أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاضل عباس البدراوي - ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة السادسة















المزيد.....



ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة السادسة


فاضل عباس البدراوي

الحوار المتمدن-العدد: 3355 - 2011 / 5 / 4 - 02:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


درجة حزبية جديدة
حضرت اول اجتماع لمتفرعتنا بعد اطلاق سراحي، كان قد عقد في دار الرفيق الفقيد صلاح القاضي التي كانت تقع في منطقة الكمالية، حضر الاجتماع الرفيق ابراهيم الحريري كمشرف، اعتقد انه كان عضوا في مكتب المحلية العمالية للمشاريع الصغرى، وحضرت معه الرفيقة زكية شاكرالتي كانت عضوة مكتب لجنة منطقة بغداد، قدما لي التهنئة بمناسبة خروجي من المعتقل وابلغاني بان الحزب قرر ترشيحي لعضوية اللجنة العمالية للمشاريع الصغرى، وقال ان ترشيحك تم، لانك رفيق جيد وشجاع وتطورت فكريا بشكل جيد، شكرتهما على ذلك الاطراء، بالطبع عاهدت الحزب على اخلاصي ووفائي للمبادئ التي احملها وسأحافظ على الامانة التي شرفني الحزب بها. وقد تسلمت مسؤولية المتفرعة من الرفيق الشهيد ابراهيم محمد علي.
بداية مشاكلي مع الحزب
بعد اشتداد الهجمة المزدوجة على الحزب، من قبل الاجهزة الامنية لحكومة الزعيم من جهة، وعصابات الشقاة من البعثيين وبعض الجهات القومية وانصار العهد البائد من جهة اخرى، حيث اصبحنا بين مطرقة الحكومة وسندان تلك القوى، استمرت حملات القمع والاعتقال وكيل التهم الباطلة ضد القوى الديموقراطية والشيوعيين، بشكل تصاعدي، والحزب بقى على موقفه وشعاره، تضامن كفاح تضامن، دون ان يحقق شيئا من ذلك الشعار، بدأ يسود البلبلة قواعد الحزب ومنظماته، بسبب شدة تلك الهجمات وعدم قناعة العديد من اعضاء الحزب بسياسته، حيث ترك عدد كبير من الاعضاء صفوف الحزب. وفي بداية عام 1962، حلت مرة اخرى موعد الانتخابات العمالية التي اصرت السلطات اجراءها في نفس المكان السابق، عند قيامنا نحن في متفرعة المطابع بحملة انتخابية لحث العمال على المشاركة في الانتخابات، وجدنا صدودا كبيرا من العمال للمساهمة فيها، خوفا مشروعا على حياتهم ومصادر ارزاقهم، حتى ان بعض رفاق الحزب اعلنوا صراحة عن عدم مشاركتهم في الانتخابات، واتخذ الحزب قرارات بفصل أي رفيق لا ينفذ التعليمات الحزبية في مشاركته في الانتخابات، تقلصت اثر ذلك متفرعتنا من حوالي سبعين عضوا ومرشحا في اواسط عام 1960 الى عدد لايتجاوز الثلاثين، خسرنا رفاقا جيدين بسبب اصرار الحزب على موقفه من الانتخابات العمالية، ولم تجد نفعا مطالبتنا بمقاطعة تلك الانتخابات وتعريتها وافراغها من شرعيتها، وكان ذلك الوضع يسود بقية اللجان العمالية ولنفس الاسباب.
من ذلك الحين بدأت مشاكلي مع الحزب حيث بدأت بانتقاد سياسة الحزب بصورة اجمالية وفي مختلف المجالات، وكتبت رسالة الى قيادة الحزب، اعلنت فيها احتجاجي على سياسة الحزب، وبالغت في الانتقاد، ولا ادري ما الذي دفعني لكتابة بعض العبارات الشديدة في تلك الرسالة، التي كانت واحدة منها تكفي بفصلي من الحزب، ومن جملة ما ذكرت في رسالتي، ان السبب الرئيس للسياسة اليمينية هو الانقياد الاعمى وراء طروحات الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، وليس من المعقول ان الرفاق السوفيت ادرى منا بشؤون بلدنا، كانت تلك العبارة كفرا لدى الشيوعيين في ذلك الحين، كذلك ذكرت في رسالتي، ان السبب الثاني هو سيطرة العناصر المنحدرة من اصول برجزازية على قيادة الحزب، بل ذهبت الى اكثر من ذلك، حيث قلت في رسالتي ان القيادة هي مجموعة من الافندية! نصحني الرفيق ابراهيم الا ارفع هذه الرسالة وحرام ان نخسرك بسببها، ولما وجد اصررا مني قال خففها على الاقل فرفضت.
بعد ايام من كتابة تلك الرسالة اخبرني مسؤولي الحزبي الرفيق ابراهيم محمد علي، ان رفيقا قياديا يريد ان يزورك ويناقشك حول رسالتك، وفعلا جاء رفيق بصحبة الرفيق ابراهيم الى الدار الذي كنا نسكنها في محلة فرج الله، عرفت الرفيق الزائروكان الكادرالعمالي العريق الرفيق الشهيد الياس حنا كوهاري (ابو طلعت) الذي كان اول شهيد من شهداء قصر النهاية بعد انقلاب شباط الاسود، مات كما علمت ولم يطأطئ الرأس للجلادين، فتحية لذكراه العطرة. جلسنا نحن الثلاثة واخرج الرفيق ابو طلعت رسالتي من جيبه وابتسم، وقال لي ما هذه الرسالة يارفيق نبراس؟ (كان اسمي الحزبي) انه ليس بانتقاد انه هجوم كاسح على قيادة الحزب، فاخذ يناقشني فقرة فقرة بما جاء في رسالتي، دافعت عن ارائي بقوة، لكنني لم استطع مجاراته بما كان يمتلك من ثقافة سياسية ونظرية، كان شفافا وهادئا جدا في مناقشته لي، وقال لي في الاخير، انك رفيق جيد والحزب يعول عليك وعلى الكوادر العمالية من امثالك يمتلكون هذه الجرأة في طرح ارائهم، وتتمتع بثقافة سياسية ونظرية تؤهلك من ان تتبوأ مراكز حزبية متقدمة في المستقبل، لاسيما وانت شاب في مقتبل العمر، وعند انتهاء الاجتماع مزق الرسالة بعد ان استئاذن مني بكل ادب وقال مازحا قلل من مشاكساتك يا رفيق وستكون يوما ما قائدا بارزا في الحزب، الحقيقة ان طريقته في الكلام ونقاشه الهادئ معي اخجلتني، كذلك خوفي من اتخاذ عقوبة الفصل من الحزب، لانني كنت كاسمكة اذا اخرجت من الماء تموت، لانني تربيت في احضان الحزب منذ صغر سني ولم اتصور نفسي ان اكون خارج الحزب، لتلك الاسباب تظاهرت باقتناعي لملاحظاته، الا انني في حقيقة الامر لم اقتنع كليا ربما اقتنعت جزئيا. كان ذلك على ما اتذكر بداية عام 1962.
