أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - الحدث والضربة، ورشادة رأس المال الأمريكى















المزيد.....



الحدث والضربة، ورشادة رأس المال الأمريكى


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 21:39
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


بقلم الأستاذ الدكتور
محمد دويدار
أستاذ الإقتصاد السياسى
كلية الحقوق، جامعة الإسكندرية
________________________
الحدث والضربة
"ورشادة"
رأس المال الأمريكي
كتب هذا المقال فى أعقاب أحداث سبتمبر2001 مباشرة
فى الفترة ما بين 27 أكتوبر، 2 نوفمبر 2001
ونشر بمجلة سطور، بالقاهرة فى ديسمبر2001

أعلنت الولايات المتحدة فى 3/5/2011 نبأ قيام وحدة عسكرية خاصة باغتيال "أسامة بن لادن" فى باكستان غير بعيد عن عاصمتها. والأمر يتعلق "بإغتيال" أى بقصد "الإبادة" الجسدية، وليس بقصد الإعتقال على ذمة المحاكمة. مع تعمد دفن جثة الضحية فى قاع البحر، أغلب الظن مع أمل العثور على النفط بعيداًً عن الكارثة النفطية فى خليج المكسيك، جنوب الولايات المتحدة الأمريكية.
بهذه المناسبة نعيد نشر مقال كتب ونشر فى الأسابيع التالية على أحداث نيويورك فى سبتمبر2001.
د. محمد دويدار
الحدث: هو ما شاهدته نيويورك وواشنطن وكل الولايات المتحدة الأمريكية وشهده معها العالم فى 11 سبتمبر 2001. الضربة: هى ما تقرره المؤسسة السياسية الأمريكية الحاكمة لمواجهة الحدث. والرشادة: تتبدى فى مدى عقلانية رؤية الحدث وعقلانية إختيار الضربة وعقلانية البصر بتداعياتها، وما إذا كانت العقلانية تستند مطلقاًً إلى العِلم المجرد أم إلى العِلم مرتبطاًً بوظيفة إجتماعية أم إلى العِلم ملتصقاًً بطموحاته الإنسانية. الحدث: هل هو واقعة؟ أم أنه يرمز إلى الواقعة إذا ما أُُخذ فى المجرى التاريخى للمرحلة الحالية لتطور الرأسمالية؟ والضربة: هل هى سبيل تحقيق مصالح رأس المال الدولى ممثلاًً برأس المال الامريكى؟ أم أنها مناسبة تفجير رأس المال الأمريكى لتناقضات مجمل التنظيم الرأسمالى الدولى فى مرحلة التمركز العالمى لرأس المال المبرز للحدود التاريخية لهذا النظام؟
فى ضوء هذا وذلك، ما الذي يكشف عنه الحدث والضربة فى شأن "رشادة" رأس المال الدولي بصفة عامة ورأس المال الأمريكي بصفة خاصة؟ هل لا يزال يتمتع سياسياًًً بعقلانية تتناسب مع ما أطلقه التنظيم الاجتماعي الرأسمالية من إنجازات علمية وتكنولوجية؟ أم أن حدة تناقضاته، خاصة مع المليارات من أبناء البشرية المنتمين إلى "عالم العمل"، تدفع به إلى تكوين الإنجازات التكنولوجية لتعظيم "البؤس النسبى" للبشرية؟ بعبارة أخرى، ما الذى يكشف عنه الحدث والضربة فيما تبقى من"رشادة" تاريخية لرأس المال، كظاهرة اجتماعية، بقيادة رأس المال الأمريكى؟
الحدث يجسد العنف: لا يمكن فهم الحدث إلا بفهم العنف كطبيعة لرأس المال كظاهرة اجتماعية. فرأس المال عدوانى فى نشأته وفى توسعه التاريخيين. فبالعنف الإجتماعى تكون رأس المال فى مرحلة صعوده التاريخى. فقد إستخدم مع قوى المنتجين المباشرين فى مجتمعات أوروبا وأمريكا ومع شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات كل وسائل التعامل التي تنفى التعامل عبر العقل والفكر. مستخدماًً كل سبل الإكراه المادى والمعنوى. وبالعنف المكثف الفردى والجماعى يسّّرع رأس المال من معدلات تركزه بالإزاحة المستمرة، بسرعة أحياناًًً وببطء أحياناًًً، للطبقات الإجتماعية الأخرى بعيداًً عن وسائل إنتاج ما هو لازم لمعيشة أفراد المجتمع مادياًًً وثقافياًًً، كما يسَّرع من معدلات "تمركزه" فى شكل إحتكارات دولية تقلب، بأهدافها وممارساتها، موازين التنظيم الرأسمالى الدولى القائم.
والعنف، كظاهرة إجتماعية، يلتف حول الإنسان ليتحول معه إلى شخصية مروَعة النفسانية، بوعى أو بلا وعى، بديناميكية أو بخمول، من هول ما تعيشه من مظاهر العنف الفردى والطبقى والإجتماعي المعمم، وتتفاعل إيجابية العنف مع سلبية الإرتياع لينفيا ما يمكن أن تشهده الحياة الاجتماعية من بعض الهدوء النفسانى الذي يرتبط بالإحساس بالأمان. ويضيفا على هذه الحياة كل صور التوتر الاجتماعى، الذي ما يلبث أن ينتقل بين داخل المجتمعات ليكون حلقات توتر متداخلة ومتسارعة الإتساع فى تفاعلها فى المناطق المختلفة التى تكون خريطة المجتمع العالمى.
والعنف كمكون للشخصية المعاصرة هو فى النهاية تعبير عن أخلاقيات الطبيعة العدوانية لرأس المال، يبرز مع ممارساته ويغذى من محتويات مشروعاته التعليمية والأدبية والفنية، أي الثقافية بصفة عامة، ليبلور فى النهاية ثقافة العنف يتغذى بها الأطفال يومياًً عبر الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة، حتى تتلبس أرواحهم بالعنف الذي يتأكد عبر بيئة تراكمية تختزنه وتولد أشكالاًًً متنوعة منه يحتضنها نظام القيم لتتبلور فى التعاملات العنيفة المادية والمعنوية فيتفجر العنف اليومى فى جنبات الحياة الإجتماعية.
ويتفجر العنف العرقى والطائفى فى كل مكان: فى روسيا، فى البلقان، فى تركيا، فى العراق، فى أفغانستان، فى كشمير، فى الجزائر، فى نيجيريا، فى بوروندي، فى الكونجو كينشاسا، فى السودان، فى الصومال، فى تيمور الشرقية، ويكمن العنف العنصري فى كل مجتمعات الغرب الرأسمالى، ليتفجر من حين لآخر ، آخرها العنف الكاسح الذي يصيب المواطنين ذوي الأصول العربية والإسلامية فى كل مجتمعات الغرب الرأسمالى منذ "الحدث" فى 11 سبتمبر الماضى. وهو عنف لا تمارسه الأفراد والهيئات الخاصة فقط، وإنما كذلك الأجهزة الرسمية وعلى الأخص أجهزة الأمن، خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا العنف يغذيه على مدار الأربع وعشرين ساعة بعنف تنفثه أجهزة الإعلام الغربى ضد هؤلاء المواطنين وشعوب البلدان العربية والإسلامية باسم مكافحة "الإرهاب".
وقد برز هذا إلى جانب كل صور العنف المزمن الذي يرتكبه رأس المال الصهيونى على أرض فلسطين المحتلة وفى جنوب لبنان حتى مايو 2000 وفى مزارع شبعا التى ما زالت محتلة بعد هذا التاريخ. وبأشد ما تكون البربرية فى فلسطين منذ أكتوبر 2000. كل هذا العنف؟ وكأن البشرية لم تقطع قروناًً عديدة بخطى متسارعة نحو إستخدام العقل ونحو علمانية تحكم العلم فى سبيل إنتاج فكر يسعى إلى تحقيق إنسانية الإنسان وبلورة مواثيق توصي بالقضاء على كل تمييز أو عنف بسبب العرق أو العقيدة أو الجنس أو الدين أو الطبقة.
