|
علينا وعلى ثوارنا ألا نكون استثناء
حمدى السعيد سالم
الحوار المتمدن-العدد: 3478 - 2011 / 9 / 6 - 22:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أتابع بقلق بالغ الصراعات والمعارك الفكرية والسياسية الساخنة، التى وصلت أحيانا إلى حد التعارك والسباب والتراشق بالالفاظ بل وصل الامر الى ان البعض اصبح يخون ويصف الاخر بالعمالة او يرميه بالكفر والخروج من الدين كما يخرج السهم من القوس ، حول ما بدا أنه اختلافات فى الرؤى فيما يتعلق بقضية الدستور وقضية هوية الدولة ودور الدين فى السياسة وحقوق المواطنة....... وأتابع ما أبرزته هذه الخلافات من تناقضات ومخاوف بين الأغلبية المسلمة والأقلية القبطية فى بعض الحالات، وبين الأغلبية المحافظة والأقلية الفكرية الليبرالية فى حالات أخرى....
إلا أنه من الملاحظ أنه لا توجد اعتراضات حقيقية من قبل الأقليات فى مصر، سواء الدينية منها أو الفكرية، ضد الهوية الإسلامية الثقافية لمصر. القضية الحقيقية هى مخاوف الأقليات من استخدام الدين، أو المادة الثانية من الدستور، لكبح حرياتهم الأساسية، سواء كانت هذه الحريات تتعلق بممارسة شعائر دينية مقدسة، أو بممارسة حريات خاصة تتعلق بالملبس والمشرب والمسكن، أو حريات التعبير بما فيها من حرية التعبير الأدبى والصحفى والفنى.....
ومن حسن حظ ثورتنا المصرية أنها جاءت بدون أى دور كاريزمى لزعامة فردية أو أى دور بارز لإحدى القوى السياسية، ولا يوجد صوت مرتفع لرأى على آخر أو لجماعة ضد أخرى. لذا تموج الحياة السياسية اليوم بتوجهات وآراء متشابكة بين قوى عديدة مثل جماعة الإخوان والسلفيين والليبراليين والأقباط والأحزاب السياسية، وغيرهم، فى سابقة لم تعرفها الحياة السياسية فى مصر من قبل....
ومصر، التى تمر حاليا، كدولة وكثورة وكمجتمع، بمرحلة مخاض حرجة تتطلب منا النظر والاقتداء بتجارب دول نجحت ثوراتها ونجحت تجربتها الدستورية فى خلق إطار قانونى دستورى يحافظ على حقوق الجميع سواء مثلوا الأغلبية أو الأقليات..... ويمكن لنا أن نأخذ ما نراه مناسبا لمصر، وأن نقوم بتمصير تجارب الآخرين، وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون....وما تحتاجه مصر الآن هو «مبادىء حقوق مصرية» تعمل كمانع صلب ضد طغيان الأغلبية، وكذلك ضد تعسف الأقليات، وضد أى انحراف يمكن أن تنساق إليه الثورة، بحيث تضمنالمبادىء التوازن بين الحاكم وبين المحكومين فى الحاضر والمستقبل، وأن توفر ضمانا ضد أى استبداد الآن، ولعقود قادمة...
وبما أن «مبادىء الحقوق» ستجنبنا مخاطر عدة، وتبنى وثيقة حقوقيه من شأنها حماية الحقوق الأساسية للمصريين بغض النظر عمن سيئول إليه النصر فى المعارك الدائرة حاليا، وبغض النظر عن تركيبة مجلس الشعب القادم، وبغض النظر عن اختيار وتشكيل لجنة كتابة الدستور الجديد..... فلماذا لا يتم تبنى مثل هذه الوثيقة سريعا حتى قبل أن يكتب الدستور الجديد... فالعاقل هو من وعظ بغيره حيث يشهد التاريخ من حولنا تجارب ثورية جاءت نتيجة وجود استبداد داخلى أو وجود احتلال خارجى، وبعد نجاح الثورات لم يتحقق بالضرورة هدف إقامة دولة عدالة ومساواة وحريات ومؤسسات...
ثورة إيران ادعت أنها تهدف لإقامة نظام ديمقراطى، وتبنت نظاما يسمح بانتخاب الرئيس لفترتين كحد أقصى، وحددت مدة الرئاسة بأربع سنوات فقط، إلا أن تجاهل حقوق المواطنين الإيرانيين وحرياتهم الأساسية أجهض الثورة وأعادها إلى أحضان ديكتاتوريات دينية وسياسية منتخبة...ونفس السيناريو عرفته الثورات العربية على مدار تاريخها رغم أنها ولدت برضاء شعبى واسع... إلا أن هذه الثورات نجحت فقط فى إزاحة المحتل الأجنبى واستبدلته بديكتاتوريات محلية عسكرية فى الأغلب...... ولم تنجح الثورات الشرق أوسطية فى إقامة ديمقراطية سياسية، ولم تنجح فى تحقيق رفاهية اقتصادية....
