مشعل تمو والحزبية الكوردية

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

الحوار المتمدن-العدد: 3512 - 2011 / 10 / 10 - 22:59
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    

انخرط مشعل تمو في النشاط الحزبي الكوردي في وقت مبكر, مرتقياً فيه, وصولاً إلى شغل مقعد في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الشعبي الكوردي, المختلف حينها في خطابه السياسي عن أقرانه في الحركة السياسية الكوردية في سوريا. لكنه غادر الحزب في عقد التسعينيات من القرن المنصرم, منصرفاً إلى الاشتغال على شخصه ومشاريعه السياسية والثقافية الخاصة, مُقْدِمَاً فيها على خطواتٍ جريئة, منها: إعلان منتدى جلادت بدرخان في مدينة قامشلو, وناشطاً مؤسساً للجان إحياء المجتمع المدني في سوريا خلال الحراك النخبوي المسمى ( ربيع دمشق ), الذي أعقب خطاب القسم الأول لبشار الأسد. هذه المشاريع الفكرية والثقافية إلى جانب تركيزه على الكتابة مقدماً عشرات مقالات الرأي المنشورة في منابر كوردية وعربية ( وكان يوقعها في جريدة الحزب بالاسم المستعار أردوان تيمور ) جاءت في فترة ( استراحة المحارب ) بعد مغادرته حزب الاتحاد الشعبي, ليعود مجدداً إلى الشأن الحزبي من بوابة تيار المستقبل الكوردي الذي أسسه مع نشطاء كورد آخرين, تولى فيه مهمة ( الناطق الرسمي باسم التيار ), رافضاً وجود أي أوجه للشبه بين التيار والأحزاب الكوردية الأخرى, معلللاً ذلك بأن تيار المستقبل لا يؤمن بالهيكليات الحزبية الكوردية الأخرى العمودية الستالينية, وأنه ذو هيكلية أفقية.

مرحلة ( استراحة المحارب ) شهدت إصداره لمجموعة كتب, بينها كتابه الأهم في تشريح الذهنية الحزبية الكوردية ( وإن كان ضعيفاً فكرياً, إلا أنه كان مدخلاً جريئاً لنقد الحزبية الكوردية ), وقد عنونه بـ ( رؤية نقدية في ظاهرة التخلف السياسي الكردي في سوريا ) ضمنه جملة آراءه ومواقفه من الحزبية الكوردية وآليات تفكير النخبة الحزبية الكوردية, ناعتاً إياهم بـ ( البطاركة ), منقلباً عليهم عبر الحفر الأبستمي للخطاب النظري والممارسات العيانية, معلللاً نقديته التفكيكية بالمآلات الخطيرة لظاهرة التخلف السياسي الكوردي, إذ أوصلت الفعل السياسي والعقل السياسي الكوردي إلى " حالة يرثى لها من اللا فاعلية المجتمعية " على المستويين: القومي الكوردي والوطني السوري, محاولاً تقديم إسهام نظري لإنقاذ الحزبية الكوردية من " السقم والهزال الفكري القيمي في الشخوص القائمة " ( والمقصود بالشخوص في جملته قادة الأحزاب الكوردية ), مستنجداً في توصيفها وتوصيفهم بمصطلح ( القبلية السياسية ).

مرد التخلف السياسي الكوردي في سوريا برأيه يكمن في: أصولية الأب الحزبي ( رئيس الحزب أو أمينه العام أو سكرتيره ) من خلال ممارساته الإقصائية بداخل الهيكل الحزبي وهيمنته على مفاصل الحزب ومصادرته للتفكير الحر الخلاق, التعصب للرأي, وعدم التسامح مع المختلفين بداخل الحزب كنوع من الاستبداد البدائي المستمد نسغه من ولاءات ما قبل الدولة ( القبيلة ), ويستفيد مشعل تمو هنا برأيي من فكر الآخر مقتطعاً من السياق التنظيري القِرائي الأبستمي للمفكر المغربي محمد عابد الجابري أقنوم ( القبيلة ) كأحد محددات العقل العربي الراهن, السيا - ثقافي منه. إلى درجة نظره إلى ممارسات قادة الأحزاب الكوردية على أنها الشبيه لممارسات بطاركة السلطات والأنظمة في العالم الثالث, ما يؤدي برأي مشعل تمو إلى فوات الحزبية الكوردية وفوات القضية القومية الكوردية معها, أيضاً يصنع هذا التخلف السياسي مزاجية الأحزاب الكوردية في أطروحاتها ومشاريعها السياسية, فالمتتبع " لمسار أغلبية هذه الحُزيبات يفاجأ بالكم الهائل من المشاريع المتنوعة التي طرحتها من جهة ويستغرب السرعة القصوى في التخلي عن ذات المشاريع وتبديلها وحتى العمل على نقيضها ".

