حسن أحراث، مناضل يساري، معتقل سياسي سابق، كاتب عام الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في حوار مفتوح حول الوضع السياسي العام بالمغرب بعد ثورات الربيع العربي


حسن أحراث
الحوار المتمدن - العدد: 3524 - 2011 / 10 / 23 - 14:51
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 65 - سيكون مع الاستاذ حسن أحراث، مناضل يساري، معتقل سياسي سابق، كاتب عام الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في حوار مفتوح حول الوضع السياسي العام بالمغرب بعد ثورات الربيع العربي.


من السهل الحديث عما يجري خارج المغرب (تونس، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن، البحرين...). ببساطة، لأننا نكون متخلصين من أي ضغط، سواء كان سياسيا أو أمنيا. وأذكر أنه في وقفات تضامنية مع الشعبين التونسي والمصري في شهر يناير 2011، رفع شعار "إسقاط النظام" من طرف الجميع وبحماس وأمام أعين الأجهزة القمعية. لكن، بعد حصول ما حصل بتونس ومصر بالخصوص، وبعد انطلاق حركة 20 فبراير بالمغرب، أصبح شعار "إسقاط النظام" مرفوضا، بل موبوء ومزعجا، بالنسبة للبعض طبعا، هذا البعض "الوضيع" (من "اليمين" و"اليسار") الذي وضع على عاتقه مناهضة هذا الشعار والتصدي بشراسة الى حامليه ومتبنيه. وإذا كان هذا حال هذا "البعض"، فما بالك بالنظام الذي أتبث جدارته في الاضطهاد والإجرام...

ومن السهل أيضا الحديث عن التجارب المختلفة للشعوب (روسيا، الصين، كوبا...)، وعن النظريات الثورية (ماركس، لينين، ماو، جيفارا...). لكن، الأصعب هو إنتاج تجربة مغربية رائدة وناجحة، اعتمادا على نظرية علمية قائمة على التحليل الملموس للواقع الملموس. وذلك من منطلق أنه لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية.

كما أنه لا يخفى أن للشعب المغربي رصيد هائل في مقاومة الاستعمار الفرنسي والاسباني والتصدي للنظام القائم كذلك. أما القفز عن هذا الرصيد فلا يمكن إلا أن يضعف أي تجربة نضالية تسعى الى التغيير الجدري.

استحضرت هذه الإشارات الدالة من أجل أن يتحمل المناضلون المغاربة والمناضلات المغربيات مسؤوليتهم (هن) الكاملة والتاريخية تجاه ما يجري بالمغرب، وبالمغرب بالضبط، ودون طبعا تغييب ما يقع حول المغرب أو بالعالم. فلموازين القوة الإقليمية والجهوية والدولية أثر بالغ حول أي مبادرة سياسية داخلية.

يعرف المغرب الآن غليانا "صامتا" على مستويات متعددة. وكمؤشر على هذا الغليان ارتباك النظام المغربي، المتجلي في محاولات صنع التحالفات التي من شأنها ضمان استمراريته. والانتخابات التشريعية القادمة ليوم 25 نونبر 2011 ستكون محطة فارقة في الحياة السياسية بالمغرب، ورهانا للعديد من القوى السياسية، بما في ذلك حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية (المحسوبين شكلا أو خطأ عن اليسار)، على حسم السلطة، أو المشروعية، لفائدة المؤسسة الملكية. وهي المهمة السياسية التي أنيطت بالتحالف الجديد (G8)، أي "التحالف من أجل الديمقراطية" المكون من الأحزاب التالية: التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري والحزب العمالي والحزب الاشتراكي والنهضة والفضيلة واليسار الأخضر، وهو التحالف الذي أقل ما يقال عنه إنه "تحالف مشوه".

أما مقاطعة هذه الانتخابات، وبغض النظر عن الخلفيات السياسية للهيئات السياسية المعنية بها (حزب النهج الديمقراطي، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الحزب الاشتراكي الموحد، جماعة العدل والإحسان، وتيارات سياسية أخرى، وفي مقدمتها التيارات الماركسية اللينينية)، فسيكون أثرها حاسما في تخصيب الصراع الطبقي وفي تحديد آفاق العمل السياسي بالمغرب.

وما هو المحدد في آخر المطاف للتعاطي مع الحياة السياسية بالمغرب؟

إننا شئنا أم أبينا، يبقى المحدد الجوهري هو قراءتنا للحياة السياسية وموقفنا الواضح منها. وأي قراءة غير موفقة للواقع المغربي من شأنها الزج بالشعب المغربي في متاهات يصعب التخلص منها وبالتالي تكريس الهيمنة الطبقية للبورجوازية الكبيرة وتوفير شروط استمرارية النظام القائم.

