فينوس فائق
الحوار المتمدن-العدد: 1038 - 2004 / 12 / 5 - 08:43
المحور:
القضية الكردية
سيشارك الكورد في الإنتخابات العراقية لأنهم أصحاب تجربة ديمقراطية غنية
ليس في العراق فقط و إنما في المنطقة كلها
فينوس فائق
صحفية كوردية مقيمة في هولندا
الإنتخابات العراقية القادمة ، هي الأولى من نوعها ليس في زمن مابعد الطاغية و في العراق فقط ، و إنما تأريخ في منطقة الشرق الأوسط بأسرها ، إن أريد لها النجاح ، أو إذا أراد لها بعض التيارات السياسية و الدينية و حتى دول الجوار النجاح ، فهي أول إنتخابات تجري في المنطقة في أجواء ديموقراطية و بعيداً عن شبح الدكتاتورية ، ولا يهم من أتى بالديمقراطية ، المهم أن هناك ديمقراطية يجب أن تكون ، و لا يهم إن كانت الديمقراطية بمقاييس أمريكية المهم أنها ديموقراطية و السلام ، و المهم أنها ليست ديموقراطية مع وقف التنفيذ على شاكلة ديموقراطية الدول العربية الموقوفة عن العمل أو المصابة بالشلل "المعذرة للعبارة" ، لأنه و الكل يعرف أنه ليست هناك دولة عربية في المنطقة ترعى الديمقراطية ، فكل الدول متفقة على أن الديموقراطية صرح مكتوب عليها ممنوع الدخول ليوم الدين ، أو أنه جسم كهربائي ممنوع اللمس ، من يقترب يتكهرب و يموت ، هكذا تعودنا أن نتخيل جسم الديمقراطية.
الإنتخابات العراقية على الأبواب ، ربما هو تجسيد لهذه الديمقراطية ، و لكي لا نسبق الأحداث ربما لن تكون كذلك ، و الكل يتهيأ لهذه الإنتخابات بطريقته ، لأنها ليست إجراء إنتخابات الكل يعود إلى داره في نهاية يوم التصويت ، إنها بداية عهد جديد ، لذلك ترى الإستعدادات غير عادية ، المواطن البسيط ، بائع الخضر ، ربة البيت ، الموظف ، الفلاح ، العامل ، الطلاب و المدرسين ، الكل على حد سواء من يحق له و حتى من لا يحق له التصويت يتهيأ لها على طريقته ، إنها أول إنتخابات حتماً لن تكون التنيجة 99,99% لصالح مرشح واحد ، و إن كنت أسبق الأحداث.
وهنا للشريحة المثقفة والواعية طقوسها الخاصة للتهيوء لأجواء الإنتخابات ، الكاتب بكتابة مقال سواء متشنج أو مرن أو عادي ، الصحفي بإجراء تحقيق أو إعداد ملف ، و آخر بإجراء المقابلات ، و قنوات التلفزة ببرامجها المخصصة للإنتخابات ، أنا عن نفسي و كصحفية أعددت ملفاً خاصاً بإسم "ملف الإنتخابات العراقية" للجريدة التي أعمل فيها و التي تصدر باللغة الكوردية في ألمانيا ، نعم ملف خاص بالإنتخابات ، ليس لكي أطبل للإنتخابات و أدعو الناس ليشاركو فيها ، و إن كنت أرى ذلك أيضاً يدخل ضمن مهامي الصحفية و الوطنية ككوردية ، لكن المسألة عندي و ببساطة تأخذ شكلاً آخر ، حيث أن الإحساس بمسؤولية المشاركة في الإنتخابات لا تأتي على غفلة من خلال قراءة مقال أو قراءة تحقيق صحفي ، و إنما المشاركة في الإنتخابات تأتي في تقديري لإعتبارات و أسباب ذاتية و موضوعية تخص الشخص المعني نفسه ، المقصود هنا بطبيعة الحال من يشاركون في الترويج للإنتخابات أو تشجيع الناس للمشاركة الفعالة في الإنتخابات ليس لسبب و إنما لأنها أول إنتخابات يشارك فيها العراقيون بمحض إراتهم و ليس بقوة السياط ، فأنا لم أشارك في حياتي منذ بلوغي سن الرشد أو السن القانوني الذي يسمح لي بالتصويت بحرية و بدون إجبار إلا في هولندا و عندما حصلت على الجنسية الهولندية ، و إن كان هذا الكلام يغضب البعض ، نعم يومها أحسست أنني مواطنة حقيقية و الدولة سمحت لي بأن أصوت ، فأدليت بصوتي لأول مرة في حياتي في هولندا و فرحت جداً ، منحت صوتي عام 2002 لحزب العمل الهولندي ، مع أنه لم يفز في الإنتخابات إلا أنني سعدت جداً يومها لأنني و لأول مرة في حياتي مارست حقاً مشروعاً كنت محرومة منه في البلد الذي كان يقال أنه بلدي .
