|
الرأسمالية المُتوحشة
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3454 - 2011 / 8 / 12 - 08:41
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إبتدَعَتْ الرأسمالية المُتوّحِشة ، على مدى تأريخها ، مُصطلحات ، تعّمدَتْ فيها ان تكون ، مُعّقَدة وغير مفهومة ، بل وغير مَنطقية ، وحتى عندما تَشرَح هذهِ المُصطلحات ، فأنها تُفّسِرها حسب منظورها ، الذي يتلخص في قيمةٍ رئيسية هي : الربح . ومن أبرز هذهِ المُصطلحات المُربِكة [ التضّخُم ] . فتكاد لاتمُر سنة واحدة ، إلا وتُعلِن زعيمة العالم الرأسمالي ، الولايات المتحدة الامريكية ، ان " التضخم " أصابَ إقتصادها ، وينبغي إتخاذ إجراءات سريعة لمُجابهته ، ومن أهم هذه الإجراءات : خفض الإنفاق الحكومي لاسيما الفقرات المُتعلقة بحياة اوسع قطاعات المجتمع ، مثل الصحة والتعليم والنقل ...الخ ، وفرض مزيدٍ من الضرائب ولا سيما على الطبقات المتوسطة والفقيرة . وبما انه الولايات المتحدة الامريكية ، هي الأكثر سيطرة ونفوذاً ، إقتصادياً وعسكرياً ، فأن ما يحدث فيها ، يُؤثر على العالَم أجمَع ، بطريقةٍ مُباشرة او غير مُباشرة . ان النظام الإقتصادي العالمي ، والذي صاغهُ الغَرب ، وَفقاً لمصالح كِبار الرأسماليين وأصحاب البنوك والشركات المُتعدية الحدود والمتعددة الجنسيات ، ومُضاربي البورصة .. هذا النظام فيه الكثير من الإجحاف بحق غالبية سُكان الكُرة الأرضية .. ويهدف فقط الى زيادة ثراء الطبقات الغنيةِ أصلاً . وما " المؤسسات " التي خلقَتْها ، مثل ، صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية .. إلا أدوات للتَحكُم المُتزايِد بِمُقّدرات الدول وإقتصادياتها ، ورهنها لمصالح الإحتكارات الرأسمالية الكُبرى . وبِلُغةٍ بسيطة ، فأن الدول الصناعية الرئيسية ، لاتتأثر " فعلياً " بالأزمات وتخفيض سعر العُملة العالمية اي الدولار ، بل انها مُستفيدة في كُل الأحوال .. فحين تُقّلِل الولايات المتحدة الامريكية ، مثلاً ، سعر الدولار ، فان النتيجة المُباشرة والسريعة لذلك ، هي زيادة تصدير البضائع التي تصنعها . والشئ الأهم ان الكثير من الدول التي تكنز الدولار في بنوكها المركزية ، وشركات الدول الطَرَفية .. تفقدُ فجأةً جزءاً مُهماً من ثرواتها ، في هذه اللعبة . اما الخاسر الأكبر والمُباشر والذي يُقصَم ظهره ... فهو المواطن العادي سواء في الولايات المتحدة نفسها ، او في اي مكان في العالم ... فتراه كّدَ وتعب وشقى لسنين ، من أجل ان يّدَخِر بضعة آلاف من الدولارات ، في سبيل إنشاء مشروع صغير يُحّسِن من حياته ... ولنفترض انه جمع خلال خمسة سنوات ثلاثين الف دولار ، وكان على وشك ان يفتح شركة صغيرة او محلاً مُستقلاً ... فوجد في اليوم التالي ان قيمة دولاراته إنخفضتْ ، وان الشركة او المحل ، الذي كان يزمع فتحه ، إرتفعتْ تكاليفه من 35 الف دولار الى خمسين الف .. وجميع اسعار السلع والبضائع إرتفعتْ ، بحيث ان احلامه أصبحتْ مستحيلة التحقيق !. أما خسارة الدول الطرفية ، فخير مثال على ذلك ، هي الخسارة الفادحة والتي تجاوزتْ مئات مليارات الدولارات ، التي فقدتْها دول الخليج العربي ، خلال الأزمة المالية العالمية في 2008 ، ولاسيما السعودية والامارات وقطر ، من جراء أموالها الطائلة المودَعة في بنوك أمريكية ، أشهرتْ إفلاسها