ريبر يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3528 - 2011 / 10 / 27 - 00:45
المحور:
الادب والفن
إذاً, تركيا تنأى بنفسها عن دعوة بعض القوى في العالم - الأسد الابن، بالتنحي. تركيا التي مسّخت الصف السوري عبر دعمها لقوى سورية إسلامية حصراً, هذا الدعم والترحيب بهم على أرض تركيا كان ولم يزل دعماً لا يمتّ إلى العفوية بصلةٍ, ولا إلى تفاقم الحالة الإنسانية لدى العالم أجمع إثر الموت اليومي في سوريا, تحوّل الموت إلى حالة يومية في بلدي سوريا وصار الناس يرونه بطرق متعددة وكأنه تحول إلى حاجة ـ حاجة للخلاص من موت آخر ـ تحول الموت إلى رغيف للخبز وسطلاً صغيراً من اللبن البلدي, يخرجون وكأنهم لا يبصرون الدبابة التي تعترض حيواتهم وكأنهم لا يسمعون أصوات القصف يخرجون ويخرجون. كنت قد كتبت مادة في بدايات الثورة عن مواقف الأحزاب الكردية من الثورة وطالبتها ـ كما طالبها جميع الشباب الكرد ـ بموقف نبيل حيال ما كان يجري في سوريا آنذاك, تغيرت العديد من مواقفهم لا لأنهم قرؤوا مادتي, بل للدعوات اليومية التي كانت ترسل إليهم من جمعيات وأفراد كرد, هي إذاً ليست مصادفة أن نتمعن في التغيير الذي يطرأ على معادلات شتى على الساحة السورية, وهنا وحصراً موقف الأخوان المسلمين الذين دعوتُ مراراً عبر مواد كنت قد كتبتها إلى إلغاء المادة 49 والتي تفضي إلى إعدام كل من يثبت انتماؤه إلى جماعة الأخوان المسلمين في سوريا, ولم أزل أرفع هذا النداء وسأبقى, لكن, ربما لم تكن مصادفة أيضاً إذ أقدم المؤتمرون في تركيا ذات الهواء الأخضر على عزل الكرد عن لب المؤتمر الذي كان من المفترض به أن يكون جامعاً الشمل السوري الذي فككه النظام السوري على مدى عقود من الزمان, هُمشت المعارضة الكردية السورية في تركيا بالأدوات ذاتها التي همشتها حد الإلغاء في الداخل السوري, إذ, وبعد اتفاق على كتابة الجمهورية السورية بدلاً من الجمهورية العربية السورية تغيرت اليافطة قبل انعقاد المؤتمر بلحظات قليلة, لتكون (المعارضة الإسلامية) وهي الأخوان حصراً مكملة سيرة النظام الحاكم في سوريا في قسم الإلغاء, إلغاء الآخر الذي هو سمة سوريا الرئيسية, قد لا يخفى أنها كانت الجمهورية السورية وتحولت إلى الجمهورية العربية السورية بعد وصول حزب البعث إلى الحكم في سوريا, كانت خطوة مكملة لإلغاء جميع القوميات التي تعيش على أرضها وضمن الدول التي تأسست بعد الانتدابات والاحتلالات الغربية للشرق عموماً ومن ضمنها سوريا, علينا ألا ننسى أن المنطقة انقسمت بعد اتفاقية سايكس بيكو. إذاً, الإبقاء على كلمة (العربية) هو إلغاء لجميع القوميات التي تعيش على الأرض هناك, وأن نكون معارضين للنظام هذا يعني أن نكون أكثر انفتاحاً وإنسانية وديمقراطية منه, أسأل نفسي: "ترى بماذا ستأتي المعارضة للشعب بعد سقوط النظام السوري الشوفيني؟". إن كانت المعارضة سيارة على خطى النظام الحاكم الآن فهذا خيانة لدماء الشهداء قبل وخلال الثورة السورية العظيمة, هو إذاً مسح آخر للحقائق وللنضالات المنبثقة من فكر أقليات ذاقت الأمرين على يد الأنظمة التي كانت مدعومة من فئات واسعة من فلاحين وعمال ومثقفين وكتاب عرب, ومن هنا يكون الحديث عن ماهية الفكر التعصبي, يقول الكثير من فئات المجتمع بل المجتمعات في الشرق: "الأكراد انفصاليون", "كيف يحارب الكرد الفكر القومي العربي وهم قوميون؟" الفكرة تكمن في إجابة سهلة إلى حد الجنون, جميع فئات المجتمع الكردي داخل سوريا يقولون نحن سوريون ولا نريد الانفصال وهذا واضح جداً في الشعارات التي يرفعها الكرد طيلة الجُمَع الثورية في سوريا, ألا يكفي؟ علينا أن نثق بالشعارات التي ترفع في عصر الثورة، فهناك شعار يقوله ويرفعه العرب أيضاً (سلمية سلمية) إذاً الجميع ملزم بتصديق الشعار الذي يرفعه الكرد في مناطقهم ألا وهو (سوريا واحدة) هل يجب علينا أن نثق بشعار (سلمية سلمية) ولا نثق بشعار (سوريا واحدة)؟ والإصرار إصرار بعض قوى المعارضة السورية - ومن ضمنهم النظام السوري - على إلحاق كلمة الانفصال بالشعب الكردي السوري إنما هو اعتراف من جهة على خصوصية هذا الشعب, فلماذا لا يقولون أن العلويين انفصاليون؟ أو الدروز؟ أو أقباط مصر؟ إذاً هناك أمرٌ ما مدفون، دفنّاه نحن الكرد وثمة من يحفره ليعترض بحفرة سير الكرد في نضالهم الإنساني ـ التخلص من القمع ـ في اللحظة التي كان هم الإنسان في العالم أموراً أممية, كان هم الكرد طيلة العقود المنصرمة هو كيف يفر من دورية للأمن السياسي، لا بل حتى كيف يفر من شرطي مرور.. كيف له أن يتعلم لغته الأم سراً ـ كما تعلمت أنا ـ عندما تنطلق الثورات من ميادين عدة تطالب برفع الظلم عنهم عنا (الظلم العام), عندما يتبوّأ كاتب ما بل وفرد ما إعلان الحرب ـ فكرياً ـ على إسرائيل لقمعها العربَ في غزة وفي الداخل الفلسطيني, أَمنَ العدالة أن يغضوا النظر عن ملايين تقمعهم الحكومات بالأدوات ذاتها التي تملكها إسرائيل التي لم تمنع اللغة العربية في المدارس والجامعات الفلسطينية "الإسرائيلية"؟ إذاً, هي حالة شبيهة بالفصام الروحي للعديد من القوى داخل وخارج سوريا الآن..
هي حكمة إذاً, التواصل المفجوع من فكرة ندرك ماهيتها ولا نملك البديل عنها, طيلة السنوات المنصرمة كانت تعج شوارع العاصمة السورية دمشق بالمتظاهرين الكرد (كانت مفردة المظاهرة في سوريا مستبدلة بكلمة المسيرة) أدخَل الكُرد كلمة المظاهرة في القاموس السوري, عبر مظاهرات أمام مجلس الشعب ورئاسة مجلس الوزراء ـ خرجتُ مرة قبل سنوات مع إخوتي الكرد في تظاهرة هناك ـ لم يشاركنا يوماً ما حزبٌ (معارض). إذاً, كنا نصنع الحجر الأساس لثورة ولدت الآن إثر نبل شاب أشعل النار في الشعوب المسكينة المغمى عليها.
هي إذاً سيرة كاملة لأفعال محجوبة عن استدراكها ببنية أفعال معلومة وغير معلومة الآن. ترى, من يختار الزمان والمكان, ولماذا؟ كان من المفترض أن تكون هذه الثورات قد أنجزت الآن, على الأقل, لكن الفكر القومي لدى العديد من قوى المعارضة العربية حصراً أبت إلا أن تؤجل بل وتلغي مشروع الثورة في المنطقة عموماً (الثورات) إثر بقائهم صامتين كحجارة شطرنج في العام 2004 عندما قام الكرد في سوريا بانتفاضة عارمة (كالتي نشهدها الآن في الكثير من الدول في المنطقة) انتفاضة أُحرقتْ خلالها أعلامُ حزب البعث وكُسرتْ تماثيل (القائد) في العديد من المدن الكردية السورية, أو, المدن السورية ذات الأغلبية الكردية ـ مصادفةً ـ انتهكت الأعراض واعتقل الأكراد بالآلاف، وقع المئات ما بين قتيل وجريح, أُدخل الجيش في المدن الكردية, دوهمت المنازلُ واعتقل الناس في بيوتهم, تغيرت خارطة الجيش السوري لا بل تغير توزيعهم على الخريطة دخلت المدرعات والدبابات إلى الشوارع أطلق الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين, تعرض الجرحى في المستشفيات إلى التعذيب، فتحت ونهبت وأحرقت المحال التجارية للكرد في العديد