مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3390 - 2011 / 6 / 8 - 10:11
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
جورج باريت
اعتراضات على اللاسلطوية ( الأناركية )
1921
ترجمة مازن كم الماز
2
استخدم مجلس العموم و القانون من قبل الطبقة المسيطرة حاليا لتحقيق أغراضها , لماذا لا يمكن استخدامهما من قبلنا لنحقق أغراضنا نحن ؟
يقوم هذا السؤال على سوء فهم غير عادي . يبدو أنه يأخذ كبديهية أن الرأسمالية و الحركة العمالية تستخدمان نفس الأساليب ( أو الوسائل ) , لكن الرأسمالية تريد أن تجعل نظامها للاستغلال و الحكم كاملا , أما العامل فهو يريد انعتاقه و حريته , من الطبيعي أن نفس الوسائل لا يمكن أن تستخدم لهذين الغرضين ( المتناقضين ) . هذا يجيب دون شك على السؤال بشكل كافي . لكن طالما أن السؤال يتضمن اقتراحا خفيا بأن الحكومة هي عامل للإصلاح و التقدم و الثورة , فإن هذا يضع يده على النقطة التي يختلف فيها اللاسلطويون ( الأناركيون ) عن بقية الأحزاب السياسية . لذلك يستحق هذا الاقتراح أن يدرس عن قرب أبعد من هذا الجواب فقط .
لقد اعتقد أنه ما أن يصل السياسيون المتحمسون إلى السلطة حتى يكونوا من موقعهم في السلطة قادرين على يقولبوا المجتمع بسرعة حسب الشكل الذين يريدون . أصدر قوانين جيدة , كما يعتقدون , و ستحصل على مجتمع جيد . كم هذا سهل , أليس كذلك ؟ هكذا فإننا سنحصل على ثورة وفق الشروط التي وعدنا بها بلاتشفورد ( سياسي انكليزي – المترجم ) الرائع – "دون إراقة دماء , و دون أن نفقد يوما واحدا من العمل" . لكن يا للأسف ! إن الطريق المختصرة إلى العصر الذهبي هي وهم ( سراب ) . أولا , أن أي مجتمع يتشكل حسب القانون هذا غير صحيح . ثانيا لا يمكن للقانون أن يحدد شكل المجتمع , في الواقع العكس هو الصحيح . النقطة الثانية هي الأكثر أهمية . فأولئك الذين يفهمون القوى التي تدفع التقدم سيرون أن القانون يبقى متأخرا في الخلف , و لا يمكنه أبدا أن يبقى على نفس درجة التقدم التي يحققها البشر , إنه دائما يقاوم أي تقدم في الحقيقة , محاولا على الدوام أن يقوم بردة فعل رجعية , لكنه على المدى البعيد يستسلم و يسمح بحرية أكبر فأكبر . حتى أبطال الحكومة ( أكبر أنصارها ) يقرون بذلك عندما يريدون أن يحدثوا تغيرا كبيرا , عندها يلقون جانبا بظاهر القانون و يتحولون إلى الطرق الثورية . الطبقة الحاكمة الحالية , التي يفترض أن تكون دليلا حيا على أن الحكومة يمكنها فعل أي شيء , هم بحد ذاتهم , صريحون تماما في الاعتراف بأنه يمكنهم فعل القليل جدا فقط . إن كل من يدرس صعودهم إلى السلطة سيجد أنهم لكي يصلوا هناك قد قاموا بالتبشير نظريا ل , و أسسوا في الواقع , مبدأ مقاومة القانون . بالفعل من المثير للفضول حقيقة أنه مباشرة بعد الثورة أعلن أن الدعوة لمقاومة القانون هي عمل من أعمال الشغب , لكن اليوم من الشغب أن تتحدث دفاعا عنه .
لكي نوجز , نقول أنه إذا كان هناك أي منطق في السؤال , و هو لا يوجد , يمكن لنا أن نعيد صياغته هكذا : "حيث أن الطبقة المسيطرة الحالية غير قادرة على أن تحقق غاياتها باستخدام مجلس العموم و القانون , لماذا يجب أن نأمل بأن نحقق غاياتنا نحن من خلالهما ؟" .
