أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد علي زيني - صفقة الغاز مع شل مُدمّرة للصناعات العراقيية















المزيد.....



صفقة الغاز مع شل مُدمّرة للصناعات العراقيية


محمد علي زيني

الحوار المتمدن-العدد: 3100 - 2010 / 8 / 20 - 14:51
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الغاز الطبيعي العراقي: نبذة موجزة
بلغت احتياطيات الغاز الطبيعي العراقي المثبتة (proven) في 1/1/2010 نحو 112 تريليون قدم مكعب (3.1 تريليون متر مكعب)، وبهذا الحجم من الاحتياطي يأتي العراق بين دول العالم الغنية بالغاز الطبيعي بالمرتبة الحادية عشر وبين دول الشرق الأوسط بالمرتبة الخامسة. يمكن تصنيف احتياطيات العراق الغازية المثبتة كما يلي: 70٪ منها مصاحبة للنفط (associated gas) أي تستخرج مع النفط، 20٪ تتكون من الغاز الحر (free gas) أي ليست مصاحبة للنفط، والباقي 10٪ تتكون من غاز القبعة (cap gas) وهو غاز يغطي طبقة النفط في بعض الحقول النفطية. هذا ويقع نحو 83٪ من الغاز المصاحب في الحقول النفطية الجنوبية، في حين يقع الباقي (17٪) في الحقول الشمالية والوسطى. ويُبرر الانحراف الشديد في هذا التوزيع أن حوالي 75٪ من احتياطي النفط الثابت يقع في الجنوب، كما أن نسبة الغاز المصاحب للنفط المستخرج (gas/oil ratio) في الحقول الجنوبية تبلغ نحو ضعف النسبة في الحقول الشمالية والوسطى. إن الغاز في الحقول الجنوبية هو غاز حلو (يحتوي على مقادير ضئيلة جداً من الكبريت) مقارنة مع غاز الشمال الحامض والذي يحتوي على نحو 7,2٪ من كبريتيد الهيدروجين (H2S). أما بخوص إمكانيات العراق الغازية المحتملة وغير المكتشفة فهي تبدو كبيرة جداً وتقدر بنحو 332 تريليون قدم مكعب (9.3 تريليون متر مكعب)، يُعتقد أن 164 تريليون قدم مكعب (4.6 تريليون متر مكعب) منها هي بصفة غاز حر، في حين أن الباقي وقدره نحو 168 تريليون قدم مكعب (4.7 تريليون متر مكعب) فهو غاز مصاحب أو ذائب في احتياطيات العراق النفطية المحتملة (غير المكتشفة بعد) والمقدرة بنحو 240 مليار برميل.

أهمية الغاز للأقتصاد العراقي
لقد أصبح واضحاً للجميع أن الحكومة العراقية انتهت بكونها تعتاش على ما يجود به القطاع النفطي من عوائد مالية، غير مأمونة وغير مستقرة، من أجل الصرف على ما تحتاجه ميزانيتها السنوية. إن هذا الوضع يعرّض، بلا شك، الأمن الاقتصادي للبلاد إلى الخطر، وهذا بدوره يعرض أمن البلاد السياسي إلى الخطر. إن الواجب على الحكومة أن تعي جدية ودرجة هذا الخطر وأن ترتفع بأدائها إلى المستوى اللازم لدرئ أي خطر قد يطال حياة الشعب أو سلامة البلاد. إن الخطوات الواجب اتخاذها، كما بينّاها وكررناها في العديد من المقالات والندوات، تتضمن بناء القطاعات الاقتصادية الغير إستخراجية، كالزراعة والصناعة والخدمات، لتصبح هذه قاعدة اقتصادية عريضة، متنوعة، متطورة، مربحة، ذات نمو مستدام، ومصدر ضريبي باعتباره دخل حكومي مأمون ومستمر ومتصاعد، تستند إليه الحكومة في تمويل ميزانيتها السنوية. ويلازم ذلك تراجع تدريجي في دور قطاع استخراج النفط الخام في تمويل الميزانية وفي تكوين الناتج المحلي الإجمالي.

إن أحد القطاعات الاقتصادية المهمة الواجب أعادة بنائها وتنميتها هو قطاع الصناعات التحويلية (Manufacturing Industry). إن هذا القطاع مهم جداً لتشغيل القوة العاملة من جهة ومصدر دخل ضريبي للحكومة من جهة أخرى. على أن النجاح في بناء هذا القطاع يحتاج إلى توفير البنية التحتية اللازمة واستثمارات القطاع الخاص التي تشترط قيام الحكومة بتوفير البيئة الأستثمارية المؤاتية، ومنها البيئة القانونية، وكذلك قيامها بدور رقابي فعال. وسينجح القطاع الصناعي عند توفر المواد الأولية المحلية الرخيصة. إن من أفضل المواد الأولية المتوفرة بغزارة داخل العراق – ولربما أفضلها – هو الغاز الطبيعي، إذ يمكنه القيام بدورين أساسيين: أحدهما كمصدر رخيص ونظيف لتوليد الطاقة الكهربائية، وثانيهما كمادة أولية (لقيم) في الصناعات البتروكيمياوية. أن دور الغاز الطبيعي في توليد الطاقة الكهربائية سيكون مهماً جداً لكونه رخيص الثمن، وبذلك فأنه سيوفر طاقة كهربائية رخيصة للصناعات المحلية الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهي تعتمد اعتماداً كبيراً على هذه الطاقة في عملياتها الإنتاجية. لذلك ونظراً لأهمية الغاز الطبيعي في الاقتصاد العراقي نرى من الواجب استغلاله داخل العراق استغلالاً عقلانياً وعدم التفريط به بتصديره إلى الخارج وهو يولد للاقتصاد العراقي قيمة مضافة أضعاف ما يولدها من التصدير. ولكن يمكن تصدير الغاز المصاحب فقط – وليس الغاز الحر أو غاز القبعة - في حالة عدم أمكان خزنه وكونه فائضاً حقاً عن حاجة الطلب المحلي.