وإذا ما تركنا الشرق الأوسط وغربنا لوجدنا فى التجربة الأمريكية نموذجا يستحق التطبيق .... فبعد نجاح الثورة الأمريكية وإعلان الاستقلال الأمريكى عن التاج البريطانى عام 1776، كان من أهم القضايا التى واجهت الدولة الجديدة هو تحديد شكل نظام الحكم، وحقوق المواطنين وواجباتهم تجاه ولاياتهم ودولتهم، ودور الدين فى الحياة السياسية....ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك أقدم دستور مكتوب فى العالم، ورغم أن الدستور الأمريكى هو أكثر الصادرات الأمريكية شعبية حول العالم، وأقدمها على الإطلاق، فقد اقتبست العديد من دول العالم مثل البرازيل وبلجيكا والنرويج والمكسيك، خبرة كتابة دساتيرها مهتدية بالتجربة الأمريكية.... إلا أن الدستور لم يكن كافيا فى نظر الكثيرين بسبب عدم ضمانه للحقوق الأساسية للمواطنين، وعدم ضمانه عدم ممارسة الدولة استبدادا أو ظلما ضد مواطنيها فى المستقبل....... وتمت الموافقة على وثيقة الحقوق فى وقت لم يكن يعرف المجتمع الأمريكى وجود أقليات دينية أو عرقية أو طائفية أو لونية.......... أغلبية سكان الولايات المتحدة حينذاك كانوا من البيض ممن يؤمنون بالبروتستانتية المسيحية....
علينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن نتبنى «وثيقة مبادىء مصرية للحقوق» على شاكلة وثيقة الحقوق الأمريكية the Bill of Rights، التى دخلت حيز التنفيذ فى عام 1791....... وتعرضت المادة الأولى من وثيقة الحقوق للحريات الأساسية مثل تلك المتعلقة بحرية الدين، والتعبير، والصحافة وحق الاجتماع والتقاضى..... من حسن حظ أمريكا أنها امتلكت شخصيات كبيرة فى تلك اللحظة الحاسمة من بدء تاريخها، من بين هذه الشخصيات بالإضافة إلى جورج واشنطن (بطل الاستقلال الأمريكى)، توماس جيفرسون الذى ساعد جورج واشنطن كثيرا وكان شريكه فى إعلان الاستقلال..... وشغل جيفرسون منصب ثالث رئيس للولايات المتحدة، لكن الأهم انه كان العقل المدبر الذى شكل الفكر السياسى الأمريكى فى هذه الفترة الحاسمة..... ويرى البعض أن تأثيره على سياسة الولايات المتحدة كان أعظم من تأثير أى زعيم سابق أو لاحق، وحتى هذا اليوم لايزال شبحه يخيم على السياسة الأمريكية ولاتزال مبادئه تقود هذه الدولة، وغالبا ما يشار إلى الديمقراطية الأمريكية بالديمقراطية الجيفرسونية كدليل على ذلك....
واعتبر توماس جيفرسون إعلان الحقوق صرحا قائما، ومثالا يجذب الشعوب الأخرى للاقتداء به..... أفكار مثل (كل الناس قد خلقوا متساوين) وأن (خالقهم وهبهم حقوقا معينة لا يجوز التفريط بها) قد وضعت فى الصدارة كمطلب ثورى أمريكى فى البداية....... لاحقا دعا ثوريون يسعون إلى كسر أغلال الظلم وضمان الحرية والعدالة، من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا وإفريقيا إلى آسيا، إلى نفس المبادئ..... وعلينا وعلى ثوارنا ألا نكون استثناء....
حمدى السعيد سالم
#حمدى_السعيد_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يتنازل الاخوان عن ملف توريثهم
-
اطلالة على حزب العدالة والتنمية التركى وسياسة تغيير المجتمع
...
-
لغتنا تتألم .... فهل من طبيب؟!!
-
الامريكان وجماعات الاسلام السياسى وجائزة النفاق العالمى الرخ
...
-
العلاقات السعودية الاسرائيلية الغامضة .. كشف المستور
-
محمد نوح ... هرم مصر الرابع وراهب الموسيقى العربية
-
لماذا لايتم فتح ملفات الخارجية المصرية فى عهد ابوالغيظ
-
عزيزى القارىء انت تحمل جاسوسا فى يدك
-
مفاجأة .. تركية مديونة لمصر ولاتريد ان تدفع
-
وفاء الحب
-
مع مشائخ السلفية مش هتقدر تغمض عينيك من النفاق السياسى
-
على خلفية وقوف اردغان خلف الفضائج الجنسية لخصومه ! هذه هى مص
...
-
عمرو موسى ... لايصلح رئيسا لمصر ... فوقوا بقى
-
نحن بحاجة لزرع وعى لمحاربة المتأسلمين
-
الاقباط بين مطرقة السلفية وسندان الاخوان
-
الشائعة وخطورتها على امن واستقرار المجتمع
-
مناظرة بين آدم وحواء
-
ايران الخمينى دولة الغموض والتناقضات
-
الصراع بين الصحافة والسياسة سينتهى حتما بهزيمة السياسة
-
جائزة نوبل هى التى خسرت عباس محمود العقاد
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|