ضيافة اخرى في المعتقل
بعد ان تمكن البعثيون بمساعدة الاجهزة الامنية من السيطرة على نقابتنا ومعظم النقابات العمالية، بدأنا نتصل بالعمال غير الحزبيين وندعوهم الى حضور بعض الندوات للتباحث حول الامور والمشاكل العمالية، كانت لقاءاتنا تتم في نقابتين ظلتا الى ذلك الحين في يد الشيوعيين، وهاتان النقابتان هما نقابة عمال البناء ونقابة عمال النجارة، كانت اللقاءات تتم غالبا ايام الجمع، في احدى الجمع، لا اتذكر التاريخ بالضبط وانما اعتقد انه كان في اواسط شهر حزيران من عام 1962، دعونا عددا من الوجوه العمالية في قطاع المطابع لحضورندوة، ولقد استجاب لدعوتنا بعض الوجوه العمالية غير الحزبية، امثال الشاعر الشعبي وعامل المطبعة العريق المرحوم عليوي الناصر وعضو الهيئة الادارية السابق لنقابتنا المرحوم عبد الرحمن صافي التكريتي (خلفة رحومي) والعامل في مطبعة الحكومة عضو الحزب الوطني الديموقراطي، مهدي المختار واخرين لا اتذكرهم، كما حضر الندوة عدد من اعضاء متفرعة المطابع واعضاء ومرشحون اخرون، كان من بين اعضاء المتفرعة من الذين كانوا حاضرين الرفيق الفقيد سليمان شيخ محمد (ابو سيروان) اضافة لي بصفتي مسؤولا عن المتفرعة (ابلغني الرفيق الشهيد ابراهيم محمد علي، قبل ايام قليلة من تلك الندوة بأنني اصبحت عضوا كاملا في عمالية المشاريع الصغرى وسوف احضر الاجتماع المقبل للفرعية) بعد فترة وجيزة من تواجدنا في مقر النقابة، فاذا برجال الامن يحيطون بمقر النقابة ويقطعون الطرق المؤدية اليها، ثم هاجموا النقابة، كان يقود الهجوم عقيد الامن حسن زين العابدين، وقاموا باقتيادنا الى سيارة اللوري المتوقفة امام النقابة ثم الى الموقف العام في باب المعظم ، مكان وزارة الصحة الحالية، دون تحقيق او توجيه سؤال، كان عددنا يتراوح بين 40 الى 50 عاملا من مختلف المهن الا ان الاغلبية كانوا من عمال المطابع، ومن الطرائف التي حدثت اثناء تلك المداهمة ، جاء شخص فلسطيني متقدم في السن كان صاحب معمل نجارة يدعى عبد الغني، جاء ليسأل عن احد عمال معمله بسبب غيابه عن العمل، فزج هو الاخر معنا في المعتقل، وعند سؤاله في الموقف العام شرح لهم اسباب حضوره لكن ذلك لم يمنع من اعتقاله وعندما عرفوا انه فلسطيني سألوه أية قلعة تختار، لان الموقف العام كان فيه ستة قلاع، القلعة الاولى كانت تضم البعثيين وكانت اصغر القلاع والثانية للاكراد، والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة كانت تضم الشيوعيين والديموقراطيين، وكان عدد هؤلاء يتراوح بين 650 الى 750 معتقلا، اختار صاحب معمل النجارة الفلسطيني ان يبقى مع الشيوعيين وقضى معنا ثلاثة اشهر، غادر المعتقل وهو صديق حميم للشيوعيين حيث انه قام بزيارتنا بعد الافراج عنه وجلب معه بعض الاطعمة، وقال لنا بالنص لم اكن اتصور ان الشيوعيين يتمتعون بهذه الاخلاق الراقية والثقافة الغزيرة، اودعونا نحن جماعة النقابة كما كانوا يسموننا في القلعة الثالثة، فكلما كانت تمضي اياما يطلق سراح عدد من المعتقلين بقضية النقابة بكفالة، حتى بقينا اقل من عشرة اشخاص لم يطلق سراحنا كنت انا والفقيد سليمان من بين الذين ممن لم يطلق سراحهم، ونسيت ان اذكر انه اعتقل معنا القائد النقابي محمد غضبان رئيس نقابة عمال السكائر، ولم يعط اسمه الحقيقي للامن بل قال ان اسمه شهاب احمد، لكن في الاخير اكتشفوا امره وابقوه معنا.
جرت في تلك الفترة وقبلها باسابيع حملة اعتقلات واسعة شملت قادة الحركة النقابية دونما مسوغ، فاعتقل كل من صادق الفلاحي وعلي شكر وعبد القادر العياش وحسين علوان وكليبان صالح وعاصم الخفاجي، وفي النصف الثاني من ذلك العام اعتقل معظم اعضاء المنظمة الحزبية في السكك بسبب خيانة احد اعضائها، وتم جلبهم الى الموقف العام ايضا، اتذكر منهم الرفاق صبحي المشهداني وابراهيم مفيز الدين وعيدي جفال وشهاب ذياب (ابو تحرير) وخرميط سميج واخرين لا اتذكرهم، مكثوا في الموقف العام الى ما بعد انقلاب شباط الاسود، كما جلبوا الى المعتقل في اواخر عام 1962 الرفيق فخري كريم الذي كان مديرا لتحرير جريدة ديموقراطية كان يصدرها المحامي المرحوم ضياء شكارة لا يحضرني اسمها، مكث معنا الرفيق فخري في القلعة السادسة التي نقلنا اليها حوالي الاسبوعين ثم اخذوه ليمتثل امام المجلس العرفي العسكري الذي كان يرأسه العقيد الرجعي شاكر مدحت السعود وحكم لمدة عام او اكثر لا اتذكر ذلك، وسفروه ليقضي محكوميته في سجن الكوت، الذي تمكن من الهرب منه مع بقية السجناء الشيوعيين والديموقراطيين، عندما اقتحمت جماهير الكوت السجن يوم الانقلاب المشؤم في 8 شباط الاسود.
زارنا في المعتقل احد المحاميين الذي كان شقيقه عضوا في المجلس العرفي العسكري كان يدعى العقيد عواد خضر النعيمي، وابدى استعداده لاطلاق سراحنا، نحن المتبقين من قضية النقابة بكفالة، مقابل دفع عشرة دنانير عن كل شخص، يبدو انه كان مرسلا من اخيه، والا كيف عرف بقضيتنا وعددنا؟ المهم جمعنا المبلغ وكان كبيرا علينا نحن العمال المعتقلين منذ اكثر من سبعة شهور وكنا معيلين لعوائلنا الا اننا تمكنا من جمع المبلغ الا ان الرفيق سليمان لم يتمكن من دفع المبلغ لانه لم يكن يحمل سوى دينار واحد عند اعتقاله، وليس له عائلة في بغداد وانما عائلته مقيمة في شقلاة في كردستان، دفعت انا حصته وقال لي اعتبره دينا سوف اسدده لك بعد اطلاق سراحنا، فضحكت وقلت له يا رفيق ابو داود اننا رفاق واخوة ليس بيننا دين، وللرفيق سليمان شيخ محمد قصة اثناء ما كنا في المعتقل سارويها للقارئ الكريم.
كان الرفيق سليمان قد استأجرغرفة مع احدى العوائل المسيحية عند قدومه الى بغداد من كردستان، كان البيت يقع في عكد النصارى قرب المدرسة الجعفرية، كنا نجتمع احيانا في غرفته، يبدو ان رجال الامن كانوا يراقبون الغرفة، فعندما غاب عنها بسبب اعتقاله داهموا الغرفة، التي كانت فيها بعض الادبيات والرسائل الحزبية كما اخبرني الرفيق ابو سيروان، وقد نقل خبر المداهمة الييااحد الرفاق، اثنا ء المواجهة، والذي ذهب الى الغرفة ليستفسر عن الرفيق سليمان فاخبره الجيران ان لا يقترب من البيت لان رجال الامن وضعوا كمينا لمن يأتي الى الدار، كما ان كافة المستمسكات الرسمية التي تعود للرفيق سليمان كانت في الغرفة فاستولوا عليها، وقد صدر امر بالقاء القبض عليه، لكن الامن لم يكونوا قد عرفوا بان الرفيق سليمان هو معتقل، لانه عند اعتقاله لم يسجل اسمه الحقيقي بل سجل باسم سلمان محمد، هكذا افلت الرفيق سليمان من الاعتقال، وتكفله احد الرفاق.
