أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - التوتاليتارية والراديكالية (البعثية- الصدامية) - أيديولوجية الخراب والانحطاط















المزيد.....

التوتاليتارية والراديكالية (البعثية- الصدامية) - أيديولوجية الخراب والانحطاط


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3481 - 2011 / 9 / 9 - 11:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التوتاليتارية على العموم هي نتاج خاص للانقطاع الراديكالي في تاريخ الأمم والثقافة. ومن ثم فهي وثيقة الارتباط بخصوصية تطور الأمم وكيفية تمثلها لتقاليد حل الإشكاليات الكبرى لعلاقة الطبيعي بالماوراطبيعي في الفرد والجماعة والدولة، وكذلك بمستوى انتقال الأمم من المرحلة العرقية إلى المرحلة القومية الثقافية. فمن الناحية الشكلية (والعملية أيضا) تسعى التوتاليتارية إلى تمثل وتمثيل الوحدانية من خلال تحويلها إلى واحدية شاملة لوجود الأشياء والأفعال والناس. وهو تناقض لا يمكن حله إلا بانحلال التوتاليتارية نفسها. وذلك لان التوتاليتارية لا تعقل خارج هذا التناقض التاريخي الذي يميز مساعي العقائد الكبرى لتمثيل "الحقائق الخالدة". بمعنى محاولتها تمثل وتمثيل ما تعتقده نموذجا افضل وأسمى لوجود الأشياء ونظام البشر.
إن آلية توليد وإعادة إنتاج التوتاليتارية ترتبط أساسا بثلاث أسباب هي كل من فقدان الحدود العقلانية في العلم والعمل، وفقدان الاعتدال العقلي – الأخلاقي، وأخيرا خلل التوازن الداخلي، الذي عادة ما يجد انعكاسه في سيادة الغلوّ والتطرف العملي. وهي أسباب تحدد ظهور وفاعلية العناصر الكبرى للتوتاليتارية، وبالأخص كل من: "مشروع بلا بدائل"، و"يقين بلا احتمالات"، و"إرادة بلا رادع"، و"واحدية عقائدية سياسية بلا روح ثقافي". أما النتيجة الحتمية لكل ذلك فهو تخريب المجتمع والدولة والوعي.
وفي الإطار العام يمكن القول، بان نتيجة التوتاليتارية هي تخريب الكلّ، وذلك لان كل سعي لفرض نموذج كلي سوف يؤدي بالضرورة إلى تدمير الكلّ. وذلك لان مفهوم الكلّ بحد ذاته صعب البلوغ حتى بالنسبة للوعي المجرد. إضافة لذلك أن الكلّ يتعارض مع الإجبار. كما انه بحد ذاته يفترض تلقائية ارتقاء جميع مكوناته. بينما التوتاليتارية في جوهرها هي نتاج الخروج على الكلّ الاجتماعي والتاريخي من جانب حفنة صغيرة لا علاقة لها بالكلّ سوى ادعاء تمثيله المطلق. وهو وهم يصنع اشد المفاهيم غلوا، وأكثر القيم رذالة، وأوسع الممارسات شناعة.
وقد جسدت التوتاليتارية البعثية الصدامية في العراق نموذجا خاصا لها أدى إلى "صناعة" نوع ربما هو الأتفه في تاريخ التوتاليتاريات بأسرها. فقد كانت في ممارساتها تجسيدا لفقدان الحدود العقلانية في العلم والعمل، وفقدان الاعتدال العقلي – الأخلاقي، وخلل التوازن الداخلي، الذي وجد انعكاسه في سيادة الغلو والتطرف العملي. أما النتيجة فهي "تنظيم" دكتاتورية بلا حدود ولا قيود، "نظامها" الوحيد هو تقنين العنف والإرهاب. بحيث جعلت من "مشروعها" لبناء العراق عقدا أبديا لا علاقة له بالتاريخ والمجتمع، وتطاولت إلى درجة لم تسمح بأي قدر من البدائل، بما في ذلك من جانب "الحزب" الذي تمثله. وأكملت ذلك بيقينها القاطع لكل احتمالات من جانب أي فرد وجماعة ومنطقة وطائفة وحزب وقومية، باختصار أنها وجدت في كل "احتمال" مهما صغر جريمة ومؤامرة وتخريبا للحق والحقيقة. مما جعلها تمارس أقسى أنواع القهر والإكراه. وأعطت لكل أفعالها المنافية للقانون والأعراف والأخلاق والحق والحقيقة صفة "الإرادة الثورية". مما افقدها تدريجيا من كل رادع عقلي وأخلاقي، بحيث دفع بها في نهاية المطاف إلى أن تلتهم نفسها بنفسها بعد إفراغ مستمر للمجتمع من كل قواه الحية. أما النتيجة فهي سيادة رؤية عقائدية لا علاقة لها بالمفهوم الحقيقي للسياسة بوصفها إدارة شئون الدولة استنادا إلى المجتمع وتنظيم قواه بما يخدم المصلحة العامة. وهي رؤية لا مكان فيها للثقافة بالمعنى الدقيق للكلمة. بعبارة أخرى، أنها أدت إلى واحدية عقائدية – سياسية بلا روح ثقافي.
