أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريبر يوسف - أمكنة في قيد الزمن














المزيد.....

أمكنة في قيد الزمن


ريبر يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3093 - 2010 / 8 / 13 - 15:38
المحور: الادب والفن
    



حيث تُحبَط المعرفة في محاولتها الأزلية لإيجاد العناصر الباعثة اللونَ في الزهرة ، تتمايل زهرة فينا دون وعينا بما ستؤول إليه الزهرة من أحوال متراصفة بانتظام، تنتظر التفسير منا ودون وعينا بالأسباب أصلاً نتمايل إن كان الزمن كفيلاً باستطاعتنا على رؤية المادة تتحول في كيمياء عناصرها. تُرى، هل يحق لي أن أشبّه الزمن بكائن له يد خفيّة وخفيفة إلى الحد الذي لا أثق تماماً باستطاعتي على جرّه إلى سهل الكائن؟ هذا السهل القائم على أساس المعرفة بالأشياء الأشخاص والماوراء.
إن أقدمتُ على فكرة تصوير تفاحة من الزاوية، وعناصر الإضاءة والبيئة هي ذاتها، لشهر كامل، في كل يوم ألتقط صورة للتفاحة ذاتها والموضوعة في المكان ذاته، تُرى هل سأكمش على تلك اليد الخفية الخفيفة تمسح برقّة وعنف معاً التفاحةَ تلك؟ وماذا لو أكملتُ تصويرها لمدة عام كامل وأكثر؟ هو إذاً، قانون, النهاية لا مرئية أبداً، أين ستذهب التفاحة تلك؟ هل ستموت كتلتها نهائياً أم تراها ستكون لكن في مكان ما لا أراه؟ ثمة كتلة حيث لا نراه. وماذا إن راقبت الأرض عبر كاميرا دقيقة جداً؟ ـ ألمِّح الآن إلى تلك التي تصنعها بلدان فتلتقط للأرض صوراً عبر أقمار صنعتْها هي أيضاً ـ وباعتباري ولدت في مكانٍ ما من هذا العالم ربما سيبتلعني الفضول فأركز إثر غريزة ما تنمو في داخلي منذ ولدت في ذلك المكان أرض ولادتي (سوريا)، حيث ستتسنى لي رؤية الأماكن ذاتها التي كنت أسير فيها مذ أدرَك عقلي الطاعة في رغبة قدمي، حيث ستتسنى لي رؤية المدن ذاتها، الشوارع.. الأبنية.. الدوائر الحكومية ذاتها، المدراء.. المستخدمين.. الموظفين ذواتهم، ورجال الشرطة والمخابرات وسياراتهم ذاتها تلك التي كانت تبعث الرهبة في النفس، المنهاج الدراسي وأسماء المدارس نفسها غير أن هناك أبداً من هم في عربة سوريالية تسير بهم حيث العدمية ومن ثم ينطفئون بحالة شبيهة بالشمس في يوم ما. الناس العاديون لا نجدهم في الأماكن ذاتها وكأن في ذلك حكمة المكان في ابتلاع من أسسوه بكل سكينة وحب. أقول، الناس العاديون، لكن مَن منا في يد عقله الوكالة كي يستفيض الشيء عن نسَبه؟ من منا يمسك مقود القاعدة تلك؟ الناس العاديون نسبة إلى مَن؟ إن كان هناك أناس غير عاديين وآخرون عاديون، فالناس العاديون هم عاديون نسبة إلى العاديين والآخرون غير العاديين هم كذلك نسبة إلى الناس غير العاديين، والطرفان يلصقان كلمة “ الغير” إلى الآخر لذلك أنا أقصد بالناس العاديين
سوريا، حيث أماكن تعيش بهدوء خَلَلَ صخب لا معقول وكأنها ميتة إلا إن وجودها المستمر ـ تلك الأماكن، أمام مصراع الأبواب النافخة في عاطفتنا ما يجعلني واثقاً بأنها أماكن على قيد الحياة أو في قيدها أماكن إن صورتُها في الزمن القادم أيضاً سيجعل الصورة يكمّل نصفها النصف الذي في ذاكرتي والآخر هناك حيث موجود بدوني.