ومع تفاقم مشكلات الحياة الإجتماعية وفشل التنظيم الاجتماعى الرأسمالي فى حلها بالنسبة للغالبية تشتد حدة الصراعات العرقية والطائفية ويُصبح التمييز العرقى والطائفى مع غيره من صور التمييز التى تتضمن العنف ضد "المعذبين فى الأرض"، من الملامح البارزة لأخلاقيات هذا التنظيم الاجتماعى .
أما العنف الذي يمارس بالوسائل المروعة وخاصة الترويع المسلح، أي "الإرهاب"، فقد أصبح ظاهرة تعم المجتمع الرأسمالي الدولي تضم إرهاب الدولة ، تمارسه فى مواجهة شعوب بأكملها، أي كلها من "المدنيين"، بقرار من طرف واحد، بأفعال مروعة تفتك بالحياة الإجتماعية تقتل الأفراد والجماعات أو تشتتهم وتحويلهم إلى "قطعان من اللاجئين".
مثل هذا العنف مارسته الولايات المتحدة فى مواجهة شعوب فيتنام ولبنان وليبيا والصومال والسودان. وتمارسه الولايات المتحدة وبريطانيا يومياًًً فى مواجهة شعب العراق. ومارسته الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فى البوسنة والهرسك وكوسوفو إزاء إرهاب الدولة اليوغسلافية فى مواجهة العرقيات غير الصربية، ومارسته دولة طالبان فى الأفغانستان حين عززتها الولايات المتحدة ، مباشرة وعبر الدولة الباكستانية ، حتى تتمكن شركات النفط الأمريكية من الوصول إلى الغاز الطبيعي ونفط منطقة بحر قزوين. وكذلك إرهاب الدولة فى بلدان أفريقيا الوسطى، وإرهاب الدولة الأندونيسية فى مواجهة بعض العرقيات، وإرهاب الدولة الروسية فى مواجهة شعب الشيشان وإحتمالاً بقية شعوب القوقاز.
ويعم إرهاب الجماعات والمافيات الأمريكية والأوربية بل والمنظمات الإرهابية فى الولايات المتحدة، وبعضها صهيوني، وفى إسرائيل، وبعضها مدرج على "قائمة" وزارة الخارجية الأمريكية، وكذلك إرهاب المنظمات المختلفة فى أسبانيا، وفى أيرلندا الشمالية، وفى كورسيكا، وفى ألمانيا، وفى اليابان، وفى كولومبيا. كما يعم العالم العربي إرهاب الجماعات الطائفية المسلحة، بدعم من الولايات المتحدة فى مرحلة أولى ثم بإنحسار تأييدها فى مرحلة ثانية، لتنقلب عليهم فى مرحلة ثالثة.
وتعرف مجتمعات أوروبا الغربية"إرهاب" الأفراد والمنظمات الذي يمارس فى مواجهة أفراد وجماعات مسالمة، مهاجرين أو بدأوا مهاجرين وأصبحوا مواطنين، لا تنشغل إلا بالسعى لتحصيل قوت يومها، فى شكل التهديد والإعتداء الإرهابيين لأحزاب اليمين المتطرف فى عدد كبير فى بلدان أوروبا الغربية ضد الأقليات ذات الأصول الأجنبية، وهو إرهاب بدأ يُصبح "رسمياًًً" مع إعتلاء هذه الأحزاب لسلطة الدولة فى بعض هذه البلدان، كما هو الحال فى النمسا منذ ما يقرب من العامين وفى إيطاليا بعد إنتخابات مايو 2001.
وكما تمارس الدول الكبرى الإرهاب بصفة مباشرة فإنها تمارسه بطرق غير مباشرة عندما تساند الأنظمة الديكتاتورية فى البلدان الرأسمالية المختلفة، وهى أنظمة تقهر بكل صور العنف شعوبها وتغتال مفكريها معنوياًً وجسدياًً وتبدد ثرواتها، عادة بتحويلها إلى مراكز المال فى البلدان المتقدمة، باسم "مواكبة العولمة"، وتحول دون أي تحول إجتماعى لمصلحة شعوبها. وهى تساند هذه الأنظمة ليس فقط طوال وجودها الرسمى القاهر، وإنما كذلك بعد إنتهاء حكمها الرسمى. وتتعدد صور المساندة:من المساندة بالسلاح، إلى المساندة السياسية، إلى المساندة بشبه المعونة الاقتصادية، إلى منحها شهادات النجاح الزائفة، خاصة عبر المنظمات الإقتصادية الدولية التي تشهد على مصالح رأس المال الدولى، إلى حتى الحرص على تأمين الرعاية الصحية للديكتاتوريين بل وتشييعهم حتى مثواهم الأخير عندما تمتنع شعوبهم عن المشاركة فى ذلك.
فى خضم كل هذا العنف، والعنف المروع باستخدام السلاح، الذي تكثف فى العقود الأخيرة كسمة من سمات الحياة اليومية فى المجتمع الرأسمالى الدولى، بالإضافة إلى صور أخرى من العنف الاقتصادى، شعوب"المعذبين فى الأرض"فى المجتمعات الرأسمالية المتخلفة. فى هذا الخضم يأتي (الحدث) فى الحادي عشر من سبتمبر 2001.
الحدث مفرد من مفردات العنف، المضاد: يحمل معنى الانتقام. مِن مَن؟ ومِِن ماذا؟ ويحمل معنى التحدي. لمن؟ ويحمل معنى الإستعداد للمواجهة. مع مَن؟ وبأى الأسلحة؟ والحدث فى كل الحالات جلل، ليس بقدر الخسارة البشرية والمادية التى نجمت عنه وعلى الأخص شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات (وقد تحولت معظم بلدان ما كان يسمى "بالعالم الثالث" إلى شكل جديد من أشباه المستعمرات) وأحدث هذه الخسائر ما يجري إنزاله الآن بشعب الأفغانستان ودياره وأرضه. وإنما هو، أي الحدث، جلل بقدر ما يستلزمه من مقدرة معلوماتية و"(استخباراتية، ونفسانية مخاطرة، ومهارة تنفيذية، وركيزة داخلية وتواطؤ مؤسساتى غير مستبعد، وعلى الأخص بقدر ما يتضمنه من فن إستغفال لا يمكن تحقيقه إلا مع تعاظم ممارسة الطرف المقصود لغطرسة القوة التى تعطيه الإحساس الزائف بالتغطية، وهو عار كل العرى من زاوية إنسانية علاقاته مع قواه الإجتماعية الأخرى فى الداخل ومع بقية المجتمعات المكونة للمجتمع الدولى المعاصر، وعار كل العرى من زاوية المهمة التاريخية التى بقيت له. وهي مهمة أصبحت كثيرة الإنجاز تكنولوجياًً، متسارعة التقهقر إنسانياًًً وشديدة التأثير تدميرياًًً.
والحدث جلل كذلك بقدر ما تمثله الأهداف المادية المستهدفة من رموز لمجمل النظام الرأسمالي المعاصر: الرمز الإقتصادى متمثلاًًً فى التجارة الدولية التي يسعى رأس المال الدولى إلى إختزال كل المجتمع العالمى فيها: الرمز العسكرى متمثلاًًً فى القوة العسكرية التى يمثل بناؤها سبيل إنعاش الإقتصاد الرأسمالى ويكون حشدها سبيل ترويع الشعوب وخاصة قواها الإجتماعية المتضررة والمناهضة، ولا يخفف من جبروتها إلا التجارب الأمريكية الفاشلة فى إستخدامها فى العقود المعاصرة، فى كوريا، وفى فيتنام وفى لبنان وفى الصومال، ومَن يدري؟ فى أفغانستان؟. وأخيراًًً الرمز السياسى بإستهداف المبانى التى تحتضن رؤوس الطبقة السياسية. كل هذه الأهداف المادية فى العاصمتين الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، أي فى المكان الذى يمثل قمة النظام الرأسمالي الدولى.