عند خروجي من الاعتقال زارني الرفيق ابراهيم محمد علي وهنأني على الخروج من المعتقل، وقال لي ان وضع متفرعتكم سيء للغاية، بعد اعتقالك واعتقال الرفيق الثاني بعدك في مسؤولية المتفرعة الرفيق سليمان وكذلك اعتقل بعدنا عضو المتفرعة الرفيق كريم حواس (ابو حيدر) اثناء مشاركته في احدى الفعاليات الحزبية، وقال لي (ارتاح كم يوم) ثم استلم المسؤولية من مسؤلها الحالي، فعلا بعد عدة ايام التقيت بمسؤول المتفرعة، كان يدعى محمد حبيب (ابو سلام) وهو ليس من عمال المطابع انما كان من عمال المخابز والافران، نسب لمسؤلية المتفرعة بعد اعتقالنا، عند لقائي به وتحدثي معه وطلبي منه ان يرفع لي تقريرا مفصلا عن الوضع التنظيمي للمتفرعة، وجدته انسانا تافها ولا يلم بشيء مما يسمى تنظيم وذو مستوى ضحل، والانكى من ذلك، اشتكى لي بعض اعضاء المتفرعة انه غالبا ما يغيب عن الاجتماعات وهو مسؤول عنها، كما يحضر الاجتماع احيانا وهو في حالة سكر، تعجبت كثيرا من هذا الامر، كيف يسلم الرفيق ابراهيم مسؤولية منظمة حزبية تعبنا كثيراعلى بنائها، الى شخص بهذه المواصفات، والمعروف عن الرفيق ابراهيم انه صاحب تجربة كبيرة وثقافة عالية وامكانيات تنظيمية جيدة، على كل حال طلبت منه مهلة عدة ايام لكي ارتب اموري لاستلام المتفرعة، والحقيقة اردت ان التقي الرفيق ابراهيم لموعد سابق بيننا لحضور الاجتماع الاول لي لفرعية المشاريع الصغرى لكي استفسر منه عن ذلك الوضع الشاذ للمتفرعة، وكان موعد لقائنا هو يوم الاثنين 11 شباط، لكن محمد حبيب رجاني ان احضر اجتماعا لاحدى اللجان التابعة بدلا عنه كمشرف، وكان موعد الاجتماع يوم الجمعة الثامن من شباط في الساعة التاسعة صباحا، وحضرت الاجتماع وكان في دار احد رفاقنا المسيحيين من عمال المطابع في محلة السنك، وفي بداية الاجتماع سمعنا ضوضاءا واصواتا عالية استدعت زوجة الرفيق صاحب الدار زوجها وقالت هناك بيانات في الاذاعة وعندما اخبرنا وفتح لنا المذياع فاذا ببيانات صادرة عما سمي بمجلس قيادة الثورة، وفي تلك الاثناء سمعنا اصوات انفجارات شديدة علمنا ان انقلابا قد حدث، انهيت الاجتماع وطلبت من الرفاق الحاضرين ان يتوجه كل منهم الى منطقته وينفذ تعليمات الحزب من اية منظمة حزبية كانت، وليس بالضرورة عن طريق التسلسل التنظيمي، بالفعل ذهب كل الى منطقته وانا الى منطقتي في شارع الكفاح.
على هامش الاحداث المارة ذكرها
يدور سؤال مشروع في ذهن أي شيوعي سابق او حالي بل حتى في ذهن اناس بعيدون عن الحزب الشيوعي ومرد هذا السؤال هل كان بامكان الحزب الشيوعي استلام السلطة؟ واذا كان بامكانه لماذا لم يحقق ذلك؟
اجيب انا الان على هذا السؤال من وجهة نظري الشخصية التي تولدت لدي بعد عقود من السنين مضت على تلك الاحداث التي غيرت من مجرى الحياة السياسية والعامة في العراق، ربما نعيش بعضا من تداعياتها حتى الان.
انا من الذين كنت الوم الحزب بسبب عدم محاولته استلام السلطة، وكان قادرا عليه بسهولة في فترات متعددة ايام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، لكن لو نظرنا الى الامور بمنظار واقعي وتمحيص دقيق للاوضاع المحلية والاقليمية والدولية التي كانت سائدة انذاك، وليس على اساس عاطفي او تحليل سطحي لتوصلنا الى ان الحزب كان قادرا فعلا وبيسر على استلام السلطة، لكن هل كان بامكانه الاحتفاظ بها واقامة نظام تحت قيادة الحزب الشيوعي مشابها لما كانت عليه الانظمة في دول المعسكر الاشتراكي السابق؟ اقول الان كلا، لم يكن باستطاعة الحزب اقامة نظام تحت قيادته في ذلك الوقت للا سباب الواردة ذكرها ادناه:
1-العراق يقع في منطقة ستراتيجية هامة من الشرق الاوسط، وكان محاطا بدول صديقة وحليفة للغرب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وفيها قواعد عسكرية كبرى، كايران وتركيا اللتان تقعان على الحدود السوفيتية، كذلك السعودية والاردن والكويت،وكانت سوريا قبل انفصالها عن مصر دولة معادية لنظام الزعيم عبد الكريم قاسم والشيوعيين.
2-كان الصراع على اشده بين المعسكرين الغربي بقيادة اميركا والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي، وكان هناك شبه تقاسم نفوذ بينهما في العالم، ولم يكن الغرب مستعدا للقبول باقامة نظام شيوعي في العراق، الذي كان يقع في منطقة تابعة لنفوذه وقريبة من الحدود السوفيتية، ربما لوحدث ذلك كان سيؤدي الى انلاع صراع مسلح بين المعسكرين، واعتقد ان السوفيت لم يكونوا مسنعدين للدخول في مغامرة عسكرية كبرى وحرب عالمية ثالثة بسبب العراق.
3-العراق دولة نفطية يقع في بقعة يصدراكثرمن 25 % من النفط الى العالم في ذلك الوقت، وكانت المنطقة المصدر الرئيسي للنفط الى الغرب.
4-العراق بلد كان مايزال يخضع لعادات وتقاليد عشائرية ونفوذ كبير لرجال الدين، المعادين بشدة للشيوعية، وكانوا سيثيرون المشاكل لذلك النظام لو اقيم بقيادة الشيوعيين، وكانت ستحدث نزاعات دموية تغذيها الدول المجاورة للعراق كما يحدث الان وكان سيحدث اكثر مما يحدث الان، للاسباب الواردة ذكرها اعلاه، اذ ذاك كان النظام الجديد لو اقيم لا يستطيع مقاومة كل تلك الضغوط والمشاكل. اعتقد ان قيادة الحزب كانت تدرك ذلك، اما ما قيل عن محاولة القيام بعمل ما من قبل الرفيق سلام عادل في اواسط عام 1959 للسيطرة على السلطة، فاشك بصحة تلك المعلومات لانني كنت جزءا من التنظيم الحزبي، فالحزب كما اسلفت في صفحات سابقة كان في تلك الفترة كثيرا ما يعلن حالة الانذار لسماعه انباءا عن مؤامرة او تحرك مضاد للجمهورية، لكن هل كان على الحزب الشيوعي ان يقف متفرجا والزعيم عبد الكريم قاسم بدأ يحفر قبره وقبر نظامه بيده، عندما اخذ يتراجع امام زحف قوى الردة، ولم يكن هناك أي امل في تغيير لسياسته باتجاه الانفتاح على القوى الديموقراطية واقامة نظام برلماني ديموقراطي تعددي؟ اقول لا، كان بامكان الحزب استغلال بعض الحالات التي كان من الممكن للحزب ان يستغلها لصالح القوى الديموقراطية، واقامة النظام الديموقراطي وتقليم اظافر قوى الردة، واضرب مثالا على ذلك:
عندما تعرض الزعيم الى محاولة الاغتيال المارة ذكرها وادخل المستشفى ومكث فيه اكثر من شهر، سيطرت القوات العسكرية بقيادة ضباط ديموقراطيين وشيوعيين، والجماهير الشعبية على الشارع، كما ان الضباط الديموقراطيين والشيوعيين سيطروا على وزارة الدفاع، حيث كان بامكان الحزب توجيه هؤلاء الى المستشفى والطلب الى الزعيم باقامة اصلاحات ديموقراطية، وان رفض، يفرض عليه ذلك، وكان بالامكان ان يسفر الى احدى الدول الاشتراكية، وكانت الحجة واردة بسبب معالجة الجروح التي اصيب بها، وتشكيل مجلس من القادة العسكريين الديموقراطييين لادارة البلاد بصورة مؤقتة، يقوم المجلس بتطهير الاجهزة الامنية والجيش من العناصر الرجعية والمتأمرة، ويقوم بتعديل وزاري يطعم الحكومة بشخصيات ديموقراطية وحتى شيوعية من الصف الثاني اول الثالث ومن التنكنوقراط، كانت تلك الاجراءت لو حدثت لكان وقعها اقل تأثيرا على المعسكر الغربي من سيطرة الشيوعيين المباشرة على السلطة ، وكانت كل تلك الاجراءات تتم باسم الزعيم عبد الكريم قاسم.
