|
الأُمَّة بصفة كونها -مَصْدَر السلطات-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3396 - 2011 / 6 / 14 - 15:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الديمقراطية"، ولو طاب لهم تسميتها، في الخطاب الحكومي الأردني الرسمي، "إصلاحاً"، أو "إصلاحاً سياسياً ديمقراطياً"، إنَّما هي، في جوهرها وأساسها، أنْ يُبْنى "نظام الحكم"، أو أنْ يُعاد بناؤه، بما يوافِق المبدأ "الأُمَّة هي مَصْدَر السلطات (جميعاً، في الدولة)"؛ وهي، أي "الأُمَّة"، من ثمَّ، "مَصْدَر (أي المَصْدَر الوحيد) الشرعية السياسية والأخلاقية والقانونية لنظام الحكم (لأيِّ نظام حكم)".
وسؤالي الآن، حيث أُعْلِن أنَّ "مسيرة الإصلاح قد بدأت عملياً بإطلاق اللجنة الوطنية للحوار نقاشاً وطنياً متوازِناً.."، هو "هل هذا الإصلاح (الذي بدأ عملياً بهذا الحادث أو التطوُّر) يَسْتَهْدِف جَعْل الأُمَّة مَصْدَر السلطات (جميعاً)؟".
أنْ تكون "الأُمَّة"، عندنا، مَصْدَر السلطات ليس بالأمر الذي لجهة وجوده يمكن أنْ نرى فيه رأياً مُشْتَقاً من مبدأ "التدرُّج في الوجود"؛ فالمرأة إمَّا أنْ تكون حامِلاً وإمَّا أنْ تكون غير حامِل، فليس من امرأةٍ "شبه حامِل"، أو "نصف حامِل"؛ و"الأُمَّة" إمَّا أنْ تكون (في واقعها) مَصْدَراً للسلطات وإمَّا أنْ تكون (في واقعها أيضاً) في غير هذه الحال؛ لأنْ ليس من المنطق في شيء أنْ نقول إنَّ "الأُمَّة" تصبح "تدريجاً"، أو "درجةً درجةً"، أو "شيئاً فشيئاً"، مَصْدَر السلطات (جميعاً، في الدولة).
هل "كانت" الأُمَّة عندنا مَصْدَر السلطات؟
لو كانت (واقِعياً لا نظرياً) في هذه الصفة، أي لو كانت كما ينبغي لها أنْ تكون، لانْتَفَت الحاجة ليس إلى الإصلاح فحسب؛ وإنَّما إلى الحديث عنه؛ فإنَّ أي نظام حكم يُبْنى، أو يُعاد بناؤه، بما يوافِق المبدأ "الأُمَّة هي مَصْدَر السلطات (في الدولة)" سيكون في غنى عن "الإصلاح"، وعمَّا يؤلَّف له من "لجان"، كـ "اللجنة الوطنية للحوار" التي هي بحدِّ ذاتها تحتاج إلى أكثر ممَّا يحتاج إليه المجتمع من إصلاح.
"الأُمَّة" عندنا لم تكن قط مَصْدَر السلطات (جميعاً، في الدولة). لماذا؟
لأنَّنا لم نَعْرِف برلماناً إلاَّ البرلمان الذي جاء به إلى الوجود نحو نصف مليون صوت (وتعداد سكَّان الأردن ستَّة ملايين نسمة). إنَّ برلماناً يأتي من هذا الحجم الضئيل للأصوات لا يمكن أنْ يكون ممثِّلاً للأُمَّة ولو بالمعيار الكمِّي (العدد والنسبة).
ولأنَّ هذا البرلمان لا يمثِّل "سياسياً" الأُمَّة؛ وكيف له أنْ يمثِّلها "سياسياً" وهو لا يمثِّل سياسياً حتى تلك الأقلية (من الناخبين) التي انتخبته؟!
إنَّه يمثِّلها (أي يمثِّل تلك الأقلية) بما يَجْعَل هذا التمثيل دليلاً على انتفاء معايير "التمثيل الديمقراطي".
إذا كان البرلمان ممثِّلاً للأُمَّة فإنَّه لن يكون كذلك إلاَّ إذا مثَّل الأُمَّة "سياسياً"؛ وليس من برلمان يمثِّل الأُمَّة سياسياً إلاَّ من طريق الأحزاب السياسية.
وإذا أمْكَن، في القرن الحادي والعشرين، اعتبار الأُمَّة مَصْدَر السلطات، في دولةٍ، لها برلمان، لا تتمثَّل فيه الأُمَّة عَبْر الأحزاب السياسية، فأين هي هذه الدولة؟!
في الغرب كله لن نرى من وجود لمثل هذه الدولة؛ فالبرلمان الذي لا يمثِّل الأُمَّة سياسياً (ومن طريق الأحزاب السياسية) إنَّما هو بحدِّ ذاته خير دليل على أنَّ الأُمَّة ليست بمصَدر السلطات.
ولأنَّ (في سياق الإجابة المعلَّلة عن السؤال نفسه) البرلمان عندنا (مؤسَّسةً وأفراداً) لا يؤدِّي من الوظائف والأعمال إلاَّ ما يَصْلُح دليلاً على أنَّه يَفْتِقِد صفة "التمثيل السياسي"، ولا يملك من السلطة إلاَّ ما يشبه الظِّلال منها.
ولأنَّ الحكومة لا تنبثق من برلمان سياسي ـ حزبي منتخَب، ولا تتعدَّى صلتها بالبرلمان أنْ تحظى أو لا تحظى (ولقد جرت العادة أنْ تحظى) بموافقته عليها؛ ولأنَّها لا تملك من "السلطة التنفيذية" إلاَّ ما يَجْعَلها مقيمةً في "الضواحي (لا في المركز) منها.