أما النتيجة فهي إنتاج مستمر للرخوية والرخويات في كل مكونات الدولة والمجتمع، أي إعادة إنتاج دائمة للرخويات الراديكالية الدينية والدنيوية. وهي نتيجة ليست سوى الوجه الآخر لحقيقة التوتاليتارية بوصفها ظاهرة مميزة للهامشية الاجتماعية والسياسية في عراق القرن العشرين. فتهميش الطبقة الوسطى الذي بلغ في ظل التوتاليتارية البعثية الصدامية أقصى مدى له أدى إلى تفريغ المجتمع من قواه الحية، ومن ثم توسيع مدى الأرضية الفعلية للقوى الرثة والحثالة الاجتماعية، وبالتالي غلبة اللاعقلانية في كل نواحي الحياة، مع ما يترتب على ذلك من نمو مختلف منازع الغلو والتطرف والسلفية (الأصولية). وهي الحالة التي يواجهها العراق في الظرف الحالي، باعتبارها القضية الأكثر والأشد تعقيدا بالنسبة لإنجاز مهمة التحول صوب النظام الديمقراطي السياسي والدولة الشرعية والمجتمع المدني.
ولعل النماذج المتنوعة من الحركات السلفية المتلفعة بأسماء "أهل السنة والتوحيد" و"جيش الإسلام" و"جيش أنصار السنة"، أو أشباهها من "جيش المهدي" في "التيار الصدري" هي مجرد الصيغة الأولية الملازمة لما يمكن دعوته بمرحلة الانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية في ظروف العراق الحالية. وليس مصادفة أن تشترك هذه الحركات جميعا في التلذذ بكلمة الجند والجيش والعسكرة. فهو الأسلوب "الطبيعي" المعبر عن حال الرخوية الاجتماعية ونفسية الحثالة الرثة وفقدان العقلانية السياسية. كما أنها حالة تشير إلى "استمرار" التوتاليتارية في آثارها و"مآثرها"، والتي يشكل انعدام الطبقة الوسطى أحد العوامل الجوهرية في استفحالها وديمومتها.
وقد وجد كل ذلك انعكاسه في الاستفحال المتجدد للنزوع الراديكالي عند مختلف القوى الاجتماعية والسياسية. وهي قوى اجتماعية عراقية معبرة عن حالة عراقية فعلية. أما في وسائلها، فانها التجسيد الأكثر تخلفا لكيفية إدارة الصراع الاجتماعي والسياسي، وذلك لان "منطقها" الوحيد هو منطق السلاح لا سلاح المنطق. وهي أيضا وسيلة معبرة عن حالة عراقية فعلية. وفي نيتها تسعى للهيمنة، وهي أيضا نية معبرة عن حالة عراقية فعلية. مما يعكس بدوره الحقيقة التالية: ان النفسية والذهنية الراديكالية لا ترى ولا تسمع ولا تتذوق الا ما يجري فيها فقط!
ومن الصعب تذليل هذا الضعف التاريخي للراديكالية السياسية العراقية دون العمل من اجل بناء الدولة الشرعية ومؤسساتها والنظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني والثقافة العقلانية. وهي مكونات يستحيل بناءها دون إرساء الأسس الاقتصادية والحقوقية والاجتماعية بشكل وللطبقة الوسطى بشكل خاص. فهو الأسلوب الوحيد الواقعي والعقلاني لإعادة بناء العراق. وهي مهمة تفترض بالقدر نفسه تذليل ضعف القوى الاجتماعية والسياسية العراقية وبالأخص نفسية المؤامرة فيها. بمعنى الارتقاء إلى مصاف الرؤية الوطنية العراقية وترسيخها في الوسيلة العملية والنية الاجتماعية والغاية الديمقراطية والحقوقية. مما يفترض بدوره العمل على دمج القوى الراديكالية في المجتمع من خلال تحسين شروط وجودها الاجتماعي والاقتصادي. إذ أن قواها الاجتماعية هي إحدى اكثر القوى التي تعرضت للتخريب والدمار من جانب التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. ومن ثم فإن المشروع الواقعي والعقلاني لتذليل الراديكالية السياسية في العراق يفترض العمل من اجل إرجاع حقوقهم المهدورة كاملة من خلال دمجهم في عملية البناء الجديدة للعراق. لاسيما وانه الأسلوب الضروري أيضا لتذليل بقايا التوتاليتارية والراديكالية وإحقاق الحق والعدالة. كما أن من الضروري استكمال هذه العملية بترجيح أولوية الرؤية السياسية والبدائل السياسية في الموقف الراديكالية السياسية عموما. بمعنى العمل على استبدال الصراع المسلح بالصراع السياسي، واستبدال نية الهيمنة بنية البديل العملي للتعددية والنظام الديمقراطي، وأخيرا تأسيس فكرة النظام المدني بوصفه البديل المعقول والمقبول لكل توتاليتارية دنيوية (علمانية) كانت أم دينية.
