|
الانقلاب البعثي في العراق: شيء لا يشبه شيئا !
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 3537 - 2011 / 11 / 5 - 13:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التسريب الوحيد الذي يحتوي على تفاصيل محددة حول الانقلاب المزعوم الذي اتهمت حكومةُ بغداد البعثَ العراقي بالتحضير لتنفيذه خلال انسحاب ما تبقى من قوات الاحتلال الأميركي، جاء على لسان نائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي خلال مؤتمر عقده في العاصمة الأردنية. قال الخزاعي بحسب مراسل "الدستور" البغدادية ( إن الانقلاب البعثي كان يستهدف تفجير المنطقة الخضراء و بعض المناطق الأخرى بواسطة السيارات المفخخة ثم الإعلان عن اغتيال رئيس الوزراء نورى المالكي من إحدى العواصم العربية بغرض إشاعة الفوضى والقيام بحملة اغتيالات منظمة والاستيلاء عبر هذا المخطط الإجرامي على السلطة والعودة بالبلاد إلى الوضع السابق). الخزاعي أضاف في ردوده على استفسارات الصحفيين معلومات أخرى لم تعالج هشاشة هذه الرواية كثيرا و من أهمها: إن مخططا متكاملا بهذا الخصوص تم اكتشافه منذ ستة أشهر، ولكن حكومته ( آثرت أن تصبر فلم تعلن عن ذلك ) معللا ذلك بأن الاتفاق ساد على (ألا نخاصم أحدا وأن نصبر على الجرح لغرض أن نمضى بالمسيرة الديمقراطية إلى شوط أبعد). مراقبون فسّروا هذا الكلام بأنه تلميح إلى اشتراك بعض المسؤولين والساسة من جهات أخرى من غير التحالف الوطني "الإسلامي الشيعي" في الانقلاب المزعوم. في المناسبة ذاتها، كشف الخزاعي رسميا وللمرة الأولى، عن دور لمخابرات نظام القذافي في المحاولة الانقلابية، وعن إفشاءات لبعض المعتقلين والمتهمين بالتورط فيها، وعن اعتقالات طاولت ( البعض ممن كانوا في هذا المخطط ويتولون مواقع وعندنا شرائط مصورة لفلان وهو بشحمه ولحمه يتحدث عن دوره ) على حدِّ تعبيره. تصريحات الخزاعي اصطدمت بالكثير من الوقائع على الأرض والتي تقلل من صدقيتها. من ذلك، أن قوائم المعتقلين احتوت على أسماء أشخاص طاعنين في السن، وآخرين توفوا منذ سنوات، كما قال نائب رئيس الوزراء من "العراقية" صالح المطلك . مشكلة أخرى تصطدم بها الرواية الحكومية و تقول إن علاقة جناحي البعث، الدوري والأحمد، اللذين طاولت حملةُ الاعتقالات كوادرهما، لم يكونا على وفاق و وئام طوال الستة أشهر الماضية، فكيف حدث واتفقا على القيام بانقلاب مشترك؟ أم أنّ كل منهما كان يعد لانقلابه الخاص؟ أم أنّ ذلك ضمن عمليات التمويه المخابراتي؟ محللون أكدوا أنّ دخان الانقلاب البعثي ليس خادعا كله، و ربما كان وراءه شيء من النار، ولكنها لا تصلح لتكون نارَ مؤامرةٍ متكاملة وجدية تريد إطاحة حكم المحاصصة الطائفية الذي يقوده الثلاثي المالكي والنجيفي وطالباني، ولكنها قد تضمر محاولة بعثية لإثبات الذات واستعراض القوة خلال الفترة الأخيرة من انسحاب قوات الاحتلال. مصادر سياسية مقربة من قائمة "العراقية" عللت سير البعث العراقي في طريق الانقلاب العسكري الذي يجيده تاريخيا أكثر من غيره، بحملات الاجتثاث الشاملة والمتواصلة ضده وآخرها حملة وزير التعليم العالي علي الأديب ضد الأساتذة. قالت تلك المصادر ما معناه ( حين تضع حزبا سياسيا