جورج حزبون
الحوار المتمدن-العدد: 3471 - 2011 / 8 / 29 - 20:35
المحور:
القضية الفلسطينية
حسمت الانتفاضة الأولى 1987 ، أمر مركز الصراع، وأثبتت انه بالأرض المحتلة ذاتها وليس الخارج إلا داعما ومساندا ، فتجربة أيلول 70 في الأردن ثم 1975 في لبنان وحتى1982بالاجتياح الإسرائيلي ثم الاغتراب في تونس جعل هذا جميعه ( م.ت.ف ) راية نضالية وعنوناً لمسيرة شعب نحو الاستقلال وإنهاء الاحتلال ، إلا إن هذا الحسم للموقع الأول في الصراع ، خلق مناخاً جديداً فلسطينياً ، فقيادة الخارج خشيت من ظهور قيادة بديلة خاصة في معمعان الانتفاضة التي بدأ يصبح لها عناوين ،ومحاولات اسرائلية عابثة
لتشجيع قيام تلك القيادة ، مع إدراك أنهم يحتاجون لدفع ثمن ما لوقف الانتفاضة ، فذهبت تبحث كل السبل لإيجاد ثغرات تدخل إليها ، فكان إن اهتدى ( يائير هيرشفيلد ) لتنظيم علاقة مع أبو العلاء ، وبإسناد من صديقه ( رون بندوك- ) والذي يعمل والداه سفير لإسرائيل في النرويج مما شجع هذا البلد على احتضان الموقف ودعمه ، حتى وصلنا إلى اتفاق أوسلو الشهير ، الذي لقي معارضين كثر ، لم يدركوا إن حتى الموقعين كانوا يملكون من المحاذير الكثير ، إلا إن تطورات الإحداث على الأرض ، وإمكانية ضياع فرصة! ، حفزت للإسراع بالتوقيع ، على أمل إن تتمكن منظمة التحرير من تعديل الاتفاق وهي على الأرض ممسكة بالأمور ، ومنهية الانتفاضة المجيدة ،دون استئذان ممن قادوها او أطلقوها أو فقدوا او اعتقلوا ، فقد قامت السلطة الوطنية حسب ( غزة و أريحا ) أولا ، وبدأ وفود العائدين تتوالى لتأخذ مكانها في قيادة هذا الشعب ، وكاْن الانتفاضة استبدلت تمخضت ، بقيادة فلسطينية ممكن ليست محلية ، إما خوفا او رغبة في ان يدرك مواطنو الضفة والقطاع ، أنهم مجرد جمهور تلقى مساعدات لتنفيذ مهمات ، وانتهى الأمر ، ودفنت تجربة ديمقراطية ثورية شعبية عميقة يبدو أنها لن تتكرر ، وجرى إنعاش كافة النزعات الشريرة والعابثة في الشعب الفلسطيني ،
ويجب ان نذكر هنا ، غياب الاتحاد السوفيتي في تلك اللحظة التاريخية ، وهو عامل هام جدا ، ساعد على ان ينهي الشيوعيون الفلسطينيون حزبهم ، للتلاؤم مع مشروع أوسلو ، حيث أصبح الأمين العام وزيراً ، وتشظى الحزب مع خجل لبرنامج من بقي ليحمل اسماً أخر ، دون ذكر للماركسية التي بدوا يغمزون لها في الآونة الأخيرة ولو بحياء ، وهذا الحال جميعه وفر قاعدة لنهج ( أوسلو ) ودفع ممن كانوا في نظر شعبنا ثوراً وفدائيين إلى ان يعودوا ليتولوا مواقع ليسوا لها مؤهلين ،ولتغيب قيم الثورة ، وتعزز نزعات السلطة والنفوذ، ولينشر الفساد والثروة ، وتغيب روح وتثبط العزائم ، وتتوجه الناس الى الدين أكثر ويتنامى تيار الإسلام السياسي ، وتستولي ( حماس ) على المجلس التشريعي بالانتخابات ، ليس حباً من جماهير الانتفاضة ولا ضعف وعيهم ، بل كرهاً في تلك الزمرة التي تولت الأمر فأفسدت البلاد و العباد ، وكان أحيانا الاحتلال ارحم !!! .