4
من الضروري أن نتنظم لكي نعيش , أن نتنظم يعني الحكومة , لذلك فإن اللاسلطوية ( الأناركية ) مستحيلة ؟
صحيح أنه من الضروري أن نتنظم لكي نعيش , و بما أننا جميعا نرغب في أن نعيش فعلينا أن نتنظم بإرادة حرة , و لا توجد حاجة لإكراه الحكومة لكي نقوم بذلك . لا يعني التنظيم الحكومة . إننا نقوم أثناء عملنا اليومي العادي بتنظيم أنفسنا من دون حكومة . إذا أراد اثنان منا أن ينقلوا طاولة من أحد جهات الغرفة إلى جهة أخرى , فإن كلا منا و بشكل طبيعي سيمسك أحد طرفي الطاولة و لا نحتاج إلى حكومة لتقول لنا أنه يجب علينا أن نحافظ على توازن الطاولة بأن لا نذهب نحن الاثنان إلى أحد طرفيها , و السبب الذي يجعلنا نتفق بصمت على هذا و أننا ننظم أنفسنا في مواقعنا الصحيحة هو أنه لدى كلينا هدف ( غرض ) مشترك : فنحن الاثنان نريد أن نحرك الطاولة . حتى في منظمات ( تنظيمات ) أكثر تعقيدا يحدث نفس الشيء أيضا . طالما قامت هذه المنظمات ( التنظيمات ) على هدف مشترك فإنها ستقوم بعملها بشكل أوتوماتيكي بكل سهولة و يسر . لكن عندما بسبب تضارب المصالح نجمع أشخاصا ( ذوي مصالح متناقضة ) في منظمة ( تنظيم ) واحد , فإن النزاعات الداخلية ستظهر , و تصبح قوة ما خارجية ضرورية للحفاظ على النظام , سيصبح لدينا في الواقع مجتمعا حكوميا ( محكوما من قبل الحكومة ) . إن هدف اللاسلطويين ( الأناركيين ) هو تنظيم المجتمع بحيث يزول أي تضارب في المصالح , و سيتعاون البشر و يعملون سوية ببساطة لأن لديهم مصالح مشتركة .
في مجتمع كهذا ستكون التنظيمات أو المؤسسات التي سيشكلونها متوافقة تماما مع حاجاتهم , في الواقع سيكون هذا مجتمعا تمثيليا ( لا حكوميا ) .
5
كيف ستنظمون المرور ؟
إننا لن نفعل . سيترك تنظيمه لأولئك الذين يتعلق عملهم بهذه المسألة . سيقوم أولئك الذين يستخدمون الطرق ( و بالتالي لهم مصلحة مشتركة في تنظيمها ) بالجلوس معا و مناقشتها و الاتفاق على الترتيبات كقواعد السير في الطرق . هذه القواعد التي توجد اليوم في الواقع قد أسستها الأعراف ( أو العادة ) و ليس القانون , رغم أن القانون قد يأخذ على عاتقه أحيانا أن يفرضها .
هذا السؤال نرى إجابته بشكل عملي جدا كل يوم في نوادي السيارات الكبيرة , التي يدخلها الناس طوعا , و التي تدرس مصالح هذا القسم من المرور . في منعطفات خطرة أو مزدحمة مثلا يوضع حارس يدل بإشارة من يده عما إذا الطريق خال أم لا , أو إذا كان من الضروري أن تبطئ السرعة . توضع صناديق الإسعاف الأولي و محلات التصليح على طول الطريق , و تتخذ الترتيبات لكي تبلغ السائقين عن السيارات المعطلة .
قسم آخر مختلف جدا من مستخدمي الطرق و هم متعهدو النقل وجدوا أجوبة عملية على هذه المسألة . هناك حتى اليوم كل أنواع التفاهمات و الاتفاقات بين هؤلاء الرجال على من سيسير أولا , و عن المكان الذي يجب أن يأخذوه في الحدائق و الأبنية حيث يعملون . توجد بين سواقي الأجرة و سواقي التاكسي نفس هذه الاتفاقات المكتوبة و غير المكتوبة , التي يحافظ عليها بصرامة عن طريق التفاهمات الحرة كما لو أن ذلك يجري بواسطة عقوبات القانون .
