|
البروليتارية العالمية تشكل طبقة من المهاجرين
عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 3507 - 2011 / 10 / 5 - 07:19
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
مقدمة تشير الدراسات الإحصائية للأمم المتحدة حول الهجرة إن عدد المهاجرين بلغ حتى نهاية سنة 2010 214 مليون نسمة أي 3,1 في المائة من سكان العالم، وتوجد أكبر نسبة من المهاجرين في ثمانية دول هي على التوالي الولايات المتحدة الأمريكية ب 42,8 مليون نسمة، تليها روسيا ب 12,3 مليون نسمة ، ثم ألمانيا ب 9,1 مليون نسمة، ثم تأتي العربية السعودية بعد ذلك ب 7,3 مليون نسمة ثم كندا ب 7,2 مليون نسمة، ثم فرنسا ب 6,7 مليون نسمة ثم بريطانيا ب 6,5 مليون نسمة ثم اسبانيا ب 6,4 مليون نسمة. وتتمثل أهم الدول المصدرة للمهاجرين في سبعة دول هي كما يلي: من المكسيك 10 في المائة تقطن خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ثم أفغانستان 9,9 في المائة ثم المغرب 9 في المائة تقطن أغلبيتها في أوروبا، ثم بريطانيا 7,1 في المائة تعيش في الدول المستعمرة سابقا، ثم الجزائر 6,7 في المائة، فألمانيا 4,9 في المائة، ثم تركيا 4,5 في المائة. وإذا كانت الأغلبية الساحقة من المهاجرين تشتغل كأيدي عاملة رخيصة في بلدان المهجر، فإن هؤلاء هم الأكثر عرضة للاستغلال وتحمل عواقب تعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية للنظام الرأسمالي بالإضافة للعنصرية والاضطهاد وسوء المعاملة الإنسانية والقانونية وذلك مقارنة مع الأيدي العاملة المحلية. وإذا كانت البرجوازية اليوم تتبع سياسات مزدوجة اتجاه المهاجرين، عبر الترحيب ببعضها ومطاردة البعض الآخر، فإن البروليتارية يجب أن تتخلص اليوم من إيديولوجية البورجوازية التي تحاول ان تفصل بين البروليتارية المحلية والبروليتارية المهاجرة لكي تستغل الاثنين معا. تبحث هذه الورقة في العوامل التي توحد البروليتارية المحلية والمهاجرة رغم اختلاف لغاتها ودياناتها كطبقة واحدة مضطهدة في مواجهة البرجوازية وايديولوجياتها التي تحاول التميز فيما بينها على أساس "النقاء الثقافي" والثلوث اللغوي" و"حماية الهوية الوطنية" و "كراهية الأجانب" ... الخ. لقد أصبحت البروليتارية العالمية المحلية والمهاجرة في خط المواجهة مع الاوليغارشية العالمية وأتباعها من الكومبرادوريات المحلية وليس غير إذكاء الصراع الطبقي عالميا ومحليا بقادر على إسقاط النظام الرأسمالي من اجل مشروع اشتراكي ديمقراطي إنساني متسع للجميع. أولا: الهجرة وتطور الرأسمالية ليست الهجرة المكثفة من الأراضي الأصلية لمئات الآلاف من السكان الهاربين من الجوع والبؤس ظاهرة جديدة. كما أنها لم تكن أبدا ظاهرة خاصة بدول العالم الثالث. فالهجرة من صنع النظام الرأسمالي نفسه انطلقت مع فجر هذا النمط الإنتاجي، انطلاقا من القرن الرابع عشر، والذي بني على قاعدة استغلال العمل المأجور. فمنذ نهاية القرن الخامس عشر، خاصة في بريطانيا، تكون التراكم البدائي لرأس المال بفضل استملاك الفلاحين، الذين طردوا بوحشية من باديتهم وجندوا بالقوة للعمل في المانيفاكتورات الأولى. فقد حرم هؤلاء من أراضيهم مع تطور الرأسمالية، واكرهوا بالحديد والنار والدم على الهجرة نحو المدن لبيع قوة عملهم لرأس المال، فمع تحول الفلاحون والصناع التقليديون الصغار، الى بروليتاريين، سيصبحون، منذ تلك الحقبة، أول العمال