أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد علي زيني - خارطة طريق اقتصادية (الحلقة السادسة) (1)















المزيد.....


خارطة طريق اقتصادية (الحلقة السادسة) (1)


محمد علي زيني

الحوار المتمدن-العدد: 3355 - 2011 / 5 / 4 - 02:37
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


«لا يمكن أن تكون هناك حرية فردية
حقيقية مع غياب الأمن الأقتصادي»
«جستر باولز»

إن العراق بحالته الحاضرة، ولمدة عشرين سنة قادمة على الأقل، سيحتاج إلى الاستثمار الخاص المكثف في مختلف قطاعاته الاقتصادية غير النفطية، وبالأخص في قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية، كما ذكرنا ذلك في الحلقات السابقة. والاستثمار الخاص هذا لا بد له أن يأتي من الخارج نظراً لحاجة العراق إلى استثمارات هائلة، كما أوضحنا سابقاً، وعدم كفاية ما سيتوفر له من الداخل. أن هذا النوع من الأستثمار – وهو ما يسمى بالأستثمار الأجنبي المباشر – سوف لن يدخل العراق ما لم تتوفر له البيئة المؤاتية. أن أول الشروط الواجب توفرها لخلق البيئة المؤاتية هو توفر الأمن والأستقرار داخل البلاد. ذلك أن الأمن والاستقرار يمثلان صخرة الأساس أو الأرضية التحتية الصلبة التي يستند عليها البناء، وبانعدام الأمن والاستقرار تنعدم القدرة على توفير البيئة المؤاتية للاستثمار. أن الهدف المنشود من الأستثمار هو ليس فقط أعادة أعمار البلاد، وإنما يشمل أيضاً – وهذا هو المهم – بناء أقتصاد مزدهر ذو نمو مستدام، وبقطاعات أنتاجية قوية ونشطة، وقاعدة واسعة ومتنوعة تدر على الحكومة ضرائب مختلفة تكون بذاتها هي المموّل الأساسي للميزانية الحكومية كل سنة – وليس النفط.