نعم سأدلي بصوتي هذه المرة أيضاً في الإتنخابات العراقية مع أنني قلتها في مقال لي قبل فترة أنني كوردية و أحلم بدولة كوردية مستقلة ، و أنا مازلت عند رأيي و مازلت أحلم ، و ما زلت أجروء على أن أحكي عن حلمي حتى و إن كلفني ذلك حياتي ، و أعرف أنه سوف لن يكلفني حياتي لأننا في زمن الإنفتاح و زمن الحريات بكل أنواعها ، فبالرغم من أنني أحلم بالدولة الكوردية أعلن عن تشجيعي للمشاركة في الإنتخابات العراقية و ذلك أيضاً لإعتبارات ذاتية و موضوعية سياسية و ستراتيجية و قومية ، نعم ، التنازل عن حق التصويت كأنه التنازل عن كوردستان ، و إن كانت لي وجهة نظر مخالفة حول السياسيين الكورد الذين يمثلون العراق داخل قاعة الجامعة العربية أو في منتجع شرم الشيخ يستمعون إلى الدعوات العروبية و التي تؤكد على أن العراق بلد عربي لا غير ، كسوريا شقيقة العراق ، التي تفعل ذلك من منطلق خوفها من نهوض حركة كوردية مماثلة في أراضيها ، فإذا كان الأمر كذلك لماذا لا يدعون الكورد يؤسسون دولتهم و يرتاح الكل ؟ ، فأنا أيضاً اقول أن العراق دولة عربية لكن بدون الكورد ، غذا منحنا الكورد حق تقرير المصير و إقامة دولة مستقلة ، سيبقى عراق عربي خالص مئة بالمئة .
لكن مع ذلك و بما أن كوردستان ألحقت مرة أخرى بالعراق طوعاً أو رغماً عنا ، فلابد لنا أن نتمسك بحق التصويت ، و يجب أن نشارك في واجب إنجاح عملية الإنتخابات مهما كلفنا الأمر ، نعم سأمارس حقي الشرعي كمواطنة على الأقل بعد زوال كابوس الدكتاتورية وأصوت على الأقل للكورد في الحكومة العراقية القادمة ، لكن سيكون تصويتي كصيام خال لي شقيق والدتي ، حيث كان لي خال ذكره الله بالخير ، كان يصوم شهر رمضان كله و يصلي و لا يفوت ولا ركعة و مساء يوم الثلاثين أي آخر يوم من رمضان وأثناء صلاة العيد كان يهدي صيامه كله إلى عمته التي ربته و رعته ، فكان يقول أنه يصوم من أجل عمته و كانت هي تفرح كأنها حصلت على هدية العيد ، و أنا أيضاً سأشارك في الإنتخابات العراقية لكن على طريقة خالي ، ليس الآن فقط و إنما في القادمة أيضاً إلى أن تقوم الدولة الكوردية المستقلة و ذلك إكراماً للقيادات الكوردية ، أو على الأقل لتبقى كوردستان داخل خارطة العراق بيد الإدارات الكوردية و ليس غيرهم ، ضمن حكم فيدرالي تعددي برلماني ، لكن ما أن تقفل صناديق الإقتراع أهدي صوتي للقيادات الكوردية في كوردستان و أعود إلى حلمي حيث أسكن ، من يدري فقد تكون هذه خطوة نحو تحقيق الدولة الكوردية ..