افترض الآن أن تأثير الحكومة سيختفي على سائقينا . هل يصدق أي شخص أن النتيجة ستكون الفوضى ؟ أليس الأكثر احتمالا هو أن الاتفاقات الحرة التي توجد اليوم ستمتد لتغطي كل المجال الضروري ؟ و أن تلك المهام القليلة المفيدة التي تقوم بها الحكومة في هذا الشأن : ألن تنفذ بطريقة أكثر فعالية بواسطة التنظيم الحر بين السائقين أنفسهم ؟
لقد أجيب عن هذه المسألة بشكل أكبر من قبل كروبوتكين في كتابه "الاستيلاء على الخبز" . أظهر كروبوتكين فيه كيف أن المرور في قنوات هولندا المائية ( الحيوية جدا لحياة الشعب ) يخضع لسيطرة الاتفاقات الحرة , لضمان إشباع كامل لكل المهتمين بالأمر . تتعاون السكك الحديدية في أوربا كما أشار أيضا مع بعضها البعض و بالتالي تندمج في منظومة واحدة , ليس بواسطة نظام الإدارة المركزية , بل بالاتفاقات الحرة و الاتفاقات المعاكسة بين شركات مختلفة .
إذا أمكن للاتفاقات الحرة بأن تفعل الكثير الآن , حتى في ظل نظام المنافسة و الحكومة , فكم ستفعل ( ستحقق ) أكثر بكثير عندما تختفي المنافسة و عندما نثق بتنظيمنا نحن بدلا من تنظيم حكومة أبوية .
7
إذا ألغيتم المنافسة فأنتم تلغون الحافز للعمل .
أحد أكثر الأشياء غرابة عن مجتمع اليوم هو أنه بينما نظهر قدرة رائعة في إنتاج ثروة و رفاهية وفيرة , فإننا نعجز عن أن ننتج أبسط الضروريات . سيتفق كل شخص , أيا كان رأيه السياسي أو الديني أو الاجتماعي مع هذا . إنه أكثر وضوحا من أن يجري إنكاره . من جهة هناك مثلا أطفال دون أحذية , و من جهة أخرى هناك صانعو أحذية يصرخون لأنهم لا يستطيعون أن يبيعوا بضائعهم . من جهة هناك بشر يجوعون أو يعيشون على طعام غير مفيد ( غير مغذي ) و من جهة أخرى يشكو تجار المفرق من كساد تجارتهم . هناك رجال و نساء ليس لديهم مأوى ( مشردون ) ينامون على الأرصفة و يتسكعون ليلا في مدننا الكبيرة , و هناك أيضا مالكو عقارات يشتكون من أنه لا يأتي أحد ليسكن في بيوتهم . في كل هذه الحالات يترك هذا الإنتاج دون استخدام بسبب عدم وجود طلب . أليست هذه حالة لا يمكن احتمالها ؟ ما الذي يمكننا أن نقوله الآن عن الحافز للعمل ؟ أليس من الواضح أن الحافز الحالي خاطئ و مؤذي لدرجة الجوع و الخراب . الشيء الذي يحفزنا لكي ننتج الحرير و الألماس و المدرعات ( السفن المدرعة ) البحرية و دمى الكلاب , بينما نحتاج إلى الخبز و الأحذية و البيوت , هو خاطئ بشكل مطلق و تماما .
