رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3487 - 2011 / 9 / 15 - 19:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أضواء على مقال د. عبد الخالق حسين / لماذا تمّ حلّ الجيش العراقي القديم ؟ أو العنوان الآخر / هل حقاً أمريكا قامت بحلّ الجيش العراقي ؟
رابط المقال المُحترم , والذي يصعب إختصار جملة واحدة منهُ
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=275602
ليس فقط إعجاباً بأفكار(( د. عبد الخالق حسين )) وعقلانيتهِ التي منحتهُ تلك المصداقيّة المعروفة عند الغالبية .
بل أيضاً لفتح الحوار وسماع المُخالفين ( ويا ريت بلا شتائم ) , أسلّط الضوء على هذا المقال الذي ينبضُ بالصدق والحقائق والواقعيّة الكبيرة !
*********
يبدأ بطرح السؤال الذي طالما أثارَ جدلاً واسعاً بين الجميع , حتى من يؤيّد تحرير العراق من ( صُديمْ ) كما حدث فعلاً , يقول :
يتسائل الناس , لماذا تمّ حلّ الجيش العراقي بعد إسقاط حكم البعث؟ ويوجهون أصبع الاتهام إلى أمريكا وبالأخص ( بول بريمر) الحاكم المدني لقوات التحالف في العراق في السنة الأولى من التحرير .
يدّعون أنه لولا حلّ الجيش , لما حصلت أعمال الفوضى والإرهاب بعد إسقاط حكم البعث الصدامي .
ويجيب عن ذلك السؤال كما يلي :
بدءً , أوّد التأكيد على أنّ الجيش لم يتم حلّهُ !
بل تفكك وإختفى عن الأنظار منذُ دخول القوات الأمريكية في أم قصر. فالقرار الذي أصدره بول بريمر حول الجيش جاء بعد 3 أشهر من سقوط حكم البعث .
وطيلة تلك الفترة لم يكن لهذا الجيش أي وجود , لا في الشارع , ولا حتى في الثكنات العسكرية !
على أي حال , كانت هناك ( ثلاث إرادات ) إلتقت في تفكك أو اختفاء هذا الجيش , والشروع في بناء الجيش الجديد على أسس علمية سليمة , وهذه الإرادات هي :
أولاً / إرادة صدام حسين
لقد صرح أحد قادة البعثيين الفارين من وجه العدالة في لقاء نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية اللندنية , أنّ صداماً أعطى تعليماتهِ إلى قيادة الحزب والدولة والقادة العسكريين بالاختفاء في حالة وقوع الحرب .
لأن هذا الجيش ليس بإمكانه مواجهة الجيش الأمريكي في حرب نظامية وللحفاظ على قوته يجب على الجيش الاستيلاء على جميع المعدات والذخائر العسكرية ونهبها وخزنها في أماكن سريّة كانت قد أنشئت منذ سنوات لهذا الغرض , والاختفاء عن الأنظار وشن حرب العصابات فيما بعد , وهذا الذي حصل !
والدليل على ذلك أن الجيش فعلاً إختفى عن الأنظار قبل سقوط النظام بأيام قليلة , ولذلك لم تواجه قوات التحالف الدوليّة أية صعوبة أو مواجهة ما عدا بعض الصدامات الخفيفة مع فدائيي صدام في ميناء أم قصر وبعض المناطق الجنوبية من العراق, وهؤلاء إتخذوا من النساء والأطفال دروعاً بشرية في مواجهة القوات الزاحفة نحو بغداد .
وعند وصول القوات الأمريكية إلى العاصمة, شاهدنا على شاشات التلفزة المناظر المُخزية لهروب الضباط العسكريين الصداميين بملابسهم الداخلية.
أما المحافظات الشمالية الغربية( معاقل البعث ) فلم تطلق منها ولا رصاصة واحدة, حيث تمّ تسليم المنطقة باتفاقات باتت معروفة .