فبلادنا تعيش أزمة خانقة وعميقة على كافة المستويات، وهي نتاج الوضعية الاقتصادية والاجتماعية المتردية والتي تتفاقم بوتيرة غير مسبوقة في ظل عوامل داخلية وخارجية مضطربة (الأزمة الرأسمالية، توصيات/تعليمات المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...). وتبرز أهم مميزاتها في الزيادات المتوالية في الأسعار وتدهور الخدمات العمومية والطرد والتسريح اللذين يستهدفان العمال وتزايد أعداد المعطلين ونهب ثروات البلاد وتفويتها لفائدة الكمبرادور والملاكين العقاريين وإثقال كاهل الجماهير الشعبية بالضرائب المباشرة وغير المباشرة والتضييق على الحريات العامة والتصدي الهمجي لمختلف الاحتجاجات (الاعتداءات والمضايقات، الاغتيالات، الاعتقالات، التعذيب...).

ورغم كل محاولات التشويش والتيئيس وأساليب الترهيب أيضا تواصل الجماهير الشعبية المضطهدة ومناضلوها الملاحم النضالية التي تتكسر على صخرتها مهازل النظام والقوى السياسية المتواطئة معه، فمن الاستخفاف بالشعارات البراقة المرفوعة باسم العهد الجديد (الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان...) وبالأوهام والوعود المترتبة عنها (مثال الدستور الجديد الممنوح الذي لم يعمل إلا على تكثيف السلط في يد الملك) إلى الانتفاضات والاحتجاجات الحازمة على طول البلاد وعرضها، استلهاما للتضحيات البطولية والتراكمات النضالية التي يزخر بها سجل الشعب المغربي المكافح. وذلك سعيا إلى استكمال مهام هذه المرحلة وإنضاج شروط الفرز الطبقي وحسم الصراع لصالح القوى التي تنشد الاشتراكية والقضاء على الاستغلال والاضطهاد والقهر، وتضامنا مع كافة أشكال المقاومة والنضال التحرري والقضايا العادلة (حق تقرير المصير للشعوب المضطهدة)، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وبكل ما يحمله هذا التضامن من المعاني المناهضة للإمبريالية والصهيونية والرجعية.

ونتطلع في المغرب الى أن تكون حركة 20 فبراير بداية للنهوض المتجدد لشعبنا نحو خلاصه بمساهمة القوى المناضلة السياسية والنقابية ومن داخل الحركة وليس من خارجها بمبرر الدعم أو أشياء أخرى. ودون القفز، طبعا، على الرصيد البطولي الذي تسعى العديد من الجهات الى طمسه وتشويهه. فمسؤوليتنا تقتضي ربط الماضي النضالي لشعبنا بحاضره ومستقبله وبكامل المسؤولية النضالية والروح الثورية وبعيدا عن الرهانات الخاسرة، مثل التحالفات المشوهة مع القوى الظلامية الموغلة في الرجعية والملطخة بدماء شهداء اليسار الجدري. إن الرهان الصحيح هو الذي يقوم على تنظيم وتأطير أوسع الجماهير الشعبية وفي طليعتها الطبقة العاملة وحلفائها الفلاحين الفقراء والمثقفين الثوريين، مع ما تستدعيه هذه المهمة الصعبة من جهد لبناء الأداة الثورية.

ولا يخفى أن التحولات الكبيرة التي عرفتها منطقة شمال إفريقيا (تونس ومصر وليبيا) ستطرح على الجميع تحديات كبرى. فالهيمنة الامبريالية تتزايد بدون حدود وتسعى الى ترتيب أوراقها في مختلف بقع العالم، وخاصة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

نعم، انتفض العديد من الشعوب، وقالت هذه الأخيرة كلمتها بقوة وشجاعة. ولا يمكن بالمناسبة إلا أن نحييها وأن ننخرط في نضالاتها التي فتحت أمامنا أفاقا أرحب لإنجاز ثوراتنا المؤجلة. إلا أننا أصبحنا رغم ذلك أمام وضع متحكم فيه سياسيا واقتصاديا وعسكريا من طرف الخارج (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، الناتو...). فما حصل بالضبط هو إسقاط رؤوس بعض الأنظمة الرجعية، ورؤوسها فقط، مع الحفاظ على نفس الهياكل والبنيات التي تقوم عليها هذه الأنظمة، وتطوريها في حدود ما يخدم الامبريالية وحلفائها في الصيغة الجديدة.

إن ما حصل في ليبيا يكشف وبشكل مفضوح همجية الامبريالية وعملائها وتعطشها لخيرات الشعب الليبي (تكرار كاريكاتوري لتجربة صدام حسين)، وإذا كان النظام الليبي أو القدافي مستبدا ومجرما، فإن من أعدمه بتلك الوحشية أكثر استبدادا وإجراما. كما أن السكوت عن التدخل العسكري للسعودية وبإيعاز من أمريكا في البحرين وتجاهل خطورة منبع الشر، أي السعودية، والتحكم في الإعلام وتوجيهه، كما حصل بالنسبة لتونس ومصر وما يحصل الآن بسوريا واليمن، كل ذلك يفرض علينا اتخاذ القدر الكافي من الحذر من التحولات التي فرضت نفسها على الجميع، وبدون سابق إنذار. إن تقرير مصير الشعوب المضطهدة وصنع مستقبلها يجب أن يبقيا بين أيديها. أما الامبريالية "بديمقراطيتها" وشعاراتها الزائفة، فلا يمكن إلا أن تخدم مصالحها ومصالح الرجعية والصهيونية.