أهمال تأهيل مشروع غاز الجنوب
أضاف غزو العراق أضراراً جديدة إلى الأضرار التي تكبدتها الصناعة النفطية خلال حرب الخليج الثانية وفترة الحصار الطويلة، وقُدرت تلك الأضرار بأكثر من مليار دولار. فنتيجة للعمليات العسكرية وعمليات النهب والتخريب أصابت الأضرار شتى المنشآت النفطية، صغيرها وكبيرها. وقد شملت تلك الأضرار مشروعي غاز الشمال والجنوب بما فيهما وحدات معالجة الغاز والكابسات ومتعلقاتهما في الرميلة وخور الزبير. ولقد أصبح لزاماً على وزارة النفط العمل الجاد على إصلاح ما تضرّر من تلك المنشآت من خلال المقاول الرئيسي شركة KBR الأمركية. ولا نعلم لماذا أُهمل هذا العمل الحيوي علماً أنه قد تقرّر القيام به منذ صيف 2003، إذ كان المخطط إتمام أعمال تصليح وإعادة تأهيل منشآت النفط والغاز بحلول شهر نيسان 2004 أو بنهاية تلك السنة على أكثر تقدير(1). نعم، لِم ذلك الإهمال وقد مرّت ست سنوات على الأجل المذكور، والغاز المنتج لم يُستهلك منه كمعدل يومي سوى نحو 150 مليون قدم مكعب في حين يهدر منه حرقاً نحو 700 مليون قدم مكعب يومياً دون استغلال تلك الكميات الهائلة المحروقة في توليد الطاقة الكهربائية وفي الصناعات البتروكيمياوية وأنتاج الأسمدة الكيمياوية – والقطاع الزراعي بأمس الحجة لهذه الأسمدة - وفي إنتاج غاز البترول المسال (LPG) أو غاز الاسطوانات كما يسمّيه الناس وهو يمس الحياة اليومية للمواطن العراقي ويكلف الخزينة أموالاً طائلة في استيراده من الخارج؟

وحول هذا الموضوع بالذات ورد في نهاية 2008 تقرير(2) للمفتش العام الأمريكي ذكر فيه أن تعاقداً مع شركة KBR بقيمة 722 مليون دولار لإعادة بناء منشآت النفط والغاز في الجنوب، قد أجريت عليه العديد من التعديلات، وشابته تجاوزات في التكلفة، ولم يُلتزم بجدوله الزمني حيث امتدت فترة التعاقد من عام 2004 حتى عام 2008، وافتقر إلى الرقابة كما هي الحال مع العديد من التعاقدات التي وُقّعت في الأعوام الأولى من الحرب في العراق. وأشار التقرير أيضاً إلى أن الحكومة العراقية لم تقم بالصيانة المناسبة للمنشآت والمعدات التي أُعيد بنائها والتي تكلفت مئات الملايين من الدولارات، ولا يبدو أنها ملتزمة بإتمام أو استخدام بعض المشروعات. وكان هناك عقد لترميم مشروع الغاز الطبيعي في الجنوب بقيمة 147 مليون دولار، وقد جرى عليه 35 تعديل وارتفعت الكلفة بحوالي 10 مليون دولار، ولكن تم إنهاؤه قبل تركيب مراوح كابسات الغاز، وقد جرى تخزين تلك المراوح في مستودعات ولم يتم تركيبها حتى الآن.

الأعتماد على شركة شل
بدلاً من إكمال تصليح وتأهيل منشآت الغاز في الجنوب قامت وزارة النفط العراقية بالتفاوض مع شركة النفط العالمية شل (Shell) حول استغلال الغاز الطبيعي في محافظة البصرةً. وانتهت تلك المفاوضات بتوقيع اتفاق مبادئ مع تلك الشركة صودق عليه من قبل مجلس الوزراء في أيلول 2008. وعلى رغم أن تفاصيل وافية لم تنشر حول اتفاق المبادئ هذا، إلا أنه تضمن – على العموم – تكوين شركة مشتركة (joint venture) مملوكة بنسبة 51٪ من قبل شركة غاز الجنوب العراقية وبنسبة 49٪ من قبل شركة شل. إن الهدف من هذه الشركة هو شراء الغاز العراقي الخام المنتج في محافظة البصرة من شركة غاز الجنوب بالأسعار العالمية، ومعالجة ذلك الغاز، ثم أعادة بيع المنتجات الى المستهلك العراقي بالأسعار العالمية أيضاً وتصدير الفائض عن الحاجة. لقد تعرض هذا الاتفاق إلى انـتـقـادات من جانب العديد من الخبراء العراقيين وكذلك من جانب بعض شركات النفط، باعتبار أن هذا الاتفاق تم بغياب أية منافسة، وإنه قد يفتح الباب أمام شركة شل لاحتكار كامل الغاز الطبيعي المنتج في جنوب العراق. أضف إلى ذلك أن شركة شل تزمع تصدير الغاز بهيئة سائلة، وقد تكون كلفة هذه الوسيلة أعلى من وسيلة تصديره بهيئة غازية بواسطة الأنابيب. هذا ناهيك عن دعوى أن العراق سيحتاج إلى كافة الغاز المنتج في السنوات القادمة لسد احتياجاته المحلية ولن يكون هناك فائض للتصدير في هذه المرحلة. على أن أكبر الأعتراضات التي كانت لدى كاتب هذه السطور هو شراء الغاز من العراق بالأسعار العالمية ثم أعادة بيعه – بعد معالجته – الى العراق بالأسعار العالمية.