لقد ذكرنا في الحلقتين الماضيتين – إضافة الى ضرورة وأولوية توفر الأمن والأستقرار داخل البلاد – ثلاثة من الشروط الواجب استيفائها من أجل تحقيق حالة مُرضية من النمو الأقتصادي المستدام، وتلك الشروط هي التخطيط بالأشتراك مع الشعب والشفافية وتطوير الموارد البشرية. ونُضيف في هذه الحلقة لتلك الشروط أربعة شروط أُخر، وهي كالآتي:
(1) البيئة المؤاتية لعمل السوق
إن البلدان النامية التي حققت نمواً اقتصادياً جيداً، ومن هذه البلدان كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ، هي تلك البلدان التي ارتدّت حكوماتها إلى الوراء وتخلت عن عمليات الإنتاج والتوزيع، لكي يتولاها القطاع الخاص، ثم وفرت البيئة المؤاتية للأسواق لكي تقوم بتنظيم تلك العمليات بكفاءة.
إن أهم عناصر البيئة المؤاتية التي يتحتم على الحكومة توفيرها هو الإطار القانوني لتنظيم عمليات الإنتاج والتوزيع، وتأمين حرية المنافسة في السوق، وتوفير قضاء مستقل للحسم في قضايا المنازعات التجارية وتحديد حقوق الملكية الخاصة وضمان الحماية التامة لها.
لقد أدرك نظام صدام المقبور خطر الاعتماد على القطاع العام في عمليات الإنتاج والتوزيع، وقام في أواخر الثمانينات بعمليات خصخصة جزئية في قطاعي الزراعة والصناعات التحويلية(2) تم بموجبها نقل ملكيات حكومية زراعية وصناعية إلى القطاع الخاص، كما قام بعمليات خصخصة جزئية أخرى في سنة 1993. غير أن تلك العمليات قد جرت دون أن يرافقها الإطار القانوني المطلوب. وأصبحت عمليات الخصخصة المذكورة مجرد عمليات نقل احتكار الدولة إلى احتكار القطاع الخاص.
ولقد أراد ذلك النظام بعمليات الخصخصة وما رافقها من تسهيلات، دعوة القطاع الخاص - العراقي والعربي - إلى الاستثمار داخل العراق وتولي عملية الإنتاج والتوزيع. غير أن القطاع الخاص، عراقياً وعربياً، لم يأبه لهذه الدعوة وأحجم ـ كما هو متوقع ـ عن القيام بدوره في الاستثمار وتحمل المخاطر في ظل حكم همجي لا يعترف بسلطة القانون.
إذ كيف للقطاع الخاص أن يخاطر بأمواله في بلد يسوده الذعر والخوف وتنعدم فيه الطمأنينة وتُنتزع فيه الملكية بدون حساب؟ ولماذا يأتمن القطاع الخاص حكماً يُلغى في ظله قانون ويُشرّع قانون آخر بمزاج الحاكم؟ وكيف للاستثمارات الخاصة أن تطمئن في بلد تُصادر فيه الحقوق، وحتى الحياة(3) بنزوة من جلف أو وشاية من جلواز؟
إن المهمة الأساسية التي تتحملها الحكومة الحالية والحكومات التي ستأتي في المستقبل، إضافة إلى توفير الأمن الداخلي، هي خلق الاستقرار والثقة اللازمة لتشجيع الاستثمار الخاص. إن ذلك لن يتم إلاّ بإرساء قواعد القانون الذي يحمي، أهم ما يحمي، حقوق الملكية ويؤكد عدم جواز مصادرتها – ناهيك عن صيانة الحياة واحترام قدسيتها - ويخلق بيئة مستقرة ومؤاتية لعمل القطاع الخاص.