في نهاية عام 1962 وفي بداية عام 63 اشتد التأمرالبعثي الرجعي على الجمهورية ولم يتخذ الزعيم الاجراءات الوقائية الكافية لافشال مخططاتهم، وكان الحزب على علم بتلك التحركات المشبوهة بل زود الزعيم باسماء المتأمرين والقطعات العسكرية التي بامرتهم، ولم يحرك الزعيم ساكنا، كان انذاك بامكان الحزب اجراء تغيير بنفس الصيغة الواردة اعلاه عن طريق محاصرة الزعيم ومواجهتة بالحقيقة وفرض الاجراءات المذكورة اعلاه عليه وحتى تسفيره للخارج تحت اية ذريعة ممكنة وبدون ضجة، وتشكيل حكومة من شخصيات ديموقراطية وتقدمية ومن التكنوقراط، وحتى عدم اشراك شخصيات شيوعية بارزة في الحكومة وتعلن الحكومة برنامجا ديموقراطيا تمهد لاجراء انتخابات حرة في البلاد واطلاق حرية التنظيم الحزبي بشكله الصحيح غير المشوه، وحتى اجراء حوار مع بعض الشخصيات والقوى القومية المعتدلة ومحاولة اقناعها في المشاركة في الحكومة، واخذ زمام المبادرة من المتأمرين قبل تنفيذ جريمتهم، هل هذا مجرد خيال رومانسي يراودني ام كانت ممكنة التحقيق؟ اترك تقدير ذلك لرفاق واخوان اخرين.
القسم السادس
الكارثة الكبرى
في صبيحة الثامن من شباط اكتملت خيوط المؤامرة واختار المتأمرون فرصة ذهبية لتنفيذ مؤامرتهم، اذ اختاروا صباح الجمعة ولم يختاروا الفجر كما كانت تجري الانقلابات العسكرية في البلدان الاخرى او كما جرى تنفيذ ثورة الرابع عشر من تموز. بدأ المتأمرون باذاعة البيانات من مرسلات ابو غريب، وحركوا كتيبة الدبابات التي كان مقرها في (ابو غريب) الى دار الاذاعة في الصالحية، كما سيطروا على القاعدة الجوية في الحبانية بمساعدة امر القاعدة العقيد الركن الطيار عارف عبد الرزاق، الذي عين قائدا للقوة الجوية، كذلك سيطروا على القاعدة الجوية في كركوك التي كان امرها المقدم الركن الطيار حردان التكريتي، في نفس اليوم تم اغتيال قائد القوة الجوية، الشخصية الديموقراطية العميد الركن الطيار جلال الاوقاتي امام داره، وكان اغتياله ساعة الصفر للمتأمرين، كان تنفيذ المؤامرة وتوقيتها متقنا جدا، واكبر من مستوى وقابلية طالب شبيب وحازم جواد المنفذان الرئيسيان للمؤامرة، بل نفذا بالتأكيد مخططا مرسوما لهما في الخارج، كانت مؤامرة كبرى اسهم في التخطيط لها الدول الامبريالية والاقليمية ونفذها حزب البعث، لاقامة دولة (الوحدة والحرية والاشتراكية في العراق!!).
بعد ساعات قليلة من تنفيذ الانقلاب اصدر الحزب الشيوعي بيانا استنكر فيه المؤامرة الرجعية الاستعمارية ضد الجمهورية ودعا الى حمل السلاح للدفاع عنها، وتم توزيع البيان على الجماهير العزل المحتشدة في الشوارع، ثم اعقبه ببيان ثان جدد نداؤه للجماهير بضرورة التصدي للمؤامرة، واراد شحذ الهمم ورفع الروح المعنوية للجماهير عندما ذكر في بيانه الثاني، ان الزعيم والضباط الوطنيين المخلصيين وذكر قسم منهم باسمائهم، كالعبدي رئيس اركان الجيش والمهداوي ووصفي طاهر وطه الشيخ احمد ما زالوا يقودون القطعات العسكرية ويتصدون للمتأمرين. توجه الوف المواطنين الى وزارة الدفاع واحاطوا به طالبين السلاح من الزعيم لكنه لم يستجب لمطلبهم، وكانت طائرات المتأمرين التي يقودها منذر الونداوي ونعمة الدليمي وممتاز وفهد السعدون وغيرهم يهاجمون وزارة الدفاع بالصواريخ واخذوا برمي الجماهير بصليات الرصاص واستشهد وجرح عدد كبير منهم، توجهت انا الى الباب الشرقي وكانت جماهير غفيرة محتشدة في ساحة التحرير وهي تهتف بسقوط المؤامرة وبحياة جمهورية 14 تموز كنت واقفا تحت عمارة مرجان، شاهدت دبابتين تتجهان من جسر الجمهورية باتجاه ساحة التحرير، ذكر لي بعض من الذين كانوا بالقرب من المكان ان الدبابتين كانتا تحملان صورة الزعيم، الا انني لم اتمكن من مشاهدة الصور لبعد المسافة، لكن عندما اقتربت الدبابتان من الساحة بدأتا بفتح النار على الجماهير العزل، واستشهد وجرح عدد كبير امامي من المواطنين، عند ذاك تفرقت الجماهير، وعدت انا الى منطقتنا في شارع الكفاح.
استجابة لنداء الحزب تمكن عدد من الرفاق في منظمة الكاظمية من السيطرة على مديرية شرطة النجدة واتخذوا من ثانوية الكاظمية مقرا لهم وسيطروا بذلك على معظم انحاء مدينة الكاظمية، كان يشرف على المقاومة عضو مكتب السكرتارية للحزب هادي هاشم الاعظمي وعضو منطقة بغداد حمدي ايوب، وكان القائد الميداني للمقاومة الشهيد الرائد خزعل علي السعدي، وفي جانب الرصافة اتخذ عدد من كوادر الحزب من محلة عكد الاكراد في باب الشيخ، جيبا للمقاومة باسلحة بسيطة جدا لا تتعدى بعضة بنادق ومسدسات، وكا يشرف على المقاومة عضو المكتب السياسي للحزب الرفيق الشهيد محمد صالح العبلي يعاونه الشهيد لطيف الحاج والفقيد كريم الحكيم واعتقد كان معهم عضو منطقة بغداد باسم مشتاق ولكنني غير متأكد من ذلك، وهاجمت جماهير الشواكة والكريمات في جانب الكرخ دار الاذاعة وهي عزلاء وتصدت لهم دبابات المتأمرين واستشهد وجرح عدد كبير من المهاجمين. انتهت المقاومة القليلة بعد يومين او ثلاث وسيطر المتأمرون على كافة ارجاء البلاد، وقد اذاع حاكمهم العسكري العام المقبور رشيد مصلح ليلة الثامن على التاسع من شباط بيانا برقم 13 اباح فيه ابادة الشيوعيين.