وفي خضم تلك الأنتقادات تسلم كاتب هذه السطور رسالة من رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقي، طالباً فيها رأيه بخصوص أتفاق المبادئ موضوع البحث بين وزارة النفط وشركة شل. وقد أجاب االكاتب برأيه بأسهاب لامجال لذكره هنا(3) بل ندرج أدناه جزءاً من التوصيات التي وردت بذلك الجواب:
1- إن شراء الغاز العراقي بالأسعار العالمية ثم معالجته وإعادة بيعه الى المستهلكين المحليين بالأسعار العالمية هو بمثابة تصدير الغاز ثم أعادة استيراده بالأسعار العالمية، وهو مطب يجب الحذر، كل الحذر، منه. أن هذا العمل من شأنه أن يقضي على تنافسية المنتجات العراقية المستعملة للغاز كمصدر للطاقة أو كلقيم للتصنيع. ذلك أن الغاز العراقي هو رخيص بطبيعته ولابد من استغلال ميزة السعر الرخيص لأنتاج طاقة كهربائية ومنتجات صناعية رخيصة تتمكن من منافسة مثيلاتها بالأسواق العالمية، وهذا ما تفعله السعودية وأيران. أن تسعير الغاز بالطريقة التى يفرضها اتفاق المبادئ سيؤدي الى تدمير أهم الصناعات العراقية الواعدة.
2- يجب أن لا يُصدّر الغاز العراقي طالما توفرت هناك فرصة لاستغلاله محلياً في الصناعات العراقية إضافة إلى توليد الطاقة الكهربائية. إن تصنيع الغاز ليس فقط يجلب عائداً أكبر من تصديره، وإنما هناك عائداً اجتماعياً يتولد من تصنيع الغاز يتمثل في خلق فرص العمل للمواطنين ونقل التكنولوجيا إلى داخل البلد ونشر المهارة بين الطبقة العاملة. أضف إلى ذلك أن عملية تصنيع الغاز تخلق معها تشابكات أمامية (forward linkages) تتمثل بتصنيع جزء من المنتجات المتولدة من صناعات الغاز، وكذلك تخلق تشابكات خلفية (backward linkages) تنشأ بموجبها صناعات محلية لتلبية بعض احتياجات صناعات الغاز، وبذلك تنتشر الصناعات المتنوعة في البلد وينشط الاقتصاد. وفيما يخص توليد الطاقة الكهربائية فأن الغاز أفضل من النفط بيئياً لاحتوائه على نسبة كاربون أقل من النفط، كما أن الطاقة الكهربائية المنتجة ستكون أرخص نظراً لكفاءة الغاز العالية عند استعمال الطوربينات الغازية ذات الدورة المغلقة، كما هو شائع الآن في الدول المتقدمة.
3- نظراً لأن الدول المستهلكة للغاز قريبة من العراق ويمكن نقل الغاز إليها بواسطة الأنابيب على اليابسة، ونظراً لأن العراق لا يلاقي صعوبات جيوسياسية عند نقل الغاز بواسطة الأنابيب، نرى في هذه الحالة عدم اللجوء إلى تسييل الغاز ونقله بناقلات خاصة كما تقترح شركة شل، لأن في ذلك كلفة أكبر. على أنه يمكن اللجوء إلى تصدير الغاز العراقي المسال في حالة توفر كميات كبيرة من الغاز الفائض في المستقبل يستحسن معها تصديره إلى أسواق بعيدة كاليابان والصين والولايات المتحدة الأمريكية. وعندما نتكلم هنا عن تصدير الغاز نقصد به دوماً الغاز المصاحب الفائض عن الحاجة والذي لا مجال لخزنه وليس الغاز الحر أو غاز القبعة.
4- بناءً على تحليلنا لآثار الاتفاقية بين وزارة النفط وشركة شل لاستغلال الغاز الطبيعي المنتج من جنوب العراق والآثار السلبية على الأقتصاد العراقي المترتبة على مثل هذا الاتفاق، نرى وجوب العمل على إزالة أي آثار سلبية قد تنتج من هذا العقد، أو إلغاء العقد حتى يتمكن العراق من استغلال موارده الغازية بحرية والحصول على كامل الفوائد المترتبة من ذلك.