إن النقص الذي تعاني منه الحركات الاجتماعية والسياسية العراقية ونموذجها الأكثر تطرفا في الحركات الراديكالية السياسية، نابع من طبيعة الخلل الذي يميز "الحالة العراقية" ككل، التي هي بدورها النتاج "الطبيعي" لأربعة عقود من التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. الا أن ذلك لا ينفي ما سبق للمعتزلة وان أطلقوا عليه كلمة الإرادة، بحيث توصلوا إلى الحكمة الكبيرة القائلة، بان الإنسان إرادة. ومن ثم يتحمل بصورة كاملة مسئولية فعله سواء فيما يستند إليه من قوى ويستعمله من وسائل وما ينوي القيام به وما ويهدف إليه. إذ حقيقة الإرادة هي السعي إلى ما هو معقول ومقبول بمعايير الحق والحقيقة. وهي الفكرة التي ينبغي أن تتقاسمها القوى السياسية جميعا من اجل الخروج من معارك الجسد من خلال جعلها آخر معارك الراديكالية السياسية في العراق.
كل ذلك يضع أمام جميع الحركات السياسية والاجتماعية العراقية المعاصرة بمختلف مشاربها مهمة إدراك العبرة التاريخية والسياسية والأخلاقية من تجربة التخريب الشامل للتوتاليتارية البعثية الصدامية. فهي الاتجاهات الكبرى التي تحتوي في أعماقها على بذور عقائدية للتوتاليتارية. بمعنى إدراك الحقيقة البسيطة القائلة، بان كل سعي لفرض نموذج كلي سوف يؤدي بالضرورة إلى تدمير الكلّ. مما يستلزم بدوره إعادة النظر النقدية والشاملة بالرؤية الفلسفية للأيديولوجية العملية بما يخدم توحيد الرؤية العقلانية والمعتدلة الساعية لبناء دولة المؤسسات الشرعية والمجتمع المدني. وهي مهمة ممكنة التنفيذ في حال بلورة رؤية فلسفية سياسية وعملية عن المجتمع المدني وفكرة الحرية والنظام في العراق، بوصفه الأسلوب الضروري لتذليل بقايا التوتاليتارية والراديكاليات الاجتماعية والسياسية الرثة.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوتاليتارية – أيديولوجية الطريق المسدود
- نبوة المختار – قدر التاريخ وقدرة الروح!
- السياسة والروح في شخصية المختار الثقفي
- العقيدة السياسية لفكرة الثأر الشامل في العراق (الماضي والحاض ...
- فردانية المعرفة الصوفية ووحدانية العارف
- كلمة الروح وروح الكلمة في الابداع الصوفي
- النادرة الصوفية
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (5-5)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (4)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية(3)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (2)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (1)
- مذكرات الحصري والذاكرة التاريخية السياسية
- بلاغة طه حسين وبلاغة الثقافة العربية
- شخصية طه حسين وإشكالية الاستلاب الثقافي!
- الولادة الثالثة لمصر ونهاية عصر المماليك والصعاليك!
- مصر والمنازلة التاريخية الكبرى
- الإرادة والإلهام في انتفاضة مصر
- حسني مبارك – شبح المقبرة المصرية!
- ياسمين الغضب التاريخي


المزيد.....




- هل كان بحوزة الرجل الذي دخل إلى قنصلية إيران في فرنسا متفجرا ...
- إسرائيل تعلن دخول 276 شاحنة مساعدات إلى غزة الجمعة
- شاهد اللحظات الأولى بعد دخول رجل يحمل قنبلة الى قنصلية إيران ...
- قراصنة -أنونيموس- يعلنون اختراقهم قاعدة بيانات للجيش الإسرائ ...
- كيف أدّت حادثة طعن أسقف في كنيسة أشورية في سيدني إلى تصاعد ا ...
- هل يزعم الغرب أن الصين تنتج فائضا عن حاجتها بينما يشكو عماله ...
- الأزمة الإيرانية لا يجب أن تنسينا كارثة غزة – الغارديان
- مقتل 8 أشخاص وإصابة آخرين إثر هجوم صاروخي على منطقة دنيبرو ب ...
- مشاهد رائعة لثوران بركان في إيسلندا على خلفية ظاهرة الشفق ال ...
- روسيا تتوعد بالرد في حال مصادرة الغرب لأصولها المجمدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - التوتاليتارية والراديكالية (البعثية- الصدامية) - أيديولوجية الخراب والانحطاط