"الدولة"، والدولة وحدها، هي المَدْعوَّة إلى أنْ تأتي بما يشبه "المعجزة"، وهي "التجربة الواقعية" التي من خلالها تتمكَّن من إقناع الأُمَّة بأنَّ السلطة (الفعلية الحقيقية) في البلاد قابلةً للتداول الديمقراطي والسلمي (بين أحزاب وجماعات سياسية).
إذا تمكَّنت من ذلك (على استعصائه) فعندئذٍ تدب في المجتمع الروح السياسية، ويَظْهَر فيه، جماعات وأفراداً، من قوَّة "الدافع"، أو "الحافز"، السياسي ما يُحوِّل القحط في حياتنا الحزبية إلى خصب؛ فَلِمَ الأحزاب، والحياة الحزبية، إذا ما كان احتكار السلطة لا تداولها هو ما أكَّدته وأثبتته "مسيرة الإصلاح" حتى الآن؟!
ولأنَّ كل ما عرفناه وخبرناه واختبرناه من قوانين انتخابية لم يَصْلُح إلاَّ لجعلنا أكثر اقتناعاً بأنَّ "المبدأ الرُّوحاني" لهذه القوانين هو منع الشعب من حقِّه في أنْ يكون له برلمان سياسي. لقد كانت قوانين تشبه طريقاً صالحة للسير، تسير فيها بحرِّية؛ لكنَّك مهما سِرْتَ فيها، ومهماً كنت حُرَّاً في سيْرِك فيها، فإنَّكَ لن تصل أبداً إلاَّ إلى "المكان" الذي أرادوا لكَ الوصول إليه؛ وإنَّه لمكان لا يستحق أنْ تستنفد وقتكَ وجهدك من أجل الوصول إليه، فبقاؤك حيث أنت خير وأبقى.
ولأنَّ (وفي هذا ما يَعْدِل نصف الإجابة، ونصفها الأهم) الأُمَّة (التي ينبغي لها أنْ تكون مَصْدَر السلطات) لا وجود لها حتى الآن؛ فإنَّ كثيراً من جماعاتها وأفرادها لا يملكون من الدوافع والحوافز الانتخابية إلاَّ ما يَجْعَل "البرلمان غير السياسي" مَيْلاً يشترك فيه "الشعب" و"الدولة".
إنَّ "الأُمَّة" غير "مُكوِّناتها"؛ فالأُمَّة وإنْ تألَّفت من "أفراد"، و"عائلات"، و"عشائر"، و"طوائف دينية"، ليست بمجموعة من الأفراد، أو العائلات، أو العشائر، أو الطوائف. إنَّها شيءٌ يختلف تماماً عن مكوِّناته وعناصره في الخواص والسمات الجوهرية. وهذا "الكائن"، أي "الأُمَّة" التي ينبغي لها أنْ تكون مَصْدَر السلطات، هو الذي لم يَظْهَر إلى الوجود بَعْد، وإنْ ما زال مجتمعنا حاملاً به.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سورية.. حتى لا يتحوَّل -الربيع- إلى -خريف-!
-
-الاقتصاد السياسي- للإعلام!*
-
جبريل يقود -الفرقة الرابعة- في مخيم اليرموك!
-
ما معنى -أيلول- المقبل؟
-
معنى ما حَدَثَ في الجولان!
-
-إصلاح- يسمَّى -إحياء عصر الجواري-!
-
من يونيو 1967 إلى يناير 2011!
-
نظرية -الثقب الأسود-.. كوزمولوجيا يخالطها كثير من الميثولوجي
...
-
رد على الأستاذ نعيم إيليا
-
كيف نفهم -المفاهيم-؟
-
-الربيع العربي- إذا ما ألْهَم شعوب الغرب!
-
الطفل حمزة يجيب عن سؤال -إصلاح أم ثورة؟-
-
سيِّد نتنياهو.. اسْمَعْ ما سأقول!
-
خطاب يشرح خطاب!
-
-الحرِّية- هي مجتمع لا يُنْتِج ظاهرة -مخلوف-!
-
ثلاثة مواقف فلسطينية لا بدَّ منها
-
-المُؤْمِن- و-المُلْحِد-.. و-ثالثهما-!
-
-العفو- شعار الثورة المضادة!
-
الاقتصاد السياسي للرئيس العربي!
-
نكبة فلسطين إذ شرعت تنكب صنَّاعها!
المزيد.....
-
محمد بن سلمان يجدد دعوة السعودية إلى-وقف حرب غزة فورا-.. وإد
...
-
ترامب يعلن مقتل 11 -إرهابي مخدرات- بضربة أميركية استهدفت قار
...
-
هجوم بسيارة مفخخة يستهدف بوابة معسكر للجيش الليبي في بني ولي
...
-
ماكرون: فرنسا والسعودية ستترأسان مؤتمرا لدعم حل الدولتين.. و
...
-
طهران تبدي انفتاحها على التفاوض مع واشنطن وترفض أي مساس ببرن
...
-
محللون: إسرائيل تسعى لضم الضفة وتهجير سكانها وتصفية قضية فلس
...
-
مناقشات إسرائيلية متواصلة لضم الضفة الغربية
-
إسرائيل تفرج عن 9 أسرى فلسطينيين من غزة
-
ملف غزة يسيطر على النسخة الـ20 من مؤتمر بليد الإستراتيجي
-
احتلال مدينة غزة يفاقم التوتر بين نتنياهو وزامير
المزيد.....
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|