وبقدر جسامة الحدث، وبقدر ما يتطلب من إمكانيات الأحداث بقدر ما يثير من تساؤلات حول من يستطيع أن يمارس مثل هذا العنف المضاد: أيمكن أن يصدر من قوى اجتماعية مضطهدة ومميز ضدها فى داخل الولايات المتحدة؟ أم من منظمات إرهابية أمريكية ومنها المنظمات الدينية المتطرفة؟ أم مِن قوى اجتماعية مناهضة لسيطرة الاحتكارات الأمريكية وقد بدأت تنظم نفسها وبدأ يتبع بعض أساليب العنف؟ أم القوى الاجتماعية التي تسعى إلى حماية البيئة بعد أن رأت الإدارة الأمريكية تعلن عن انسحابها من اتفاقية "كيوتو" للحد من ظاهرة الإحتباس الحرارى رغم أن الولايات المتحدة ينبعث عن نشاطها الإقتصادى 26% مِن غاز ثانى أكسيد الكربون الذى يلوث الغلاف الجوى؟ أم مِن القوى الإقتصادية المسيطرة على صناعة السلاح فى الولايات المتحدة وقد وجدت فى مشروع "الدرع الواقى" من الصواريخ وقفاًًً لحال تجار السلاح فى الولايات المتحدة وفقداًًً لمليارات الدولارات التي تنفقها الحكومة الأمريكية على التسلح؟
ألا يمكن أن يلعب الفساد، أعني فساد الأجهزة الأمريكية، دوراًًً فى إحداث هذا الحدث؟ لقد أثار البعض إمكانية أن يكون للمافيات الرأسمالية، الأمريكية منها والأوروبية، دوراً فاعلاًًً فى إحداث الحدث؟ أخيراًًً، ألا يمكن أن يصدر هذا الحدث عن تركيبة أو أخرى من كل أو بعض هؤلاء الفاعلين الإحتماليين؟ ويبقى التساؤل الكبير: هل يتصور التخطيط لحدث بمثل هذه الأهداف الأيديولوجية وبمثل هذه القدرة التنظيميةـ وبمثل هذا الإمتلاك المعلوماتى، وبمثل هذه الدقة التنفيذية، هل يتصور التخطيط لمثل هذا الحدث وتنفيذه بواسطة شخص أو مجموعة من الأغراب توجد على بعد آلاف الأميال خارج الولايات المتحدة؟
والحدث جلل أخيراًًً فى دلالته التاريخية: فى المجتمعات التي تُغيّب العدالة الإجتماعية وتُكرس الظلم الاجتماعى، وتحرص على إستبقاء ما أحدثه تاريخ رأس المال الغربى من قهر للشعوب وإذلال للإنسان، يمكن لفئة قليلة أن توجه، بطرق محدودة وغير مكلفة (كإستخدام طائرة ركاب كقوة تفجيرية)، ضربات موجعة لرأس المال تصيب أعداد كبيرة من المجتمع وتحقق خسائر مادية غير محدودة، وتهز كيان البناء السياسى لدولة رأس المال، وتظهر فى النهاية سوءته، معلنة بذلك عن ظهور نوع من القوة، تشبك داخل المجتمعات بخارجها وتواجه القوة التقليدية لدول رأس المال وتستطيع بفضل إستخدام الإنجازات التكنولوجية للرأسمالية، أن تنال من القوة، وبمعناها ومنطقها التقليديين، التى عرفتها العلاقات الدولية حتى هذه اللحظة أن تنال من "القوة"، بمعناها ومنطقها التقليديين، التي تمزقها العلاقات الدولية حتى هذه اللحظة من المرحلة الحالية من مراحل التطور الرأسمالى. أي القوة بمقوماتها المتمثلة فى جبروت إحتكاراتها الإقتصادية وترسانات أسلحتها التدميرية، ومبارزات أجهزتها السياسية وتغلغلات مصنفاتها الثقافية وفضائية سيولها الإعلامية. نحن نعتقد أنه قد فات على رأس المال الأمريكي (وقد جر خلفه بقية رؤوس الأموال الدولية) أن يعي هذه الدلالة التاريخية للحدث، على الأقل حتى هذه اللحظة.
ذلك هو الحدث الجلل كمفرد من مفردات العنف المضاد. أو قل تلك هي الواقعة. وكل واقعة هى حدث ومناسبة لأحداث. المناسبة يغلفها الشلل والهلع ثم النصف إفاقة المهوسة، لتتقرر أولى حلقات الأحداث، أي إعلان الحرب. على مَن؟ وأين؟ ومتى؟ وبأي الأسلحة؟ الإجابات لا تهم. المهم هو الحرب. لتضميد الجرح الذي أحدث شرخاًًً فى غطرسة القوة؟ لاسترجاع بعض من عظيم ما فقد من مصداقية؟ لأن الشيطان لا يفيق من صدماته التاريخية إلا على قرع طبول الحرب؟ للإستمرار فى عنجهية إستعراض القوة وتجريب الأسلحة الجديدة فى "الغلابة" من شعوب الأرض، إستجابة لضغط تلقائى من لوبى صناع الأسلحة؟ لا مجال للتفكير بحثاًًً عن إجابات. فالطبقة السياسية لا تفكر، لا فى محاولة التعرف على حقيقة ما حدث، ولا فى محاولة التعرف على أسباب ما حدث؟ ولا، من باب أولى، فى محاولة التعرف على جذور أسباب ما حدث. بل هى لا تستطيع أن تفكر، وقد أفقدها "جلال" الحدث ما تبقى من الرشادة التي إدعاها رأس المال لنفسه تاريخياًًً. ولكنها تستطيع أن تفعل. والفعلة الجاهزة المجهزة هي الحرب. ورغم أن العدو هو، إذا ما حكمنا "الأصول"، مجهول، إذ لم يجر أحد التحقيق القانوني/القضائي الذي يستلزمه السلوك المتحضر حتى بمفهوم حضارة الغرب الرأسمالية، فهو، أى العدو، قابل جداًًً للتحديد وفقاًًً لمنظومة أخلاقيات النظام الرأسمالى المعاصر: فإذا كان إنعدام العدالة الإجتماعية من مفردات هذه المنظومة، فلابد أن يكون العدو من المستغلين فى الأرض. وإذا كانت العنصرية من مفردات هذه المنظومة، فلابد أن يكون العدو من جنس غير أبيض، أو على نحو أدق من غير مَن ينتمون إلى "حضارة الغرب الرأسمالية". ومع العنصرية يُصبح من الطبيعى أن تختلط الأوراق أو تُُخلََط؛ فيُُخلط اللون بالدين، أو يخلط الدين بالجنس، أو يخلط اللون والجنس بالدين. وتمتزج الأوراق المخلوطة لتحدد العدو، بالظن منذ الوهلة الأولى، وهو ظن يتلهف لأن يكون يقيناًًً دون إضافة أى جديد، نقول يتجدد العدو الذي يمكن إختصاره فى العرب والمسلمين: والجنس يحتوى أكثر من عقيدة دينية، والعقيدة توجد لدى أكثر من جنس.
وإذا كان العنف، والعنف المسلح، من مفردات هذه المنظومة، فلابد أن يكون العدو ممن رباهم رأس المال الأمريكي فى حجرة من العرب أو المسلمين مغذياًًً إياهم يومياًًً بالعنف وبالعنف المسلح؛ إما لأغراض الحرب الباردة فى عقودها الأخيرة، وإما فى الصراع من أجل الإستحواذ على ثروة إقتصادية أو على موقع إستراتيجي. فرأس المال لا يتميز فقط بالعنف ولكنه كذلك "غدار" . إذ غدر دائماًًً بالأدوات التي يستخدمها فى تحقيق أهدافه، بعد أن يستنزفها. ويعز عليه، بغيظ وحقد، أن تفلت إحدى الأدوات من غدره. وقابلية العدو للتحديد تكفى لتحويل إعلان الحرب إلى"الضربة"، يسترد بها بعض ماء الوجه، ويمكن إبتداء منها أو فى أثناء تحقيقها أن يتصورها سبيل تحقيق هدف من الأهداف الإستراتيجية التى يحتفظ بها فى جعبته. ويصبح هذا الهدف، فى إطار التصور، الهدف الحقيقى الذي يقصده من الضربة. هل يكون المقصود منها إستكمال حلقات السيطرة الأمريكية على خريطة العالم، خاصة عندما يتعلق الأمر بمنطقة تقع فى قلب التجمع الأكبر للبشرية التي لم يعد يََنظر رأس المال إلى أفرادها إلا كقوة شرائية فى السوق الذى تريد الرأسمالية المعاصرة أن تختزل فيه كل هو إجتماعى؟ أم هل يَقصد بالضربة أن تكون فاصلة فى الصراع بين رؤوس الأموال الدولية على إعادة صياغة نمط الهيمنة، فتكون مناسبة لرأس المال الأمريكى لأن يؤكد إستمرار هيمنته على رؤوس الأموال الدولية الأخرى؟ أم هل يقصد بالضربة إشهار أنه لم يعد فى السياسة الدولية أى إدعاء "بالسياسة" وإنما التعامل مع "الآخر" بالقوة المجردة إذا كان هذا الآخر رافضاًًً لأى رغبة لرأس المال الدولى؟ أو يقصد بالضربة أن تكون وسيلة تكريس "عسكرة" النظام الرأسمالى الدولى بعد أن حقق خطوات العسكرة فى حرب الخليج الثانية وحرب البلقان؟
4- الضربة: يحتكر رأس المال الأمريكى تحديد نوعها ومداها ووسائلها وتوقيتها، ومعه فى التبرير وبلاهة محاولة التمرير والتنفيذ رأس مال الدولة/الأداة، أى رأس المال البريطانى. وهو يحددها وفقاًًً لأسباب ترجع إلى طبيعته هو وطبيعة أفعاله فى المجتمع الدولى. ووفقاًًً لحالته المزاجية بعد الحدث، وبالقدر الذي تبقى له تاريخياًًً من"عقلانية" تجعله لا يرى فى العلاقات الدولية إلا القوة بمعناها التقليدي.