إن عملية خلق البيئة المؤاتية للقطاع الخاص تصبح ضرورية ضرورة ماسة في حالة العراق ليس فقط لكون القطاع الخاص هو المحرّك الكفوء لعملية الإنتاج والقادر على المنافسة والابتكار، وإنما لكون القطاع الخاص، إضافة لذلك، مصدراً للثروات الاستثمارية، المحلية والأجنبية، لا يمكن للعراق الاستغناء عنها والتوسع الاقتصادي بدونها في ظروف المرحلة الحالية المتسمة بشحة النفقات الاستثمارية الخاصة بالميزانية الحكومية. وحتى لو تيسر للحكومة العراقية أموال طائلة نتيجة للزيادات المستقبلية في إنتاج النفط، فإن ذلك لن يُغني عن الحاجة للثروات الاستثمارية للقطاع الخاص المحلي والأجنبي. ذلك أن الاستثمار الحكومي، وكما أوضحنا سابقاً، يجب أن يتوجه لإعادة بناء البنية التحتية التي تهدم قسم منها واندثر القسم الآخر، وتوسيعها باستمرار لمواجهة الزيادات الحاصلة في الطلب والناتجة عن النمو السكاني المستمر. إضافة لذلك يجب أن يتوجه الاستثمار الحكومي للصرف على الخدمات العامة بما فيها الصحة والتعليم. وتبقى الحاجة ماسة وبلا انقطاع إلى استثمارات القطاع الخاص العراقي والأجنبي لبناء وتنمية الاقتصاد الوطني بجميع قطاعاته، وبالأخص قطاع الزراعة وقطاع الصناعات التحويلية المعدة للتصدير. هنا أيضاً ينبغي أن لا ينقطع عون الحكومة المادي للقطاع الخاص بتوفير القروض الميسرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
إن وضع العراق المالي في الفترة المقبلة يحتم استقطاب رأس المال الخاص، ليس من داخل العراق فحسب وإنما من خارج العراق أيضاً. إن رأس المال العربي الموجود خارج العراق - بضمنه رأس المال العراقي الخاص والصناديق السيادية العائدة لحكومات مجلس التعاون الخليجي - كبير جداً وتقدر قيمته بنحو ألفي مليار دولار(4).
إن التقدير المذكور يشير إلى وفرة عظيمة في رأس المال العراقي والعربي، المستثمر خارج المنطقة العربية. وبجانب هذه الأموال هنالك وفرة عظيمة في رؤوس الأموال الأجنبية مع ما قد يصاحبها من تكنولوجيا متقدمة وإدارة حديثة. إن هذه الأموال تبحث عن الربح وتنتقل إلى الأماكن التي تتوفر فيها البيئة المؤاتية لعملها. ومن شروط هذه البيئة هي الاستقرار والأمان وحرية الحركة والحماية التي توفرها سلطة القانون. ولا بد أن نذكر هنا أن هذه الأموال تتنافس عليها دول العالم بمختلف أنواعها، وهي بالتالي تختار البلدان التي توفر لها أفضل الشروط المناسبة لها.
كما أن من أهم الشروط التي تشجع رأس المال الأجنبي في الانتقال إلى بلد معين هو توفر الشفافية، وكانت في ظل نظام صدام معدومة في العراق. والشفافية كما يفهمها المستثمرون الأجانب، لا تقتصر فقط على نشر البيانات والإحصائيات الصحيحة والحقيقية كما أوضحنا في الحلقة الرابعة، وإنما تشمل أيضاً أتباع الممارسات والأصول المحاسبية العالمية في الإفصاح عن الأداء المالي للشركات وتطبيق القواعد والأنظمة المتعارف عليها عالمياً. ومن الشروط المهمة الأخرى لجذب الاستثمارات الأجنبية القضاء على الفساد داخل البلد قدر الإمكان ومنع الممارسات غير السليمة، وتقليص البيروقراطية وقيام الحكومة بدور أشرافي ورقابي نزيه في تنفيذ العقود وحماية الحقوق.
(2) اقتصاد كلي مستقر
