أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نقولا الزهر - سوريا في الخمسينات















المزيد.....

سوريا في الخمسينات


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 1048 - 2004 / 12 / 15 - 10:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كل الذين ولدوا في ظل قانون الطوارئ والأحكام العرفية، يصابون بالدهشة حين يسمعون من آبائهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم أخبارَ مظاهرةٍ كانت تجري في القرن الماضي في دمشق أو حلب، وتسْقِطُ الشيخ تاج الدين الحسني الذي كان موالياً للفرنسيين. فهؤلاء يشكلون الآن الأكثرية العظمى من أهل البلاد، وهم لا يمكن أن يتصوروا صعودَ شاعرٍ إلى منصة احتفالٍ رسمي ليهجوَ رئيساً للوزارة بحجم (جميل مردم بك )، كما فعل الشاعر الكبير عمر أبي ريشة في حفل تأبين المغفور له سعد الله الجابري؛ ولا يمكن أن يصدقوا أخبار مظاهرةٍ جرت أمام مخفرِ قريةٍ سورية، قام بها في يوم من الأيام من القرن الماضي بعض الآباء يطالبون فيها بالإفراج عن أبنائهم، ولم يغادروا أمكنتهم إلا بعد أن أفرج رئيس المخفر عن الطلاب الموقوفين بضع ساعات، بتهمة الكتابة ضد الدكتاتور أديب الشيشكلي على جدران مدرسة القرية؟.. فأجيال (عصر الطوارئ) في بلادنا لم تر من السياسة إلا بعبعاً مخيفاً، واعتقالات ماراتونية (عَشرية وعشرينية وثلاثينية)....
كيف يمكن أن يستوعب شباب وفتيات هذه الأيام، أن طلاباً سوريين كانوا يقومون في عهد حكم العقيد المذكور بمظاهراتٍ طيّّارة في الشوارع الرئيسية من المدن السورية، وفي حال تمكن الشرطة من اعتقال بعضهم، فتوقيفهم لم يكن ليدوم في أكثر الأحيان أكثر من ساعةٍ أو ساعتين ؟؟!!.. وأحياناً كان يهرب المتظاهرون من رجالٍ الشرطة إلى حاراتٍ مسدودة فيستقبلهم الأهالي في بيوتهم.
وكذلك لا يعرفون فتيات وفتيان هذه الأيام أن كتاب (المعلومات الوطنية) الذي كان يدرَّس في الصف الخامس الابتدائي (السرتفيكا)، الذي يوازي (كتاب القومية) في "عهودنا التقدمية"، كان خالياً من الإيديولوجيات والخطابات والاستظهارات، إنما يتكلم بالتفصيل على الدستور وفصل السلطات واستقلال السلطة القضائية وواجبات رئيس الجمهورية والوزراء وحقوق المواطنين وواجباتهم وعلى القوانين والمحاكم وأنواعها ودرجاتها. الفرق هنا بكل بساطة بين كتاب الأمس أنه مفهوم وذو منطق وكتاب اليوم يفتقر للمنطق وعصي على الفهم.
البعض يقول أن سوريا لم تنضج للديموقراطية بعد، كلام فيه الكثير من التجني عليها وعلى تاريخها الحديث. سواءً في عهد حكم الأحزاب البرجوازية(الشعب والوطني)، أو حتى إبان الاحتلال الفرنسي.
وفي هذا السياق ارتأيت أن أسردَ بعضَ (القصص والأخبار اليومية) التي كانت صغيرة وعادية أيامَ كنا طلاباً، في الوقت الذي تعتبر خلال العقود الأربعة الماضية من الكبائر وقد تكلِّف صاحبَها حياته أو سنواتٍ طويلة من عمره خلف الجدران.
في بداية العام الدراسي 1953-1954، وفي أيام "الدكتاتور" أديب الشيشكلي، صدر قرار من وزارة المعارف في دمشق بنقل مدير ثانوية جودت الهاشمي آنذاك، المربي الكبير وأستاذ الفيزياء المرحوم (هاشم الفصيح)، إلى منصبٍ آخر، ونظراً للمكانة والمحبة اللتين كان يحظى بهما هذا المدير لدى طلابه، فقد هبّوا لتوِهم ومن معظمِ الصفوف الإعدادية والثانوية، وأعلنوا إضراباً عاماً لإلغاء نقله وإبقائه على رأس إدارة جودت الهاشمي. دام الإضراب يومين كاملين على ما أذكر، وفي النهاية استجابت وزارة المعارف لطلاب الثانوية وألغي قرار نقل المدير............
وفي نفس العهد أي عهد العقيد أديب الشيشكلي، وفي حفلة تسليم الشهادات للخريجين، رفض أحد خريجي كلية الحقوق استلام شهادته وقال على رؤوس الأشهاد: أرفض استلام شهادة للحقوق في بلد لا تحترم فيها الحقوق!!!....
وفي العام الدراسي 1955-1956، في عهد الرئيس المرحوم شكري القوتلي، كانت قد أصدرت وزارة المعارف كتاباً للعلوم والتشريح لصفوف شهادة الدراسة الإعدادية(الكفاءة) من تأليف الدكتور (فيكتور الخياط). كان الكتاب كبيراً وضخماً ولا يمكن إنجازه في ذلك العام الدراسي، لا من قبل الأساتذة ولا من قبل الطلاب. اجتمع آنذاك طلاب شهادة الكفاءة من معظم ثانويات دمشق وقرروا إجراء إضرابٍ عام للمطالبة باختصار المقرر من الكتاب بشكل يتناسب مع الوقت وإمكانيات الطلاب. وبالفعل فقد خرج طلاب "الكفاءة" من ثانويات دمشق في مظاهرات عارمة، ورفعوا الشعارات التالية: (يسقط كتاب التشريح).. و(يسقط الدكتور فيكتور الخياط)...و(تسقط وزارة المعارف)...اتجهت المظاهرات نحو الوزارة التي كانت آنذاك على ضفة بردى شرق التكية السليمانية، صعد وفد كان قد انتخب ممثلاً لطلاب التواسع من كل المدارس وقابل المرحوم (رشاد برمدا من حزب الشعب) الذي كان وزيراً للمعارف آنذاك، وفي نهاية المقابلة طمأن الوزير ممثلي الطلبة ووعدهم بدراسة جدية وموضوعية لمطالبهم. وبالفعل ففي اليوم التالي كان هنالك قرار صادر من الوزارة بإنصاف الطلاب واختصار كتاب التشريح.....................
ومن لا يذكر من شباب وطلاب تلك الأيام قضية اعتصام طلاب الجامعة في مكتب وزير الاقتصاد (رزق الله الانطاكي) احتجاجاً على صفقة تصدير القمح السوري إلى فرنسا وتأييداً للشعب الجزائري، وفي النهاية ألغيت هذه الصفقة. كان الشعب السوري يتمتع بقدرة هائلة على الاحتجاج. لم تكن تخيم على سوريا دائرة الخوف.