ورغم ذلك هو يريد أن يفرض"الشرعية الدولية" التي تتمثل فى هذه المرحلة من مراحل تاريخ المجتمع الدولي، فى "شرعية رأس المال" فيضغط ويُُهدد ويُُغازل أنظمة الحكم فى بقية بلدان العالم ليكون حلفاًًً "مقدساً" ضد مََن هو أصلاًًً من ذاته، أي من خلقه، أى الإرهاب، الذي يقدمه الآن، إيديولوجياًًً، "بأنه من ليس معه". ويبدأ فى بناء التحالف بسيناريوهات تختلف بحسب الوجيعة والألم التاريخيين اللذين هما من صنع التاريخ الاستعمارى فى كل منطقة من مناطق البحث عن "حليف".
ويمكن للحيلة الأيديولوجية أن تنطلى على بعض الأنظمة السياسية، خاصة إذا كانت غائصة إلى "شوشتها" فى صراعها مع شعوبها. ولكنها لا تنطلى منذ اللحظة الأولى على جماهير بلدان العالم.... فيتحول رفضها للحيلة الأيديولوجية تدريجياًًً إلى تعبيرات إيجابية"سلمية" وغاضبة بأنهم ضد الحرب كسبيل، وضد الحرب كغاية (فى الأداء الدورى المتقلب للاقتصاد الرأسمالى)وضد الحرب كخراب للبشر بأفنائهم وتحويل أرضهم إلى مقابر تخنق فيها حتى الجثث بدخان إشعاعات الأسلحة باليورانيوم المخصب وأمواج الغازات الفتاكة وأسراب الأسلحة الجرثومية ومن يدري، وإشعاعات الأسلحة النووية....وتأتي الضربة عسكرية فى المقام الأول: منطق القوة لا العقل الذى يزداد تعقلاًًً بنور العلم. والضربة عسكرية تقليدية، تعكس غفلة عن قدرات الإنجاز التكنولوجى للرأسمالية، حين يُُصبح بمقدور فئة قليلة من الناس أن تُُحدث، بطرق محدودة ذات تكلفة غير كبيرة، خسائر هائلة لأعداد هائلة من البشر دون الإلتجاء إلى ترسانة عسكرية تدك الإنسان بالأرض فترديه قتيلاًًً أو تفرغ الأرض منه فتقصيه شريداًًً.
وهو ما تأكد بعد الحدث ببث الرعب فى كل الولايات المتحدة الأمريكية عبر الخدمة البريدية الناقلة لخطابات تحتوى البدرة "البيضاء". وتأتي الضربة انتقامية فى مظهرها: رد فعل الجريح لا المليح. وتخبطية فى مخبرها: مسلك الرعديد لا الرشيد. وتأتى الضربة أخيراًًً مغامرية فى هدفها الحقيقي: رهان الإيديولوجيا لا العلم، وهو الرهان الذى لا يعبأ بالمرة بآثار الضربة المدمرة لمدنية الحياة اليومية للشعوب، المدمرة مادياً بفعل أدوات الحرب التخريبية على أرض الضربة، والمدمرة معنوياً بفعل الترويع الذي تحدثه على الأراضى الأخرى التي يعيش عليها من لا يعتبره رأس المال الأمريكى من زمرة "الذين معه". ولكن أين تكون الضربة (الأولى؟!)

5- مكان الضربة: يتحدد مكان الضربة بمكان يمكن أن يشير إليه ادعاء السلطة الأمريكية غير المبرهن الذي يسند حدث سبتمبر إلى جماعة يرأسها شخص. لكنه يتحدد حقيقة بأولويات إستراتيجية رأس المال الأمريكية بالنسبة لمحاولة السيطرة على العالم اقتصادياًًً وسياسياًًً بعد أن أبرزت السنوات العشر الماضية التى استفردت فيها الرأسمالية بالبشرية محدودية قدرة القوة الأمريكية على ذلك.
فالمكان الحقيقى الذي إختاره رأس المال الأمريكي للضربة هو السوق الدولية بالتركيز فيها على السلع الإستراتيجية (وتتمثل فى المرحلة الحالية للتطور الرأسمالي فى الطاقة والسلاح والتكنولوجيا كسلعة)، وإنما السوق الدولية كما تظهر فى هذه اللحظة إبتداء من وسط آسيا، حيث الحلقة الوحيدة فى الإنتاج العالمى للطاقة التى لم يسيطر عليها رأس المال الأمريكي بعد.
وحيث يوجد المنتوج التاريخى لرأس المال الأمريكي: التعبير العقائدى الخاص الذى يمكن أن يقدمه للعالم "كقميص يوسف" وهو يشن حملته الحربية لترويع شعوب العالم. . . . .هذا المنتوج التاريخي إبن الثمانينات رباه رأس المال الأمريكى على التعصب العقائدى وحرص على أن يأتى له بأمير من الأراضى المقدسة ليجنده فى حربه الباردة مع الاتحاد السوفيتي ثم فى خلخلة الأنظمة السياسية فى الوطن العربى بقصد إضعاف هذه الأنظمة عبر حركات العنف المسلح "للعرب الأفغان" التي امتدت إلى خارج أفغانستان لتعم كل العالم العربى تقريباً من شرقه الأسيوي إلى كل بلدانه فى أفريقيا، فى عملية واسعة تقودها قيادات تمركزت فى عواصم الغرب الرأسمالي فى جوقة شبه متناغمة العزف بفضل أداء المايسترو الأمريكي الذي يمسك بنهاية الخيط.
وذلك لكي يتمكن رأس المال الأمريكي فى النهاية من ضرب المكنات الحقيقية لشعوب المنطقة تأكيداً للسيطرة، خاصة بعد حرب الخليج الثانية، بذاته وعبر المشروع الصهيوني. فإذا تحددت السوق الدولية فى هذه اللحظة بوسط آسيا، يكون مكان البدء فى أفغانستان، النقطة الأضعف التي يمكن للولايات المتحدة أن تستعرض فى مواجهتها عضلاتها العسكرية وتحقق نجاحات عسكرية، على الأقل فى مرحلة أولى، يمكن معها أن تكون الضربة الأفغانستانية النموذج الرادع لكل من تخوله نفسه مواجهة المشروع الأمريكي للسيطرة. ومزيد من تدقيق النظر يمكننا من التعرف على مجموعة العوامل التي تحدد اختيار مكان الضربة. وهي عوامل اقتصادية وسياسية وإستراتيجية :

إقتصادياً، تتبدى أهمية وسط أسيا أساساًً فى نفط بحر قزوين وغازه الطبيعي وفى الذهب وقد أمنت الولايات المتحدة الأمريكية فى فترة غرسها لنظام طالبان فى أفغانستان حصول الشركات الأمريكية على إمتياز إستغلال هذا الغاز(1)وبدأت فى ترتيب تغيير مساره. والمطلوب ألا تمر الطاقة المستخرجة من المنطقة لابروسيا، كما كان الحال فى ظل الاتحاد السوفيتى، ليصل إلى أوروبا، وألا تمر كذلك عبر إيران، خاصة وهي محل للعقوبات الإقتصادية التى تفرضها عليها الولايات المتحدة. وقد أغلق خط أنابيب باكو - روسيا الذي كان ينقل غاز أزربيجان فى يونيو 1999.