ما الفرق بين مشاركة الكورد من عدم مشاركته في الإنتخابات العراقية القادمة؟
غالبية الكتاب و المحللون و المتابعون للساحة السياسية العراقية يجمعون و يتفقون على ضرورة مشاركة الكورد الفعالة في الإنتخابات بإعتبارهم القوة السياسية الأقوى إلى جانب القوى السياسية العراقية في الساحة السياسية العراقية اليوم ، و أنا أقول و أتفق مع السادة و مع كل من يدعو إلى مشاركة الكورد في الإنتخابات لأسباب أهمها أن مشاركة الكورد سيعود في كل الأحوال بالفائدة على العرب و باقي الأطياف في العراق ، لأن الكورد أصحاب تجربة غنية في الديمقراطية ليس على مستوى العراق فحسب بل على مستوى المنطقة كلها ، فمن الممكن أن تكون التجربة الديمقراطية الكوردية تجربة يحتذى بها في العراق ، خصوصاً أن الكورد خاضو تجربة الإنتخابات البرلمانية في أجواء ديمقراطية قبل الآن و يمكنهم نقل تجربتهم إلى باقي أجزاء العراق ، و هم مارسو هذه التجربة قبل العراقيين و أسسوا برلمانهم الحر منذ سنوات ، و هذه تجربة يجب أن يستفيد منها العراقيون ، و عليه حتى بمقدور الكورد في أجزاء كوردستان الأخرى أيضاً أن يحتذوا بتجربة كورد جنوب كوردستان مع الديمقراطية ، و سبب آخر وهو حتى يتأكد العالم أجمع و العراقيين على وجه الخصوص أن الكورد ديموقراطيون و يحبون الديمقراطية و إنهم سوف لن يكونون عقبة في طريق تحقيق و ممارسة الديمقراطية مادامت الفيدرالية صارت قدراً لابد منه ، مع ذلك أعود و أقول ربما هذه فرصة لتقوية الوضع السياسي الكوردي خصوصاً في المستقبل ، فما عجز الكورد عن الحصول عليه في ظل النظام الدكتاتوري المقبور و هو معارض للنظام ، قد يكون بإمكانه الحصول عليه الآن إذا ما عمل على تحقيقها من موقع سياسي قوي أو من موقع السلطة ، فالمطالب ربما تتحقق إذا كان الطرف المطالب قوياً سياسياً و يطالب من موقع القوة ، و سبب آخر وهو أن اليوم هناك قوى و تيارات تمارس الإرهاب على أعلى المستويات و هي تقف عقبة في طريق تحقيق الديمقراطية كاملة في العراق ، و هم يدعون إلى مقاطعة الإنتخابات ، و لكي يثبت الكورد أنه ضد هده المساعي التي تحاول النيل من التجربة الديمقراطية التي لا تزال في بدايتها ، و لكي بثبت أنه يأتي إلى بغداد و معه تجربته الخاصة مع الديمقراطية ، فهو سيشارك في الإنتخابات ، أظن أنه حتى بهذا الشأن يتفق الكثير من الكتاب و المحللين و المتابعين للقضية الكوردية و مسيرة الإنتخابات في العراق.
لكن الذي أود الإشارة إليه هو أنه ربما ستكون هذه فرصة تأريخية ذهبية ، فيتحقق الحلم الكوردي و يحتذي بنا الكورد في الأجزاء الثلاثة الأخرى ، فتقام أربع حكومات كوردية على شاكلة الحكومات العربية في الوطن العربي ، فيكون لنا وطن كوردي و أربع حكومات ، من يدري قد تتكرر في سوريا و تركيا و إيران في المستقبل نفس التجربة و نفس الشيء و ينال الكورد ما سنناله من تجربتنا مع الديمقراطية في الوقت الحالي ، أليس من حق أكراد شمال كوردستان أن ينالو نصيبهم من الديمقراطية ، و كذلك أكراد شرق كوردستان و غربها أيضاً ، فعدد أكراد الغرب الكوردستاني يكفي لإقامة دولة على شاكلة الجارة كويت ، عدا الأجزاء الثلاثة الأخرى التي تكبرها بكثير ، أليس من حقهم هم أيضاً تحقيق حلمهم قي تقرير مصيرهم في دولة مستقلة ؟ ثم من قال أن أكراد كوردستان الأجزاء الأربعة بعد تحررهم يرغبون في العيش مع أكراد الأجزاء الأخرى ؟ و إلا لماذا لا تتحد الدول العربية أيضاً كلها في دولة واحدة و يرأسها رئيس واحد و تتبع نظام الولايات على شاكلة النظام الفيدرالي للولايات المتحدة الأمريكية؟, مع أن هذا الكلام ذو شجون و يغضب البعض من العرب مني مرة أخرى ، لكن هذا هو واقع الحال و حسب ما يقتضيه منطق العقل ، لكنه واقع لا يتحقق في الوقت الحالي ، ربما بعد مئات السنين و أنا أيضاً أعترف بذلك ..
لذلك المهم هو ما نحن مقدمون عليه من تجربة ديمقراطية و خوض إنتخابات في ظل أجواء ديمقراطية و المشاركة الكوردية الفعالة و ضرورة إثبات أن الكورد حريصون على ممارسة الديمقراطية بحذافيرها لأنهم أصحاب تجربة و خبرة في هذا المجال و أنهم يكتفون في الوقت الحالي بنظام فيدرالي تعددي برلماني يحترم حقوقهم القومية و الجغرافية و التأريخية و يؤمن لهم تعايشاً سلمياً مع العرب بعيداً عن الظغائن و الأحقاد التي زرعها الطاغية في دماء البعض..
المهم أن نعي المرحلة التي نحن بصددها و أن نستفيد من الدعم الدولي للتجربة الديمقراطية في العراق و السير نحو بناء المؤسسات الديمقراطية في ظل الفيدرالية ، و الإنتخابات هي الخطوة الأولى و الأهم..ـ..
#فينوس_فائق (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