وعلى رأي ابن خلدون ( تبدلت الأحول جملة ) ، ثم مرت السنوات ، ولم يتغير شيء ولم تقدم إسرائيل شيء ، بل بقيت الضفة الغربية مقسمة على طريقة شبه جزيرة سيناء وفق اتفاقات كامب ديفد ، المقدمة الأولى للتردي الثوري العربي . ( ABC )
وكانت الانتفاضة الثانية ، التي أخذت شكل العمل العسكري ، فأربكت الشعب ، وخلقت فئات وسلوك من البلطجة والاستقواء ، دون إدراك لم عمل على إطلاقها ان من يحمل السلاح ثائراً يستوجب إن يكون ثائرا يستوجب ان يمتلك تميزا بالوعي السياسي والثقافي ، وليس مجرد مقابل بلا هدف ، بل يطلق النار أين ما يشاء ، مما جعل النار أحيانا تنحرف الى الداخل ، فتنامت الهجرة ، وتراجع الاقتصاد ، وتفشت البطالة ، ونبتت جمعيات خيرية لتوزيع المعونات ثم نشئ من يستغل تلك المساعدات ، فشوه وجه شعبنا ، وأصبح يتطلع بأي شكل للخروج من هذا الحال ، ولذلك كانت الاستجابة عالية لمشروع الرئيس عباس بإنهاء الانتفاضة المسلحة وحصل على نسبة عالية في الانتخابات الرئاسية على ذلك البرنامج .
وقبل إن تستقر الأمور الحياتية وتنتظم ، أفرزت الانتخابات التشريعية نتائج لم تكن على مقاس ( العائدين ) ثم كان الانقسام ، حين انفردت حركة حماس بحكم قطاع غزة ، ولتقيم إمارة إسلامية هي الأولى منذ المرحلة العثمانية ، وبالتالي فهي تعتبر منجزا هاما لدعم الإسلام السياسي ، ويؤكد هذا تنامي الحركات الدينية المختلفة في قطاع غزة صاحبة اجتهادات ما انزل الله بها من سلطان ، ولقد أقامت حركة حماس في إمارتها نظاما خاصاً للآلاف من المقاتلين وأجهزة الشرطة ( والعسس) وكل متطلبات الحكم ، ومع مضي الزمن وخاصة بعد عدوان2006 تثبت مواقفها ونظامها ، وتصبح عملية إعادة المصالحة وتسوية الأمور والعودة الى بيت الطاعة ! غير ممكنة لما سبق وكانت عليه ، فهنا حوالي أربعين إلف شرطي وموظف دولة وأجهزتها ليس ببساطة فصلهم ،وليس ممكنا استيعابهم لما قد يرهق ميزانية السلطة فيما لو حقق انجاز المصالحة ، ولا اعتقد ان حركة حماس تملك قرار فض الاشتباك وإعادة القطاع إلى السلطة ، فهي مع المصالحة بشروط والتزامات لا تستطيع السلطة قبولها ، كما لا تملك السلطة إمكانية مشاركة حماس في مقاسمة القيادة !!
وهذا الوضع يذكر بأيام الانقسام في اليمن ، يوم كانت دولتين ، وهما يتسابقان على من هو الإخلاص للوحدة ، ولكن الوحدة جاءت بالدبابات ، ولا زال الجنوب يحلم بالعودة للدولة الديمقراطية .
ليس مستحيلاً إنهاء الانقسام الفلسطيني ، لكن ذلك له مقتضيات وزمن ، ولا يجوز ان تتعطل الحياة بانتظار نضوج مصالح طرفي المعادلة ، التي ما كان يمكن ان تكون على هذه الشاكلة لو كان للقوى الأخرى دوراً ذا معنى ، بغض النظر عن مسميات تلك القوى( حيث لم يعد من الصواب إطلاق تعبير يسار على القوى التي خارج فتح وحماس ) لان المهم ما هو دورهم غير التشكي والنقد والذي منه ، بل ان مرسوم إلغاء الانتخابات لثلاث مرات بذريعة المصالحة لا يخدم مصلحة الشعب التي هي اكبر من حركتي فتح وحماس ، فالمعروف ان وأضاع البلديات الراهنة متهالك وان البلاد بلا تشريع وهي حالة فريدة في التاريخ ، ولا تساعد على إن تقف الجماهير خلف قيادتها في حركة عنوانها ( أيلول ) سبتمبر وإلغاء مضامين المعاني السالفة جميعها ، بالطبع ستتحرك الجماهير دفاعا عن حقوقها الوطنية ، لكن حماسها ليس كما هو منتظر ، وهي التي لم تحترم من احتواء انتفاضها التاريخية عام 1987 ، ثم تنصيب نظام اغلبه من المحاسيب والأقرباء ووزراء ليس أفسدهم وزير الزراعة المحال للمحاكم بتهمة الفساد .
ان التوجه للأمم المتحدة على أهميته ، لا يجوز ان يسبق مصالح الجماهير وأهمها إلغاء الانتخابات، سواء بسبب المصالحة او بسبب الأمم المتحدة ، ان المعارك النضالية ليست بديلاً عن الاستحقاقات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والعمل ، ولا يمكن ان تقوم دولة فلسطينية بعد هذه السنوات من التضحية غير ديمقراطية أمنة بلا فساد أو تسلط .
#جورج_حزبون (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