وبالنسبة لتركمنستان توقف استخدام تصدير الغاز عبر خط أنابيب روسيا فى 1997. أما كازاخستان فقد تزايدت صعوبات تصدير غازها الطبيعي عبر خط الأنابيب الروسى. وبدأت فى بناء خط يصل إلى البحر الأسود (طوله 1580 كيلو متر) فى مايو 1999. وقد وقعت البلدان الثلاثة اتفاقاًً مع تركيا فى 18 نوفمبر 1999، هيئت له وأنجزته الولايات المتحدة التي ستقوم شركاتها بنائه، لبناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من أماكن إستخراجه حتى ميناء "جيهان" على شاطئ البحر الأبيض التركى، المفروض أن ينتهي نباؤه في 2002.
ورغم أن هذا الخط يمثل السبيل الأطول والأكثر تكلفة لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا فقد إعتبرته الولايات المتحدة نصراًًً استراتيجياً لها لحرصها على أن تحتفظ بهذه البلدان في مدار الغرب الرأسمالي مع إدماجها فى الاقتصاد الدولي. وبناء هذا الخط يغلق السبيل أمام الخط الذي بني من تركمنستان نحو إيران الذي يعاني من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، كما أنه يحكم بالموت على مشروع "النهر الأزرق" The Blue Steam المتمثل فى بناء خط أنابيب تحت البحر الأسود لنقل غاز روسيا إلى تركيا.
وإزاء ارتفاع تكلفة نقل غاز منطقة بحر قزوين عبر خط الأنابيب الذي يصل إلى شواطئ البحر الأبيض التركية برزت أخيراًًً فكرة إقامة خط أنابيب ينقل هذا الغاز عبر أفغانستان وباكستان إلى بحر عمان (حيث ستكون تكلفة النقل أقل). إذا ما تحقق ذلك تكون الولايات المتحدة قد استكملت سيطرتها على مناطق إنتاج الطاقة فى العالم وضمنت للغاز الطبيعي المستخرج من منطقة بحر قزوين إرباحية معقولة.
فإذا ما تعلق الأمر بالنفط والغاز الطبيعي في آسيا الوسطى يمكن أن تتشابك المصالح بين بيوتات تكساس والسعودية وشركات الطاقة الأمريكية. وتؤمن الأجهزة الاستخباراتية لقاءات الأطراف. وهكذا تتكاتف هذه المصالح في مرحلة أولى تحت لواء العقيدة لإزاحة عدو الحرب الباردة المشتركة، ويجري التكاتف في مرحلة ثانية، في ضوء مشاعل الغاز الطبيعي، تحت لواء الاستثمارات في الطاقة. هل يمكن أن يختلف الشركاء في لحظة اقتسم الثمار؟ التساؤل يتعلق بمجرد إمكانية!
سياسياًًً، نحن بصدد منطقية تمتد في الواقع حتى البحر المتوسط تحتوي العراق وسوريا وفلسطين وتركيا وبلدان شبه الجزيرة العربية، كما تمتد عبر الصين وروسيا حتى المحيط الهادي. وفي قلب المنطقة توجد آسيا الوسطى، التي تسعى الولايات المتحدة إلى إزالة النفوذ الروسي منها (ومن القوقاز) وهي منطقة لم تعد أهميتها تمثل في ثروتها من الطاقة، وإنما قد يكون بقدر أكبر، في ضرورة احتوائها على قواعد جوية وخدمات استخبارية وقوات عسكرية. في الوقت الذي تتراجع فيه قدرة الولايات المتحدة على الاعتماد على حلفائها السابقين من هذه الناحية، كإيران بعد الثورة 1979، والسعودية، بتأزم الوضع في الشرق العربي بما فيه الخليج العربي، وباكستان في صراعها المستمر مع الهند التي بدأت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مغازلة الدول الرأسمالية المتقدمة وإسرائيل. وقد لعبت تركيا دوراً مساعداً كبيراً طوال التسعينات لتمكين أمريكا من وسط آسيا.
ورغم ذلك أبرزت السنوات العشر الماضية أن دول المنطقة (بما فيها الصين وروسيا وإيران) تحرص على أن يكون مكانها خارج بيت الطاعة الأمريكي. وقد فشلت الولايات المتحدة في تمرير نظام العقوبات "الذكي" الذي أرادت فرضه على العراق، سواء في مجلس الأمن، في وجود معارضة (روسية وصينية) أو في دول المنطقة وخاصة الدول العربية وعلى الأخص سوريا. والمطلوب سياسياً هو إدخال دول المنطقة التسعة إلى بيت الطاعة الأمريكي. والسيطرة المأمولة على أفغانستان قد تمكن ليس فقط من تحقيق هذا الهدف وإنما كذلك من ضمان وجود عسكري أمريكي فيما بين الصين وإيران وروسيا.
إستراتيجياً، يوجد بهذه المنطقة المتسعة ما بين البحر المتوسط والمحيط الهادي دول كبيرة تمتلك السلاح النووي (روسيا والصين والهند) ودول متوسطة وصغيرة تمتلك هذا السلاح (الباكستان وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق). كما توجد دول"مارقة" وفقاً للتعبير الأمريكي، توشك أن تمتلك هذا السلاح (مثل إيران وكوريا الشمالية). المطلوب احتواء هذه الدول لضبط إيقاع امتلاك هذا السلاح وإمكانية وكيفية استخدامه إذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تكون القوة العسكرية الأقوى خاصة في إطار مشروعها لإقامة شبكة الردع النووي.
تلك هي العوامل الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية التي يمكن أن تعنينا في تحديد الهدف الحقيقي للضربة العسكرية التي تنزلها الولايات المتحدة الأمريكية ابتداءً من أفغانستان تحت راية "محاربة الإرهاب". بهدف استراتيجي كبير هو الحيلولة دون إعادة صياغة نمط الهيمنة على حساب هيمنة الولايات المتحدة، أي بهدف إخضاع العالم للسطوة الأمريكية عبر عسكرة الحياة الدولية، وهل تقوى الولايات المتحدة على تحقيق هذا الهدف؟

6- قوة الولايات المتحدة الأمريكية في المجتمع الدولي المعاصر: لا شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل (إذا صرفنا النظر مؤقتاً عن تناقضاتها الداخلية والتناقضات بين رؤوس الأموال الدولية) الدولة الأقوى اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً في المجتمع الدولي حالياً (علماً بأن هذه القوة تنقص بقدر ما لدى الطرف الذي يواجهها من عزيمة وإصرار وقدرة على تعبئة إمكانياته التنظيمية والمعنوية والطرق التي يمكن أن يستخدمها الأقل قوة في مواجهة القوة الغاشمة). ولكن هل يعني ذلك أنها تتمتع بالقوة التي تمكنها من إخضاع العالم والسيطرة عليه دون منازع؟ نحن نميل إلى أن تكون الإجابة بالسلب.
تتمثل الفكرة المحورية في أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل قمة النظام الرأسمالي الدولي في لحظة تاريخية استفردت فيها الرأسمالية بالبشرية، فكان الأداء غير المقيد لقوانين حركتها، أداءً يبرز الحدود التاريخية لها بتعاظم الاستقطاب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بين القلة في عالم رأس المال والغالبية المنتمية إلى عالم العمل مع الإزاحة المستمرة لما كان يمثل الطبقات المتوسطة في التركيبة الاجتماعية الرأسمالية. وقد تحقق كل هذا عبر التمركز المتزايد الحدة والسرعة لرأس المال الدولي عبر اندماجات الاحتكارات الدولية العملاقة إلى درجة تبرز الحدود التاريخية لكفاءة رأس المال في أدائه الاقتصادي والسياسي.