المهاجرين. ترافقت هذه الهجرة القروية الكثيفة التي فرضها التطور الوحشي لرأس المال في مجموع أوروبا، بإجراءات قمعية وحشية لا مثيل لها ضد من جوعتهم الرأسمالية بشكل ارادي، وحولتهم الى فقراء لاجبارهم على الخنوع للعبودية المأجورة. وقد وصف كارل ماركس في هذا الاطار الرعب الذي فجرته الرأسمالية ضد كل الهاربين الذين، بعد أن تم تحويلهم الى مشردين، تم وشمهم بالحديد الأحمر، وتم تعذيبهم وإرسالهم نحو الأشغال الشاقة، أو تم شنقهم بكل بساطة بسبب عدم خضوعهم لقواعد ديكتاتورية الرأسمالية: "إنشاء بروليتاريا بدون نار ولا سكن – تم تسريحهم من طرف كبار الأمراء الإقطاعيين والمزارعين، ضحايا الاستغلالات العنيفة والمتكررة – والتي سارت بسرعة شديدة تفوق إمكانية امتصاصها من طرف المانيفاكتورات الناشئة. من جهة أخرى، انتزع هؤلاء المزارعين بغتة من ظروف حياتهم المعتادة جعلتهم غير قادرين على الخضوع فجأة لنظام اجتماعي جديد صارم، مما أفرز جماهير غفيرة من المتسولين واللصوص والمشردين. انطلاقا من هنا، تم في نهاية القرن الخامس عشر وخلال القرن السادس عشر بكامله، في غرب أوروبا، اعتماد قوانين ضد التشرد. فآباء الطبقة العاملة الحالية تمت معاقبتها بقسوة لانها تحولت الى مشردين وفقراء. حيث عاملتها القوانين كمجرمين بإرادتهم؛ واعتبرتها مسؤولة عن تشردها كما لو لم يحدث اي تحول في ظروفها" (المرجع كارل ماركس: التراكم البدائي واسراره، الرأس المال، الكتاب الأول). فبفضل هذا الاستملاك العنيف للفلاحين وتحويلهم الى عبيد مأجورين، استطاعت الرأسمالية ايجاد مصدرها الأول لليد العاملة. وطيلة مرحلة صعودها والى غاية بلوغها قمة هذا الصعود في نهاية القرن التاسع عشر، سيتطور نظام الاستغلال بشكل مستمر بفضل تدفق هجرة القوى العاملة. في اقدم بلد رأسمالي، بريطانيا، استطاعت الطبقة المهيمنة تطوير رأسماليتها بفضل الاستغلال الوحشي للجماهير الجائعة القادمة من المناطق الزراعية، خاصة من ارلندا. فالتطور السريع للصناعة الانجليزية لم يكن ليتحقق لو لم تكن بريطانيا تتوفر على جيش احتياطي للعمل وهي الجماهير الغفيرة والبئيسة القادمة من ايرلندا. (المرجع، انجلز، وضعية الطبقة العاملة البريطانية). وقد أتاح هذا الجيش الاحتياطي للعمل المكون من المهاجرين الايرلنديين للرأسمال البريطاني ان يجعل الطبقة العاملة تتنافس مع نفسها من اجل تخفيض الأجور وتعميق الظروف غير القابلة للتحمل من اجل استغلال امثل للبروليتارية. وهكذا أصبحت ظاهرة الهجرة تشكل في إطار تطور كل رأسمال وطني عنصرا مندمجا ضمن الطبقة العاملة منذ بداية الرأسمالية. فالبروليتارية أصبحت تشكل في جوهرها طبقة من المهاجرين عقب التدمير الدموي لعلاقات الإنتاج الإقطاعية. ستتمدد هذه الهجرة عبر الحدود الوطنية عندما اصبحت الرأسمالية في اواسط القرن الثامن عشر تصطدم بمشاكل الانتاج الزائد للسلع في المراكز الصناعية الكبرى في اوروبا. وكما أكد على ذلك ماركس في سنة 1857 مع تطور العمل الزائد الذي يشكل قاعدة الاستغلال الرأسمالي، تطورت كذلك الجماهير الزائدة، بمعنى جماهير البروليتارية التي لا يمكنها ان تعيش على نفس الحدود الجغرافية في مرحلة من مراحل تطور قوى الانتاج. (المرجع: مبادئ نقد الاقتصاد السياسي). فستكره الأزمات الدورية للإنتاج الزائد التي ضربت أوروبا الرأسمالية منذ أواسط القرن التاسع عشر، الملايين من البروليتاريا للهروب من البطالة