نجوت من الموت باعجوبة
بعد اربعة او خمسة ايام من وقوع الانقلاب، فكرت في الهرب او الاختفاء في مكان ما، لكنني فكرت مع نفسي الى اين اهرب واين اختفي ولماذا؟ وانا لم اسبب اذى لاحد في حياتي وكانت علاقتي ورفاقي واخواني الاخرين في نقابة المطابع جيدة مع العمال البعثييين بل قمنا بحمايتهم من حملة الاعتقالات التي جرت ضدهم بعد تمرد الشواف عام 1959، لذلك قررت ان اداوم في عملي، وتوقعت احتمال اعتقالي، قلت لنفسي وماذا ليعتقلونني، بضعة اشهروقد خرجت توا من الاعتقال في اواخر عهد الزعيم، وربما اتعرض للضرب او ما شابه ذلك، لكن افضل من التخفي، كنت مخطئا في استنتاجي ولم اتصور ان تصل الامور الى ذلك الحقد الاسود، ويتحول البعثيون الى وحوش كاسرة متعطشة للدماء والانتقام بالشكل الذي حدث. عندها توجهت الى عملي في مطبعة الاعظمي التي كانت تقع في الوزيرية، لصاحبها استاذي في طباعة الافسيت الخبير الطباعي الاول في العراق سهام الاعظمي، لم تمض على مباشرتي في العمل، الا اقل من ساعة حتى داهمت مفرزة من الحرس القومي المطبعة بصحبة احد العمال الذين كانوا يعملون معي( وهو من عائلة معروفة على نطاق واسع في بغداد بانحطاطها الاجتماعي) وكانت علاقتي اعتيادية بهذا الشخص ولم يكن بيننا أي عداء سابق، المهم قال لهم، ان هذا الشخص شيوعي وكان موقوفا وافرج عنه قبل ايام من وقوع الانقلاب. اخذوني الى مقر للحرس القومي كان يقع قبالة كلية التربية وكان قبل الانقلاب مقرا لاتحاد الطلبة العام، استولى عليه الحرس القومي، ثم نقلوني بسيارة احدهم الى مقر اخر يقع في النادي الاهلي قبالة ساحة الكشافة، هناك وجدت المجرمين المقبورين جعفر قاسم حمودي وحازم سعيد، حيث كانا من القيادات البعثية، اخذاني الى الطابق الاعلى من بناية النادي واجلساني عل كرسي وامام منضدة ووضعا امامي ورقة وقلم، قالا لي اكتب، قلت لهما ماذا اكتب قالا اكتب اعترافاتك عن التنظيم ومن هو مسؤلك وما هي درجتك الحزبية، اجبتهما ما هو التنظيم واي حزب قالا الست شيوعيا قلت لهم، وانا اتصنع السذاجة، انني عامل بسيط اشتغل على باب الله لاعيل عائلتي وليس لي دخل في الاحزاب، قالا الم تكن موقوفا قبل فترة قلت لهما نعم، اوقفت، عندما كنت اسير في شارع السعدون وكان يوم جمعة وانا ذاهب للسينما فوجدت الامن يطوقون الشارع ويعتقلون المارة وانا من بينهم اخذوني الى الموقف العام وبعد التحقيق معي اطلقوا سراحي بعد ايام قليلة من اعتقالي (بينما كنت قد قضيت في الاعتقال كما ذكرت سابقا اكثر من سبعة اشهر) ثم طرحوا علي سؤالا اخر، تعرف كم حزب موجود في العراق، اجبتهما وانا اتصنع البساطة، قلت اسمع ان هناك الحزب البعثي والحزب القومي والشيوعي والديموقراطي والكردي، ثم سألوني هل تعرف احدا من البعثيين في نقابة المطابع قلت لهم نعم ان اعضاء النقابة اصدقائي واعرفهم جيدا ولا ادري هل هم بعثيون ام لا، قالا اذكر لنا بعض الاسماء، فذكرت لهم اسماء البعض من المسؤولين البعثيين في النقابة، خرجا الى خارج الغرفة وتشاورا فيما بينهما، انزلوني الى الطابق الاسفل، وناديا على شاب يدعى لؤي، قالا له خذ هذا الشخص الى الاتحاد العام لنقابات العمال وسلمه الى خليل المختار،( اتخذ البعثيون من نقابتنا مقرا لاعتقال العمال الشيوعيين والديموقراطيين) كان ذلك الشاب المدعو لؤي يملك سيارة شفروليت بيضاء واجلسني بجانبه في المقعد الامامي وبعد ان تحرك قليلا، فاذا بشاب اخر وهو من افراد الحرس القومي يلحق بالسيارة وينادي على صاحبها، لؤي.. لؤي توقف فوتقف وصعد معنا في السيارة وقال ارسلني الرفيق جعفر لاذهب معكم لتسليم هذا الشخص الى الاتحاد، بدأ صاحب السيارة السير باتجاه الاعظمية بينما الاتحاد يقع في منطقة القصر الابيض، سأله الراكب الثاني الى اين يا لؤي، اجابه لؤي أي اتحاد أي بطيخ هذا شيوعي قذر سوف نأخذه الى البيت ونتونس عليه قليلا ونلقيه في الشط، وقد فعلت ذلك من اول يوم الثورة مع العديد من الشيوعيين!! لكن الشاب تصدى له وقال من يقول انه شيوعي ، لقد اوصانى الرفيق جعفر ان نسلمه الى الاتحاد ، وحصل جدال بينهما حول مصيري وانا ساكت، لكن لؤي كان يسير باتجاه الاعظمية الا ان الشاب الثاني اصر بشكل غريب على تغيير الاتجاه وقال له ان كنت مصرا على رأيك فتوقف وسوف أأخذه بتكسي الى الاتحاد، كان اصراره عجيبا غريبا، عند ذلك رضخ لؤي الى رأي صاحبه واستدار باتجاه القصر الابيض، لكنه سحب سكينا من جيبه ووضعه في رقبتي قائلا،( والله لو طلعت شيوعي سأذبحك بهذا السكين امام الاتحاد العام، فلم اجبه بشيء)، في الحقيقة كنت قلقا جدا لان مصيري اصبح بيد هذا المجرم، وكنت افكر في الطريق كله وانا اسأل نفسي لمذا ارتكبت هذا الخطأ الكبير؟ عندما وصلنا الى باب الاتحاد ومن حسن الحظ كان يقف في الباب بعضا من قادة نقابة المطابع من البعثيين، وعندما ترجلت توجه هؤلاء نحوي وصافحوني، عندما رأى لؤي هذا المنظر صدق بأنني لست شيوعيا، واستدار مع صاحبه، الا ان الاصدقاءّّ!! اودعوني في القاعة التي كنا نعقد فيها اجتماعاتنا ايام كانت النقابة بأيدينا. هكذا نجوت من موت محقق بأعجوبة، لا ادري أ كانت هي ارادة الله ام القدر او الصدفة ،ام شيء اخر، المهم انني نجوت من موت محقق واتساءل الان كم شخص ذهب ضحية بهذه الطريقة بيد امثال هؤلاء الاوباش؟.
في ضيافة الاتحاد البعثي لنقابات العمال!
عند ادخالي الى القاعة وجدت عددا من العمال الشيوعيين والنقابيين معتقلين هناك، كنت اعرف قسما منهم، وشاهدت احد النقابيين من عمال الري وكنت اعرفه واسمه طه وقد فقد البصر نتيجة تلقيه ضربة على رأسه (ليس في الاتحاد وانما في مكان اخر للحرس القومي) كانوا قد شكلوا لجنة تحقيقية برئاسة الفلسطيني عيسى خضر طه، كان هذا الشخص حاقدا وعدوانيا جدا، لانه كان يعتقد ان تحرير فلسطين يمر عبر ابادة الشيوعيين! وكان معه في الهيئة التحقيقية عبدالله المشهداني وفاضل المشهداني ، الذي اصبح في السنوات الاخيرة من حكم صدام عضوا في القيادة القطرية، وفي نفس الليلة امتثلت امام الهيئة، وكان جالسا معهم رئيس نقابة المطابع ياسين الطائي ونائبه حسن عريبي، طلبوا مني ان اكتب افادتي، وقد كتبت في الورقة التي امامي بضعة اسطر، اتذكر منها، انا فاضل عباس البدراوي انتميت للحزب الشيوعي عام 1959 بواسطة (ذكرت اسم الاول لشخص من عمال المطابع وقلت لهم الان هو يدرس في المانيا الشرقية) عندما انتخبت عضوا في لجنة المراقبة في نقابة المطابع تفرغت للعمل النقابي واصبحت عضوا في الدفاع عن حقوق العمال، وقمت وبعض الاخوان في النقابة بمساعدة العمال البعثيين وحمايتهم من الاعتقال، ولم اسبب اذى لاي انسان وبقيت متفرغا للعمل النقابي، حتى اعتقالي في حزيران عام 1962 ويشهد على ذلك الاخوان الجالسين امامي حيث ان الاخ حسن عريبي نائب رئيس النقابة كان موقوفا في الموقف العام في نفس فترة اعتقالي، اطلق سراحي قبل (الثورة) بايام قليلة قررت ان اترك صفوف الحزب ولم اتصل باحد، هذه افادتي.
