جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3520 - 2011 / 10 / 19 - 16:52
المحور:
حقوق الانسان
قيل قديما: "من يتدخل فيما لا يعنيه يلقى ما لا يرضيه"
متى سأرتاح وأريح نفسي من مشاكلي ومشاكل الناس ومشاكل العالم كله؟متى سيرتاحُ العالم مني ومتى سأرتاحُ أنا من الدنيا وما فيها؟ إلى متى سأبقى لقمة سهلة في أفواه الحيتان؟ وإلى متى سأبقى مهتما بمشاكل الآخرين؟ وإلى متى سأبقى حامل الدنيا على قرني اليسار, وإلى متى سأبقى أراقبُ في الناس وفي مشاكلهم؟, لماذا لا أحد غيري يهتم بالناس كما أهتم أنا بهم؟ ومتى سأكفُ عن التفكير؟ ومتى سأضع رأسي على وسادتي دون أن تشغلني مشكلة أو مشكلتين على الأقل؟أنا إنسان فضوليٌ جدا ولكني من النوع الفضولي الثاني المحبب إلى قلبي جدا, وأنا إنسان متطفل على الناس والفرق بيني وبين أي متطفل من النوع الآخر هو أنني أتطفل عليهم لأحمل عنهم همومهم اليومية ومشاكلهم اليومية...و تقول عني أمي بأنني إنسان حامل(شايل الدنيا على ظهري), وهذا الكلام ليس عاريا عن الصحة, وكانت جدتي رحمها الله تقول عني(واحد امربي ذقنه والثاني متغلب فيه!) طبعا كانت تقصد بكلمة الثاني(أنا) وفعلا أنا دائم الاهتمام بالناس وبالدنيا وبحالة الناس إن كانوا باردين جداً أو ساخنين جداً,وأنا أحب أن أرى الوجوه بالشوارع وهي تضحك ولا أحب أن أرى الناس وهي مُعبسة جدا علما أن الغالبية من الناس يتمنون لي العبوس وقلة الراحة... ودائما ما يبدو على مظهري بأنني مهتم بمشاكل الآخرين في الوقت الذي لا يكترث فيه الناس لمشاكلي , وأهتم بمشاكل الناس وأعصر نفسي عليهم حزنا وكمداً وحسرةً من كثرة الشد على بطني وكأن مشاكلهم هي مشاكلي, وأنا لا أهتمُ بمشاكل الناس لأنني خالي من المشاكل,على العكس تماما, فعندي من المشاكل ما يكفيني بل وما يزيد عن حاجتي وهذه دعوة مني للجميع بأن يأخذ من مشاكل أي محتاج للمشاكل ولن أبخل على أي طالب مشاكل نهائيا, فأنا لا أحب أن أرى الناس وهم مصابون أو وهم يعانون من المشاكل المعقدة وغير المعقدة, وأنا على الرحب والسعة لمن يريد أن يأخذ مني على الأقل ليخفف عني الحمل قليلا, وأنا لا أستطيع أن أنام إلا وقد عانيت في اليوم أكثر من عشر مشاكل وكلهن على الأغلب لا يخصني بأي صلةٍ لا من قريب ولا من بعيد في أي شيء, وفي الحقيقة لا توجد مشاكل من نوع جديد فكل أنواع المشاكل التي أحملها على ظهري قديمة كان أجدادي يعانون منها,وأنا أحزن جدا حتى على الذين لا يستحقون الشفقة فقط اعتدتُ على مساعدة الناس في حمل مشاكلهم والمشاركة فيها عن بعد دون حتى أن يشعروا بأنني أتألم لآلامهم, طبعا وكل الذين أحزن لحزنهم لا يعرفون أسباب آلامي ولا أظن بأنهم يعرفون بأن أوجاعهم هي سبب كل الأوجاع التي تحفر في أعماق أعماقي, والغريب والمدهش جدا هو أن الغالبية يعتقدون بأنني أعيش بدون مشاكل وبدون هموم ,وكل تلك التوقعات ليس لها مكانا أو محلا من الصحة ومن المؤسف جدا أن أموت حسرة عليهم وهم لا يعرفون هذه الحقيقة.