يرَ مشعل تمو أن هنالك مجموعة من القواسم المشتركة ونقاط التماثل بين الأحزاب الكوردية من اليمين إلى اليسار ( إذا صح وجودهما في المجتمع الكوردي ), فهي متفقة على بعثرة المجهودات, وإطلاق المشاريع الوهمية غير المنتجة عملياً, وهي غير جادة في طرحها, الأمر الذي يسهم في تفتيت القوى الكوردية وإضعافها في مهب السلطة, ناهيك عن التطابق الحاد والتماثل الحاد في رأس الهرم الحزبي المؤلف من " جهاز قيادي غير مؤهل فكرياً, ثقافياً, سياسياً, إن لم أقل حتى اجتماعياً, وإنما مجموعة من رافعي الأيدي والمصفقين على نمط الأنظمة الشمولية, ويمكن تسميتهم بكاتبي عرائض لا شخصية سياسية لهم, ولا قدرة على اتخاذ أي قرار, وتتجلى موهبتهم في انتظار أوامر الأب القبلي وتنفيذها, وكيل المدائح لإنجازاته الأسطورية ".

ينعت الشهيد تمو في كتابه تاريخ الحزبية الكوردية في سوريا بالخراب واليباب, ولكنه يستثني مرحلة قيادة د. نور الدين ظاظا للحزب الكوردي الأول في سوريا ( البارتي ) من ذلك, ويعد آب 1965 انعطافة أساس وبؤرة أساس في التشظي والتشرذم الذي آلت إليه الحالة الحزبية الكوردية, إلى درجة عدِّه ولادة الحزب اليساري الكوردي بالانشقاق من رحم البارتي عملية انقلابية بأدوات قروية تشبه الانقلابات التي كانت تشهدها سوريا حينها, والانقلاب الأول برأيه هو إقصاء الحزبيين الكورد قبل ذلك للقامة السياسية الكوردية المتنورة د. نور الدين ظاظا, كان ذلكم التحول بنظره دلالة نحر الحزبية الكوردية لعقلية الإبداع ( المتحول الأدونيسي ) والاستعاضة عنه بعقلية الاتباع ( الثابت الأدونيسي ), وأسهم ذلك على الصعيد الحزبي وتجلياته المجتمعية – بحسب تمو – في " العجز والعقم والعطالة الفكرية والمجتمعية, وهو ما تتجسد آثاره وانعكاساته المرضية في بنية المجتمع الكوردي وتهميش أغلبية شرائحه الوطنية وابتعادها عن دائرة الممارسة العملية وازدرائها للحالة التي وصلت إليها هذه الأحزاب ".

يعج كتاب الشهيد مشعل تمو المعنون بـ " رؤية نقدية في ظاهرة التخلف السياسي الكردي في سوريا " بالرؤى والمواقف والتحليلات والأمثلة والاستعراض المتفرق للحالة الحزبية الكوردية, واللافت أنه في مباحث كتابه يعتمد علم الاجتماع السياسي وعلم النفس في مقارباته للحالات والظواهر التي يخضعها للدرس والتمحيص والبحث, ربما كانت هذه المقاربات السيا ثقافية تقف كعامل وراء قيامه مع نشطاء آخرين بتأسيس تيار المستقبل الكوردي في سوريا كإطار ناشط مفارق للأطر والأحزاب الموجودة في الساحة الكوردية, ولعل ما ذكره مشعل تمو عن مظاهر التخلف السياسي التي فرضتها الأحزاب خلال تاريخها منذ 1957 كانت تحول دون انتشار تيار المستقبل الكوردي وتشعبه في المناطق الكوردية السورية.

#مصطفى_اسماعيل (هاشتاغ)       Mustafa_Ismail#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات