أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز الحافظ - ريشة... سوق الخضّارة














المزيد.....

ريشة... سوق الخضّارة


عزيز الحافظ

الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 19:40
المحور: الادب والفن
    


في سن السابعة عشر كانت العطلة الصيفية تُمثّل له سعادة غامرة عندما يتوجه صحبة أبيه إلى البصرة لإن اعمامه الثلاثة هناك. لم تكن مخيلته إلا طاوية للمسافة البعيدة والمسير الشاّق نحو حبه الغامر لهم كل سنة يترقّب فيها مجيء العطلة بعد نجاحه الدراسي المضمون كل سنة، مستبشرا جذلا يتراقص الفرح في مآقيه وهو يمّر بكل تلافيف وعورة الطريق وبعد المسافة البريةبين بغداد والبصرة غير آبه إلا للقائهم بشوق بعد حين وحنين .يعرف أين يجد أعمامه فالصغير يعمل سائقا في موقف سوق الخضّارة والوسط يعمل في شارع أبو الاسود الدؤلي والاكبر يعمل في بناء الدور بلامكان... ولانهم يبّكرون بالقدوم للبصرة، يصلونها مع ذروة الظهيرة فيعزف عمّاه عن إكمال يوم العمل فرحة لاتوصف بلقياهم. يصل دارهم والفرح يحلّق بين جوانحه كنار ألهب من قيظ تموز البصرة... وأي دار تلك في نهير الليل! لاحدود ولاسقوف إلا سعف نخيل وكأنه في فينيسيا! حيث يميل الماء للخضرة وصوت البط والدجاج ونقيق الضفادع ليلا وشموخ النخيل والفوانيس والاللات تّنير له ظلمة المكان الموحش بفقرهم ولكنه كان يرى في فرحتهم بلقائه ومسّرتهم ،كل انوار الكون وبروجكترات ملاعب المانيا واليابان الكروية بديلا تُنيرُ حلكة نهير الليل لتُحيله نهارا يُنسيه بعوضا مستديم الرقود والعصف والقصف!!ساعات وساعات لايعرف كيف يفارق التلفزيون في بغداد وهنا لايعرف إلا المذياع وعلى نضوب بطاريات تجعل عمّه الأكبر يضرب به الارض عدة مرات ليتكلم! أو يوجهه 100 درجة بالاستدارات حتى يتمايل المذياع كالسكارى ليلتقط موجة عللها تُسعِدُ الزائر البغدادي من وحشة قرف هو به جذّل حد الوله!
توجه مع عمه الاصغر لسوق الخضّارة فلاحاجة لوصف السوق وإكتظاظه وأفعوانية الباعة نساءا ورجالا واطفالا والصياح المدوّي والنداء الترويجي للبضائع وحركة الحياة التي جعلته وقتها عكاظ البصرة المنزلي لاالشعري فقد حرص أعمامه على توفير كل الفواكه التي يحبها والتي لايحبها كجزء ليس من كرمهم فحسب بل من توجسهم ان لايعجبه فيهم مايكتمه عنهم في طبعه السكائتي السكوني. كان موقف السيارات هناك قريبا من السوق تحمل خمسة ركاب لخمس مناطق مختلفة في البصرة وبأجور يُتفق عليها وهذا لم يراه في بغداد حين يستقل التكسي واحد فقط. حرص عمه على ان يكون بجانبه في المقعد الامامي المُتسع للراكبين..أمتلىء المقعد الخلفي بالمتبضعين مع مايحملونه معهم بقي راكب واحد وهو ينتظر مع عمه قدوم ذاك الخامس المجهول وسط زحمة وتسارع الزمن لدى سائق آخر ينتظر التقبيطة أي إكتمال عدد الركاب ليأخذ دوره...وإذا تُقبل من بين سواد العباءات السوداء المتعددة اللون الاصفراري...عباءة منوّرة براّقة كالسيسبان على الطريقة الكويتية تتقمصها أوتُشغلها فتاة في ربيع العمر تنهض خلايا السواقين وسط موجة الحرّ الشديد الصباحي والتعرّق والتأفف لمدّ الإعناق لهيبة قدومها! كانت مقدمة شعرها الاحمر الطبيعي لاالمُخادع المصبوغ وإستدارة أقراطها المتدلية كعنقودي عنب.. تأسر مشاهد العيون مع بياض وجناتها والاحمرار التعرقي من شدة القيظ وثوبها المطرز في كل جزء مدعاة للتندر اللحظي وإلتفاف الرقاب وإعوجاج الأعناق وإتساع حدقات العيون ..فلا زمن للمعاكسات ولازمن للتحرّش ..أكتمل العدد! سألتْ عمي؟ قال أركبي بعد إبن اخي! جاورته في المقعد الأمامي.. فهرب من جورها وجوارها لحد الالتصاق بعمه السائق... كان زيه بغداديا صرفا فخيّم الصمت بعد إنطلاق السيارة ولكنها نشرت عبق حضورها بالإقتراب منه رويدا رويدا مع تمايل السيارة عند الاستدارات المعروفة وهو في قمة التخوّف من كتلة نسائية كقنبلة غير منفلقة جنبه! ثم اعطت له تطمينا غريبا بعدما يأست من إستجابته لهجومها بحصاد المكان! لتترك ليديها إطلاق عنان العباءة عن نصف جسدها العلوي بما يجعلها امام نواظره كقطعة كيك شهية دون جدوى! لازال متسمرا مذهولا مرعوبا من تجربة قد تقضي على احلامه بعطلة هناء مع احبته! أستدارت له فجأة وقالت باللهجة البصرية المحببة اللطيفة: خوية! أنته منين؟ وجم! لم يقو على الإجابة! تبسّم عمه فقال لها وهو منشغل بالطريق إنه إبن أخي من بغداد! قالت بغداااااد...أف أف أف بتآوه غريب جدا ةحسرة تمزّق حاجز الخوف..... ياريتني في بغداد وأسكن بغداد وتاخذني قسمة زواج لبغداد! فتغّيرت كل ملامحها وأنقبض ذاك البريق في عينيها كاظما لغيظ كتوم... ثم ألتفتت للجالس الواجم السجين العواطف! لتقول له ياريتني ياليتني ريشة! وأذهب معك لبغداد!
جعلته نسمة وهي الريشة فلم تكبده عناء الطريق.. الذي رسمت براعتها في خيال خصب لاينساه.. فأنطبعت تلك ريشة سوق الخضّارة في ذهنه ..متجاوزة لمكان وصولها السكني لتتمنى من مراهق مالايعيه.. ريشة في ملابس بغدادي من سوق الخضّارة!
عزيز الحا



