أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد الله عنتار - ذاكرتي والطفولة - طفولتي والذاكرة















المزيد.....

ذاكرتي والطفولة - طفولتي والذاكرة


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 3524 - 2011 / 10 / 23 - 09:43
المحور: سيرة ذاتية
    


ذات صباح من شهور الخريف،وبينما كنت أتقلب داخل فراشي،تبلورت عاصفة قوية داخل ذاكرتي،إنها ذكريات الطفولة المحفورة في مخيلتي،ليست الذكريات كلها،بل كل ما هنالك،بقع وجزر من الذكريات المتفرقة هنا وهناك،فكلما تذكرت طريقا،أو مكانا،أو شخصا،أو حيونا،أونباتا ،وإلا تذكرت حادثة أو أكثر قد ربطتنا،ليس كل الحوادث،بل فقط القليل من الأشلاء والبقع المتناثرة هنا وهناك.أحسست بضغط ممارس علي ذلك الصباح،إنه ضغط النسيان،وسلطة النسيان التي باتت مع مرور الوقت تجتاح ذاكرتي،وأحسست أن الطريق والمكان والشخص والحيوان والنبات يمارسون علي ضغطا رهيبا،ويقولون لي:"أنقذنا يا عبد الإله-هكذا عرفوني في باديتي وأهلها يعرفونني بهذا الإسم – من تيار الزمن الجارف،من تيار العدم الجارف الذي يلاحقنا،تكلم مع ذاكرتك،لعلها تسعفك لتتذكر صداقتنا واحتكاننا وحبنا وشراكتنا،لا تنس يا عبد الإله بأنك تقطننا ونحن نقطنك،فآثارك لازالت مبصومة على جدراننا،وداخل أعماقنا ،وحبك لنا لازال وسيستمر في ذاكرتك،لكننا نخاف من الزمن،ومن العدم،فسأل ذاكرتك،ومارس الكتابة التي تسكنها وتسكنك،والتي تحبها،وآمنت بها-تسكن أعماقك وأعماقها،وتحب ابتساماتها،وقسمات شعرها،وحركاتها،همساتها،وهي تداعب جسدك،ومخيلتك،إنها حياتك،إنها حبك،حبك الأبدي،وأملك وطموحك،ورغبتك الأكيدة والجامحة،إنها نضالك،وأعز أصدقائك،وأعز حبيبة عرفتها،حينما تبتسم تبتسم،وحينما تبكي،تبكي هي كذلك،ولما تريد أن تقبلها لا تعترض تعطيك شفتيها المعسلتين برحابة صدر وقلب مطمئن-إعطيني يا عبد الإله الأمل والحياة من أجلك ومن أجلنا،من أجل شخوص هذه المنطقة،هؤلاء الذين منحوك بكل سخاء ما طلبته من معرفة،ألم تكن تسأل منذ بداية حياتك عن المعرفة؟ ألم تكن تسأل عن الوجود؟ ووجود هذه المنطقة التي سكنتك على وجه التحديد؟ ألم تكن تحلم وأنت تسير مع رفاقك القرويين نحو المدرسة الإبتدائية القروية بأن تكون من أجل هذه المنطقة ،وأن تكون باحثا عن الحقيقة وحقيقتها وحقيقة ذاتك؟تذكر يا عبدالإله هذا،يا عبد الله !وأنت تجالس الشيوخ الكبار،وأنت تجالس الأطفال،والشباب والنساء،تسأل عن النبات،عن الحيوان،عن الأرض،عن الدوار،عن الناس،عن الذكريات الغابرة،عن التاريخ،عن الحشرات،عن الحمير،عن "التعزاب"،تذكر يا عبد الإله وأنت تحمل معك كتابا أو دفترا،فتصافح النبات والأعشاب،ويتحلق حولك الأطفال،وتشرح لهم ،وتسألهم،وتخلق بينهم الحوار والنقاش،وتعلمهم فلسفة احترام الآخر،واحترام الطبيعة والنبات،واحترام الحيوان والإنسان.تذكر يا عبد الإله،وأنت خلف القطعان،تتساءل،تذهب عند الراعي الشيخ خالي محمد،فيجيبك:"مالك فك شلة دويات؟"،بمعنى لماذا لديك الكثير من الكلام؟،ثم تعيد الكرة،فيبتسم،فيتكلم عن حياة المنطقة في زمانه،يتكلم عن الفروسية،كيف كانت ،كيف أصبحت،يصحح مكان "الرزة" فوق رأسه،وينظر ويترصد حركة القطعان(قطعان الماشية والبهائم)،يعجبه من ينادي عليه بالمقدم،لكنه لا يعجبه من ينادي عليه"بمول الجديع(تسكين الميم)"،بمعنى صغير الفرس،كان آخر شخص امتلك الفرس في الدوار،وهذا الفرس كان مدربا،ويتفاعل مع الموسيقى الشعبية(الجرة-الحيرة)،وخالي محمد كذلك.يذهب إلى المواسم في كل مكان،في كل زمان،إنه المكان الذي يجد فيه راحته وضميره،لم يكن يحب كلام الفقهاء الذين يحرمون المواسم،وكان يحضر إلى المسجد لأداء الصلاة ليس إلا،وكنت أحضر معه،وكان الحوار معه شقيا،لا أثناء الذهاب،ولا أثناء الإياب،ولا داخل المسجد قبيل الخطبة،فهو كان متأكدا من عدم واقعية كلامهم،وكان يعرف بعد كلامهم عن واقعهم،وكان يقول:"اللحاية غدارة"،و"شيطانة"،و"مافيهم تقة".هذا الرجل الثمانيني لم يعاين في الفقهاء إلا عبارة عن شخوص تلوك كلاما يعادي الحياة،ولطالما استعان بي الشيخ،وهو يسأل عن مدى صحة كلام الفقهاء رغم معارضته لمزاعمهم وكلامهم،وعموما ماكان يهم الشيخ هو حب فرسه وتعلقه بجواده حد التعلق النهائي،فلم يبعه إلا مضطرا،ومرغما رغم سنوات الجفاف والقحط التي طالت المنطقة في بداية الألفية الثالثة،ربما يكون سبب فقدانه لفرسه ولحبه الأبدي راجع لمغادرة إبنيه لعملهما.