أبان الازمة ! . وما يجري اليوم ، هو بالتأكيد أكثر خطورة من أزمة 2008 ، واعمق تأثيراً .. ولأن الغرب مُرتبطٌ مع بعضه البعض إقتصادياً ومالياً .. فأن المخاطر ستتجاوز الولايات المتحدة ، لتصل الى منطقة اليورو ، والعالم كله . فالإصلاحات الترقيعية لإنقاذ اليونان من الإنهيار ، لاتفيد .. حيث ان دولاً أكبر وأهم في طريقها الى بؤرة الأزمة الخانقة ، مثل البرتغال وايرلندا ، بل ان أسبانيا وايطاليا مُرشحتان لذلك قريباً . ان الازمات المتلاحقة خلال السنوات الاخيرة ، كشفتْ للعَيان مساوئ النظام الرأسمالي ، وعجزه عن حَل المشاكل الاقتصادية والمالية .. وما تقوم به أعتى الدول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة والمانيا وغيرها ، من " تدّخُل الدولة " لإنقاذ البنوك الكُبرى ، وحتى التدخُل في السوق وآلياته .. هو في الحقيقة ، مُناقض تماماً ، للنظرية الرأسمالية القائلة ب " حرية " السوق وحرية التجارة .. وما إضطرارها لمُناقضة نفسها ، إلا دليلاً على إفلاس النظرية الرأسمالية . الجَشَع اللامُتناهي للشركات الغربية العملاقة ، المُتحكِمة بالإقتصاد العالمي ، وإستعدادها الطبيعي ، للدَوْس على مصالح الشعوب ومصالح الطبقات الفقيرة .. واللاعدالة المُفرِطة في توزيع الثروات .. هي التي تؤدي في الواقع ، الى ظهور هذهِ الازمات المتعاقبة ، والتي كما يبدو سوف تستمر وتشتد في المرحلة المُقبلة ... وذلك مُؤشرٌ على ان الوقت قد حانَ لتوحيد جهود ونضال ، كافة الحركات الشعبية في أرجاء العالم ، المُناهضة للعولمة المتوحشة .. المُناوئة للإمبريالية الجديدة ، ومؤسساتها مثل : مجموعة الثمانية ، البنك الدولي ، صندوق النقد الولي ، منظمة التجارة العالمية .
#امين_يونس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إهمال الأطفال في العطلة الصيفية
-
ألشَرَف
-
على هامش إجتماع قادة الكُتَل
-
بالروح .. بالدَم نفديك
-
رجعيو البصرة وشيوعيو الموصل !
-
إبتسامات رمضانية
-
إنقلابٌ صامت في تركيا
-
الغُربَة .. وفُقدان الذاكرة
-
جَشع التُجار .. وحماية المُستهلِك
-
زيارات الرؤساء .. مَحَلِياَ
-
ايران والحدود مع العراق
-
سياسة فرنسا وتأثيراتها على العراق
-
ترشيقٌ على الطريقة العراقية
-
بين - الميتِنك - و - الإيتِنك -
-
الصحة النفسية لرؤساءنا
-
حكومتنا وصناعة الإحباط
-
يومٌ إيراني مشؤوم في العراق
-
- عصا - عُمر البشير
-
الفساد و - الأثر الرجعي -
-
المصريون و - الإستكراد - !
المزيد.....
-
تحليل.. بوتين حقق انتصاران كبيران بلقاء ترامب في ألاسكا.. إل
...
-
شاهد تعابير وجه بوتين خلال أسئلة صحفيين.. ماذا يكشف؟
-
تغيير بوتين للبروتوكول خلال لقاء ترامب يثير تفاعلا.. ماذا حد
...
-
مسؤول أمريكي ينشر فيديو لبوتين لحظة تحليق مقاتلات وقاذفة الش
...
-
تمرين عسكري يخرج عن مساره: الجيش الألماني يتسبب بتدمير -مدفن
...
-
-إعصار الملح- والقصة الخفية لاختراق شبكات الاتصالات الأميركي
...
-
منظر الجيش الأمريكي يفرش السجاد الأحمر لبوتين وتصريح متحدثة
...
-
تحديث مباشر.. نتيجة لقاء بوتين وترامب في ألاسكا
-
المعارضة الفنلندية تهدد بحجب الثقة عن الحكومة ما لم تدعم الا
...
-
حماس: إدراج الحركة بالقائمة السوداء الأممية باطل
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|