من المدن الكردية السورية, شكلت حواجز للجيش ورجال الأمن في المدن، تعرض الناس لإهانات أفراد الجيش ورجال الأمن جيئةً وذهاباً, لكنها ـ وكما فُسرت من قوى المعارضة السورية والعديد من فئات المجتمع السوري آنذاك ـ بحالة فوضى مدروسة ومدعومة من أمريكا وإسرائيل هدفها ضرب سوريا وتقسيمها والنيل من (المقاومة) المقاومة التي يحرق إخوتي في المدن السورية الآن صورَ رموزها وأعلامها, وانتهت الحكاية وذهب إخوتي العرب في سوريا كل إلى عمله. الكاتب، آنذاك, والناطق باسم الثورة الآن, ذهب إلى اتحاد كتابه العرب وإلى جرائده الرسمية وعشقه, الفلاح ذهب إلى أرضه والعامل إلى مصنعه في سوريا. هي ليست مصادفة أيضاً أن تُبتَكر عكازات لا بل وأقدام للنهوض بما هو ليس بحق والسير به في الطريق الخطأ, تهمّ التنسيقيات السورية للثورة بالزحف الإسلامي تارة والعروبي تارة أخرى عبر تسميتها للجُمَع بأسماء حساسة لا تصب في مصلحة الثورة السورية ولا في النضال الديمقراطي لهذه الثورة, ويستطيع المعاين أن يلحظ ما تطرقتُ إليه والذي لا يحتاج إلى براهين للإثبات, كما لا تحتاج مواقف المجلس السوري التركي تجاه الشعب الكردي إلى براهين لإثبات خبثها وتهكمها على شعب ناضل ويناضل في سبيل سوريا تعددية, من موقفهم تجاه هجمات حزب العمال الكردستاني الأخيرة على الجيش التركي والتي وصفها المجلس السوري بالغادرة والإرهابية, المجلس السوري بدأ باستعارة أجنحة ويهمّ بالتحليق، هذه العملية ضد الجيش التركي كانت عملية عسكرية ضد جيش دولة تقمع وتقتل وتنفي عشرين مليون كردياً في تركيا, كانت عملية عسكرية وليست إرهابية, أليس هنالك جيش للمجلس السوري (الجيش الحر)؟ هل يجوز إلصاق الإرهاب بهذا الجيش الذي من المفترض به حماية المدنيين في سوريا؟ هذا الجيش الذي يقوم بدوره بقتل الجنود الذين يؤدون الخدمة الإلزامية في بلدهم سوريا، المجلس السوري لم يعد يمثلني, كما لم يمثل يوماً هؤلاء الشهداء الأبطال, الثورة كالطوفان.. لذلك ـ وبعد استعارة المجلس السوري أجنحة قومية ودينية وتهميشهم لمشاعر ومبادئ شعب كامل في سوريا هو الشعب الكردي وذلك عبر تصريحاتهم هنا وهناك من غليون إلى البيانوني ـ يحق للكردي أن يطالب بالانفصال, سيما همّ الدكتور برهان غليون بتشبيه الكرد بالمهاجرين عبر لقاء له مع تلفزيون دويتشه فيليه, فلتكن بأخلاق الدكتاتور بشار الأسد يا دكتور برهان غليون ولتقل بأن الشعب السوري هو جزء لا يتجزأ من النسيج السوري.. والبيانوني عبر قناة العربية إذ قال:" تسعين بالمائة من الشعب السوري هم عرب" يكمل: شي طبيعي أن تكون الدولة عربية.. وتسعين بالمائة من الشعب السوري مسلم.. من الطبيعي أن تكون الدولة مسلمة, هي إذاً معادلة رياضية يطرحها المهندسون في المجلس السوري, أي, مرةً سيُطرَحُ الكرد من المجموع الإجمالي للرقم تسعين لقمعهم على أساس قومي أقلي, ويُجمَع الكرد الذين هم مسلمون إلى المجموع في المرة الثانية ليقمعوا بهم من هو غير مسلم في سوريا, المجلس السوري لم يعد يمثلني, كما لم يمثل يوماً هؤلاء الشهداء الأبطال, المجلس السوري والنظام السوري بفكرهم القمعي (الإلغائي) كان لهم الدور الرئيس بإبادة الشعب الكردي السوري سياسياً وثقافياً وإنسانياً, المجلس السوري لا يمثلني كما لا يمثلني النظام السوري, مرجعيتي هي الشهيد وحسب..
ــــــــــــــــــــــــ
برلين
#ريبر_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