يجري الصراع اليوم على التنافس في سبيل أكبر ربح . إذا كان هناك ربح أكبر في تلبية نزوة عابرة لسيدة ما منه في إطعام الأطفال الجائعين , عندها ستدفعنا المنافسة في تسابق محموم لكي نحاول إشباع الأولى و بينما يمكن للجعمية الخيرية أو لقانون الفقراء أن يطعم الأخيرين , أو قد يتركون دون طعام , لأننا نشعر أنهم يمكن التخلص منهم دون مشاكل . هكذا تسير الأمور . و هذا هو السبب : فالمنتج و المستهلك عنصران ضروريان , تتدفق الثروة باستمرار من طرف لآخر , لكن يقف بينهما صانع الأرباح و نظامه التنافسي , و هو قادر على أن يحرف هذا التدفق إلى الوجهة الأفضل التي تناسبه . أبعده جانبا و سيصبح المنتج و المستهلك على علاقة مباشرة بينهما . عندما يذهب صانع ( جاني ) الأرباح هذا مع نظامه سيبقى هناك الحافز المفيد حقا للعمل , الذي هو حاجات الناس . إن الحاجة للأشياء الضرورية المشتركة و لأكبر رفاهية للحياة لن تكون فقط أساسية كما هي اليوم , لكنها ستكون القوة المحفزة مباشرة وراء كل من الإنتاج و التوزيع . من الواضح , كما أظن , أن هذا هو المثل الأعلى الذي يجب السعي وراءه , لأنه الوحيد في هذه الظروف حيث سيمارس الإنتاج و التوزيع لسبب شرعي – أي لإشباع حاجات البشر و و ليس لأي سبب آخر .
8
الاشتراكية أو الاشتراكية الديمقراطية يجب أن تأتي أولا , عندها قد نحصل على الأناركية , إذن اعملوا أولا لصالح الاشتراكية الديمقراطية
هذا الكلام غالبا ما يتكرر دون أن يكون وراءه أي حجج أو معنى . عمل الاشتراكي المعاصر , أو الاشتراكيون الديمقراطيون على الأقل , دائما نحو المركزة , نحو تنظيم كامل و متكامل و تحكم ( سيطرة ) أولئك الذين في السلطة على الشعب . أما اللاسلطوي ( الأناركي ) فإنه من جهة أخرى يؤمن بإلغاء السلطة المركزية و يتوقع أن يظهر المجتمع الحر إلى الوجود من الأسفل , بدءا بتلك المنظمات و الاتفاقات الحرة بين الناس أنفسهم . من الصعب لذلك أن نرى كيف يمكن من خلال خلق سلطة مركزية تسيطر على كل شيء , يمكننا أن نقترب خطوة من إلغاء تلك السلطة .
10
نحن جميعنا نعتمد على بعضنا البعض , و لا يمكننا أن نعيش حياة معزولة في مجتمع حر . لذلك فإن الحرية المطلقة مستحيلة .
لقد قيل ما يكفي من قبل ليظهر أننا لا نعتقد أنه يجب على البشر أن يعيشوا في عزلة في مجتمع حر . لنحصل على المعنى الحقيقي لحياتنا , علينا أن نتعاون , و لكي نتعاون علينا أن نتفق مع بعضنا البعض . لكن افتراض ان هذه الاتفاقات بيننا تعني تقييد الحرية هو بالتأكيد سخف , على العكس , إنها ممارسة للحرية .
لو اردنا أن نخترع دوغما ( عقيدة جامدة ) من فكرة أننا عندما نتفق فيما بيننا فإن هذا سيضر بالحرية , عندها ستصبح الحرية طغيانا على الفور , لأنها ستمنع البشر من ممارسة المتع اليومية العادية . مثلا , لن يمكنني الذهاب إلى العمل مع صديقي لأن هذا ضد مبدأ الحرية الذي يعني أنه علي أن أتفق معه على أن أكون في مكان معين لألتقي به . لا يمكنني في هذه الحالة في أسوأ الأحوال أن أوسع سلطتي ( قوتي ) أبعد مني أنا فقط , لأنني إن فعلت ذلك يجب أن أتعاون مع شخص آخر , و هذا التعاون يعني الاتفاق , و هذا ضد الحرية . سيرى على الفور أن هذا الاتفاق مجرد سخف . لكني لا أحدد حدود حريتي , بل أمارسها ببساطة , عندما أتفق مع صديقي على الذهاب للمشي سوية .