إن من أولويات الأهداف الاقتصادية للحكومة الجديدة سيكون تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي (Macroeconomic Stabilization) بما يتضمن السيطرة على التضخم. ذلك أن التضخم، إذا أصبح مفرطاً، كما حدث في العراق بعد فرض الحصار الاقتصادي، يعطل آلية الأسعار ويفقدها مزيتها في التعبير عن الندرة النسبية للسلع والخدمات ويضعف دورها في عملية تخصيص الموارد وتوزيعها على الأنشطة الاقتصادية المختلفة، كما يلغي وظيفة العملة المحلية كأداة للتداول والادخار. وتنحسر في أجواء التضخم المفرط قدرة الشركات وأصحاب الأعمال على التخطيط للعمل والإنتاج نظراً للأختلالات الخطيرة والمستمرة في الأسعار، إذ يستتبع تلك الأختلالات السعرية صعوبات كبيرة في تنبؤ التكاليف والأرباح. وفي ظل الاضطرابات السعرية والتضخم المفرط تنحسر الرغبة في الاستثمار، خصوصاً في المشاريع طويلة الأجل، وتحجم رؤوس الأموال الأجنبية من الدخول إلى البلد، ويشتد الميل نحو المضاربات واقتناء الأصول الثابتة والذهب والعملات الأجنبية، وبالتالي يصيب عمليات التنمية الاقتصادية الشلل التام(5).
إن الذي يقود إلى التضخم المفرط هو اختلال الميزان الجاري الناتج عن الاعتماد الشديد على الاستيراد مع قلة التصدير وشحة الاستثمارات الأجنبية مما يستتبع ذلك عجز في هذا الميزان مع ندرة في العملات الصعبة. وكذلك يحدث التضخم المفرط عندما تنهار قيمة العملة المحلية، وهذا ما حدث للدينار العراقي في ظل الحصار الاقتصادي.
كذلك ينتج التضخم المفرط عن العجز المستمر في الميزانية الحكومية (Government Budget) ثم سد ذلك العجز بواسطة التوسع في الإصدار النقدي أو طبع النقود، كما جرى في ظل النظام المقبور. لذلك يتوجب على وزارة المالية في ظل حكومات مسؤولة قادمة، إعداد الميزانية السنوية بما لا يسمح بالأنفاق غير المجدي، وتلافي العجز قدر الإمكان. كما يتوجب على البنك المركزي، وهو مفترض به أن يتمتع باستقلالية القرار والتصرف في ظل النظام الجديد، إصدار النقود بالقدر الذي تتطلبه زيادة أنتاج البلد من السلع والخدمات. إن ذلك يعني أن الإصدار النقدي من قبل البنك المركزي سيكون في خدمة ومساندة حالة النمو الفعلي في الاقتصاد، وليس من أجل الخدمة الآنية لما تقتضيه مصالح الحاكم كما كانت عليه الأمور تحت ظل النظام السابق.
وإذا كان ولابد من حدوث عجز في الميزانية الحكومية لا مفر منه في بعض الحالات، يتوجب حينئذ سد ذلك العجز بوسائل حكيمة لا تثير ضغوطاً تضخمية، وأفضل تلك الوسائل الحصول على الأعانات بالطبع. إن أشهر عملية إعانة بالتاريخ حدثت بعد سنتين من انتهاء الحرب العالمية الثانية حين قامت الولايات المتحدة بموجب خطة مارشال (Marshall Plan) بتقديم المعونات المالية إلى بلدان أوربا الغربية لمساعدتها على استعادة قاعدتها الإنتاجية التي دمرتها الحرب(6). وبموجب تلك الخطة استلمت البلدان المستفيدة أقل من 2.5 بالمائة من دخلها كل سنة، وخصص أقل من ثلث الموارد المستلمة فقط للاستثمار المباشر. غير أن الشيء المهم الذي عملته خطة مارشال هو المساعدة على توفير الاستقرار الاقتصادي الكلي لتلك البلدان والسماح لحكوماتها في توفير البيئة الأقتصادية المستقرة لكي يزدهر في ظلها القطاع الخاص(7).