حَكَمَ بلدا لأربعة عقود أمام الجدار وتشطب على حقه في النشاط السياسي السلمي وتصفي كيانه التنظيمي والسياسي بقسوة فإنه سيجد نفسه مدفوعا في طريق العنف الانقلابي حتى لو كان مؤلفا من الغانديين الخُلَّص! ) ولكي لا يفسر هذا التحليل بأنه دفاع عن البعث بشتى أجنحته تضيف تلك المصادر بأن البعثيين أنفسهم يتحملون جزء ثقيلا، وربما الأثقل، من مسؤولية ما يحدث لهم وللعراق بعد أن تجمدوا في حالة "ناستولجيا السلطة المفقودة" فأخذتهم العزة بالإثم، ورفضوا الاعتراف بأخطائهم وتجاوزاتهم التي عَدّتها منظمات إنسانية عالمية جرائم ضد الإنسانية ولم يعتذروا للعراقيين عنها أو يراجعوا تجربتهم في الحكم بل راحوا يزايدون على بعضهم في تقديسها وتصنيم رموزها إلا ما ندر. وقد ردّ بعض المؤيدين لاستمرار اجتثاث البعث على وجهة النظر السابقة بالقول إنّ قضية الاجتثاث لم تعد عراقية بحتة بل هي ظاهرة شاملة أعطتها ثورات الربيع العربي مشروعية ومصداقية أكثر فالاجتثاث الذي يجري الآن في مصر وتونس وليبيا ضد الأحزاب الدكتاتورية التي حَكَمَت هناك أكثر حدة وشمولا مما جرى ويجري في العراق. على الجهة الأخرى من المشهد السياسي العراقي الراهن، ما تزال تداعيات قرار المجلس المحلي في محافظة صلاح الدين بإعلان نفسها إقليما مستقلا إداريا واقتصاديا مستمرة الحدوث: انشقاقات تحدث بين صفوف دعاة الأقلمة، والبعض من ساسة المنطقة تبرؤوا منها. "العراقية" بقيادة علاوي خرجت على الرأي العام بموقف ذي وجهين مفاده ( إن موقفنا الرسمي هو مع اللامركزية الإدارية ولكننا نؤيد المطالبة بالإقليم لأنه حق دستوري). أقضية تابعة لصلاح الدين وديالى كخانقين والدجيل هددت بالانفصال والانضمام إلى محافظات أخرى. أطراف أخرى عارضت المشروع بشدة وطالبت بمقاضاة من سانده، فمن الموصل مثلا حضر إلى بغداد وفد من الوجهاء والشيوخ مطالبين بمقاضاة النجيفي لأنه (يستغل منصبه لدعم مشروع تقسيم العراق إلى أقاليم) على حد وصفهم. ومن خارج العملية السياسية انضمت هيئة علماء المسلمين إلى البعث والرافضين الآخرين فوجه أمينها العام الشيخ الضاري رسالة مفتوحة إلى أهالي صلاح الدين دان فيه ممارسات الحكومة و لكنه رفضت تحويل المحافظة إلى إقليم واصفا دعاته بأنهم "عملاء للاحتلال". رسالة الضاري دفعت محلل عراقي معروف هو إبراهيم الصميدعي إلى ملاحظة أن ( الرسالة الحادة التي بعث بها الرئيس المالكي لأعضاء مجلس محافظة صلاح الدين محافظتهم إقليما، لا تختلف كثيرا من حيث المضمون والحدَّة عن تلك الذي بعث بها الأمين العام لهيئة علماء المسلمين د.حارث الضاري للمجلس نفسه، رغم أن كِلا الرجلين ينطلق من غاية مختلفة تماما ) وتساءل الصميدعي بما يوحي بدعوة مضمرة للمالكي والضاري بالتقارب والتلاقي قائلا ( أ تعرفون ما الذي صنع الأمم العظيمة ؟ أنهم كانوا عندما تتطابق مواقف القادة في شأن وطني ينحون خلافاتهم الشخصية بعيدا) . كاتب عراقي آخر عرف بعدم تأييده لإقامة الأقاليم الطائفية اقترح فكرة لا تخلوا من الطرافة والنباهة على المطالبين بإقليم صلاح الدين ومفادها : لماذا لا يشمل إقليمكم محافظتي ديالى المختلطة و واسط ذات الغالبية العربية الشيعية اللتين لهما واصل جغرافي فتكونون بهذا قد حققتم عدة أهداف، واصطدتم عدة عصافير بحجر واحد ومنها: تقوية خاصرة العراق الرخوة في مواجهة إيران وأطماعها التقليدية، وقلب الطاولة على رؤوس أصحاب مخططات تفتيت العراق طائفيا وتحقيق رغبتكم في اللامركزية الواسعة ؟ تبقى أهم ثغرة تشكو منها رواية الحكومة حول الانقلاب البعثي هي أنها – الحكومة - ، في الوقت الذي ترفض فيه مخطط الأقاليم و تعتبره محاولة لتحويل المحافظات الغربية إلى حاضنات وملاذات آمنة للبعث يلجأ إليها ويسيطر عليها، فإنها تقفز على حقيقة أن البعث بكافة أجنحته يرفض مشروع الأقلمة ويناوئه تماما. فهل ثمة المزيد من الأرانب في قبعة الحكومة ، أم أن ضرورات السيناريو من جهة البعث اقتضت بعض الإضافات في الديكور و الحبكة الدرامية؟ كثيرون علقوا وكتبوا بأن الموضوع برمته لا يخلو من التناقضات الصارخة أو غير القابلة للتصديق من الجهتين، الحكومة وأصدقائها والبعث وحلفائه، وهي تناقضات من النوع الذي حين يسمعه المواطن العراقي البسيط فإنه سيكرر مثلا شعبيا عراقيا يقول: شي ما يشبه شي!
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستفتاء على كركوك بين الشرعية الدستورية والاستحالة العملية
...
-
الاتفاقية الأمنية : حساب السلب والإيجاب
-
العراق: ساسة العرب السُنة يقيمون للشيعة إقليمهم!
-
الدستور في قضية كركوك: هل كان عوناً أم فرعونا؟ /ج2
-
مع قتل القذافي ..العراقيّون يستعيدون إعدام صدّام
-
لتكن كركوك أنموذجا لعراق المستقبل والمواطنة الحقة !/ج1
-
الشهرستاني يدافع عن صفقة -غاز البصرة -شِل- معترفا ضمنا بعيوب
...
-
الحدث السوري بعيون عراقية
-
مجلس السياسات المستعصي
-
أسرار المشهداني لم تحرك ساسة بغداد
-
المعلم التركي والدرس الكردي -غيرالعويص-
-
هدايا كويتية -مسمومة- قد تطيح هوشيار زيباري
-
تحذير لنائب المالكي يثير الذعر: العراق سيُحْرَم من نصف مياهه
...
-
العلوي بين فلسفة التاو الصينية والمتصوف النُفّري/ج2
-
العلوي وفلسفة التاو الصينية : بين المطلق الصيني والآخر الإبر
...
-
عزّت الدوري يعزّي البرزاني فيثير غضب البعثيّين
-
هل أحبط المالكي انفصالا عشائريا في الأنبار؟
-
مجزرة «النخيب» العراقيّة: طائفيّة وعشائريّة وغياب للمركز
-
-تطوير- غاز البصرة : صفقة مشبوهة مع -شِل- وكارثة يتحمل مسؤول
...
-
أتهم جلال طالباني وآخرين باغتيال هادي المهدي!
المزيد.....
-
تسببت بإصابة راكب.. انشقاق زلاقة مائية على متن أكبر سفينة سي
...
-
ترامب يعلن عن موعد ومكان قمته المشتركة مع بوتين
-
في مراسم صامتة...ناغاساكي تحيي ذكرى مرور 80 عاما على إلقاء ا
...
-
ناغازاكي تحيي ذكرى مرور 80 عاما على إلقاء القنبلة الذرية
-
بأزياء مستوحاة من تايلور سويفت.. أمّ أمريكية توثّق مراحل نمو
...
-
مصر.. ماذا نعلم عن كارثة حادث طريق الكريمات والضحايا وتعليق
...
-
كيف تحوّلت جمجمة كرتونية إلى رمز للتحدّي في إندونيسيا؟
-
قمة بين ترامب وبوتين في ألاسكا.. وموسكو تشترط اعترافًا بالمن
...
-
ترامب يفرض غرامة بمليار دولار على جامعة كاليفورنيا على خلفية
...
-
أيرلندا تعتزم حظر الاستيراد من المستوطنات الإسرائيلية
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|