إذا قررت , من جهة أخرى , من معرفتي "المتفوقة" أنه من الجيد لصديقي أن يلعب الرياضة , و حاولت بالتالي أن أجبره على الذهاب معي للمشي , أكون عندها قد بدأت بتقييد الحرية فعلا . هذا هو الفرق بين الاتفاق الحر و بين الحكم ( الحكومة ) .
16
إذا تمكنتم من الإطاحة بالحكومة غدا و أن تقيموا اللاسلطوية ( الأناركية ) , فإن نفس النظام سيظهر عما قريب
هذا الاعتراض محق تماما , عدا أننا لا نقترح أن نطيح بالحكومة غدا . لو أنني ( أو نحن كمجموعة من اللاسلطويين ( الأناركيين ) توصلت لاستنتاج أنني سأكون محرر البشرية , و أني ساتمكن بوسائل ما من أن أطيح بالملك , و بمجلس اللوردات و مجلس العموم , و قوة الشرطة , أي بكلمة كل الأشخاص و المؤسسات التي تشكل الحكومة – لو أني كنت ناجحا في كل هذا و و توقعت أن أرى الناس يستمتعون بحريتهم نتيجة لذلك , عندها أكون أنا نفسي مخطئ جدا دون أي شك .
ستكون النتائج الرئيسية لعملي هذا أن اخلق امتعاضا هائلا من جانب غالبية البشر , و أن تعيد كل قوى الحكومة تنظيم نفسها من جديد .
من السهل جدا فهم السبب في أن هذا الأسلوب سيفشل . لأن قوة الحكومة تكمن ليس في نفسها بل في الناس أنفسهم . قد يكون الطاغية الكبير غبيا و ليس إنسانا أعلى ( سوبرمان ) . لكن قوته لا تكمن فيه هو نفسه , بل في اعتقاد الناس الذين يعتقدون أنه من الصحيح إطاعته . طالما وجد هذا الاعتقاد ( أو الخرافة ) فلا جدوى من قيام محرر ما بقطع رأس الطاغية , سيخلق الناس طاغية آخر , لأنهم اعتادوا على الاعتماد على شيء ما خارجهم .
لكن افترض أن الناس قد تطوروا و أصبحوا أقوياء في حبهم للحرية , و أصبحوا يعتمدون على أنفسهم , عندها سيقوم أكثرهم تمردا ( ثورة ) بالإطاحة بالطغيان , و مدعومين بالشعور العام لعصرهم لن يتم التراجع عن عملهم هذا . لن ينهض الطغيان أبدا من الموت . سيكون معلم بارز في تقدم الإنسانية قد جري تجاوزه و سيترك وراءها إلى الأبد .
لذلك عندما يوجه الثائر اللاسلطوي ( الأناركي ) ضربته للحكومات فإنه يفهم أنه ليس محررا ذا مهمة مقدسة لتحرير الإنسانية , لكنه جزء من هذه الإنسانية يناضل نحو الحرية .
لو أنه عندها جرت ثورة لاسلطوية ( أناركية ) جاهزة مسبقا بوسائل ما خارجية و فرضت على الناس , من الصحيح أنهم سيرفضونها و سيعيدون بناء المجتمع القديم . لكن لو أن الناس بالمقابل طوروا أفكارهم عن الحرية , و تخلصوا عندها بأنفسهم من آخر قلعة للطغيان – أي الحكومة – فستكون الثورة قد تحققت بالفعل بشكل دائم .
17
إذا ألغيتم الحكومة , ما الذي ستضعوه مكانها ؟
يبدو هذا الكلام للاسلطوي ( الأناركي ) تماما مثل سؤال المريض للطبيب , "إذا أخذت مني مرضي , ما الذي ستضعه مكانه" ؟ . إن اللاسلطوي ( الأناركي ) يرى أن الحكومة لا تلبي أي غرض مفيد . إن معظم ما تفعله مضر , و الباقي يمكن القيام به بشكل أفضل من دون تدخلها . إنها قائدة ( زعيمة ) صانعي الأرباح , و آخذي الإيجارات , و كل أولئك الذين يأخذون من المجتمع دون أن يعطوه أي شيء . عندما تلغى هذه الطبقة من قبل الناس الذين سينظمون أنفسهم بحيث أنهم سيديرون المعامل و يستخدمون الأرض لصالح مجتمعاتهم ( مجموعاتهم ) الحرة , أي لفائدتهم الخاصة , عندها يجب على الحكومة أن تختفي , بما أن الغرض من وجودها قد اختفى . الشيء الوحيد الذي سيوضع مكان الحكومة سيكون المنظمات ( التنظيمات ) الحرة للعمال . عندما سيلغى الاستبداد ( الطغيان ) ستبقى الحرية , تماما كما أنه عندما يستأصل المرض تبقى الصحة .