(3) أسواق مالية واسعة
إن التنمية الاقتصادية بما فيها عمليات تأسيس الشركات وتمويل المشاريع الجديدة والتوسع في التصدير والاستيراد تتطلب أسواقاً مالية عميقة ووافية تأتي من خلال تطوير البنوك المحلية والانفتاح على البنوك والبيوتات المالية الأجنبية. إن توسيع الأسواق المالية وتنظيمها داخل البلد يشجع عمليات الادخار المحلي واستغلال المدخرات بكفاءة، كما أن الانفتاح على البنوك الأجنبية يزيد المنافسة ويستقدم رؤوس الأموال الأجنبية من أجل استغلالها محلياً، كل ذلك مواكبةً لحاجات الأستثمار المتزايدة.
ولقد فعلت السلطات المسؤولة حسناً بعد سقوط النظام حينما أصدرت في أيلول (سبتمبر) 2003 قانوناً جديداً للبنوك(8) تم بموجبه إعطاء الاستقلالية الكاملة للبنك المركزي العراقي، وكذلك السماح لستة بنوك أجنبية خلال السنوات الخمس الأولى، للعمل في العراق بملكية أجنبية تصل إلى %100 مع وضع حد أدنى لرؤوس أموالها، إضافة إلى وضع حد أدنى لرؤوس أموال البنوك العراقية العاملة في البلد. إن الغرض الأساسي من الخطوات الإصلاحية التي اتُخذت لحد الآن بخصوص النظام المالي والمصرفي العراقي هو لاستقطاب الموارد المالية المحلية والأجنبية وحشدها لخدمة النشاط الاقتصادي بما في ذلك تمويل الاستثمارات داخل العراق من أجل التنمية الاقتصادية. على أن هذه الإجراءات لن تكفي طبعاً ولا يزال النشاط المصرفي داخل العراق ضعيف جداً ويئن تحت وطأة أنظمة مالية ومصرفية قديمة وبالية. أن العراق بحاجة ماسة إلى إصلاح مصرفي قوامه إعادة هيكلة البنوك العراقية، الحكومية والخاصة، من أجل تحديثها وتحسين إدارتها والنهوض بكفاءتها لتعمل وتتنافس بنجاح ضمن بيئة مالية حديثة وكفوءة. إضافة لذلك، يتحتم توسيع أسواق البلد المالية من أجل أن تفي تلك الأسواق بمتطلبات النهوض الاقتصادي المنشود حسبما تتطلبه خطة إستراتيجية اقتصادية متكاملة.
(4) إنفتاح على التجارة الخارجية
سيكون التركيز تحت هذا العنوان على التجارة السلعية. أما تجارة الخدمات، كالتأمين والخدمات المصرفية والمقاولات والنقل والبناء والتشييد، فهي تحتاج إلى قدرات تنافسية متقدمة ومهارات خاصة لا تتوفر بكفاية في الوقت الحاضر لدى العراق، كما هي لا تتوفر بكفاية لدى أغلب الدول النامية، عدا بعض الخدمات السياحية، وأن الهيمنة الكبرى في مجال تجارة الخدمات هي في الوقت الحاضر للدول المتطورة اقتصادياً. على أن هذا الأمر يجب أن لا يعيق العراق في أن يبدأ في المجالات التي يتمكن منها، كمجال السياحة بالتأكيد، فهو أهل لها ويحتوي على مقوماتها، على أن يبدأ التدرج باكتساب المهارات اللازمة والتوسع تدريجياً في المجالات الخدمية الأخرى.
عندما بدأت جهود التصنيع في دول الشرق الأوسط، ومنها العراق، كانت استراتيجية التنمية السائدة آنذاك هي استراتيجية إحلال الواردات(Import Substitution) بقيادة القطاع العام، ونشأت نتيجة ذلك صناعات عديدة تتسم بكثافة رأس المال، ولم توفر تلك الصناعات فرص عمل كبيرة للمواطنين. ونظراً لضيق السوق المحلية وضعف الطلب أصبحت الصناعات المذكورة تشتغل بطاقات إنتاجية أقل من سعاتها التصميمية وبكلفة إنتاجية عالية. ومما زاد في كلفة الإنتاج سوء الإدارة الحكومية (البيروقراطية). ونظراً لأنّ منتوجات تلك الصناعات تمتعت بحماية الدولة ضد المنافسة الأجنبية من جهة واحتكارها للسوق من جهة أخرى، فإن الدافع لزيادة الكفاءة الإنتاجية وتقليل كلفة الإنتاج لم يتوفر. وبتجمع تلك العوامل (أي كثافة رأس مال عالية، إنتاج بطاقة واطئة، جهاز إداري بيروقراطي كبير وغير كفوء، عدد عالي من العمال يصعب تسريحهم لأسباب قانونية وسياسية، دعم حكومي كبير لأسعار البضائع المنتجة، تعريفة جمركيّة عالية على البضائع الأجنبية المنافسة) ترعرعت صناعات خاسرة تحت الهيمنة الحكومية(9). وبعد أن أدركت الحكومات المعنية خطأ السياسات التي اتبعتها اتجهت ـ بسرعات متفاوتة ـ نحو الخصخصة، وهكذا بيعت العديد من الصناعات الحكومية في العراق إلى القطاع الخاص.
إنّ مجرد بيع الصناعات الحكومية إلى القطاع الخاص لا يكفي، إذ يتعين بناء قاعدة إنتاجية واسعة كفوءة وقادرة على المنافسة في الداخل والخارج. إن ذلك يستوجب تحرر الاقتصاد العراقي وانفتاحه على الاقتصاد العالمي. إن التحرر الاقتصادي يستند إلى الفكرة القائلة بأنّ الأسواق الحرة، أو الأسواق التي تتوفر لها حرية العمل، هي أكفأ وأمضى وسيلة لتنظيم الاقتصاد، وأن التدخل الحكومي من خلال السياسات الحمائية، والسيطرة على الأسعار، وسياسات الدعم وغيرها من سياسات التدخل يجب أن تتقلص إلى الحد الأدنى(10). أما الانفتاح على الاقتصاد العالمي فنعني به تخفيض القيود على التجارة الخارجية والدخول في عالم المنافسة والتوجه نحو التصدير.