الحقيقة كان موقف الاخ حسن عريبي وديا تجاهي وهو في الحقيقة انسان مسالم، ترك صفوف البعث بعد 18 تشرين ولم يعد اليه وتربطني به الى الان علاقة ودية ، يبدو انه كان يشغل مركزا حزبيا متقدما في صفوف البعث، كذلك كان موقف رئيس النقابة ياسين الطائي نوعاما جيدا. وطلبوا من اللجنة التحقيقية تركي، قال لي عيسى خضر طه، ستبقى عندنا لحين التأكد من اقوالك، واذا حدث اعتراف عليك سيكون لنا معك موقف اخر. الحقيقة كان معتقل الاتحاد العام افضل بكثير من معتقلات الحرس القومي الاخرى، ولم يتعرض امامنا احد للتعذيب، سوى حالة واحدة، حيث جلبوا في احدى الايام مناضلا شيوعيا قديما سجن في العهد الملكي لسبعة اعوام كنت قد سمعت باسمه وهو من الرفاق الارمن، واسمه باركيف سركيس، كان قد اعترف عليه احد اعضاء عمالية المشاريع الوسطى، وقد تعرض الى تعذيب بشع، كان يعذب في الغرفة المقابلة لقاعتنا، ظل صامدا ولم نسمع منه اية كلمة، نقل عند الصباح وهو مخضب بالدماء الى مكان مجهول، اعتقد قد تمت تصفيته لكن ومع الاسف لم اسمع لحد اليوم احدا يذكره.
بعد بضعة ايام جلبوا القائد النقابي المناضل عبد القادر العياش من الموقف العام حيث كان موقوفا قبل الانقلاب باشهر كما ذكرت ذلك سالفا، سألني الرفيق العياش، هل ذكرت اسمي في التحقيق، اجبته، ليس لك معي علاقة حزبية حتى اذكر اسمك، كما قلت له انني لم اذكر اسم احد لحد الان وحكيت له افادتي، كل هذا ونحن لا نعلم بما جرىويجري في خارج المعتقل، الى ان جلبوا الرفيق ابراهيم الحريري (ابو فادي)، عندما ادخلوه علينا كان اثار التعذيب باديا عليه، وهو في حالة هلع وارتباك، طلبنا انا والرفيق العياش منه الجلوس لاننا كنا على معرفة سابقة به شخصية وتنظيمية، وهدأنا من روعه وبعد ان اطمأن من سلامة موقفنا، سألني هو ايضا، هل ذكرت اسمي في التحقيق، اجبته لا اعرفك اصلا ولم اذكر لا اسمك ولا اسم غيرك، وبعد ايام وتجمع عدد من الكوادر العمالية والحزبية الاخرى في معتقل الاتحاد جرى اتفاق بيننا بمبادرة من الرفيقين عبد القادرالعياش وابراهيم الحريري ان نحاول جهدنا ان نحصر الخسائر باقل ما يمكن وربما في حالة ضعف يصيبنا جراء التعذيب وان نحمي الرفاق الذين لا تأتي اسماءهم في التحقيق، او الذين نعلم محلات سكناهم، فمثلا بالنسبة لي كانوا يلحون علي في السؤال عن بيت القائد النقابي الفقيد خليل ابراهيم السامرائي، الذي كان سكرتيرا لنقابتنا، حيث انه هجر الى منطقة اخرى في بغداد من محلته سوق الجديد ابان حملة الاغتيالات والتهجير التي جرت اواسط عام 1959 وسكنت عائلته في محلة العوينة وكنت ازوره باستمرار في بيته بحكم علاقتنا النقابية وصداقتنا الشخصية، كان البعثيون حاقدين عليه جدا لصلابته وشجاعته، والذي كان يكبح جماحهم ويفضح علنا تخريباتهم في الحركة النقابية، ارادوا اعتقاله باي ثمن وكانوا يتصورون انه قيادي بارز في الحزب لكن في الحقيقة كما ذكرت سابقا لم يعد الى صفوف الحزب بسبب الخلافات التي ذكرته فيما سبق، الا انني انكرت معرفتي بداره.
قصر النهاية!!
بعد ان هدأ روع الرفيق ابو فادي بدأ يقص علينا عما يجري في قصر النهاية، حتى تلك اللحظة لم نكن نعرف شيئا عن ذلك الامر، قال الرفيق ابراهيم ان خيانة كبيرة حدثت في الحزب واعتقل معظم اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية وفي مقدمتهم الرفيق السكرتير ابو ايمان، وان عضو المكتب السياسي جورج تلو قد قتل ومن بين المعتقلين عضو المكتب السياسي الرفيق محمد حسين ابو العيس وعدد من اعضاء اللجنة المركزية، بينهم نافع يونس وعبد الرحيم شريف وعدد كبير من الكوادر الحزبية المتقدمة، لكننا لا نعرف من هو الخائن، وتحدث الينا عن التعذيب الوحشي الذي تعرضوا اليه وبالاخص الرفيق سلام عادل حيث تم قلع عينيه واظافره الا انه صامد بوجه الجلادين كذلك تعرض الاخرون الى مختلف اساليب التعذيب، المهم ان معظم الرفاق صامدون، كان الرفيق ابراهيم عندما يتحدث كانت الدموع تذرف من عينيه، الحقيقة تأثرنا كثيرا لما آل اليه وضع الحزب.
اطلق سراحي من معتقل الاتحاد بعد حوالي ثلاثة اسابيع بتوسط من النقابيين البعثيين في نقابة المطابع، وودعت الرفاق وتعاهدنا على ما اتفقنا عليه.
متفرعة المطابع
لقد سلمت متفرعة عمال المطابع من الضربة بشكل كبير حيث كنت الوحيد الذي اعتقل، وتمكنت من حماية رفاقي، لانني كنت العضو القديم الذي اسس المتفرعة بعد ثورة تموزحيث كنت عضوا فيها ثم مسؤولا عنها لغاية اعتقالي المارالذكر في عام 1962 لقد كنت الشخص الوحيد الذي اعرف جميع اعضاء المتفرعة واللجان التابعة لها وكذلك اسماء الاعضاء والمرشحين واسماءهم الحزبية وعناوين دورهم والتي كنا غالبا ما نجتمع فيها، كنت اعلم ان عضو المتفرعة الرفيق سليمان شيخ محمد وعضو اللجنة التابعة التي كان مسؤولا عنها سلمان محسن (ابو عهد) مختفيان في مخبز عائد لاحد الشيوعيين في منطقة المسبح ثم تمكنا بعد اسابيع من الهرب الى كردستان، وان العضو الاخر الرفيق كريم حواس كان معتقلا في معتقل خلف السدة قبل الانقلاب، وان رفيقين اخرين من اعضاء المتفرعة وهما سامي جواد والفقيد جابر قنبر ظلا يمارسان عملهما الاعتيادي في المطابع ولم يتعرضا الى الاعتقال لانهما لم يكونا مكشوفين كشيوعيين للبعثين، هكذا بقية الرفاق، الا ان بعض الاعضاء تعرضوا للاعتقال بالشبه وليس عن طريق الاعتراف، انني افتخر مدى الحياة بانني صنت شرفي الحزبي والسياسي عندما تلقيت بطاقة عضوية الحزب وفيها توصية بصيانة الحزب. عند اطلاق سراحي طلبوا مني ان اراجع مقر النقابة باستمرار(لاكون تحت المراقبة) وطلبوا مني عنوان داري، عندما خرجت من الاعتقال وجدت ان عائلتي قد غيرت مكان سكناها من محلة فرج الله في شارع الكفاح، واستأجرت غرفتين في محلة البتاويين مع عائلة مسيحية وان اثنتين من اخواتي قد سفرتهما الوالدة الى بدرة عند اخوالي لحمايتهن من الاعتقال لان احداهن كانت عضوة في الحزب، وبقيت انا ووالدتي واختي الكبيرة ام كفاح زوجة المناضل الشيوعي العريق حمود الراوي ، الذي لم يتعرض الى الاعتقال لحد ذلك الوقت (اعتقد انه كان بداية شهر آذار 1963) وكان يداوم في دائرته في امانة العاصمة، لانه لم يكن مكشوفا لدى البعثيين حيث انه كان مسؤولا عن لجنة اطراف بغداد المرتبطة بلجنة المنطقة الوسطى.