18
لا يمكن لنا جميعا أن نتفق و نفكر مثل بعضنا و لا أن نكون جميعا كاملين , لذلك فإن القوانين ضرورية , أو أنه ستكون هناك فوضى
لأنه لا يمكننا أن نتفق مع بعض جميعا , لهذا السبب , فإن اللاسلطوية ( الأناركية ) ضرورية . لو أننا كنا جميعا نفكر مثل بعضنا لما كان من المهم حتى لو كان لدينا قانون واحد مشترك على الأقل نخضع له جميعا . لكن كثيرون منا يفكرون على نحو مختلف , لذلك من السخف أن يفرض علينا أن نتصرف بنفس الطريقة من خلال أساليب ( وسائل ) الحكومة التي نملك ما يكفي من السخف لنسميها تمثيلية .
نقطة مهمة جدا تطرح هنا . فلأن اللاسلطويين ( الأناركيين ) يعترفون بالضرورة المطلقة للسماح لهذا الاختلاف بين البشر أصبحوا لاسلطويين ( أناركيين ) . الحقيقة أن أي تقدم قد ترافق بعملية الاختلاف , أو بزيادة الفروق بين الأجزاء . إذا أخذنا أكثر الكائنات ( العضويات ) بدائية نجد أنها ببساطة كرية صغيرة من البلاسما , أي من المادة الحية . إنها غير متمايزة تماما أي أن كل أجزائها متشابهة ( متماثلة ) . أما العضوية ( الكائن ) الذي يأتي فوقها في سلم التطور سنجد أنه قد طور نواة , و الآن يتألف الشيء الحي الصغير من جزئين مختلفين ( متمايزين ) تماما , من جسم الخلية و النواة . إذا أردنا ان نقارن عضويات ( كائنات ) مختلفة سنجد أن ذات الطبيعة الأكثر تعقيدا تتألف من مجموعات من هذه العضويات ( الكائنات ) الصغيرة جدا أو من الخلايا . في أكثر هذه المجموعات بدائية سنجد اختلافا صغيرا ( محدودا ) جدا بين خلية و أخرى . كلما صعدنا قليلا سنجد أن خلايا معينة في هذه المجموعات قد أخذت على عاتقها وظائف معينة , و لهذا الغرض رتبت نفسها بطريقة خاصة . هكذا و هكذا , عندما نصل إلى الحيوانات العليا سنجد هذه العملية و قد تطورت بعيدا بحيث أن بعض الخلايا تجتمع معا لتشكل جهاز التنفس , أي الرئتين , أخرى تصبح مسؤولة عن دوران الدم , أخرى تشكل النسيج العصبي , و هكذا , أي انه يمكننا القول أنها تشكل "أجهزة" مختلفة من الجسم . النقطة التي علينا ملاحظتها هي أنه كلما صعدنا للأعلى في المملكتين النباتية و الحيوانية كلما وجدنا اختلافا أكبر بين الوحدات الصغيرة أو الخلايا التي تؤلف الجسم أو العضوية ( الكائن ) . إذا طبقنا هذا على الجسد الاجتماعي أو العضوية ( الكائن ) الاجتماعية , سيكون من الواضح أنه كلما تطورت هذه العضوية ( هذا الكائن – الاجتماعي ) أكثر كلما أصبحت الوحدات ( أي البشر ) و الأجهزة ( أي المؤسسات و النوادي ) التي تشكلها أكثر اختلافا .
نقلا عن dwardmac.pitzer.edu/Anarchist_Archives/coldoffpresses.html
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