اقتصادياً يبرز الأداء أن 50% أو يزيد من حالات اندماج الاحتكارات الدولية ينتهي إلى الفشل لأسباب عدة أهمها "التناقض الاجتماعي/الثقافي بين من يحتويهم مشروع اقتصادي واحد أصبح أكبر من أن يدار بكفاءة، حتى من وجهة نظر الربح".( ) وأن الهوة في اتساع مستمر بين طرفي الهرم الاجتماعي (بين قمته وقاعدته) فيما يتعلق بتوزيع الثروة والدخول، ومن ثم مستويات الحياة، وما يمثله ذلك من استبعاد اقتصادي واجتماعي متزايد لمليارات البشر، استبعاد يتبلور يومياً في مزيد من الفقر والمرض والتشرد. وهو ما يعني وصول تناقضات لا تؤدي إلا إلى حد يبرز للغالبية من أفراد المجتمع الدولي أن الانجازات التكنولوجية الهائلة للنظام لا تؤدي إلا إلى المزيد من التعامل اللاإنساني مع القوى الاجتماعية الأخرى. ويكاد يقتصر الأداء الكفء، من وجهة نظر هذه الغالبية، في التطوير المتسارع لأجهزة الحرب وأدوات الدمار والتشريد( ).
وسياسياً، يدفع الجبروت الاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة الأمريكية، وبجانبها بعض دول الغرب الرأسمالي، إلى نمط من التعامل السياسي مع بقية دول العالم يتحقق من خلال غطرسة القوة، والاستعلاء على الآخرين، وتعطيل آليات المؤسسات الدولية إلا إذا استخدمت لتحقيق أغراضها، والغرض السوقي لما يحقق مصالح رأس المال وخاصة كبرى الاحتكارات الدولية، وعدم الاكتراث بمشاكل الشعوب ولا بآلامها ولا بكرامتها. من هنا جاء التراكم الكمي "لعدم الترحيب" من جانب الغالبية من أفراد المجتمع الدولي بما يحدده رأس المال الأمريكي من دور للولايات المتحدة في الحياة الدولية. وفي العدد الأكبر من بلدان العالم يتطور عدم الترحيب إلى نوع من "الكراهية" الكامنة. كراهية تنجم في رأينا لا عن اختلاف في العقيدة أو الإثنية وإنما عن رفض ومعارضة لسياسات القهر الاستعماري بصوره المختلفة: الاقتصادية والثقافية والسياسية، تضمن الولايات المتحدة استمرارها بما لها من قواعد عسكرية برية وبحرية وعائمة وصاروخية في المناطق المختلفة من العالم. والولايات المتحدة تصر هنا، بغباء لا تحسد علية ، علي أسلوب أستفزازي من اساليب الأستعمار القديم ، وهو أسلوب الاحتفاظ بقواعد عسكرية علي أرض الشعوب الأخري.
وتجدد الولايات المتحدة بأن تفرض علي بعض أبناء هذة الشعوب" المناورات العسكرية المشتركة "..( تمارس حتي أوقات أشد عدوانياتها الشرسة علي هذه الشعوب). لهذا الرفض لسياسات القهر الأستعماري دوافع مختلفة في المناطق المختلفة من العالم ، أبرازها الأن في مناطق العالم العربي وجزء كبير من أسيا وأفريقيا، بل وأجزاء من أوربا، الدافع الديني. ونقول أبرزها ولا نقول أوحدها نظراً لتاريخ طويل من جهود بذلها الغرب الرأسمالي ، تسانده في كثير من الحالات الأنظمة السياسية المحلية ، في ضرب التيارات الفكرية الأخري . ويأتي هذا الرفض السياسي العارم، الساكت أحياناً والصارخ أحياناًًاخري، في خضم حدة تناقضات النظام الرأسمالي وماتفرزه أقتصادياً وأجتماعياً.
نحن نجد في هذا الرفض من جانب الغالبية المحدد الرئيسى لمحدودية قوة الولايات المتحدة في قدرتها علي السيطرة علي المجتمع العالمي دون منازع ، دون أن ننسي ما يمثله هذا الرفض من قوة لاجمة حتي للأنظمة السياسية التي تتحالف ( عشقا أو كرها ) مع الولايات المتحدة وبقية الغرب الرأسمالي. فاذا أضفنا إلي ذلك القوي الأجتماعية العريضة في مجتمعات الغرب الرأسمالي التي تبلور صراعها في السنوات الأخيرة ضد رأسمالية " العولمة أو ما يسمونها"عمولة الأحتكارات الرأسمالية الدولية"علي النحو الذي يفصح عن نفسه فى تحركات هذه القوي عند كل أجتماع لممثلى الأحتكارات الدولية ، وفي تحركاتها الأخيرة ضد الحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأن في وسط أسيا بأسم مكافحة الإرهاب .
والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع في العشر سنوات السابقة التالية علي أختفاء الأتحاد السوفيتي ان تخضع كل العام او حتي تهيمن عليه بمفردها . ويمكننا أن نتدبر الشواهد التالية علي ذلك :
ــ تراجع المركز الرئيسي السياسي للولايات المتحدة في أمر شن الحروب التي تري أشعالها محلياً في مناطق مختلفة من العالم: فقد قامت بحرب الخليج الثانية بغطاء دولي، وقامت بحرب البلقان بغطاء"حلف أطلسى"وتقوم بحرب وسط أسيا الان بدون غطاء دولي، وذلك رغم المساندة الفعلية لبعض دول الغرب والمترددة لبعض دول أخري ليست من الغرب والقسرية لدول أخري من الشرق، نقول رغم المساندة " لتحالف " تسعي الولايات المتحدة إلي فرضه علي عباد الله بأسم"تحالف العدالة المطلقة"الذي كان من اللازم تصحيحه،جل من لا يغفل، ليصبح تحالف الحرية إلي الأبد. وبقدر ما تتوجه"حرية "هذا التحالف"نحو"الأبد"هي تبتعد عن شعوب العالم .
ـــ محدودية كفاءة جبروت المؤسسة الأمريكية كما أظهرها الحدث في 11/9/2001 : فرغم ضخامة الحدث وجسامته ، كما رأينا ، غابت فعالية أجهزة المؤسسة ( العلنية والسرية ) أثناء التحضير له وأثناء تنفيذه ، وشلت الأجهزة عقب التنفيذ . وترنحنت وتخبطت في فترة ما بعد الشلل ترنحا جعل تصرف القيادة بعيداً عن عقلانية الانجاز العلمي للبشرية وأنسانية الانجاز الحضاري لها.اللهم إلا إذا تمثلت الحقيقة فى ضلوع بعض الأجهزة المحورية للمؤسسة الامريكية الحاكمة في التخطيط للحدث وتنفيذه . وعلينا ان ننتظر لبعض الوقت لمعرفة مدي ما ستوصل أليه " الكفاءة " العسكرية في الاحداث الدائرة الان في وسط أسيا .
ـــ مابرز ، عندما سارعت المؤسسة الحاكمة الأمريكية في عدم تحديد "العدو" وأعلان الحرب عليه ، من أحتياجها الموضوعي الشديد لأدخال دول " عربية " وأسلامية " في التحالف ضد الإرهاب نظراً لأحتياجها للأمكانيات المكانية والمادية لهذه الدول وحتي لا تفسر حربها ضد البلد " الأسلامي " أو " العربي " بانها حرب دينية تزيد من أشتعال غضب شعوب هذه البلدان، وهو غضب يعبر في الواقع ، كما رأينا ، عن رفض لسياسات الولايات المتحدة الاستعمارية .
ــ ماهو ثابت الأن بوضوح هائل يفضح عجز " جبروت " المؤسسة الأمريكية الحاكمة عن أعطاء المواطن الأمريكي ، بل مواطني كل بلدان الغرب الرأسمالي ، الأحساس بالأمن وبين عدوانية رأس المال الأمريكي تجاه الشعوب غير الغربية ومحدودية كفاءة أجهزته في داخل الولايات المتحدة يعولم رأس المال الأمريكي غياب الامان . ونصبح كلنا في الهم شرقاً وغرباً.