والمجاعة عن طريق الاغتراب نحو "العوالم الجديدة". فيما بين 1848 و1914، غادر 50 مليون من العمال الأوروبيين القارة العجوز لبيع قوة عملهم في هذه الجهات، خصوصا في أمريكا. ومثلما حدث في بريطانيا في القرن السادس عشر التي استطاعت تطوير الرأسمالية بفضل الهجرة الداخلية، تشكلت القوة الرأسمالية العالمية الأولى حاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، بفضل تدفق عشرات الملايين من المهاجرين القادمين من أوروبا (خصوصا ارلندا وبريطانيا وألمانيا ودول شمال اوروبا). فإلى غاية 1890، وعلى أساس استغلال وحشي للبروليتارية المهاجرة، في إطار عقلنه "تايلورية" لأسلوب العمل في المعامل، سيتمكن الرأسمال الأمريكي من إثبات ذاته تدريجيا على المسرح الدولي. وبعد سنة 1890، ستصبح الأراضي ومناصب العمل نادرة وسيتكدس المهاجرون الجدد من البحر الأبيض المتوسط ومن السلافيين عديمي التأهيل مهني في كيتوهات المدن الكبرى واصبحوا مكرهين على القبول بأجور أكثر فأكثر بؤسا من اجل البقاء على قيد الحياة. ومع بلوغ الرأسمالية أوجها، أصبحت أسطورة أمريكا المستقبلة للجميع معاشة في مدن الصفيح. وانطلاق من كون الرأسمال الأمريكي لم يعد في حاجة الى ان يستورد بكثافة اليد العاملة من أجل تطوير صناعته، بدأت برجوازية هذه البلاد في اعتماد اجراءات تمييزية موجهة لانتقاء طالبي الاغتراب. وبعد موجة الهجرة البروليتارية الكبيرة الايطالية والسلافية التي تدفقت نحو الولايات المتحدة الامريكية في نهاية القرن التاسع عشر، بدأت البرجوازية الأمريكية، انطلاقا من سنة 1898، في اغلاق حدودها، خاصة أمام المهاجرين الآسيويين. وانطلاقا من ذلك، لم يعد ممكنا استقبال أي "حافي القدمين". فأصبح على الراغبين الجدد في الهجرة أن يكونوا قادرين على تحقيق مردودية كبيرة لرأس المال. ، أما كل غير المرغوب فيهم فقد تم طردهم بوحشية وحكم عليهم بالجوع والهلاك "في بلدانهم". وهكذا، وبفضل تطور الهجرة نحو القارات الأخرى نتيجة اليد العاملة الزائدة الناجمة عن أزمات الإنتاج الزائد في أوروبا الغربية، تمكنت الرأسمالية من تمديد هيمنتها نحو الكوكب بكامله. لكن خلال مرحلة انحدار الرأسمالية طيلة القرن العشرين أصبح تراجع تدفقات المهاجرين واقعا أكثر وضوحا يؤكد تعمق أزمة الرأسمالية في هذه المرحلة المطبوعة بانفجار الحرب العالمية الأولى. فمع انطلاق المجزرة الامبريالية الأولى لسنة 1914 – 1918 ، بدأت الهجرة المكثفة للبروليتارية التي رافقت وأتاحت صعود الرأسمالية في التراجع. نجم هذا التراجع ليس عن طريق قدرة الرأسمالية على إتاحة الاستقرار للبروليتارية في بلدانها، بل على العكس من ذلك شكل تعبيرا عن التباطؤ المتزايد لتطور قوى الانتاج. فخلال السنوات السابقة للحرب وخلال الحرب نفسها، أصبحت التضحيات المفروضة على البروليتارية تكفي لتشغيل اقتصاد الحرب في كل دولة محاربة. وبعد الحرب، وبفضل الاستغلال الوحشي للبروليتارية المنهكة والمغلوبة على أمرها، استطاعت البرجوازية الأوروبية (الألمانية منها على الخصوص) اعادة بناء اقتصادها الوطني دون اللجوء بكتافة الى اليد العاملة المهاجرة. وعندما انفجرت في عقد الثلاثينيات أزمة الإنتاج الزائد العامة فجأة في جميع الدول الصناعية، من أوروبا الى الولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت تلوح حربا جديدة في الأفق لا يمكن تفاديها، أتاح نمو إنتاج الأسلحة