على أن التحرر الاقتصادي بالصيغة التي طرحناها لكي ينجح لابد له من الارتباط بخطط لتحفيز الإنتاج وتوسيع القاعدة الإنتاجية. فبدون هذا الأمر سيصبح العراق مع الانفتاح الاقتصادي مجرد مستوردا للسلع والخدمات الأجنبية.
إن الأقطار التي تميزت باقتصاديات متحررة، وفي مقدمتها أقطار شرقي آسيا، هي تلك الأقطار التي نجحت في إنشاء قاعدة إنتاجية كفوءة من خلال التعرض لصرامة المنافسة المحلية والعالمية. فالمنافسة تجبر المنتج على إتباع التكنولوجيا الجيدة والابتكار والتجديد وتحسين النوعية وتقليل كلفة الإنتاج. وبعكس ذلك فإنّ التدخل الحكومي في العديد من الأقطار النامية، ومنها العراق، أضعف المنافسة وعرقل التقدم التكنولوجي ونمو الإنتاجية وساعد على قيام قاعدة إنتاجية ضيقة ومتخلفة(11).
شروط أخرى
هناك أيضاً شروط أخرى يمكن توفيرها لتشجيع الاستثمارات العربية والأجنبية للقدوم الى العراق. وتشتمل هذه الشروط على قيام الحكومة بإتباع السياسات العقلانية التي تتناغم مع السوق، توفير الخدمات الجيدة والبنية التحتية الوافية، ترسيخ سيادة القانون، تقليص الروتين الحكومي، النزاهة في العمل ومحاربة الفساد. إن هذه كلها أمور واضحة ولا تستدعي هنا إلى شرح أو تفصيل. على أن الأقتصاد العراقي، من أجل أن يركب عجلة التطور التي ركبتها قبله الأقتصادات الناجحة، يتعين عليه أن يواكب ما يسمى بالاقتصاد الجديد، وهذا الأخير يحتاج إلى بعض التوضيح. أن الأقتصاد الجديد يعني، باختصار، نشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واستعمال الانترنت وإنشاء بنياتها التحتية وتوفيرها بسهولة لكل من يحتاج لخدماتها. ففي ظل النظام السابق كان الاقتصاد الجديد، بما هو تعريفه هنا، غير موجود بالعراق رغم أنه أضحى من أهم عوامل نمو الاقتصادات الناجحة ومن أيسر الطرق لنشر المعرفة ونقل التكنولوجيا وإنجاز الأعمال. لقد أصبح محتماً الآن على المسؤولين العراقيين فتح الأبواب أمام تكنولوجيا المعلومات والانترنت وتشجيع الاستثمار في بنياتها التحتية وتيسير أستغلالها لكل من يحتاج لها.
_______________________________________________________________________
(1) هذا المقال مقتبس – مع أجراء بعض الأضافات والتحويرات المناسبة – من كتاب الدكتور محمد علي زيني "ا لأقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل"، الطبعة الثالثة 2010. يمكن تنزيل الكتاب كاملاً من الموقع:
www.muhammadalizainy.com
كذلك يمكن الأطلاع على الحلقات السابقة من هذا المقال بالرجوع الى موقع الكاتب في الحوار المتمدن، وهو على الأنترنت بعنوان:
http://www.ahewar.org/m.asp?i=3340
(2) أنظر الفصل التاسع من الكتاب المذكور في الهامش (1) أعلاه.
(3) أعدم النظام العراقي 42 تاجراً في آب (أغسطس) 1992 بتهمة الربح الفاحش!
(4) هذا الرقم هو من تقديرات الكاتب.
(5) للأطلاع على المزيد من آثار التضخم المفرط أنظر الفصلين الثاني عشر والثالث عشر من الكتاب المذكور في الهامش (1) أعلاه.
(6) بلغت المعونة الكلية لخطة مارشال لمساعدة أوربا الغربية للوقوف على قدميها بعد الحرب العالمية الثانية 13.15 مليار دولار بين الفترة 1948 – 1952، وكانت سبعة أعشارها هبات. وتفاوتت المعونة (إذ كان المستفيدون 16 بلداً أوربياً) بين 3.1 مليار دولار قُدمت الى بريطانيا (وهو أكبر مبلغ) نزولاً الى 32 مليون دولار قُدمت الى آيسلندا.
Summers, Lawrence, 1991, Research Challenges for Development Economists, (7)
in Finance & Development, September 1991: Washington D.C., IMF & IBRD, P.3.
Economist Intelligence Unit, Iraq Country Report, December 2003, P. 29.(8)
Richards, Alan, and Waterbury, John, 1990, A Political Economy of the Middle East: (9)
Boulder, Colorado, Westview Press, Inc., PP.25-28. Hamilton, Nora, and Kim, Eun Mee, 1993, Economic and Political Liberalisation in South(10)
Korea and Mexico, in Third World Quarterly, Vol. 14, No.1, 1993, P.110. Thomas, Vinod, 1991, Lessons from Economic Development,(11)
in Finance and Development, September 1991, P.7.