وأنا إنسان بطبعي حشري وأحب معرفة كل شيء وأي شيء حتى لو مر طيرٌ من فوق رأسي لازم أعرف من أين جاء وإلى أين سيذهب, ولا أستطيع أن أدخل منزلاً بدون أن أعرف خلال ساعة كافة أفراد العائلة وأشغالهم وأعمالهم وإن كان من بينهم مواهب فنية ثقافية فإنني أشتم رائحتها بسرعة كما يشتم الكلب البوليسي الروائح التي تدرب على إتباع أثرها,وأنا أيضا إنسان فضولي في كل شيء وتجدونني سريع التدخل في الخلافات بين الناس دون أن يعرفوا ذلك فبمجرد التفكير في آلامهم أعتبره أنا تدخلا في شؤون الآخرين, وإن لم يعجبنٍ أحد أميل بوجهي عن وجهه ولا أحب بأن يخاطب لساني لسانه, هكذا اعتدت على الشعور وعلى الإحساس بمشاكل الآخرين دون أن يهتم أي أحدٍ منهم بمشاكلي العاطفية وغير العاطفية ,وعندي حُب فضول لمعرفة كل شيء عن أي شيء, وأحب القراءة في العلوم الإنسانية كافة لمعرفة البدايات التي انتقلت من الحضارات فتجدونني محبا للمسرح الأثيني وللثقافة الأثينية ولمعرفة الفلسفة وخفاياها وكيف انتعشت تلك الحضارة وكيف سقطت,وحين أنظر إلى أهل حارتي أخالهم فورا شخوصا يتحركون في الشارع وكأنهم على خشبة المسرح, لذلك صنعت روايتي هذه من الناس الذين يسلكون الطريق الخطأ ومن الناس الذين يقفون على الخشبة المسرحية غير المخصصة لهم وهذا بحد ذاته تطفلا, فكما يوجد إنسان متطفل يوجد أيضا مجتمعا كاملا متطفلا, وأنا دائم التطلع للأمام ولا أحب أن أنظر خلفي...وأنا إنسان كما قلت لكم فضولي وحشري ومتطفل على الآخرين,حتى الأموات لا يسلمون من قلمي أو لا يسلمون من شري فأنا دائم البحث عن أعمالهم وإنجازاتهم التي أنجزوها وأنا بهذا كما يقال عني كثير البحبشة, أي البحش والبحث ولا تكاد تخفى على قلمي أو الكيبورد الخاص بحاسوبي كبيرةٌ أو صغيرة إلا وعرفتها وعرفتُ أين هو مرماها, ودائما ما أتصور نفسي مسئولا مباشرا عن تعاسة الآخرين رغم قناعتي بأنني بريء منها ولكن يبقى عندي إحساس بسبب المشكلة وألوم نفسي على عدم قدرتي في إقناع الآخرين بأن هذا السبب مثلا هو السبب الأصلي للمشكلة فإذا رأيت إنسانا غيري يبكي ويتألم فإنني على الفور أتألم لآلامه وأحزنُ لأحزانه,ومع كل ذلك أكره الغش والحسد والحقد ودائما ما أحب الاستماع إلى أغنية محمد عبد المطلب(يا حاسدين الناس مالكوا ومال الناس)وأحب أن يقال عني حشري ولا أحب أن يقال عني حرامي فمنذ ولدتني أمي إلى اليوم لم أمد يدي إلى مال غيري ولم أسرق إلا ثلاث مرات في حياتي وكانت أول عملية سطو لي على كنيسة حيث سرقت منها الإنجيل وخبأته تحت سترتي, ومرة سرقتُ قلما أعجبني خطه ولم أكن أملك وقتها مالا كافيا لأشتري مثله, ومرة أخرى سرقت قلما أعجبني منظره جدا ومع ذلك لا أحب بأن يقال عني بأنني لص أو حرامي فكل سرقاتي كانت من أجل المنفعة العامة ولولا أني سرقت الإنجيل لبقيت تحت تعاليم ومواصفاتٍ عنه غير حقيقية وهذا العمل أعتبره من منجزاتي الكبيرة جدا وحين سمعتُ بأن قلة التفكير تجعل الإنسان سعيدا جربتها فأغلقت عقلي وسددتُ آذاني وأغمضتُ عيوني عن كل ما أشاهده وحاولت أن أكون لا مباليا ولا مهتما ولا مكترثاً بهذا العالم ولكنني لم أستطع فأنا بصراحة إنسان حِشري أتدخل فيما يعنيني وفيما لا يعنيني وهذا ما يجعلني أقل سعادة من الآخرين غير المبالين.
يبدو في النهاية بأن الفضول والتطفل رياضة عقلية اعتاد عليها المناضلون والمكافحون.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