ونظراً لحالة المماحكات التي استمرت بين وزير النفط ومجلس النواب السابق، لم يتمكن ذلك المجلس من التأثير من قريب أو بعيد على طبيعة الأتفاق مع شل. واستغرقت المفاوضات بين الوزارة والشركة سنة كاملة مُددت بعدها ستة أشهر لغاية آذار 2010 ثم مُددت ستة أشهر أخرى. وأخيراً تم في نهاية حزيران 2010 إقرار الأتفاق النهائي من قبل لجنة الطاقة برئاسة رئيس الوزراء، والمضي في الأجراءات ليتم عرضه على مجلس الوزراء. ويتضمن الأتفاق تكوين شركة مشتركة بأسم شركة غاز البصرة لاستثمار الغاز المصاحب المنتج من حقول الرميلة والزبير والقرنة (مرحلة أولى) ومجنون وتكون ملكية الشركة كالآتي: 44% حصة شركة شل، 5% حصة شركة متسوبيشي اليابانية و51% حصة شركة غاز الجنوب العراقية. على أن الحكومة الحالية بوصفها حكومة تصريف أعمال قد لا تتمكن من المصادقة بصورة نهائية على العقد. وبالنتيجة ستؤجل هذه العملية لحين النظر بها من قبل حكومة جديدة أو حتى من قبل المجلس النيابي الجديد. وخلال هذه المدة التي بدأت منذ أيلول 2008 سيبقى العراق أسيراً لهذا الأتفاق، وسيبقى لزاماً عليه طوال هذه المدة الامتناع عن التفاوض مع أي طرف ثالث يكون الهدف منه الدخول في مشروع مماثل للمشروع الذي يعالجه الأتفاق، كما نص على ذلك اتفاق المبادئ الأول مع شل. وسيستمر حرق الكميات الهائلة من الغاز العراقي يومياً. ولا ندري أهذه هي الطريقة الصائبة التي اهتدت لها وزارة النفط للأستغلال الأمثل للغاز الطبيعي العراقي؟ ألم يكن أولى بالوزارة القيام بتوجيه شركة غاز الجنوب لأتمام التصليحات القليلة الباقية وتأهيل مشروع غاز الجنوب لاستغلال الغاز المنتج مع أبقائه تحت السيطرة الوطنية بدلاً من الأتكال على شركة شل والأستمرار بحرق الغاز لمدة قد تتجاوز سنتين على أقل تقدير، مع تدمير صناعات وطنية بالغة الأهمية للأقتصاد العراقي كما سنرى؟ علماً أنه تراكمت لدى العراق خلال الخمسين سنة الماضية خبرات قيّمة في تجميع الغاز الطبيعي، المنتج من مختلف الحقول، ومعالجته واستغلاله محلياً وحتى تصديره، حيث كان يجري تصدير جزءٍ منه الى دولة الكويت قبل غزوها؟