#محمد_علي_زيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الخامسة) (1)
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الرابعة) (1)
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الثالثة) (1)
- خارطة طريق اقتصادية (الحلقة الثانية)
- خارطة طريق إقتصادية (الحلقة الأولى)(1)
- الفساد في العراق (الحلقة السادسة، وهي الأخيرة)(1)
- الفساد في العراق (الحلقة الخامسة)(1)
- الفساد في العراق (الحلقة الرابعة)(1)
- الفساد في العراق (الحلقة الثالثة)(1)
- الفساد في العراق (الحلقة الثانية)(1)
- الفساد في العراق (الحلقة الأولى)*
- صفقة الغاز مع شل مُدمّرة للصناعات العراقيية
- نعم جولتي التراخيص النفطية هي تبديد لثروة الشعب العراقي، بل ...
- الغاز الطبيعي العراقي: هدرٌ أم استغلال لمصلحة الوطن ؟
- وزارة النفط وغاز العراق ومحنة الشعب العراقي
- الاقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل
- دولة القانون تبدد 75 مليار دولار من أموال الشعب العراقي وتعر ...


المزيد.....




- الحكومة المصرية توجه رسالة إلى التجار: الوضع الحالي لا يمكن ...
- مجلس النواب الليبي يطالب البنك المركزي بتقارير عن الاحتياطي ...
- بادر بالاستخراج eccp.poste.dz.. طريقة استخراج البطاقة الذهبي ...
- ” إيقاف بطاقات الائتمان “.. قرارات عاجلة من البنوك بإيقاف هذ ...
- المغرب يرد على اتهامات جزائرية له بالسطو على عقارات بالرباط ...
- الاقتصاد الألماني.. ركود مستمر وعجز إزاء خطر إفلاس الشركات
- معارضون تونسيون يحذرون من منافسة غير نزيهة بانتخابات الرئاسة ...
- المغرب يرد على اتهامات الجزائر بـ-السطو على عقارات-
- أسعار النفط ترتفع بفعل توقعات الإمدادات ومخاوف سياسية
- البنك الدولي يقدم لمصر 6 مليارات دولار على مدى 3 سنوات


المزيد.....

- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
- كتاب - محاسبة التكاليف دراسات / صباح قدوري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد علي زيني - خارطة طريق اقتصادية (الحلقة السادسة) (1)