#عزيز_الحافظ (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر قطعتْ الأحزان أوداجها
- للفراق فحيح مبثوث
- خانقينية الاولى على العراق وكربلاء الأولى في بكالوريا الثالث ...
- فشل للارجنتين ام لميسي حصرا في كوبا امريكا؟
- مستقبل القصف الإيراني لكردستان العراق
- باحثة كويتية تتنبأ: إيران ستقوم بتحريك جنوب العراق لاجتياح ا ...
- نساء المنطقة الخضراء العراقية معّرضات للسرطان
- أقليم كردستان العراق يحتوي بطالة الخريجين ب150 ألف دينار
- القرمزي آيات، بكبرياء تغادر الزنزانات
- لعيون الصحة العراقية/ 789 حالة سرطان في ستة أشهر بالموصل!
- ربع ألغام العالم مزروعة في العراق!
- بقوة دولتنا، صيادوا البصرة يهجرون مهنتهم قسرا!
- ياللهول!مايقارب 3-آلاف متسول في مركز مدينة الحلة العراقية وح ...
- ومضة في بريق الموت الخطوف
- حالات إنتحار طلابية بسبب الفشل الدراسي
- وزارة البيئة العراقية توافق على مفاعل وربة الكويتي بجوارنا!!
- عتب على وزارة خارجية العراق بسبب اللاعب المعتقل في البحرين(ذ ...
- صفارة من قطار ذكرياتي
- العَلَمْ البحريني حزين مع حزن العراقيين في الكاظمية
- 300 ألف قروي في الأنبار محروم من الماء الصافي


المزيد.....




- صدر حديثا ؛ حكايا المرايا للفنان محمود صبح.
- البيتلز على بوابة هوليود.. 4 أفلام تعيد إحياء أسطورة فرقة -ا ...
- جسّد شخصيته في فيلم -أبولو 13-.. توم هانكس يُحيي ذكرى رائد ا ...
- -وزائرتي كأن بها حياء-… تجليات المرض في الشعر العربي
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- -غزة فاضحة العالم-.. بين ازدواجية المعايير ومصير شمشون
- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- أبو الحروب قصة جديدة للأديبة منال مصطفى
- صدر حديثا ؛ أبو الحروف والمدينة الهادئة للأديبة منال مصطف ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز الحافظ - ريشة... سوق الخضّارة