القضاء على الأفضلية النسبية للغاز العراقي
إن الدول المصدرة للنفط والغاز، وهي على العموم، دول نامية، تتفق بين الحين والآخر مع شركات عالمية (واحدة أو أكثر) لتأسيس شركات مشتركة يكون الغرض منها نقل التكنولوجيا وتسويق منتجات الشركة. ولتوضيح هذا الأمر سنبين هنا باقتضاب بعض جهود المملكة العربية السعودية كمثل ناجح في هذا المضمار. لقد أسست السعودية شركات مشتركة مع شركاء عالميين لهم باع طويل في تكنولوجيا الصناعات المستهدف إنشاؤها وتعزيزها في المملكة وكذلك في تسويق منتجاتها عالمياً. ومن أهم تلك الصناعات هي إنشاء مصافي النفط لتصدير المنتجات النفطية المكررة وكذلك إنشاء الصناعات البيتروكيمياوية. ففي حالة مصافي النفط، تقوم شركة أرامكو السعودية بالمشاركة مع شركات نفط عالمية معروفة، لإنشاء مصافي بتكنولوجيا حديثة تقوم بتكرير النفط الخام السعودي وإنتاج منتجات نفطية ذات مواصفات عالمية عالية. وتُصدر عادة تلك المنتجات إلى الأسواق الخارجية بالأسعار العالمية ولا تباع محلياً، أما الطلب المحلي على المنتجات النفطية فتسده مصافي تملكها شركة أرامكو السعودية، تمّ إنشاؤها لهذا الغرض، وتُسوّق المنتجات النفطية محلياً بأسعار مدعومة من قبل الدولة. وقد يُصدّر قسم من هذه المنتجات إلى الخارج في حالة توفر فائض منها عن الحاجة المحلية، ولكنها تباع بأسعار عالمية.
أما بخصوص الصناعات البتروكيمياوية فتتولاها شركة سابك (Saudi Basic Industries Corporation) وهي أكبر شركة بالشرق الأوسط. وتقوم هذه الشركة بإنتاج البتروكيمياويات والأسمدة والمعادن بالاشتراك مع شركات عالمية متفوقة بتلك الصناعات. وهي تنتج البتروكيمياويات بلقيم سعودي غالباً ما يتكون من غاز الأيثين (ethane) وهو أثقل من غاز الميثين (methane) وهذا الأخير هو الغاز الجاف الذي ينقل بواسطة الأنابيب لتوليد الطاقة الكهربائية أو ينقل بحالة سائلة (LNG) إلى أسواق ما وراء البحار. وقد يتكون اللقيم من غاز البترول المسال (LPG) وهو عادة مزيج من الپروپين (propane) والبيوتين (butane) وجميع هذه المواد تستخلص من معالجة الغاز الخام سواء كان من النوع المصاحب أو الحر.
إن تفوّق شركة سابك بالصناعات البتروكيمياوية وإمكانها مزاحمة المنتجات الغربية (أمريكية وأوروبية) في الأسواق العالمية ناتج من رخص اللقيم الذي توفره السعودية إلى الشركة، كونه غاز مصاحب منتج مع النفط وبذلك تكون أسعاره بخسة قياساً بأسعاره العالمية. ولقد واجهت السعودية مقاومة شديدة من قبل أمريكا وأوروبا خلال مفاوضاتها من أجل العضوية في منظمة التجارة الدولية (WTO) حيث كان يطلب منها احتساب لقيم الصناعات البتروكيمياوية بالأسعار العالمية وليس بالأسعار المحلية الرمزية. إلا أن المفاوض السعودي أقنع هؤلاء المعترضين بأن 30٪ من السعر العالمي للغاز هي أجور نقل لا يتحملها الغاز المستغل محلياً، كما أن الغاز المصاحب يحتسب كناتج عرضي مع النفط، ولذلك فإن سعره بخس من الأساس. أضف إلى ذلك أن السعر الرخيص للغاز متوفر أيضاً لكل أجنبي يريد الاستثمار داخل السعودية ويستعمل الغاز كلقيم لصناعته. وبذلك حصلت السعودية على عضوية تلك المنظمة المهمة جداً مع احتفاظها بأفضليتها النسبية (comparative advantage) نتيجة استعمال الغاز الرخيص، ولكن بعد مفاوضات دامت عشر سنوات.
إن العراق بغازه الرخيص يجب أن يحذو حذو المملكة العربية السعودية باستغلال موارده الغازية لإنشاء صناعات بتروكيمياوية مزدهرة، وبالمشاركة مع شركات عالمية متخصصة كما تفعل شركة سابك. وبذلك سيقدم الغاز العراقي خدمة جلّى للاقتصاد الوطني بتميّز الصناعات الوطنية المستندة إلى الغاز بأفضلية نسبية في الأسواق العالمية نتيجة لرخص اللقيم، وهو الغاز العراقي. ولكن العراق على وشك أن يحرم من هذه الأفضلية نتيجة قيام وزارة النفط باتخاذ خطوة لربما كانت غير مدروسة من حيث آثارها التخريبية لللأقتصاد العراقي، وذلك باتفاقها مع شركة شل من أجل استغلال الغاز العراقي. وبموجب الاتفاق الأولي ( الذي جرى بالأحرف الأولى) ستقوم الشركة بشراء الغاز الخام المصاحب المنتج في الجنوب بالأسعار العالمية، ثم تقوم هذه الشركة (و الشراكة هي لمدة 25 سنة أو أكثر) بمعالجة الغاز الخام وبيع المنتجات المعالجة (Methane, Ethane, LPG, NGLs) إلى السوق المحلية (أي إلى محطات الكهرباء ومعامل الاسمنت والألمنيوم والصلب والأسمدة والبتروكيمياويات .. الخ) بالأسعار العالمية أيضاً مع تصدير الفائض منها إلى السوق العالمية. ونتيجة لهذا الاتفاق فإن المنتجات العراقية ستفقد ميزتها النسبية بالأسواق العالمية نظراً لأن اللقيم الذي تستعمله سيفقد صفته الأساسية وهو رخص الثمن، كما هو معمول به في السعودية. وبذلك سترتفع أسعار الصناعات العراقية القائمة على الغاز داخل العراق وخارجه، وستتعرض تلك الصناعات للانكماش ولربما للاندثار نتيجة قلة الطلب عليها، وسيصيب الاقتصاد العراقي أذى كبيراً خصوصاً خلال الخمسة وعشرين سنة القادمة وهي سنوات بنائه وتنميته بهدف تقويته وتنويع قاعدته حتى يقل اعتماده على النفط.
إن الذي سيربح من هذه العملية هي شركة شل، لكونها ستملك 44٪ من الشركة المشتركة (شركة غاز البصرة) التي ستحتكر شراء الغاز العراقي الخام المنتج من أربعة حقول نفطية عملاقة قد يتجاوز أنتاجها السنوي خمسة مليارات قدم مكعب يومياً (نحو52 مليار متر مكعب سنوياً). وستقوم شركة غاز البصرة بمعالجة الغاز الخام وبيع المنتجات المعالجة بأسعار عالميةً، ليس فقط خارج العراق وإنما داخل العراق أيضا. وإذا كانت السعودية تقوم بالمشاركة مع شركات عالمية لإنشاء مصافي التصدير ومعامل البتروكيمياويات فإنها تستفيد من تلك الشركات بنقل التكنولوجيا وتسويق المنتجات. فأين التكنولوجيا التي ستنقلها شركة شل إلى العراق بهذه المشاركة؟ هل هي بتجميع الغاز من حقول النفط المنتجة؟ أم بمعالجة الغاز الخام؟ أم بمد الأنابيب لتزويد المستهلكين المحليين بالغاز الجاف؟ إن كل هذه العمليات بسيطة، وقد أنشأ العراق مثل هذه المشاريع في ثمانينات القرن الماضي (مشروعي غاز الشمال والجنوب) بواسطة شركة التصاميم و الأنشاءات النفطية (ذراع وزارة النفط للتشييد والبناء) و بمساعدة شركات أستشارية و شركات مقاولة أكملت عملها و غادرت. بل قام العراق بمثل هذا العمل بستينات القرن الماضي (1967 – 1968) بمساعدة شركة استشارية قامت بوضع المواصفات وتحضير التصاميم الهندسية من أجل نقل الغاز من كركوك إلى بغداد بواسطة الأنابيب ونصب وحدات معالجة الغاز مع الملحقات (سمي المشروع حينذاك معمل التاجي للغازات النفطية)، ثم قامت إحدى شركات المقاولات بمد الأنابيب ونصب وحدات المعالجة و كذلك نصب معمل ملئ أسطوانات الغاز السائل، إضافة إلى تدريب المهندسين العراقيين من خلال الاشتغال مع المقاول لمدة سنة على سبيل الإعارة، وكان كاتب هذه السطور أحد المهندسين الذين شملتهم الإعارة والتدريب.
وحتى قبل هذا التاريخ قام العراق بتجميع الغاز من حقل الرميلة ثم معالجته وتجفيفه قبل إرساله إلى محطة كهرباء النجيبية ومعامل أخرى بالبصرة. وعندما تمّ تعيين كاتب هذه السطور لأول مرة بعد تخرجه ورجوعه إلى العراق من بريطانيا في تموز 1962 (أي قبل 48 عاماً) كمعاون مهندس في البصرة ( مصفى المفتية و مصلحة توزيع المنتجات النفطية) أنيطت به مهمة الإشراف على محطة غاز الرميلة إضافة لوظيفته كمهندس كهرباء، وبقي مسؤولاً عن إدارتها وصيانتها مع إخوانه العمال العراقيين طوال الفترة 1963 – 1966 ولحين تأسيس مصلحة توزيع الغاز واستلام محطة الغاز تلك من قبل مهندس كيمياوي مختص.
إن التكنولوجيا الوحيدة التي يمكن أن تجلبها شل معها هي في نصب وتشغيل وإدارة معمل لتسييل الغاز وتسويق الغاز المسال (LNG)، ولكننا وجدنا أن تصدير الغاز بحالته الغازية بواسطة الأنابيب هي الأفضل والأقل كلفة، وبذلك تنتفي الحاجة لشركة شل في هذا المجال. أما موضوع تسويق هذا الغاز (أي غاز الآنابيب) فهي عمليه سهلة، وذلك لتوفر الأسواق التي هي بأمس الحاجة لمثل هذا الغاز وهي أوروبا والخليج العربي كما أسلفنا. وقد يحتاج العراق مستقبلاً إلى تسييل الغاز وتصديره بناقلات خاصة كما تفعل قطر الآن، ولكن ذلك لن يحدث إلا بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز بالمستقبل تبرر مثل هذه الاستثمارات، على أننا نرى أن ذلك لن يحدث الآن ولا في المستقبل المنظور.

