ
والقتل والتدمير .
الفتاوى هي التي دمرت بلداً زراعياً كبيراً كالسودان .
الفتاوى هي التي حولت
الجزائر إلى حمّام من الدماء الإسلامية الحارة .. الفتاوى هي التي جعلت أرض
أفغانستان المسلمة مصبوغة بدماء المسلمين المسفوحة بقنابل الطامعين ..
نعم يا سيدي المفتي ،
أنا متفق معكم بحاجتنا إلى فتاوى الأئمة الأعلام ، نحن بحاجة إلى الفتاوى ، حقاً ،
في هذا الزمان الصعب تصدر من أولياء الله الصالحين .
بحاجة إلى فتوى تقرب المسلم من
المسلم ومن جميع أبناء أديان الله .
بحاجة إلى فتوى تبصرنا جميعاً إلى الظلم والى كيفية
الوقوف بوجه الظالمين .
بحاجة إلى فتوى توحد جميع المكافحين ضد الظلم الذي يغطي وطننا العراق
من أقصاه إلى أقصاه بسحاب الدم والقمع وانتهاك الأماكن المقدسة في كربلاء والنجف
وسامراء وفي سائر أماكن عبادة الله مثلما تنتهك حرمات بيوت المواطنين وأعراض نسائهم
.
بحاجة إلى
إيقاف انتهاك حقوق تجمع المسلمين في الكاظمية والأعظمية .
بحاجة إلى فتوى لتحريم الانتفاع
التجاري على حساب جوع ومرض أبناء شعبنا ، حيث لا يفرق النظام الظالم
وتابعيه بين مؤمن وعلماني وكافر أو ملحد .
بحاجة إلى فتوى تحررنا من قبضة اليد
الأجنبية على ثروات شعبنا .
بحاجة إلى فتوى نحرر بها أنفسنا من النفاق .
بحاجة إلى فتوى نحرر بها
أنفسنا من تسلط بعضنا على البعض الآخر .
بحاجة إلى فتوى لنشر العدالة في أرض الرافدين التي
ندعوها نحن العلمانيين بالديمقراطية .
الفتاوى نحن بحاجة إليها وإلى صدق وجهد مفتيها . بحاجة
إلى ثقافتها الموحدة لصفوف الشعب الواحد ولصفوف الجماعة الواحدة إذ تكون ،
حينئذ ٍ ، يد الله مع يد الجماعة .
وبعدها يكون لكل مواطن
ثوابه أو عقابه حسب ما تفعل يداه . والله خير حسيب .
ما لله لله وما للناس للناس
.
والسلام
عليكم ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب عراقي مستقل مقيم في هولندا
بصرة لاهاي
في 5/9/2002