أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساره عبدالرب - اختلاطات *3














المزيد.....

اختلاطات *3


ساره عبدالرب

الحوار المتمدن-العدد: 3377 - 2011 / 5 / 26 - 05:32
المحور: الادب والفن
    


رجل الضراوة :(الى أي حد أسعدك غيابي ) ..

أنا التي جربتُ كل حدةٍ للغياب وبكل صلفه وتأكسده ..

عندما قاقت الدجاجات لم أكن خجلة من كعب حذائي المكسور كما توهموا..لقد كنت أسبح في رهوانية :
(هذا صباح والدي الخاص ، إنني أتوحد معه ).

الوجوه المخموشة بالوشم طوقتنا مثل حلقة صوفية ،أعين تقيس الفروق الأكثر من عشرة التي تركتها الغربة على هيئاتنا.
من جلستي انحرفت للنظرمن النافذة المنخفضة خلفي ، كان صباحاً رمادياً بالكاد يتنفس يشبه أيدي العجائز الرمادية حولي،
مثل رجال نازحين نحو الشفق تفرق شجر السيسبان في الخلاء الترابي ، بيوت طينية بثقوب نوافذ عديدة. هذا صباح
والدي في قريته وهؤلاء العجائز أمه وخالته وجارته اللاتي لهن أسماء غريبة يسقط اسمها ويؤنث اسم والدها لتدعى به .

ليس الحنين ما جرفني ، بل عالم لرجل أحبه ، كنت أعيشه نيابة ً عنه .

في الليلة السابقة يارجل الضراوة _ وكي تعرف أن الغياب آثم معي ، وأنه يستحق احدى المشانق التي يكوبس بها
رؤساءُنا العرب في هذه اللحظه التاريخية لـ هرمنا _ اختضّت أجسادنا في الباص الأخير المؤدي للقرية ، هاأنا
مغلقة ووحيدة رغم قرقعة البطون و خشخشة الأكياس حولي،الباص يقذف نفسه في فم الظلام حيث الأضواء متلاشية ،
نبدو مثل عملات منهوكة لهذا كان لأمتعتنا ألق أكثر منّا.

في حساب المسافة من عتق* لقريتنا .. استعرنا أمتار الغربة وقلنا ( تكلفنا مسافة مابين الرياض وضواحيها )
ربما مسافة تاريخية .. جري يوسف النجار ، مسافة سماعه بالخبر _ الملك هيردوس يأمر بذبح كل مواليد بيت لحم _
إلى وقوفه على المذود الحاضن للمولود في اسطبل خلفي .

و ربما مسافة عاطفية ..كتلك التي ظلّت بيننا . يقرفص القلب أصابع نبضه ، ألا يوجد مادة في دستور الحب تبيح
الانقلاب العاطفي على ذواتنا ؟


دائما ً أصل متأخرة ، وكانت تنبت ليّ كفيّ والدي ، لمعة عينيه ، يتقـدمني بخطوة ويجرني خلفه .
قلب والدي أدفأ من لب كستناء في يناير، وفي اغسطس تهز ذكرياته كرسي الأمسيات ، صورة تنفلش لشاب
يملك ترقوة ناتئة ولمعة عينيه ، يلوّح بيديه في الهواء نافياً ( الحياة أقصر من أن نجزّها بالخوف ) .
كان تماما ً درب بلا عراقيل ، مباشر كـ سؤال وحاد كـ اجابة بالنفي . لهذا أنا غير قادرة على التعاطي مع رجل شبه
صامت ، لا أتحمل الوقت الذي أضيعه وأنا أطرق بابه الموصود ( هل تسمح لي بالدخول ؟) ..لقد أفسدني والدي
حين صار حديقة عيد منزوعة الأبواب .

لازلتُ أجلس محتبية ً بيديّ وأنصت : وبعدين ؟ .. كلي أمل أن هناك اغسطس ويناير جديد .
لم تكن كراهيتك المعلنة لي يارجل الضراوة شيئاً مزلزلاً ، فقد عرفتك درب بلا عراقيل ، مشاعر بلا رسن ،
تصرخ في وجهي: ياالمسخ . ولأني أكره الرجال الشبه صامتين تفهّمت شبهي الكافكوي بغريغور سامسا.

قلبي كان خلف لوزتيّ فعلا ً ، إلاّ قليلا ً ..سأقيؤه !

توقف الباص وشقت الضوضاء بلادة الليل ، (الغدرة )*الكلمة التي رددتها أمي ونحن ننزل سلالم الباص الأربع
وتلفنا بوهيمية الليل ، تقاطر المسافرون كحبات مطر على نافذة كادت تغفو لينتشلون حقائبهم .

أزيز صرار الليل كان حاضرا ً بقوة في لوحة الظلام والجلبة هذه ، ابتسمت وأنا أسمع أمي دون تمييز ملامحها ،
هذا ما يسمونه الطبيعة البكر فكرتْ . على سلفادور دالي أن يكون مكاني هنا ليكون سرياليا ً بحق ,قد يرسم وجهاً بربع
مساحته فقط ، كف بثلاث أصابع .
ثمّ قيل ( هياّ ..كلها ربع ساعة ونصل للقرية ) سلسلة الأكف قادتنا كفي في كف أمي في كف أخي وهكذا ..
للنسيم رائحة تلاقـحه مع الشّجر و رطوبة خفيفة، الوقت تراوح بين ضجر الغدرة وامتداد الربع ساعة ، وتعديل وضع
حقيبتي الكبيرة نسبيا ً على كتفي .

رفعت كعبي (لا تضحك يا رجل الضراوة ) في محطة الاستراحة الأخيرة ارتديت جينزاً وتي شيرت POLO العزيزعلي
ووضعت ماسكرا وروج ، ورششتُ CHANNEL COCO ، وبعدها أصبحت قلقة من افساد الحر لزينتي .
ما يدريني أن كاليفورنيا لم تتبرع بجزء من إنارتها لاضاءة شبح القرية هذا ..
رفعت كعبي لأتفادى نتوء الحجارة .. و .. وصرتُ أهوي أهوي حتى انفصلت ُ عن نفسي وسمعت ارتطامي بالحجارة
القاسية كرأس ابليس .. ركبتيّ سحقتا كركبة لاعب كرة قدم ، ومرفقيّ كما لو أنهما ارتطما بمقبض باب آلاف المرات ..
وتناهى الى مابقى من حاستي شبه الغائبة رنين خفيف لأشياء تتساقط على الحجارة ، أقلامي دفاتري فرشاة أسناني ..

غشاوة ضباب .. ثقل انهيار .. انفصال غيبوبة ..

هذا ارتطامي الأول بأرضي .. وأنتَ ارتطامي الثاني .




*عتق: مدينة يمنية
*الغدرة: الظلام



#ساره_عبدالرب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ن
- حرب الوجه الأعجف ق ق
- اختلاطات *2
- ق ق ج ثورة
- ق.ق اختلاطات
- بين الاشتراكي و المؤتمر.. شعرة الشمولية
- ق.ق.ج
- هائل وليد هائل
- سمكري الوحدة اليمنية
- الشعب يريد اسقاط علي
- ثورة التغيير صنعاء- عدن
- قريتي
- شتات الياسمين
- بُنات صوته !
- أريد اسما ًلي يا أبي
- شارب العم سعيد
- احتباس الظل


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساره عبدالرب - اختلاطات *3