مقارنة مع دول الجوار
أن الدول المجاورة للعراق والغنية بالنفط والغاز هي السعودية وأيران والكويت. وعلى الرغم أن الكويت غنية نسبياً بالغاز، فهي تأتي بعد العراق بين الدول الغنية بهذا المورد في الشرق الأوسط، ألا أن استهلاكها للغاز قد تجاوز مؤخراً قابليتها على الأنتاج وأصبحت نتيجة ذلك تستورد الغاز المسال. أما أيران فهي ثاني دولة بالعالم بين الدول الغنية بالغاز، أذ تأتي احتياطياتها المثبة بعد روسيا مباشرة – روسيا هي أغنى دول العالم بالغاز – وتتجاوز احتياطيات قطر التي تأتي بالمرتبة الثالثة بين دول العالم الغنية بالغاز. وعند المقارنة مع العراق نجد أن احتياطيات الغاز الأيراني تبلغ أكثر من تسعة أضعاف الأحتياطيات العراقية. ولكن أيران الغنية جداً بالغاز لا تصدر منه الآ القليل ولا زالت تستورد من الغاز أكثر مما تصدر. أن أحد أهم الأسباب التي جعلت من أيران دولة غير ذات أهمية بين دول العالم المصدرة للغاز، رغم الثروة الغازية الهائلة التي تملكها، هو وجود تيار داخلي يعارض قيام أيران بتصدير الغاز الى الخارج واقتصار استخدامه داخالياً لسد الطلب المحلي المتزايد سنوياً، وكذلك أعادة حقن جزء كبير من الغاز في الحقول النفطية للمحافظة على ضغط المكامن، من أجل أنتاج النفط وتصديره بدلاً من الغاز للحصول على الريع المتولد من الصادرات النفطية الذي هو أعلى مما تولده الصادرات الغازية. ولا ينكر أن هناك تيار أيراني آخر يؤيد تصدير الغاز الى الخارج لأسباب سياسية أستراتيجية، ولكنه أضعف من التيار المعارض للتصدير.