هناك الأماكن التي اختلقت منذ مدة طويلة، تسترعي انتباهنا بطريقة ما وكأنها بنيت على عجل وبحالة مؤقتة، الأبنية المتروكة للهواء، الدوائر الحكومية المعروفة بالدوائر الرسمية، إذا دخلتها لن تجد ترابطاً بين شيئين فيها؛ الكراسي موضوعة على عجل.. طاولة الموظف على عجل، لا يملك الموظف الذي وظف على عجل القدرة على تعليق لوحة إلى جدار، لوحة تتعارض مع أفكار الدولة في سوريا التي أحياناً دينية وأحياناً أخرى يسارية وأخرى قومية وأحياناً ليبرالية!! لا يملك الموظف القدرة فيضع صورة ابنه، التي صورت على عجل، على الطاولة في مكتبه. مطبخ الدائرة الحكومية مبني على عجل، قفل درج السكر والشاي قفل خارجي محطوط على عجل.. وبحالة مؤقتة، الرصيف على عجل تراصفت حجارته بجانب الشارع المعبّد على عجل وبحالة مؤقتة.. والذي عمال البلدية يحفرون فيه لترميم خطوط الصرف الصحي على عجل، وبعدها عمال آخرون يحفرون على عجل لغرض ما وضع على عجل.. ويتركون في الشارع جرحاً كان يمتد إلى جانب الجروح الكثيرة في سوريا لتلهب ذهني؛ الأمر الذي لم يكن يساعدني حتى أملك المقدرة على ترتيب غرفتي .
وإن أجهدت الزُّوم في الكاميرا تلك إلى حيث تتسنى لي رؤية القوانين والنفس لكائنات عادية نسبة إلى طرف ما عادي أو غير عادي لتماوجتُ وكأنني سأحظى برؤية تلك اليد الخفية الخفيفة وهي تمسح على الكائنات تلك.
إن كان الناس أولئك يحفظون سرَّ المكان لغيبهم بل وسقفه وقدرة المكان على التحول الإرادي في الزمن، إذاً أولئك الناس هم أمكنة بدورهم. ستنال الكاميرا تلك، والتي هي أشبه بالرقيب على البشرية برمتها، من أولئك ـ الأمكنة السيّارين في سكة قوانين موضوعة على عجل وبحالة لا تمتّ إلى الحكمة بشيء من الصلة، تلك القوانين التي كم باردة كجثة ميت منذ 40 عاماً بل وتتوسع لغرض لا أتقنه فأتحدث عنه في حين تكون قوانين كالأحكام العرفية وقانون الطوارئ والقيود على الصحافة والمواليد حديثاً والميتين هذه القوانين التي تضيّق على سلامة الناس في سوريا. تقوم الحكومة، في اللحظة تلك، باصدار قانون السير بغرض سلامة المواطن السوري العادي وقانون منع التدخين في الأماكن العامة.
ترى، هل سترصد كاميرتي الغاية في ذلك؟ إن هي إلا توظيف آخر لحماية النظام المبني على عجل فتبقى تلك الأمكنة على حالها فيما الزمن يسير بخفة غير معقولة. ستمكنني كاميرتي من توطين النصف الآخر من الصورة في نصفها الآخر المرتمي في ذاكرتي. أمكنة.. أناس.. قوانين محطوطة على عجل وبحالة مؤقتة.. في انتظار زلزال تعيه الحكومة السورية تماماً. الأمكنة، الناس، القوانين.. تنتظر شيئاً ما منذ 40 عاماً.
تُرى، هل تموت ذاكرة الشكل ككتلته موتاً نهائياً؟
ــــــــــــــــــــــــــ

برلين



#ريبر_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا تمازح نفسها
- سوزان عليوان توبخ الزمن عبر زمننا
- III التجريد
- أنا حيوان أُساق من قلبي
- التجريد II
- التجريد
- النشرة الجوية في سوريا وخارطة الشرق الأوسط الكبير
- مهرجان برلين للأدب


المزيد.....




- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريبر يوسف - أمكنة في قيد الزمن