أقول أنا:
"لكنه سيبقى شخصا تعلمت منه ذاكرتي،معنى الحب،حب الإنسان للحيوان،وحب الحيوان للإنسان،معنى الإنسانية،معنى التحلي بالقيم الإنسانية المحلية والكونية،تعلمت منه حب النقاش والحوار والنقد والمساءلة،تعلمت منه حب المنطقة والأرض والماشية والرعي،وتعلمت منه القدرة على تحمل المسؤولية ولاسيما كيف أكون مسؤولا عن القطعان التي أرعاها في زاوية بعيدة عن منزلنا،أن أرصد حركاتها،عدها،أن أفهم سلوكها،وفهمها للمرعى وتفاعلها مع المكان،وتفاعلي معها،أن أفهم تجانسها وهمساتها وصياحها،وقت شربها،وتظليلها،وتعلمت منه كيف تربط البهائم،كيف تكسب ودها،كيف تركب الحمير،وتفهم أحاسيسها.
ينبغي أن أتذكر كل شيء عن الحمير!
هل أستطيع فعل ذلك؟
كل ما أستطيع فعله هو التجربة التي قمت بها من أجل مملكة الحمير(هو الرد الذي قمت به من أجل الرد على المدينيين المتعصبين والعنصريين،وعلى القرويين المتمدنين المستلبين والمستدمجين للقيم المدينية في إطار علاقة الهيمنة) هو إدخالي لصديقي الحمار الأسود داخل كلتة"البوير" العميقة(بوادي نهر النفيفيخ)،لكي يسبح معي،لكي يستمتع معي بمياه وادي نهر النفيفيخ المدرارة،أ-غرق الحمار كما يقول المدينيون المتعصبون؟!هل الحمار لا يعرف شيئا كما يقول القرويون المستلبون؟هل تصح كلمة "حمار" (ككلمة دونية من وجهة نظر المديني المتعصب) على الحمار كحمار (بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى في ذاتها)،وعلى الطفل القروي كطفل قروي،والتي لطالما ألصقت به (بمعناها الدوني الصادر عن المديني في إطار علاقات الهيمنة)وهو يصفع من طرف المعلم المديني في مدرسة دوارنا؟هل تصح هذه الكلمة حينما تتهم أم مدينية إبنها(لما يرتكب شيئا" سيئا" ) وتلقبه بالحمار؟؟؟؟؟؟؟
لكن علينا أن ننصت لهذه التجربة،والتي تعطينا معرفة ملامسة لأحاسيس وحقيقة الحمـــــار(كما هو).
تقول هذه التجربة أن الحمار لم يغرق،واستعمل رجليه الأماميتين والخلفيتين،وصار يصول ويجول داخل "الكلتة"،وركبت على ظهره،وكأننا نسير في البرية،كأننا أحرار طلاقاء.
"تذكر يا عبد الإله هذا،ورد على الغول المديني الجارف التي يتهم ويحط من شأن مملكة وجماعة الحمير،أجبه بأن القرويين لديهم أحاسيس وانطباعات إنسانية،ونمط عيش مرتاحون له،وحيوانات يتفاعلون معها،ونبات يسكنهم ويسكنونه،أجبه بأن الأرض هي حياة القرويين تسكنهم ويسكنونها،أجبه يا عبد الإله كما أنت معروف بهذا الإسم بأنك مجند للتصدي له بالكتابة التي سكنتها وسكنتك،وأخبره بأنك مستعد لتدويل وتدوين القضية القروية،دافع عن الحيوان،عن الإنسان،عن النبات،عن الأرض،عن كل شيء يرتبط بالقرويين،وبالقضية الإنسانية الكونية،إستفد من ذاكرتك،من قيمك القروية الأصيلة،من كتابك الذين ألهموك،وعلموك فلسفة النضال،فلسفة التحدي ،فلسفة المجابهة،من أساتذتك،من أمك،من أبيك،من أختك،من أخيك،الذي مدك بمعلومة أو خبر أو شيء من هذا،علموك فلسفة التفكيك،فلسفة السؤال،فلسفة البحث،بحث عن الأرض،عن الحيوان،عن الإنسان،عن التراث،عن الثقافة،عن الفن،عن الأدب،عن الحكايات،عن الأساطير،عن الغناء،عن كل شيء،ولا تنس جدتك الروائية الشفهية –الشهيرة والمعلمة الإنسانية-الذاكراتية-الفنانة والمبدعة والخلاقة والحابكة والراعية والصانعة والراقصة والشعبية....(أمي فاطنة التسعينية-الله يرحمها- غادرتنا وغادرت حكاياتها مخيلتنا عام 2007) التي تسجل الوقائع الغابرة البعيدة،لا تنس هذا،وقد كانت تذكرك به،لعلها كانت تحيلك إلى مجال الكتابة لتسجل أحرفها من ذهب،ولكي تلقن ما قالته لك إلى الأجيال القادمة،كن على علم بهذا،كن متيقنا بأنك قادم،بل قادم بقوة إلى مجال التدوين والتدويل،والتقصي في الجذور الحقيقية للفعل والتفكير القروي،إنك قادم بقوة للدفاع عن المشاكل القروية،ستنتقد الإهمال،والتبعية واللاتنمية واللامبالاة و"الحكرة" والإبتزاز والشطط،كن يا عبد الإله متأكدا من هذا،ولا تنس الغابة والوادي والطرقات والشعاب والحشرات،لا تنس النمل،وهويداعب جسمك،وأنت تجلس على الصخرة تنشد الأفكار والأحلام والطموحات،ولا تنس السلحفاة التي أطلت عليك من جحرها،والغابة التي منحتك ظلالها،وركوب الحمار الذي ألهمك،لا تنس السماء،ولا تنس كل الرجال والنساء،لا تنس،ولا تنس.......
هكذا كانت انطلاقتي............