بخصوص السعودية فأن لديها سياسة ثابتة تجاه مواردها الغازية وهي استغلالها داخلياً في توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وفي القطاع الصناعي كلقيم في الصناعات البتروكيمياوية ومصدر للطاقة الحرارية في الصناعات الثقيلة. ورغم أن السعودية تأتي بالمرتبة الخامسة عالمياً والثالثة بين دول الشرق الأوسط من حيث حجم الأحتياطيات الغازية، فهي ترى أن الغاز الطبيعي ثروة ثمينة من وجوه عدة يجب عدم التفريط بها بتصديرها الى الخارج وأنما استغلالها داخلياً فقط كقاطرة للنمو الأقتصادي. ولا زالت السعودية تتعاقد شراكةً مع الشركات العالمية – ومنها شركة شل – لاستكشاف المملكة بحثاً عن الغاز الحر مشترطة بعقود الأستكشاف على شركائها تجهيز الغاز محلياً بالأسعار الرخيصة وهي لازالت في السعودية عند مستوى 0,75 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، وهذا السعر لا يتجاوز عشر المعدل العالمي لأسعار الغاز. ولقد أحسنت السعودية صنعاً حينما أقنعت منظمة التجارة العالمية بأن الغاز الطبيعي المستخرج من الحقول السعودية رخيص بطبيعته وليس مدعومة أسعاره من قبل الدولة. وبذلك تميزت المنتجات البتروكيمياوية السعودية برخص أسعارها نسبياً وتمكنت من منافسة مثيلاتها في الأسواق العالمية.

أما الغاز الطبيعي العراقي فقصته لا زالت تبدو حزينة. فقد كان نصيبه الأهمال منذ سنة 2003 أذ يُهدر أغلب المنتج منه حرقاً. وبدلاً من أكمال عمليات التصليح والتأهيل اللازمة لمشروع غاز الجنوب وأيقاف الحرق واستغلال الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية وأنتاج غاز الأسطوانات لغرض الطبخ، وكذلك استعماله كمادة أولية (لقيم) في الصناعات البتروكيمياوية، قامت وزارة النفط بأبرام أتفاق الغاز مع شركة شل كما أوضحنا أعلاه. وبدلاً من حظر تصدير الغاز واستغلاله في الداخل فقط كما تفعل السعودية وهي تملك من الغاز مرتين ونصف مايملكه العراق، تتهيأ الشركة المشتركة (شركة غاز البصرة) لتوفير البنية التحتية ، خصوصاً المعمل العائم لتسييل الغاز، من أجل تصدير الفائض بعد سد الطلب المحلي، علماً أن الطلب على الغاز داخل العراق سيبقى في أدنى مستوياته لمدة طويلة نظراً لدمار الأقتصاد العراقي وعدم قابليته على استهلاك كميات كبيرة من الغاز. وحالة العراق هذه تذكرنا بحالة دولتي الأمارات وعُمان وهما من أوائل الدول التي أنشأت معامل لتسييل وتصدير الغاز السائل عندما كانت اقتصاداتهما ضعيفة نسبياً وبحاجة لمثل تلك الصادرات. على أنهما لا زالتا تقومان بتصدير الغاز السائل تنفيذاً لعقود طويلة المدى رغم كونهما أصبحتا من الدول المستوردة للغاز نتيجة ازدياد الطلب المحلي.

أما بالنسبة لتسعير الغاز فأن وزارة النفط العراقية لم تتصرف بنفس الذكاء والحذر الذي تميزت به السعودية. فقد قبلت بطريقة التسعير التي أملتها شركة شل دون الأكتراث بانعكاساتها السلبية على الأقتصاد الوطني العراقي. لقد قبلت وزارة النفط بتسعير الغاز المجهز محلياً على أساس المستوى العالمي للأسعار رغم المقالات التي نشرها كاتب هذه السطور، وكذلك التوضيحات والتحذيرات الشخصية التي أبداها للسيد وزير النفط، مرة في تشرين الأول 2008 في ندوة الكندي للمهندسين ببغداد ومرة أخرى في شباط 2009 في اجتماع خبراء النفط العراقيين لتدارس شؤون العراق النفطية ببغداد أيضاً. ففي ندوة 2008 قال الوزير أن الأسعار للمستهلكين المحليين ستكون مدعومة وبذلك ستُحل مشكلة الأسعار، فأجابه كاتب السطور بأن هذا هو عين الخطأ الواجب تلافيه. ذلك أن منظمة التجارة العالمية لن تقبل ببضاعة أسعارها مدعومة بصيغة أو بأخرى لأن ذلك يؤدي الى منافسة غير عادلة في السوق. وسيتم في الأقطار التي تُسوّق فيها تلك البضاعة فرض تعريفة عليها مساوية لمقدار الدعم المقدم للبضاعة يختفي معها أثر الدعم. وسينتج عن ذلك انتقال الدعم المالي الذي تقدمه الحكومة العراقية الى خزائن البلدان المستوردة لتلك البضاعة، وبذلك يتم حرمان البضاعة العراقية من أفضليتها النسبية. على أن الأسلوب الصحيح الواجب اتباعه هو تزويد الغاز للأسواق المحلية بسعره الحقيقي الرخيص دون رفع السعر الى المستوى العالمي ثم تخفيضه عن طريق الدعم. وفي المرة الثانية، خلال اجتماع 2009، وبعد احتدام النقاش حول نفس الموضوع، حاول السيد الوزير طمأنة كاتب السطور بقوله أن لا داعي للقلق، لأن الأختلاف حول التسعير هو اختلاف لفظى فقط وأن تسعير الغاز الذي ستتبعه وزارة النفط هو نفس التسعير الذي يطالب به كاتب السطور، وسيتبين ذلك للعراقيين عند أعلان العقد النهائي. ولكن حيثيات العقد النهائي الجوهرية عندما وافق عليها السيد رئيس الوزراء بصفته رئيساً للجنة الطاقة، ومنها تسعير الغاز، بقيت في الظلام. ولم يعرف كاتب هذه السطور أن سعر الغاز الذي سيجهز الى الداخل سيبقى على المستوى العالمي إلا من خلال البحث في أسبوعيات النفط الأجنبية.