الاعتقال مرة اخرى
لقد لازمت البيت ولم اغادره الا في الصباح لشراء بعض الصحف .عند عصر ذات يوم، وبينما كان الرفيق ابو كفاح (حمود الراوي) جالسا عندي في الغرفة وقد اغلق بابها وكان في ملابسه الرسمية (ملابس امانة العاصمة) وكنا قد فتحنا المذياع على اذاعة (بكي ايران) التي اخذت تبث برنامجا عربيا خاصا بالعراق، ثم تحولت الى اذاعة صوت الشعب العراقي، وبدأت هذه الاذاعة باذاعة انباء الجرائم التي ترتكب على يد زمرة البعث الفاشية في العراق، وانتهاكات حقوق الانسان التي تمارس بشكل واضح، فاذا بباب الغرفة يدفع بقوة، قمت فورا بتغيير مؤشرالمذياع على اذاعة بغداد، اقتحمت زمرة من الحرس القومي الغرفة وطلبت منا الوقوف ثم فتشت الغرفة تفتيشا دقيقا فلم تجد شيئا من الممنوعات، عندئذ توجه كبيرهم بالسؤال الينا هل انكما في اجتماع حزبي ؟ وماذا تفعلان، فاجابهما الرفيق ابو كفاح انا موظف حكومي وقد وصلت قبل قليل الى الدار من الدائرة وهذه ملابسي الرسمية، وهذا نسيبي جئت عنده لاقرأ بعض الصحف، ثم استداروا علي وسألوني وانت؟ قلت لهم انا اعمل في مطبعة الاعظمي وقد وصلت الى الدار قبل قليل ونطالع انا ونسيبي الصحف، قال اين كنتم تسكنون سابقا؟ اجبناه، في محلة فرج الله، لماذا انتقلتم؟ اجبناه، صاحب الدار اراد ان يخلي داره لذلك استأجرنا هاتين الغرفتين بصورة مؤقتة ريثما نجد دارا، يبدو ان المداهمة كانت للاشتباه وليس نتيجة اعتراف، اخذونا الى نقطة للحرس القومي تقع في شارع السعدون مقابل سينما بابل، بعد تثبيت افادتنا، نقلونا الى دار قديمة جدا لكنها كبيرة المساحة تقع في الكرادة الشرقية داخل، في احدى الفروع المؤدية الى شارع ابي نؤاس، حشرونا في غرفة مع اكثر من 40 معتقلا وكانت الغرف الاخرى مملوءة بالمعتقلين، كان معظمهم من المثقفين ورجال الاعمال ومن اهالي الكرادة، بقينا هناك حوالي الاسبوع، ثم بدأوا بتوزيعنا، نقلوا نسيبي حمود الى معتقل ابو غريب، ونقلوني الى نقابة المطابع، التي كانت تقع قرب ساحة الاندلس في دار تقع قبالة اتحاد الادباء، مكان مستشفي معهد الطب الذري الحالي، استقبلت في النقابة كالعادة وسألوني ماذا جاء بك؟ هل اعترف احد عليك؟ قلت لا وشرحت لهم الامر، وادخلوني في قاعة الاعتقال، وجدت هناك الرفيق عبد القادر العياش، اذ كان مايزال معتقلا كذلك وجدت القائد النقابي الفقيد الرفيق كليبان صالح العبلي هناك، في الحقيقة كان الوضع في النقابة اعتياديا لم اشاهد بعيني احدا تعرض للتعذيب في مقر النقابة، وكانوا متساهلين جدا في التحقيق، وقد شكرت حسن عريبي الذي اصبح نائبا لرئيس الاتحاد، على موقفه وقلت له اننا اخوان في الطبقة لا ينبغي ان نقبل بممارسة اعمال غير انسانية حتى لو كانت الجهة الاخرى قد اخطأت بحقكم فلا يجب ان يقابل الخطأ بالخطأ، ايد اقوالي وقال ان هذه الامور لا بد ان تنتهي، بعد اقل من اسبوع قرروا اطلاق سراحي، لكن هذه المرة طلب بعض المتطرفين في النقابة،( لا اريد ذكر اسمائهم) ان ادبر كفيلا قلت لهم من يتكفل فاضل البدراوي في مثل هذه الايام، لكن تطوع الاخ حسن عريبي بكفالتي، وشكرت له هذا الموقف، ونصحني ان لا اتكلم بشيء مع احد وان اتردد على النقابة واذهب الى عملي، وزودني بورقة لاعود الى عملي ففعلت ذلك فعلا، ولم اتعرض بعد ذلك للاعتقال.
حول دعوة الحزب لمقاومة الانقلاب
ساطرح رأيي حول دعوة الحزب انذاك لمقاومة الانقلاب بكل صراحة وبشكل لم يسبق لاحد من داخل الحزب او من المقربين منه ٍان تطرق حول هذا الموضوع الحساس جدا، يالشكل الذي سأتطرق اليه، خصوصا بعد مضي ما يقارب النصف قرن على تلك الاحداث المؤلمة.
اختار الانقلابيون يوم الجمعة لتنفيذ جريمتهم، بسبب ان معظم العسكريين يقضون اجازة الجمعة عند عوائلهم، وبالرغم من ان رائحة التأمر كانت تلوح في الافق الا ان الزعيم لم يعلن حالة التأهب والانذارمما سهل الامر على المتأمرين لتنفيذ انقلابهم المشؤوم، سيطر الانقلابيون منذ الساعة التاسعة صباحا على اهم قاعدتين جويتين وهما قاعدة الحبانية وكركوك، انطلقت الطائرات لتمطر وزارة الدفاع بوابل من الصواريخ وفي ذات الوقت دمروا قاعدة الرشيد العسكرية مع الطائرات الجاثمة فيها، وبالتالي لم يبق للزعيم أي اسناد جوي، ويعرف كل مطلع على ابسط الامور العسكرية ان من يسيطر على الجو سيسهل عليه السيطرة على الارض، ومن جهة اخرى سيطروا على كتيبة الدبابات وكان مقرها في (ابو غريب)، واخذوا باذاعة بياناتهم من مرسلات الاذاعة في (ابو غريب)، وحركوا عددا من الدبابات الى دار الاذاعة التي تقع في الصالحية وسيطروا عليها ،حاصروا الزعيم في (عرينه) في وزارة الدفاع الذي ابا ان يغادره ويحاول ادارة العمليات من خارج الوزارة ، وبذلك اصبحت المبادأة بيد المتأمرين، وفي الظهيرة ، سقطت العاصمة عمليا بيد الانقلابيين.