وفي العام الدراسي 1958-1959، كانت سوريا قد شرعت تدخل في مهب رياح الشمولية وطقوسها القمعية التي لم تعْتَدْ عليها لا في زمن الاستعمار الفرنسي ولا في زمن الحكم البرجوازي بعد الاستقلال، ومع ذلك ففي ذلك العام أصبح مديراً لثانوية جودت الهاشمي المربي والباحث اللغوي (صلاح الدين الزعبلاوي) والذي توفي منذ حوالي العام. وإني أذكر هذه الحادثة لإنصاف هذا الأستاذ الكبير بما يتسم به من أخلاق ومبادئ واحترام للإنسان، ومن جانب آخر لتبيان الخط البياني لتصاعد القمع في سوريا. ففي شباط من عام 1959 وزع بيان من الحزب الشيوعي السوري بمناسبة استشهاد الأستاذ المناضل (سعيد الدروبي) تحت التعذيب في أقبية المباحث في حمص, وبالفعل فقد وجد في أدراج مقاعد الطلاب وفي صفوف مختلفة نسخ من هذا البيان، وبعد حوالي النصف ساعة استدعت الإدارة بعض الطلاب الشيوعيين الذين حامت حولهم الشكوك وأجرى المدير تحقيقاً معهم حول موضوع البيان الموزع في الصفوف. نفى الطلاب آنذاك مسؤوليتهم عن توزيع البيان فطلب المدير منهم أن يعودوا إلى صفوفهم، وفي صباح اليوم التالي عادوا إلى مدرستهم بسلام !!. ولقد سمعت من بعض الأساتذة أن المرحوم صلاح الدين الزعبلاوي، حينما جاءت مجموعة من رجال المباحث إلى الثانوية بهدف اعتقال بعض الأساتذة الشيوعيين من صفوفهم، رفض ذلك رفضاً باتاً واعتبر ذلك تقليداً غريباً على الحياة المدرسية في سوريا، ولم يكتف بذلك بل تحيَّن الفرصةَ في تلك اللحظة ليطلبَ من معاون المدير، وهو الشخصية التربوية المشهورة والمعروفة من قبل الكثيرين من طلاب مدينة دمشق المرحوم (شفيق السادات)، تبليغَ الأساتذة المطلوبين من المباحث كي يخرجوا من الباب الشمالي للمدرسة. لقد فعل المدير ذلك على الرغم من أنه لم يعْرَفْ عنه أي تعاطفٍ سابق مع الماركسيين.......
قال لي أحد المناضلين اليساريين القدامى أنه لما كان سجيناً مع ثلةٍ من المناضلين الآخرين في سجن تدمر في أيام حكم العقيد أديب الشيشكلي، توجه آنذاك إلى السجن قائد الشرطة العسكرية (عبد الحق شحاده) وقابل السجناء السياسيين الذين كان قد مضى على اعتقالهم (حوالي العام!!!) وقدم لهم كالعادة شروطاً للمساومة مقابل الإفراج عنهم، فرفضوا رفضاً باتاً هذه الشروط، فعاد الضابط إلى دمشق، وبعد يومين نقل هؤلاء السجناء إلى دمشق، وأدخلوا إلى بناء الأركان القديمة التي كانت في بوابة الصالحية وكان ينتظرهم هناك حاكم سوريا العقيد أديب الشيشكلي في مكتبه، كان واقفاً أمام طاولته فقال لهم: نحن وأياكم مختلفون ولا تريدون التعاون مع الحكم، نحن نعتقد أنكم مخطئون في ذلك ولكن يبقى هذا شأنكم، على أية حال تفضلوا وأذهبوا إلى بيوتكم.....فخرجوا متجهين نحو شارع 29 أيار ، وهم لم يكونوا قد توقعوا ذلك.
هكذا كانت سوريا المستقلة حديثاً من الاستعمار الفرنسي قبل بداية حقبة الاستبداد الحديثة. ولئن كانت قضية الديموقراطية لم تنتصر فيها تماماً آنذاك، وبقيت نصف ديموقراطية ونصف ليبرالية لظروف تاريخية وعوامل مختلفة لا مجال لذكرها الآن، مع ذلك لا يكننا المقارنة بين ما كنا عليه في تلك الحقبة وما نحن عليه اليوم. وأي مقارنة من هذا النوع وعلى كافة المستويات تحيل إلى أن سوريا لم تكن صغيرة على الديموقراطية طوال العقود الأربعة الماضية التي مرت عليها وهي كانت تستحق أكثر بكثير مما مرَّتْ به.
وإذا كانت الأنظمة العسكرية المتوالية تتحمل معظم المسؤولية بالنسبة إلى تصاعد القمع في سوريا، فإن جزءاً منها يقع على عاتق المعارضين السوريين والنخب المثقفة وعلى فكر حركة التحرر الوطني الذي لم يعط أي وزن لقيم الحرية والمساواة وقيمة الإنسان كفرد. فهنالك فصائل واسعة من السياسيين والمثقفين الذين انحازوا إلى جانب الاستبداد دفاعاً عن مصالحهم ومنافعهم الذاتية. وبعض هذه الفصائل كانت تعارض النظام الديكتاتوري في سوريافي الوقت الذي تساند نظاماً عربياً استبدادياً آخر والعكس بالعكس، وبالتالي فهي مفتقرة لمصداقيتها فيما يتعلق بخطابها الديموقراطي، وثم هنالك الفصائل المعارضة السلفية التي دفعها فكرها المتطرف لاعتماد استراتيجية العنف والاغتيالات السياسية أسلوباً لمعارضتها، فهي أطالت بشكل غير مباشر في عمر الاستبداد.
فمنحنى تراكم وتفاقم القمع في سوريا كان صاعداً نوعياً وكمياً. ومع صعوده كان لا يتقدم سوى التخلف على كل المستويات الأخرى في البنية الاجتماعية السورية (الاقتصاد، توزيع الثروة الوطنية، مكانة الطبقة الوسطى، تكافؤ الفرص، العمران والطراز المعماري، ونظام السير ونظافة الشوارع والمناهج التعليمية والرياضة والثقافة والفنون). خلاصة القصة هي أن تخلفاً في السياسة قد دفع إلى تخَلِّفٍ في كل مستويات البنية الاجتماعية الأخرى.
دمشق في 14/12/2004