الرأسمالية من خنق انفجار البطالة الكثيفة في جميع الدول. وبعد مرحلة اعادة البناء لما بعد الحرب العالمية الثانية، انطلاقا من عقد الخمسينات، بدأنا نشاهد موجة جديدة من المهاجرين خصوصا من من بلدان أوروبا الشرقية، والتي تزايدت أكثر بسبب تحرر العديد من البلدان المستعمرة. وقد فتحت كل من ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، سويسرا، دول البنلوكس واسعا أبوابها أمام عمال البلدان المتخلفة القادمون من اسبانيا البرتغال تركيا يوغوسلافيا البلدان المغاربية، ليشكلوا أيدي عاملة رخيصة من اجل تلبية الحاجة لاعادة البناء، وفي نفس الوقت أتاحت تعويض النزيف الناجم عن المجزرة العالمية الثانية التي حدثت في صفوف بروليتارية البلدان المتقاتلة. سيتم جلب الملايين من العمال بشكل مكثف من اجل تشديد استغلالهم وإخضاعهم للأشغال الشاقة مقابل أجور زهيدة. هذه الموجة من الهجرة التي عادت خلال عقد الخمسينيات، في قلب الرأسمالية، لا تعادل تلك التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية قبل مائة سنة، ففي تلك الحقبة التي كانت فيها الرأسمالية في مرحلة صعودها قادرة على أن تحسن بشكل مستمر ظروف عيش ووجود البروليتارية، حيث كان العمال المهاجرون يغادرون اراضيهم الأصلية مع عائلاتهم على أمل أن يجدوا بفضل توسع الرأسمالية نحو العوالم الجديدة، ملجأ ونوعا من الاستقرار، الا أن فتح الحدود الأوربية الغربية أمام العمال المهاجرون بعد الحرب العالمية الثانية، لم يشكل شيئا آخر سوى وسيلة انتقالية للاستمرار في الحياة بالنسبة للملايين من عمال البلدان المتخلفة. وقد اضطر غالبية هؤلاء (خصوصا العمال المغاربيين والآسيويين الذين لجأوا إلى فرنسا وبريطانيا بعد الاستقلالات الشكلية لبلدانهم) إلى فراق عائلاتهم من اجل القدرة على ايجاد عمل بئيس وهش في هذه البلدان المستقبلة، وبدون آفاق مستقبلية وبهدف وحيد هو القدرة على اطعام نسائهم واطفالهم الباقون في البلد، فأصبحوا مكرهين على القبول بأسوأ شروط العمل والعيش، بدون سكن، متكدسين كالحيوانات في مدن الصفيح غير صحية أو الاستسلام لجشع فنادق"بائعي النوم" الرديئة ، وللتفتيشات البوليسية والمعاملات العنصرية التي ترافقت مع الحرب الجزائرية، كل هذه الأيدي العاملة الرخيصة التي استوردها الرأسماليون من البلدان المتخلفة من أجل تلبية الحاجة لاعادة البناء لما بعد الحرب تذكر بمرحلة التكوين البدائي للرأس المال المرعب. ذلك لأن بؤس العمال المهاجرين هو الذي يلخص بؤس البروليتارية كطبقة لا تملك سوى قوة عملها. ففي ظل ظروف لا انسانية للعامل المهاجر ظهرت طبيعة قوة العمل بوضوح، كسلعة بسيطة يشتريها مالكي العبيد الجدد البرجوازيون بأرخص الأسعار من أجل مراكمة رؤوس الأموال. وحالما انتهت عملية اعادة البناء لما بعد الحرب العالمية الثانية في نهاية عقد الستينات، أعلنت البلدان المستقبلة عن امتلائها بالكامل وبدأت في كل مكان عملية إقفال الحدود. ومنذ سنة 1963، اتخذت اجراءات تضييقية في سويسرا، ثم جاء دور بريطانيا ثم ألمانيا ثم فرنسا التي قررت، مع ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية والبطالة، الإقفال الكامل لحدودها أمام الهجرة سنة 1970. لكن، هذه الاجراءات لم تتوقف هنا. فكلما تعمقت الرأسمالية في أزمتها كلما ستؤدي البروليتارية في مجموعها تكاليف هذه الازمة. ومع ظهور الموجات الأولى من التسريحات، ستلقي