|
مــن ألــواح سومــر
احمد مصارع
الحوار المتمدن-العدد: 940 - 2004 / 8 / 29 - 02:19
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
هل يصدق قارئ السطور التالية ؟ (( يمكن أن يكون لك سيد ( معلم ) أو قد يكون لك ملك ( رئيس ) ولكن الرجل الذي يخشى منه، إنما هو جابي الضريبة. )) معاناة بالغة لشعب سومر منقوشة على الألواح باللغة المسمارية. وهي رسالة ألم شديد أرسلت إلينا عبر إنترنت العهد السومري منذ آلاف السنين لأحد شعوب الشرق الأوسط الكبير. كان الشعب إذن لا يخشى من المعلم والملك قدر خشيته الحقيقة من جباة الضرائب. الجباة الملاعين وغايتهم قبض الرشاوى وإتقان فنون الدلس وإفراغ جيوب الناس، لتمتلئ جيوبهم من الفقراء، أما مع الأغنياء فهم متساهلون إلى أبعد الحدود، وبمبالغ زهيدة يفرطون بالحق العام الذي يمثلونه ويغضون النظر عن أكبر التحديات والتجاوزات، وبخلاف مصلحتهم الخاصة فإنهم يظهرون كجباة غيارى على المصلحة العامة كحماة للقانون. فلماذا يخشاهم الناس حيثما كانوا من عهد سومر حتى يومنا هذا ؟ طرفة: كان أحد الجباة في العصر الحديث يتنقل على فرسه للجباية من أهل القرى. ولا يكتفي بجائزته والضريبة غير المخففة بل ويطلب الغذاء الدسم، فإذا قدم له أهل القرية البيض مع السلطة صاح عليهم غاضباً: - ( القانون فوق السلطة ) ويهم بإخراج دفتر المخالفات وحين يسمع الناس قد تدافعوا لنحر الطلي. أرجع أوراقه وكأنه يقول هذه المرة ( القانون تحت الطلي " الخروف الصغير " ) . الشعارات المعلنة في بلادنا من نوع الواقع فوق السلََطَة أو العكس. فالوحدة ما كانت ولن تكون بين شعوب الشرق الأوسط الكبير، أما الحرية فيمكن استيرادها من الخارج كأي سلعة تباع في الأسواق الخارجية وقد تأتينا على شكل مختبر كبير اسمه الديمقراطية، ونتمنى أن لا يكون على شكل فرن جهنم أما شعار الاشتراكية ففيه وجهة نظر ويمكن قراءته من عدة أوجه، فما بين اشتراكية غير شيوعية، واشتراكية عربية، اشتراكيتنا من نوع تأمين شامل للمتنفذين بالسلطة، مع إدارة الظهر للفقراء والضعفاء، فإذا كنت مقاولاً فتستطيع أن تتلقى العلاج مجاناً بقيمة مليون ليرة سورية، وإذا كنت موظفاً في الدوائر فلن تحصل على واحد بالمئة من أسهم مجانية الطبابة بالنسبة للمقاولين، ومن خارج القطاع العام فاذهب إلى أبواب الجوامع.. التأمين الصحي هزلي، والتأمين الاجتماعي لا يقل سوءاً، وموت الطبيب تعويضه يختلف عن الصيدلي وعن الموظف أو المعلم والبون شاسع في طبقات الموتى.
تشكيلة غريبة عجيبة وأنفع وصف لها هو اشتراكية عربية ولكم أن تتخيلوا مدى التعسف العربي. التداخل بين الأدوار والوظائف في بوتقة سلطة حاكمة، من الحزب والإدارات والمنظمات العامة والحكومية، كان على حساب المصلحة العامة وعلى حساب المساواة والتكافؤ في الفرص، في الحقوق، بل ترك للسلطة وجهاً واحداً هو الواجبات، فالامتيازات والمكاسب هي فقط للنافذين في هذه الدوائر ولمن دار في فلكهم، ولا تحاسب السلطة العليا جداًَ أي اختراق مهما عظم، يجري على الحقوق العامة ومن النهب المنظم الذي كون ثقافة شاذة يصعب تشخصيها بعبارات من نوع: ( مصلحة المجتمع والوطن هي من الأمور الخيالية ولا يحملها همها سوى الواهمون وفارغوا الأشغال ) حين يختلط المقدس بالمدنس، يظهر الزعيم الأوحد للدلس وهم جباة الضرائب. تستحق الحكومة السورية وهي تدير ظهرها للمجتمع، فلا تنظر مطلقاً إلى حقوق العامة في حين تحرص على الجباية الصارمة من المواطنين، وبجداره وصفها كحكومة جباية من أجل خمسين ليرة سورية ينتزع من المواطن عقد الهاتف الذي يكلفه أكثر من مئة ضعف، كما يمكن أن ينقطع عن أحد المنازل في وسط مدينة الهاتف والماء والكهرباء في يوم واحد، حتى لا يبقى إلا الهواء وخطأ الجباة أو الكومبيوترات قد لا يرد، وكذا البلدية والمالية أما الخشية من الجباة ودفعه المعلوم والمفهوم، فإنه يبقيك سالماً غانماً تتمتع بنهب الوطن كما تشاء. من الواجب علينا إذن أن نخشى من الجباة ( الكادر العلمي ) وأن نخصص الوقت الكافي للبحث ونخصص لهم مبالغ إضافية ندلسها بمهارة في جيوبهم. لا أحد يتمنى لبلاده أن يقع عليها أي مكروه. ولكن إذا وقع الوطن بأسره تحت نير الاحتلال أرضاً وشعباً حكومة ودولة ( لا سمح الله ) فسأقول منذ الآن بصراحة: إن السبب هو حابي الضريبة ومن يقف خلفه لأن الأولى عليهم أن يخشوا على مصلحة الوطن لا أن نخشاهم لمصلحة الخراب والدمار.
احمد مصارع الرقة - 2004
#احمد_مصارع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأصل والبقية تتبع
-
المتغير و الثابت في الفاعلية العربية
المزيد.....
-
منطقة بيئية فاخرة بُنيت في البحر..زادت مساحة موناكو بنسبة 3%
...
-
هذه الساعة نُحتت من نيزك ضرب الأرض قبل مليون عام..ما أبرز تف
...
-
سوريا.. آخر تطورات العمليات العسكرية للمعارضة المسلحة في ريف
...
-
أردوغان يكشف عن الهدف المقبل للمعارضة السورية بعد حماة وإدلب
...
-
-نتائج غير متوقعة من الحرب على الإرهاب-- نيويورك تايمز
-
-انطفاء إشارة المرور!- ـ -كلمة العام 2024- في ألمانيا!
-
إسرائيل: قصفنا طرق تهريب أسلحة لحزب الله بين لبنان وسوريا
-
الرئيس الأوكراني السابق يدعو لوقف إرسال جنود بلاده إلى المذا
...
-
إطلاق مضادات جوية في أجواء ريف دمشق الغربي بسبب الاشتباه بتح
...
-
روسيا تصدر بيانا لرعاياها الراغبين بمغادرة سوريا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|