#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة قصيرة من أخدود دمشقي
- من وادي الآلهة إلى وادي القديسين
- الحوار المتمدن طريق رحب من الرؤوس والقلوب إلى الورق
- العلمانية تحرر الدولة والدين من طغيان التحالف السلطوي -الفقه ...
- مداخلة حول مفهوم الشعب
- من الطقوس والإشارات في الحياة السياسية السورية
- المجتمع المدني من جون لوك إلى الأمير سعود الفيصل
- شذرات من - المقامةِ البربرية
- إلى أيلول
- يوم مشهود من أيام أبي نرجس
- حمدي الروماني
- التقيتهما مرة واحدة
- حول التداخل بيت المقاومة والإرهاب
- جودت الهاشمي
- الشعوب العربية من نير الإقطاع السلطاني إلى نير الإقطاع الشمو ...
- خيوط القمة العربية أوهى من الكلام على الإصلاح
- قصيدة :دموع ليست من ماء
- مقاربة حول الديموقراطية في العالم العربي
- الأعمدة الزانية
- قصائد صغيرة


المزيد.....




- الأردن.. عيد ميلاد الأميرة رجوة وكم بلغت من العمر يثير تفاعل ...
- ضجة كاريكاتور -أردوغان على السرير- نشره وزير خارجية إسرائيل ...
- مصر.. فيديو طفل -عاد من الموت- في شبرا يشعل تفاعلا والداخلية ...
- الهولنديون يحتفلون بعيد ميلاد ملكهم عبر الإبحار في قنوات أمس ...
- البابا فرنسيس يزور البندقية بعد 7 أشهر من تجنب السفر
- قادة حماس.. بين بذل المهج وحملات التشهير!
- لواء فاطميون بأفغانستان.. مقاتلون ولاؤهم لإيران ويثيرون حفيظ ...
- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نقولا الزهر - سوريا في الخمسينات