فدخلتها قوات التحالف بسلام آمنين !
ومعظم هؤلاء القادة الذين سلموا مفاتيح بغداد والمدن العراقية الأخرى كانوا من أقرب الناس إلى صدام حسين .
ومن هنا نوّد أن نسأل , العرب العاربة والمستعربة :
مَنْ هُم أحفاد إبن العَلقمي ؟
هل هم خصوم البعث من الشعب العراقي ,أم العسكريون البعثيون ؟
أما بيان بول بريمرحول الجيش , فجاء بعد ثلاثة أشهر تقريباً من إسقاط النظام , وكان بمثابة توقيع شهادة وفاة لهذا الجيش !
*************
ثانياً / إرادة المعارضة العراقية وأمريكا
وفي هذه الحالة , من الطبيعي أنّ أيّة قوة عسكرية في حالة الحرب مع العدو , ستعمل على تدميرهِ , وحلّ جيشه في حالة المواجهة الجديّة .
هذا ما حصل في الحرب العالمية الثانية مع جيش ألمانيا النازية والجيش الياباني .
ولكن مع ذلك , لم يكن هناك قرار مسبق أو لاحق لحل الجيش العراقي , لأنه لم تحصل مواجهة فعلية وجدية , وما القرار بتشكيل الجيش الجديد إلا إستجابة للأمر الواقع وهو ليس قرار حلّ جيش سابق الذي إختفى بقرار صدام كما أشرنا أعلاه.
ولتوضيح هذه الحقيقة , ننقل نصاً من مقابلة أجرتها صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية في عددها الصادر يوم 10/5/2009 مع بول بريمر .
مع الاعتذار عن طول الاقتباس , لكي يطلع القراء الكرام على الحقيقة كما هي , وهذا رابط المقابلة
http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11121&article=518522
[س / نسمع الآن عدّة قصص حول حلّ الجيش العراقي , بعض الناس يقولون إنه لم يكن قرارك و بعضهم يقول إنّه كان قرار وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) , هل ما زلت متمسكا بروايتك التي رويتها في الكتاب أم أن هناك شيئا يمكن أن تقوله حول هذا الموضوع ؟
ج / إليك هذه الحقائق !
بعد تحرير بغداد في 9 أبريل 2003 تفكك الجيش العراقي .
قائد القوات الأميركية قال في 17 أبريل من تلك السنة لم تكن هناك ولو وحدة عراقية واحدة قائمة . ومعظم الجنود والضباط عادوا إلى منازلهم. أغلب الجنود كانوا من الشيعة والضباط من السنة. السؤال الذي واجهَنا ليس حلّ الجيش، والكلمة الصحيحة ليس «حل الجيش العراقي» بل «إعادة استدعاء» الجيش العراقي. نحن لم نستعمل هذا التعبير (حل الجيش) وهو خطأ. كما كتبتُ في كتابي !
{ملاحظة / إستخدمتُ هذا العنوان ( إعادة إستدعاء ) في قرائتي للمقال }
كانت المشكلة تكمن في حجم الجيش العراقي ومدى إمكانية عودة الجميع إلى جيشٍ , نظامه قاسٍ جدا.
كان الجيش العراقي يضم حوالي 12 ألف جنرال في حين أن الجيش الأميركي فيه 307 جنرالات فقط .
لذلك كان أمرا صعبا استدعاء هذا الجيش للخدمة. والصعوبة الأخرى أنه لم تكن توجد ثكنات عسكرية , حيث تمّ تدمير مُعظم هذه الثكنات، والقرار تمّت مناقشتهِ بعمق في البنتاغون، ولم يطرح أي اعتراض واحد على القرار.
س: لم يعترض أي أحد؟
ج: لم يعترض أحد
س: حتى في البيت الأبيض لم يكن هناك إعتراض؟
ج: ولا إعتراض واحد. أنا شخصيا أقف حتى الآن مع ذلك القرار وما زلتُ أعتقد أنه كان قرارا صائبا !