الرأسمالية على قارعة الطريق بالعشرات الآلاف من العمال، حيث سيبدأ ترحيل البروليتارية المهاجرة، أو طردها خارج الحدود الأوروبية. وأمام عدم فعالية الأساليب الهادئة وتقديم مساعدات لاجل الرحيل، تم اعتماد مبرر محاربة الهجرة السرية، حيث تم ترحيل الآلاف من العمال نحو بلدانهم جماعيا أو اقتيادهم بالسلاح تحت الاعتقال الى ما وراء الحدود الوطنية. فعندما أصبحت الطبقة العاملة المهاجرة اليوم غير ضرورية، قامت جميع الحكومات "الديموقراطية"، اليمينية واليسارية، بإعادة هؤلاء للهلاك في بلدانهم بعدما تم استعمالهم كالحيوانات في الاشغال الشاقة خلال أكثر من عقدين من الزمن. كما رافقت الطبقة المهيمنة هذه الاجراءات بدعاية خسيسة لا أخلاقية مناهضة للمهاجرين بهدف وحيد هو تقسيم الطبقة العاملة. ثانيا: التضامن العمالي ضد البؤس الذي تنشره الرأسمالية في الواقع، الحملة ضد المهاجرين لا تستهدف فقط تقسيم الطبقة العاملة بين بروليتارية محلية وأخرى مهاجرة، بل تستهدف الهجوم المباشر على الوعي الطبقي البروليتاري. ومن خلال دعاية البرجوازية المتعفنة، الباحثة عن غطاء إيديولوجي لإخفاء البؤس المتفاحش للبروليتارية والذي بدأ ينكشف للجميع: الإفلاس التاريخي للرأسمالية، عدم قابلية نمط الانتاج الرأسمالي للاصلاح. ان الطبقة المهيمنة تحاول إخفاء عجزها عن تحقيق أدنى طموحات الطبقة العاملة. إن طرد العمال المهاجرين الذين تحكم عليهم الرأسمالية بالمغادرة للموت جوعا، يشكل نفس المصير الذي يخصصه هذا النظام المجرم للملايين من البروليتاريا المحلية التي يتم القائها بشكل نهائي الى العطالة. فليس هناك أي قانون "مناهض للهجرة" سيعالج الأزمة غير القابلة للعلاج والتي تزعزع النظام الى درجة الاحتضار. فالتسريحات الجماعية ستستمر في تكسير ظهر العمال سواء كانوا محليين ام مهاجرين. كما أن "الحق في الأرض" الذي تراهن عليه البرجوازية، ليس شيئا آخر سوى حق، البروليتارية، في الموت من الجوع والبرد "في بلدانهم" كما تؤكد على ذلك الطبقة العاملة المتزايدة التي لا سكن لها والمتسكعة في المدن الكبرى. فليست الهجرة هي المسؤولة عن الأزمة والبطالة. بل الأزمة والبطالة الناجمة عن الانهيار المتزايد للاقتصاد العالمي الذي، في محاولة منه تسوية ظروف عيش البروليتارية، حول أكثر فأكثر الطبقة المستغلة الى طبقة مقصاة من الحياة، بدون عمل، بدون سكن، إلى مهاجرين. لقد خلقت الرأسمالية عن طريق تمديد هيمنتها على الكوكب بكامله، طبقة عاملة عالمية. فاذا كان التهديد "بهجوم" الطبقة العاملة المهاجرة الهاربة من الاستغلال المزدوج في بلدانها، نحو حدود أوروبا ، والذي أصبح سشكل كابوسا مرعبا لبورجوازية البلدان الأكثر تصنعا، فذلك لان الرأسمالية العالمية وصلت نهايتها التاريخية. ان الهزات المرافقة لاحتضارها تترجمها عطالة وبؤس وجوع، الملايين من البروليتارية التي لن تجد في أي مكان مع الأسف أرضا تستقبلها قادرة على منحها وسائل عيشها وبقائها. بينما كانت الهجرة في الماضي تشكل ظاهرة مصطنعة بجميع تفاصيلها تتحكم فيها بدقة الرأسمالية التي كانت تعيش مرحلة صعود مستمر، أصبحت اليوم في ظل التدفقات الهائلة للمهاجرين المنفلتين من مراقبة البرجوازية تحدث رغبا في قلوب هذه الطبقة وتشكل تعبيرا واضحا عن تعفن النظام وعدم قدرة البرجوازية المحتضرة على الاستمرار في الحكم بدون وحشية. واذا كان دخول الرأسمالية نحو مرحلتها