هنا اتساءل ماذا كانت الجدوى من اصدار الحزب بيانا يدعو فيه جماهير الشعب الى مقاومة الانقلاب الفاشي؟ (يقول بعض القادة السابقين للحزب في مذكراتهم ان الرفيق الشهيد سلام عادل هو الذي كتب البيان ووزعه على المنظمات الحزبية دون الرجوع الى اللجنة المركزية التي كان برأيي من الصعوبة جمعها في تلك الساعات) ولم يتمكن الحزب الا في تنظيم مقاومة باسلحة بسيطة ومحدودة جدا في منطقتين من بغداد، في الكاظمية وعكد الاكراد، انني اذ انحني اكبارا واجلالا امام تضحيات هؤلاء المناضلين الذين استجابوا لنداء الحزب، سواء الذين استشهدوا او من بقى منهم على قيد الحياة، ولا اريد التقليل من تضحياتهم العظيمة، لكنني اتجرأ القول الان، انه كان على الحزب ان يكتفي باصدار بيان سياسي يدين فيه الانقلاب، ويحمل مسؤوليته على انفراد الزعيم بالحكم وعدم انهاء فترة الانتقال وقمع الحريات الديموقراطية وتشويه الحياة الحزبية وعدم اجراء انتخابات حرة، لانتخاب مجلس نيابي ..الخ، ربما يقول البعض ان النتيجة لكانت نفسها حيث ان البعثيين كانوا متعطشين للدماء وديدنهم الحقد الاسود على الشيوعيين خاصة والقوى الديموقراطية عامة، اقول صحيح هذا القول، لكن كان على الحزب ان يتخذ قرارا بالتراجع المنظم لمحاولة التقليل ما امكن من الخسائر، لا ان ينشغل لمدة حوالي الاسبوع في محاولات يائسة لمقاومة الانقلاب، كان عليه اجراء تغييرات في الدور الحزبية بسرعة وتوزيع قادة الحزب على مناطق اكثر امنا من بغداد كريف الفرات الاوسط وكردستان او حتى في بعض مناطق بغداد، كذلك لقطع الطريق ولو اعلاميا امام العالم على الانقلابين الذي استغلوا ذلك البيان لاصدار بيان رقم 13 المشؤوم، هذا رأيي المتواضع، هذا الرأي يحتمل الخطأ اوالصواب.
مع بداية الشهر الخامس بدأت الخلافات تدب بشكل علني بين البعثيين وبعض من شركائهم في الجريمة من القوى القومية، واعلنوا عن اكتشاف مؤامرة (سطحية حسب البيان الصادر من مجلس قيادة ثورتهم) وشنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف القوى القومية (بالاخص حركة القوميين العرب) واعتقل بعض الضباط.
وفي الشهر السادس غدر البعثيون بالقيادة الكردية التي استدرجوها الى بغداد بحجة حل المسألة الكردية بطريقة سلمية، عندما اعتقلوا اعضاء الوفد وتعرض المعتقلون الى التعذيب ومحاولة الاسقاط السياسي، وشنوا هجوما عسكريا واسعا مباغتا على كردستان، وانضم الشيوعييون الى صفوف الثورة الكردية، وفي 3/7/ 1963 اعلن النظام الفاشي عن قمع (مؤامرة شيوعية في معسكر الرشيد) حيث قامت انتفاضة لجنود وضباط صف بقيادة الشهيد حسن سريع، بعدها اعلنت السلطات الفاشية عن القاء القبض على القائدين الشيوعيين الباسلين جمال الحيدري الذي حل محل الرفيق سلام عادل في قيادة الحزب وعضو المكتب السياسي محمد صالح العبلي ومعهم الكاتب الشيوعي المعروف عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) وتم تصفيتهم جميعا، ملتحقين بقوافل الشهداء الابرار، كان وقع ذلك الخبر علي وعلى غيري من المخلصين كالصاعقة، حيث فقد الحزب ابرز قائدين بعد الرفيق سلام عادل، اعود الى نفس الموضوع اعلاه، لمذا يبقى هذان القائدان كلاهما معا في بغداد؟ ولماذا يقيمان في دار واحدة؟ الم يكن بالامكان اخذ المزيد من الحيطة والحذر واخذ الدرس من الضربة الاولى التي طالت سكرتير الحزب وعدد من ابرز قيادييه؟
بعد ان سمعت بان المدعو محمد حبيب هو الذي كان يشرف على المنظمة العسكرية للحزب في معسكر الرشيد التي نفذت (المغامرة الثورية) اخذني العجب كيف وضع الرفيق الشهيد ابراهيم محمد علي ثقته بهذا الانسان الهزيل والفارغ بمعنى الكلمة، علما بانني اكتشفت هشاشته وضعفه في لقاء واحد تم بيننا بعد اطلاق سراحي قبل انقلاب شباط الاسود بايام، كما ذكرت ذلك سلفا، بعد خيانته للحزب جند (ابو سلام) نفسه لخدمة الفاشيين وكان يقوم بأدلائهم على رفاقه، وخدم في صفوفهم حتى بعد انقلاب تموز 1968 ، انني اتساءل اين ذهبت اليقظة الثورية التي طالما كان الحزب يؤكده علينا؟
وما ان حل شهر تشرين الثاني حتى بدأ يدب الصراع بين اجنحة البعث بالظهور على السطح (بين علي صالح السعدي ومجموعته من جهة وطالب شبيب وحازم جواد ومجموعتهما من جهة اخرى) حتى انفجر الصراع بينهم يوم 13 – 18 تشرين الثاني، وسقط نظام البعث على يد شركائه.
فكرت انذاك لو لم تحدث انتفاضة معسكر الرشيد واحتفظ الحزب بتلك القوة اضافة لبعض الخطوط العسكرية الاخرى التي لم تكتشف، ولو ان الحزب لم يصدر عددا من جريدة طريق الشعب في شهر حزيران من ذلك العام، كتحد للنظام البعثي الفاشي، لقد جلبت انتباه البعثين بان الحزب بدأ ينشط من جديد، بالاخص بعد ان سلم الرفيقان الحيدري والعبلي من الاعتقال، وقد تمكن الحزب من ربط بعض الخطوط الحزبية والاتصال بفرع الحزب في كردستان وكذلك بمنطقة الفرات الاوسط،، قبل تلك الاحداث كان تصور البعثيين ان الحزب قد انتهى عمليا. انفجرت الخلافات بداية بينهم وبين القوميين من جهة، وفيما بينهم من جهة اخرى، لو لم تحدث تلك الامور التي نوهت عنها اعلاه، الم يكن بالامكان الاستفادة من ذلك الوضع وبالاخص بين يومي 13 – 18 تشرين الثاني واستغلاله لتوجيه ضربة مزدوجة للطرفين؟ لكن، ليس دائما نيل الاماني بالتمني.



#فاضل_عباس_البدراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الخامسة
- ذكريات سياسية-عشت احداثا وكنت شاهدا عليها-الحلقة الرابعة
- ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الثالثة
- ذكريات سياسية - عشت أحداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الثانية
- ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الاولى
- عام مر على استشهاد كامل شياع، والقتلة مجهولون!!
- نظرة عن قرب على نتائج انتخابات مجالس المحافظات


المزيد.....




- تحقيق لـCNN.. قوات الدعم السريع تطلق العنان لحملة إرهاب وترو ...
- ستتم إعادتهم لغزة.. مراسل CNN ينقل معاناة أمهات وأطفالهن الر ...
- أردوغان يريد أن يكمل -ما تبقى من أعمال في سوريا-
- استسلام مجموعة جديدة من جنود كييف للجيش الروسي (فيديو)
- عودوا إلى الواقع! لن نستطيع التخلص من النفط والغاز
- اللقاء بين ترامب وماسك - مجرد وجبة إفطار!
- -غباء مستفحل أو صفاقة-.. مدفيديف يفسر دوافع تصريحات باريس وب ...
- باشينيان ينضم إلى مهنئي بوتين
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 31819 قتيلا ...
- هل مات الملك تشارلز الثالث؟ إشاعة كاذبة مصدرها وسائل إعلام ر ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - فاضل عباس البدراوي - ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة السادسة