س: لكن لماذا يقول كثيرون اليوم ( حتى بعض الأميركيين ) إنّه كان قرارا خاطئا ؟
ج: لا أجد أي سبب للقول بأنه كان قرارا خاطئا , بل هو قرار صحيح والناس الذين يعتقدون أنّه قرار خاطىء عليهم واجب أن يبينوا لماذا كان قراراً خاطئاً. هم يقولون ذلك وأنا لن أتجادل معهم .
س: بعض الناس يقولون إنه كان من الأفضل تطهير الجيش القديم وبناء جيش جديد إعتمادا على الجيش القديم بدلا من تصفيته لأنه لم يكن كل الضباط موالين لصدام حسين؟
ج : ما قمنا به عمليا , هو بناء جيش جديد !
وقلنا إن أي شخص من الجيش القديم يريد أن يتطوع في الجيش الجديد يمكنه ذلك.] إنتهى.
من هذه المقابلة نعرف أنه لم يتم حلّ الجيش العراقي كما يدّعي البعض باستمرار !
بل تفكك الجيش وإختفى , ومن ثمّ كان لا بد من تشكيل الجيش الجديد من الجيش القديم وبشكل إنتقائي , وهو أمر لا يختلف عن تطهير الجيش من الضباط الموالين لصدام .
*************
ثالثاً / إرادة الاستحقاق التاريخي !
معروف تاريخياً أن الجيش العراقي تأسس قبل تأسيس الدولة العراقية .
بل كان الجيش الوحيد في العالم الذي كان يمتلك دولة , وليست الدولة تمتلك جيشاً.
فكان كل ضباطه عند تأسيس الدولة العراقية الحديثة من بقايا الجيش التركي من العراقيين , خرّيجي المدارس العسكرية في الدولة العثمانية كانوا قد حاربوا إلى جانبها في الحرب العالمية الأولى , إنتموا إلى الثورة العربية بقيادة الشريف حسين وأولاده .
وبعد إنهيار الدولة العثمانية , أطلق عليهم ( الضباط الشريفيين ), وساهموا في تأسيس الدولة العراقية الحديثة فيما بعد ,وحرصوا على إبقاء الموروث التركي في التمييز العرقي والطائفي ,لذلك كان هذا الجيش مسيَّساً منذ ولادته !
وعليهِ لعبَ الجيش دوراً رئيساً في عدم الاستقرار السياسي في العراق وكان سبباً للقطيعة مع التطور السلمي التدريجي الذي بدأه الملك فيصل الأول حتى وفاته عام 1933. فراح الجيش يتدخل في السياسة ويقوم بانقلابات عسكرية بين حين وآخر ,الأمر الذي حرم الشعب العراقي من الاستقرار السياسي والنمو الطبيعي وتحقيق الديمقراطية .
وعندما إغتصب البعثيون السلطة ثانية عن طريق إنقلاب عسكري عام 1968 , إرتكبوا جريمة أخرى بحق هذا الجيش , ألا وهي أدلجته !
أيّ فرض الأيديولوجية القومية البعثية على جميع منتسبيهِ من الضبّاط وضبّاط الصف , وطرد أو سجن أو قتل كل من يشك في ولائهِ لحزب البعث الحاكم وقيادته المتمثلة في شخص صدام حسين !
فكان الجيش عبارة عن حزب سياسي منظم وملتزم بالانضباط الحديدي القاسي , إضافة إلى مهمته العسكرية.
كما عمل النظام البعثي على منح امتيازات كبيرة للضباط العسكريين بحيث صاروا ينظرون إلى المدنيين نظرة دونية يخامرهم الشعور بالتعالي عليهم بأنهم أسمى من بقية أبناء الشعب.
ورغم أن شعار الجيش هو الدفاع عن حدود الوطن وفق نشيد (الجيش سورٌ للوطن) الذي كنّا نرددهُ في المدارس , إلاّ أنّهُ اُستخدم لحماية الحكومات الجائرة المتعاقبة من نقمة الشعب في جميع مراحل تاريخ الدولة العراقية الحديثة .
سواء في العهد الملكي , حيث تمّ ضرب العشائر العربية في الجنوب , وارتكب مجزرة بشعة ضد الآشوريين في الشمال , وضرب المظاهرات الاحتجاجية السلمية .
أو في العهد الجمهوري , بضرب الجماهير بالكيمياوي كما حصل ضد الأكراد في حلبجة وحملات الأنفال , أو ضد عرب الأهوار وقمع الإنتفاضة الشعبية عام 1991 , إضافة إلى إستخدام الجيش في شن الحروب على دول الجوار في العهد الصدامي .
وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك ضباط غير مُسيّسين ومخلصين للشعب والوطن , لكن كيف يمكن التمييز بين هؤلاء وغيرهم من المؤدلجين والموالين للبعث وبهذه العجالة وفي هذه الظروف العاصفة بعد التغيير؟
*******
كذلك يزعم البعض أن تسريح نصف مليون جندي دون إيجاد عمل لهم قد ساهم في دفعهم إلى الإرهاب والجريمة المنظمة .
هذا غير صحيح , إذ أنّ التجنيد قبل 2003 كان إجبارياً ,وكان الجندي يُقدّم القرابين والنذور من أجل تسريحه . بل وحتى كان البعض منهم يقوم بتعويق نفسه في سبيل إخراجه من الجيش .
فلماذا تحول التسريح بعد تحرير العراق إلى جريمة ؟
كذلك إستقبل الجيش الجديد نحو نصف مليون من هؤلاء الجنود المسرحين كعسكريين متطوعين حرفيين وبإرادتهم الحرة وبرواتب سخيّة .
كما وتمّ رفد العدد الكبير من خيرة ضباط الجيش السابق , خاصة من الذين أضطهدهم البعث .
************
من كل ما تقدم، نعرف أن الجيش العراقي القديم المسيَّس والمؤدلج بآيدولوجية البعث الفاشية , لا يمكن أن ينسجم مع حكومة ديمقراطية .
ولا يمكن الوثوق به والاطمئنان إليه في الحفاظ على أمن واستقرار البلاد وضمان عدم الانقضاض على الحكومة المدنية المنتخبة واحترام الديمقراطية.
فبقاء الجيش القديم على وضعه يعني إستمرار خطر الانقلابات العسكرية معلقاً على رقبة الحكومة الديمقراطية كسيف ديموقليس .
إذ لا يمكن الجمع بين جيش مسيَّس وحكومة ديمقراطية !
لهذا فالعراق الديمقراطي يحتاج إلى تغيير جذري لكل شيء، وخاصة في بناء قواته المسلحة , قوات متحررة من الأيديولوجيات السياسية , وأن تكون في حالة قطيعة تامة مع العقلية الانقلابية والسياسية والآيدولوجية القديمة, يتعهد فيها الضابط على إحترام القيم الديمقراطية وحماية أمن المواطن وسلامته وكرامته , والدفاع عن حدود الوطن من العدوان الخارجي , وعدم التدخل بالسياسة مطلقاً .
وهذا لا يتم إلاّ بتشكيل جيش حديث يتثقف أفراده بالقيم الحضارية الديمقراطية الجديدة , وهذا ما حصل !
إنتهى مقال د. عبد الخالق حسين
ولا أعلق على هذا المقال الرائع سوى بجملة طويلة :
ما أحوجنا الى الواقعيّة وتسميّة الأشياء بمسمياتها , والتحلّي بنكران الذات بدل نكران الجميل والجحود الذي نقابل به من أنقذنا من طاغية العصر الحديث صدام حسين , لتسقط بعدهُ ببضع سنوات باقي الطغاة في المنطقة كأحجار الدومينو !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
15 سبتمبر 2011
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