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جولات نقدية...من الشارع السليماني!
- يوميات طفل قروي كرزازي (1)
- إكتشاف الحب-جبران خليل جبران-تعريب:عبد الله عنتار ‏‏
- دعوة للنضال من أجل الحرية والإنسانية
- أبو العلاء المعري-إحترام الحياة-تعريب :عبد الله عنتار
- النظرة الأطفالية في المجتمع الكرزازي:(تعبير عن الوجود و مواق ...
- مامعنى الإنفعال؟- فريدريك نيتشه- تعريب:عبد الله عنتار
- عظمة الإنسان - بليز باسكال-تعريب:عبد الله عنتار
- النظرة الأطفالية في المجتمع الكرزازي:(تعبير عن الوجود و مواق ...
- دوارنا بين الماضي والحاضر٬ رصد لموارده الطبيعية والبشر ...
- أرضي-حياتي
- دراسة وصفية:الفضاء العام (الحديقة العمومية-نموذجا)-حديقة الح ...
- عنفوان تحت الرماد
- متى تنهض المرأة الكرزازية؟*
- آيروستي
- الإسلام و قيود التاريخ(1)
- سقطت الكفاءة وانتصرت الإنتهازية والتملقية
- مدينة خضراء التي قيل أنها مدينة خضراء؟!!!!
- الثورة المنسية
- أية تنشئة نريدها لمغرب اليوم؟


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبد الله عنتار - ذاكرتي والطفولة - طفولتي والذاكرة