احمد مصارع
الحوار المتمدن-العدد: 1015 - 2004 / 11 / 12 - 07:49
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
بعد انقضاء عدة قرون, من شيوع تمط معين للتفكير العلمي, كانت السيادة فيه للعقل, كان العقل في الماضي البعيد هو الفيلسوف الحر من كل القيود, وكان تفكيره غير ملتزم حتى بالنحو المنطقي في إنتاجه للمعاني, وحينها كان الفيلسوف يعتبر نفسه بحق هو مقياس
العلم, وهو الحكم العادل والمستبد ولا سلطة لخصمه عليه. الفيلسوف الأحدث منه أيد وجود خصومة ملزمة له, فأوقع تفكيره وإنتاجه في سجن الرقابة وكانت الضحية لهذا الانصياع هو الحرية, وبدلا من أن ينتج الفيلسوف منطقه, صار المطلوب أن ينتج المنطق الفيلسوف, وهذه مفارقة.
لا منطق بدون الفيلسوف والمنطق هو ظل الفيلسوف, وظل الفيلسوف نراه إن وجد الفيلسوف, وفي ضوء النهار, ولكن ماذا عن ظل الفيلسوف أثناء الليل والظلام والضباب والكسوف ؟ الأوضاع النسبية للإنتاج الفلسفي, من الوضوح الى الغموض من سيجليها ؟ هل تم الى اليوم اختراع سلطة معرفية تتفوق على الفيلسوف ؟ إذا كان نقد العقل منتجا فجمهوريات الفكر لا حاجة لها للفلاسفة, بينما يظهر العكس صحيحا, إذ أن ملكيات الإنتاج الفكري, ليست بحاجة الى من يلتقط أثمار أشجارها المتنوعة, وليت منتقدي العقل لا يصادفون سوى الثمار السامة والمرة حتى يغشى عليهم, ويتهرب الفكر الحر من رقابتهم الصارمة, بدون أهلية, وربما كان من الأفضل طرد معظمهم لفضولهم المكهرب للبيئة الروحية المصاحبة للإنتاج الفلسفي. نقد العقل والقيود المكبلة له, والتهريج المقنع والمتحول, يمتلك أقنعة تسمح له بالظهور وبأشكال جدية ومرعبة, حتى إذا نجحنا بإزاحة القناع وجدنا احد مصاصي الدماء, ونقد العقل يبحث عن قواعد لعبة ذات مباديء صارمة وملزمة, وهي دعوة من نوع غريب, يربطون السباح الماهر بحبال حقيقية ثم يقذفونه في البحر المحيط, أو يقصفونه داخل صندوق مغلق الى الفضاء الخارجي, ويطلبون منه السير بخفة حشرة عالقة بشباك عنكبوت,أمام مرأى العقل يبدوا واضحا أن نسبة ماهو منتظم علميا ضئيلة للغاية, وذلك بالنسبة الى فراغ العشوائية المعقولة أو الوحشية, فالمعقولة منها ذات فراغ متشابك وكثيف, والقوانين العلمية المستنبطة في الفراغ العشوائي هي احتمالية, ولا وثوقية , بينما الفراغ (الخبط عشوائي ) , والوحشي في حقيقته , يبث الرعب ويزلزل العقل المفكر, بل ويضع على شاشة رؤيته صورا مرعبة, وكوابيس تجعل الخيال والحقيقة, كوجهين لحقيقة واحدة, وهو ما يؤدي الى سحب الصفة السامية للعلوم المقوننة, وإذا لم يتم التعامل مع هذه الإشكالية الكأداء بروح الأمانة العلمية, فستسود الفلسفة المفكرة, والمنتجة للعلوم أمراض أصولية, ومنها الدغ مائية والجبرية, مما يعكس اتجاه ( التفكير العلمي ) ويمنعه من إلقاء أية أصباغ زاهية تمنح القلق الإنساني شبه الوجودي التفاؤلية, التي لم يعد بالا مكان الاستمرار في ضخها بدون أرصدة كافية, علم ما بعد الحداثة هو الاعتراف بصوت هامس وبالقول: لقد احتضرت فلسفة العلوم, فما العمل ؟ الأملاك الموروثة عن المرحوم (علم ) تكفي تطبيقاته لعقد أو عقدين فلماذا يفضح العلماء محراب صلاتهم وطالما أن البنك لم يفلس بعد فلماذا يعلنون إفلاسه مبكرا, ؟ وهل الاعتراف المبكر ضروري ؟
ولكن المسألة الجوهرية التي ينبغي إدراكها هي: اذالم يكن العلماء يتصفون بالأمانة العلمية, فمن هو الذي سيتصف بهذه الصفة ؟
ما بعد الحداثة هو الانهيار النفسي لأصحاب العقول ذات البعد الواحد, وأكثر بقليل, وأصحاب العادات الآلية المبرمجون بفعل النية الحسنة لفلسفة العلوم, وبسبب من رغبتهم النظامية بوجود كون نظامي, يسمح لنا بمحاججة المتمردين الخارجين على القانون المفترض أن يعاقبوا وينالوا الجزاء المناسب, فالعالم ليس صدفة
عشوائية, العالم نظامي جدا....
لقد كان المناصرين الشعبيين ل (غاليليه ) يفرحون لعبارته المرددة عبر القرون الماضية: ومع ذلك فالأرض تدور pourant ells torn )) وكـأن النصر العظيم على الأبواب !!!
واليوم, تدور الأرض أو لا تدور, هذا لايهم, فالمهم من يحكم من !!؟
لقد كف البسطاء عن إطاعة الحق المطلق, والقانون لمجرد القانون, وكذلك علماء العصر, السقوط الحر مشكلة موضوعة أمامنا ولكنها ليست مأساة, بل ليست لعنة ولا يوجد أدنى مخرج منها, في السقوط الحر بتساؤل المرء بسذاجة هبنقه: إذا لم أكن أنا هو أنا فمن هو أنا ؟؟!!!
هل يعني ذلك انهيار الحضارة ؟؟؟ قطعا لا.
المطلوب هو فهم العصر, والعصر لايعني قطعا عصر العنب ولا عصر الجماهير, الحقيقة الجديدة ستظهر جلية للعيان, بدون اشهار, وبدون اصدار بيان تراجعي عن النظام المعرفي السائد, كي نكتفي بالنظر اليه كمجرد تراث انساني, ففي مطلع الستينيات من القرن الماضي أصدر فلاسفة العصر بيانا:
يدعون فيه كل المدارس الفكرية السياسية بالتوقف عن الاستخدام السيئ للايدولوجيا, بوصفها أنساقا مجتزأة من فلسفة العلوم, وعلى الرغم من ذلك, ظلت تلك المؤسسات تصر على إخفاء تبعيتها الداروينية الأصل, مبتعدة عن الأصولية العلمية, ولكنها ظلت متفائلة بمستقبل فكري عبر (دغمائية) متحررة تعطي للارادةالبشرية الأولوية, مما أدى الى نشوب حروب دامية, راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر وعبر كل القارات في العالم,
ما الذي سيحدث عندما يكف العلم عن كونه علما, ومساواته بشكل صارم مع العقل ذاته, في وحدة ملفقة ومصطنعة, إذا كان هذا هو حال فلسفة العلم فكيف سيكون وضع المذاهب الفكرية وبخاصة السياسية منها والاجتماعية وعلى سبيل المثال, كيف سينظر الدارس للفكر الماركسي, بمكوناته (العلمية), كالمادية الجدلية في الطبيعة والمجتمع, والى الاقتصاد السياسي والاشتراكية (ألعلميه).
الرقه-20004
#احمد_مصارع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