تتجه المؤسسة الحاكمة فى الولايات المتحدة نحو عولمة سياسة أمنية تسعي إلي أن تطول الجميع في كل أنحاء العالم، بصفة مباشرة وعبر اجهزة الدول الأخري: لتحد من الحريات سياسياً وقانونياص وتقيد حركات الأشخاص والأموال وتكون الحرب المعلنة أحد وسائل تحقيق هذه السياسة الأمنية بضرب البعض وترويع الأخرين، هنا كذلك تبرز جدلية الحركة،إذ تضرب اجراءات السياسة الأمنية في الصميم مستلزمات ما يسعي رأس المال الأمريكي إلي تحقيقه أقتصادياً عبر السياسة الليبرالية الجديدة لازالة العوائق امام حركته في سوق عالمية ، اللهم إلا إذا أنتهي الامر بسياسته " الأمنية " إلي فرض القيود علي حركات المستضعفين في الأرض وضمان الحركية لرأس المال الدولي .
إذا لم تكن قوة الولايات المتحدة الأمريكية بالقدر الذي يمكنها من السيطرة علي كل العالم والتحكم فيه فكيف أذن تتخذ قرارات المؤسسة الحاكمة بذاتية تجعلها تهدف إلي ذلك ؟

6- قرار المؤسسة الأمريكية الحاكمة بين القوة الموضوعية والأسطورة الأيديولوجية والترنح اللحظي : نعتقد انه من الممكن ان نفسر قرار المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة بالضربة العسكرية أعقاب الحدث، جزئياً بالقوة الموضوعية التي تمتلكها، وهذا مسلم به، وجزئياً بالأسطورة الأيديولوجية التي يعظمها رأس المال الأمريكي وجزئياً بالترنح الذي أصاب المؤسسة الحاكمة بعد الحدث . الترنح وضح للعيان بالنسبة لكل العالم . الأسطورة هي التي تحتاج إلي بعض التبيان . إذ تتحدد الأسطورة التي تروجها أيديولوجية رأس المال الأمريكي وتعشش في ذهن الامريكي بصفة عامة والمؤسسةالحاكمة بصفة خاصة ، بمقومات ، تحددها وتحدد كذلك حدة الظلال التي تصاحبها . هذه المقومات هي تتمثل في:
ـــ المتزمت The puritan ، الذي تمثل أمريكا له أرض المهمة ، ويمثل الأنسان حقل معركة تحقيق المهمة ، حيث المواجهة بين مثالية التزمت وإغواء الشر(الذى هو من طبيعة الإنسان
ــــ والرائد The puritans، الذي تمثل أمريكا له العالم الجديد، مجال تحقيق اليوتوبيا (المدينة الفاضلة )ولكن هذه المدينة لا يمكن أن تقوم إلا علي إبادة الرجل غير الأبيض ( الذي يعكر وجوده صفو العالم الجديد ) ومع تحول الحرية إلي حرية السوق .
والأسطورة ليست تراثية ، فليس للمجتمع الأمريكي تراث حضاري يذكر .. ولكنها تتكون من عملية كلها من صنع رأسمالية الغرب . فالتزمت تزمت طرداء مجتمعات أوربا الغربية ، التي لحقت بركب الحضارة الأنسانية في مرحلة متأخرة أستبقت معها الكثير من بداوتها ، طرداء هذه المجتمعات كمخالفين للقانون ام للمعتقدات التعصبية السائدة . من هنا جاءت طبيعة المواجهة علي أرض المهمة : بين اغواء الشر ومثالية التزمت .
ولا يمكن أن تتحقق المهمة علي أرض، اي بناء المدينة " الفاضلة " إلا من خلال الأنسان كحقل للمعركة ،أي معركة أبادة غير الابيض . وكنتاج لرأس المال تتحول حرية الإنسان ، في تصوير الايدرولوجية ، إلي حرية المجال الذي يصول فيه ويجول رأس المال لتحقيق ضالته المنشودة : الربح النقدي ، أي حرية السوق . إلا أنه هذه الاخيرة لا يمكن ان تجد حدودها ، مع سيادة منطق تعظيم الربح النقدي ، عند حدود الفنارة الامريكية . فلا تقنع بأقل من حدود العالم نفسه . وعليه يتسع نطاق معركة أبادة غير الابيض ، ليغطي بقية المعمورة .
وتقوي الاسطورة الايديولوجية ، في ظل تزايد حدة تناقضات النظام ، من محدودية رشادة رأس المال الأمريكي عندما يتخذ قرار الضربة العسكرية في أعقاب الحدث . وهو قرار احتوي منذ الايام الأولي اثار تحد من القدرة النسبية لراس المال الأمريكي علي ان يتحرك علي نحو سليم في داخل الولايات المتحدة وفي خارجها : فالتحديد المتعجل للعدو ممثلا بشعوب بأكملها يوقظ ماتكنه هذه الشعوب من كراهية لغطرسة القوة خاصة عندما تمارس في مواجهاتها سياسات استعمارية قهرية ، بل وتدفع هذه الشعوب علي تعبئة قواها لمواجهة هذه الفطرسة . وبتحديد العدو علي اساس ديني أو إثنى يثير القرار مكامن هلاك للمجتمعات الرأسمالية الغربية ، وخاصة الولايات المتحدة ، حيث أحتوائها لاثينات وديانات عديدة لم تعرف بعد التماسك الحضاري التاريخي.وهو ما يعني اثارة الصراعات الطائفية والدينية داخل مجتمعات الغرب الرأسمالي نفسه . وباتخاذ الإجراءات المقيدة لحركة الاشخاص والأموال ، علي الأقل بتجميد أموال قوائم من الأشخاص والهيئات ، يحد من الأنتعاش المرجو بعد دخول الأقتصاد الأمريكي ، ومع بقية الأقتصاد العالمي ، في كساد منذ ما يزيد علي العام ، يتحقق في اطار الأزمة الهيكلية العامة للأقتصاد الرأسمالي الدولي . والقوانين والأجراءات والممارسات التي تبرز بأسم " مكافحة الأرهاب " تبرز المعني الحقيقي " للديموقراطية الأمريكية " وتحرم رأس المال الأمريكي من سلاح يصبح ادعائيا يشهره فى مواجهة من لا يسمح له بالتوغل فى اراضيه اى ضمان الحريات والحيلولة دون أنتهاك"حقوق الإنسان"وقد أخرجت أهم الدول " الديموقراطية "الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا . بسرعة فائقة القوانين المقيدة للحريات : ففي الولايات المتحدة يصبح من حق الأدارة القبض علي أي أجنبي ، دون دليل أو اتهام ، لفترة معقولة ، أي لمدة شهور أو مايزيد علي ذلك . وقد اعتقل في الشهر التالي علي الحدث ما يقرب من ألف شخص كلهم اجانب من اصل " شرقي " ظل الكثير منهم رهن الحبس دون امكانية الأستعانة بمحام أو دون معرفة التهم الموجه اليه . وقد أسيئت معاملة الكئير منهم بوسائل من بينها الإيذاء البدني . كما يقوم مكتب التحقيقات الفيدرالية بالتحقيق مع جمعيات أهلية بدعوي أنها ذات صلة بالأرهاب ، كما حدث مع جماعة تدعو للسلام الأجتماعي WOMEN IN BLACK (النساء السوداوات) تنشط ضد العنف الذي تمارسه أسرائيل في مواجه الفلسطينين في كل أراضى فلسطين التاريخية. وقد صوت الكونجرس الامريكي بمجلسيه ، بسرعة قياسية ، علي قانون يصبح نافذاً في 26/1/2001 ( رغم معارضة 120 جمعية دخلت في تحالف حماية الحريات السياسية ) ويسمح للإدارة ( وليس لجهة قضائية ) بالقبض علي الأجانب وأحتجازهم جبرياً وطردهم من الولايات المتحدة علي أساس تهم يحتفظ بها سرية ، ولا يكون من حق المتهم أو المحامي الأضطلاع علي الملف الشخصي الذي تكونه الإدارة . " مشكوك في ارهابيته " . مثل الشخص يكون عرضة لاحتجاز غير محدد المدة دون حق الأحالة إلي المحاكمة ( في الماضي ، كان الأحتجاز المؤقت مخالفاً للدستور ) . بل ان الممارسات المقيدة تصييب الإعلام الأمريكي بحجة عدم تمكين العدو من تمرير رسائل " مشفرة " عبر وسائل الأعلام " .