النهائية، مرحلة تفككها، فإن الهجرة أصبحت تظهر الآن كالسرطان بالنسبة للطبقة المهيمنة، ولأن الرأسمالية نفسها أصبحت كارثة على الإنسانية جمعاء. وفي مواجهة البؤس وبربرية هذا النمط الإنتاجي الآخذ في التفسخ، ليس هناك أية آفاق بالنسبة للطبقة العاملة، من هنا ينبع الرفض الصارم للمنافسة وأنانية المستغلين فمهما كان اصل المهاجرين ولغتهم ولون بشرتهم فليس للبروليتارية أية مصلحة مشتركة مع الرأسمال الوطني. كما أن مصالح البروليتارية لا يمكن الدفاع عنها حقيقة سوى بتطوير التضامن الطبقي الدولي في كل مكان، عن طريق رفض انقسام العمال المهاجرين والعمال المحليين. ويجب أن يتأكد هذا التضامن، عبر رفض الحملات البرجوازية، سواء تعلقت بكراهية الأجانب أو ذات الطابع العنصري، وعبر التطوير الواسع لنضالها على أرضيتها الطبقية في مواجهة كافة الهجومات التي تتعرض لها يوميا. فقط عبر تأكيد مصالحها المشتركة في الصراع، تتمكن البروليتارية من تجميع كامل قوتها، وتأكيد نفسها كطبقة عالمية متضامنة وموحدة، من أجل القضاء على الوحش الرأسمالي قبل أن يكتمل تدميره للكوكب بكامله. مراجع: كتبت هذه الورقة انطلاقا من نقاش جمع عدد من الباحثين في باريز يومي 1 و2 أكتوبر 2011 للإعداد لندوة دولية حول موضوع "الشباب الافريقي في مواجهة الأزمة والهجرة" وقد استندت أساسا في الكتابة على بعض الكتابات المقدمة في الندوة خاصة منها: La classe ouvrière est une classe d immigrés، وقد وجدتها بعد ذلك منشورة في الموقع الالكتروني التالي: http://fr.internationalism.org/ri369/immigration.htm بالنسبة للاحصائيات حول الهجرة حول لعالم يمكن الرجوع الى المصدر التالي: http://translate.google.co.ma/translate?hl=fr&langpair=en%7Cfr&u=http://www.migrationinformation.org/datahub/ الهدف من كتابة هذه الورقة ونشرها في الحوار المتمدن يوم 5 أكتوبر 2011 هو من أجل فتح النقاش حول الطابع الأممي للبروليتارية سواء كانت محلية أو مهاجرة وأن معاناتها مترتبة عن اضطهاد البرجوازية لها، مما يقوي تلاحمها في صراعها الطبقي ضد الامبريالية والكومبرادور
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النظام الاقتصادي الرأسمالي على حافة الانهيار
-
سنتتبع الانتخابات ونؤكد المسافة التي لا زالت تفصلنا عن الديم
...
-
المغرب يعاني أزمة مالية آخذة في التعمق
-
دور جمعية - المعطلين- في عودة الفعل النضالي للجماهير الشعبية
-
دور البرجوازية الصغرى في الحراك الجماهيري المغاربي والعربي
-
بركان الانتفاضات المغاربية والعربية
-
كيف تتحرك الأشياء؟
-
تعمق الأزمة الثورية عالميا ومواجهة البروليتارية لعملية تفريغ
...
-
الأزمة الاقتصادية والثورة البروليتارية
-
الانظمة الرجعية تشن الحرب على شعوبها الآن !!!
-
الشعب يريد اسقاط النظام
-
مسار الحراك الاجتماعي المغاربي والعربي
-
احتجاجات حركة 20 فبراير وارتسامات المشاركين
-
تعمق الصراع الطبقي وضرورات مواجهة الكادحين للثورة البرجوازية
...
-
استراتيجيات خداع الجماهير
-
ميكانيزمات التمرد الشعبي في البلدان المغاربية والعربية ودور
...
-
الوعي الثوري في المغرب
-
من أجل تحرر شعوب البلدان المغاربية والعربية
-
شباب البوعزيزي يواجه الأنظمة المجرمة المجوعة لشعوبها
-
تساقط حكم المافيات المغاربية والعربية الواحدة تلو الأخر
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|