ولعل أخطر ما تتبدى فيه رشادة رأس المال الأمريكى عند إتخاذه قرار الضربة العسكرية عدم إدراكه أو عدم إهتمامه، بما يفجره موضوعياً في شكل أقتضام التنظيم الرأسمالي في مرحلة تطورة الحالية لما كان يحسب تاريخياً من الإنجازات الإيجابية للرأسمالية: ففي توصيف "العدو" ومن أجل تعبئة الرأى العام في البلدان الراسمالية المتقدمة خلف فعلته يعود بنا رأس المال إلي الجاهلية العقائدية حيث يشير إلي العرب والمسلمين كعدو طامسا بذلك عقلانية التروي والتفكير والرؤية العلمية للأمور . وهو عند أختيار اسلوب توجيه الضربة يختار أسلوب " عضلات القوة " بهدف تغيير نظام الحكم الداخلي في دولة عضو في الامم المتحدة ، معطيا لمجلس الأمن أجازة في عز لحظة تهديد الامن الدولي مكتفياً بأبلاغة بما هو فاعل له . ولا يسمح لهيئة الأمم المتحدة الا بدورفي الإعداد للحكومة البديلة التي ستفرض علي شعب أفغانستان ، بعد أن يكون قد تبدد بين القتل واللجوء ، مع أحتمال أن يتحقق هذا العرض من خلال بلقنة الدولة أي تقسيمها إلي دويلات . وهكذا يكرس رأس المال الأمريكي دور الأمم المتحدة كهيئة تعمل على تفتييت الدول الأعضاء في: العراق ، في البلقان ، في اندونيسيا ، والأن في افغانستان . في كل هذا يكون رأس المال الأمريكي قد ضرب عرض الحائط بجوهر جنين القانون الدولي العام ، رغم أختزاله الشرعية الدولية فى " شرعية رأس المال" ورأس المال الأمريكي عند تنفيذ الضربة ، التي أختار أن تكون عسكرية تنفذ دون ما تقصي متروي للحقائق ولا محاكمة ولو غيابية (إذا لم يمهل المجتمع العالمي إلا ستة وعشرون يوماً) نقول عند تنفيذ الضربة هو يبحث عن " الفاعل " الفرد المزود " بقاعدة لا تتعدي الخمسة الف شخص، فى كومة من اللحم البشرى يفوق عددها الـ19 مليون، وتعيش على مساحة 562 ألف كيلو متر مربع، تمثل شعب أفغانستان الذي لم يقدم أي شخص أي دليل علي انه قد فكر او حرض أو خطط أو أشترك في الحدث في الحادي عشر من سبتمبر ، أو في أي حدث أخر ، إلا بصفته الضحية لمدة تزيد علي العشرين عاماً للحرب الباردة ثم للتصارع بقصد السيطرة علي الطاقة والنفوذ السياسي في أسيا الوسطي . ويكون التعامل مع الكومة من اللحم البشري بأقصي صور العنف المسلح التى تودى بالحياة دون تفرقة بين حياة بريئة لغالبية الشعب الأفغانى، وحياة نجسة لقلة من تجار الحروب والمخدرات يمثلون الحليف المالى أو الإجتماعى لرأس المال الأمريكى. وتتضمن صور العنف المسلح السلطة علي الشعب الأفغاني حرصاً علي أمتهان كرامة الأنسان بالنسبة لمن يفلت من " أبادة الجنس " عندما يواجه بشعار واحد يجمع بين القنبلة العنقودية التي تبيد وأكياس القمح التي تستذل: أن كلاهما صنع في الولايات المتحدة الأمريكية .
بهذا يكون رأس المال الأمريكي قد ضرب عرض الحائط ليس فقط بما يسميه مشروع المحكمة الجبائية الدولية بجريمة " إبادة الأجناس " وأنما كذلك بمشروع حلم البشرية في أن يعيش كل شعب في أرضه امناً علي نفسه وعلي حياه كريمة وعلي كرامة إنسانية وعلي إنسانية التعامل بين شعوب الأرض .
أخطر من ذلك ، ما تتبدي فيه " رشادة " رأس المال الأمريكي عند اتخاذه قرار الضربة العسكرية للدرع الكوني ، عندما تؤدي حملة " معاداة " شعوب " العالم الثالث بأسم " مكافحة الأرهاب " من حدف هذه الشعوب ، بعد عقود من القضاء علي التسييس وسياسات تزييف الوعي التي تتبعها أنظمتها السياسية بمباركة رأس المال الدولي في أحضان الدعوات اللاعلمية والنداءات التعصبية ، الأمر الذي يصعب من تحقق الوعي الشعبي الصحي في المدي الأطول .
ومازالت الضربة العسكرية مستمرة لتحدث أثاراً أخري في كل مجتمعات العالم يتبين منها فيما بعد مدي " الرشادة " التي يمتع بها رأس المال الأمريكي عند أتخاذه للقرار . ولكنا نعتقد أن ما تبدي لنا حتي الأن يسمح بأن نتساءل : أي قدر من الرشادة يبقي لرأس المال الدولي مقوداً برأس المال الأمريكي ؟ وأي خطر يتهدد العالم من " ضربات " قوة هائجة لم يعد يتبقي لها الكثير من الرشادة ، إلا تلك التي ترجوها في شأن مصالحها السوقية المباشرة ؟
الحدث والضربة ونوع الرشادة كلها تعكس تاريخية الوجود الرأسمالي وأصرار تناقضاته في حدتها الحالية علي ألا تهنأ البشرية بلحظة أمان ( ناهيك عن النعيم الذي وصف كثيراً بأنه النعيم المقيم ) أي علي أن تعيش شعوب العالم الرأسمالي مروعة يسكنها الخوف ، يستوي في ذلك الساكن في الأجزاء الرأسمالية المتقدمة والهائم منها من الأجزاء الرأسمالية المتخلفة . ولعل أكبر ما للمكان الذي أختارته المؤسسة الحاكمة الأمريكية لبدء الضربة من دلالة أن أي شعب رافض للأنصياع لابد وأن يهيم في الأرض في أي أرض إلا أرضه بأحتوائها لعمقه الحضاري والتاريخي فالمهمة التاريخية لرأس المال أصبحت ، بعد أن بني كل جبروته من عرق مليارات البشر أن يقتلع الإنسان من جذوره بالقضاء علي أمانة .
أمام ذلك لم يعد الأمر يحتمل إلا الفهم والمواجه : الفهم السليم الذي يعني تفادي الأنحراف عن العقلانية والعلم . والمواجه التي تعني أصرار الغالبية علي الصراع من أجل انتزاع حقوقها في العيش الكريم ، في ظل تنظيم أجتماعي أرقي يطمن للإنسان حريته وقدرته علي دوام التطوير الحضاري لذاته الإجتماعية .
دكتور محمد دويدار
بيروت في 20-27 / 10/2001
ثم 2/11/2001









#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟ الجزء الرابع
- الرأسمالية وحروب الإبادة (الإنكا، والإزتك)
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟ 3
- كيف يرى دويدار عملية قتل إبن لادن؟ الجزء الثانى
- كيف يرى محمد دويدار عملية قتل إبن لادن؟
- الموجز فى التكوينات القبلية فى السودان
- هوجو تشافيز والنفط وأوبك
- فنزويلا: التاريخ والجغرافيا والإقتصاد
- الصراع العالمى على الزيت
- الموجز فى تاريخ السودان الحديث
- نقد موضوع الإقتصاد السياسى عند محمد دويدار
- إعادة طرح موضوع الإقتصاد السياسى كعلم إجتماعى
- التسرب فى دول النفط
- أزمة دارفور. كيف يراها رجال مؤسسة الحكم فى الخرطوم؟
- كارل ماركس (العظيم الآخير)
- لماذا إنفصل جنوب السودان؟
- الإقتصاد السياسى للمشروع الإستعمارى الإستيطانى الإسرائيلى
- المختصر فى العمل المأجور والرأسمال
- معالم الإقتصاد السياسى لدى روزا لوكسمبورج
- موجز نظرية القيمة لدى كارل ماركس


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد عادل زكى - الحدث والضربة، ورشادة رأس المال الأمريكى