دورة تراخيص ثالثة
وبدلاً من تجهيز الغاز محلياً بأسعار رخيصة تتناسب مع كلفته الواطئة لغرض إنعاش الأقتصاد العراقي بصورة عامة والنهوض بصورة خاصة بصناعة عراقية متطورة قادرة على الصمود أمام منافسة الصناعات العالمية المثيلة بفضل استغلال الميزة النسبية للغاز العراقي، قامت وزارة النفط بأعلان دورة تراخيص ثالثة لتسليم حقول الغاز الحر الثلاثة المكتشفة وهي عكّاز والمنصورية وسيبا الى شركات أجنبية للتصرف على غرار ما حصل لحقول النفط العراقية في دورتي التراخيص اللتين تم أكمالهما خلال العام الماضي(4). وبهذه السياسة تعمل وزارة النفط بالضد من المصالح العراقية، أذ سيتم حرمان العراق من فائدة حقول الغاز الحر المكتشفة لغاية الوقت الحاضر في الوسط والجنوب. وفائدة الغاز الحر تتجلى بصورة أساسية في توفير حرية المناورة للعراق في السيطرة على مستويات أنتاج النفط العراقي. ذلك أن الغاز المنتج في العراق في الوقت الحاضر هو كله غاز مصاحب، عدا غاز حقل خور مور في كردستان العراق، وقد تتطلب السياسة النفطية تخفيض أنتاج النفط - ألتزاماً بمقررات أوبك – الى مستوى يعجز معه الغاز المصاحب عن سد الطلب المحلي، فمن أين سيأتي الغاز الأضافي لسد فجوة الطلب أن لم يكن لدى العراق أحتياطي من الغاز الحر؟ هذا ومن الحري أن نعلم أن أحتياطيات الغاز الحر المكتشفة في العراق ضئيلة لا تتجاوز 14 ترليون قدم مكعب، نصفها تقريباً يقع في شمال - شرقي العراق والنصف الآخر يقع في الوسط والجنوب. والمستغَل منها حقل واحد فقط هوحقل خور مور في الشمال الشرقي تم تطويره حديثاً بموجب عقد خدمة لتجهيز محطتي توليد الطاقة الكهربائية في أربيل والسليمانية بالغاز، في حين ينتظر حقل جمجمال، وهو في الشمال الشرقي أيضاً، التطوير من أجل تزويد الغاز الى "مدينة كردستان الغازية" المقترحة لاحتضان مختلف الصناعات القائمة على الغاز. وإذ نلاحظ كيف يبدو استغلال الغاز في كردستان العراق عقلانياً نلاحظ من جهة أخرى استعداد وزارة النفط لتصدير الغاز الحر، على شحته، ولا نعلم لماذا يقوم بلد بتصدير غازه الشحيح لينافس به صادرات نفطه الغزيرة والمقدر لها أن تصل الى 12 مليون برميل يومياً بحلول سنة 2017، علماً أن أسعار الغاز مستمرة بالهبوط حتى أصبح الآن سعر برميل النفط المصدر يعادل ضعف سعر البرميل المكافئ من الغاز، ومن المقدر أن تستمر أسعار الغاز بالنزول بعد التطور التكنولوجي المستمر في أمريكا لاستخلاص غاز السجّيل. أن ما تقوم به وزارة النفط بشأن استغلالها لغاز العراق إن لم نقل أنه عمل لاوطني فهو عمل يجافي المنطق!

توصية
(1) نؤكد على ضرورة تجهيز الغاز العراقي الى الأسواق المحلية بأسعاره الأعتيادية الرخيصة وهي قد تتضمن كلفة الأنتاج والمعالجة زائداً نسبة معقولة من الربح، وعدم بيعه محلياً بالأسعار العالمية كما تريد شركة شل، لأن في ذلك تدمير للصناعة العراقية.
(2) نؤكد على ضرورة تجنب عملية بيع الغاز العراقي الى الأسوق المحلية بالأسعار العالمية ثم اللجوء الى دعم أسعاره من قبل الحكومة، لأن الدعم مرفوض من قبل منظمة التجارة العالمية وسيعرض المنتجات العراقية الى عقوبات مالية مساوية لمقدار الدعم، وستفقد المنتجات العراقية بذلك أفضليتها النسبية وتنافسيتها العالمية. أضف الى ذلك أن صندوق النقد الدولي لا يتقبل سياسات الدعم الحكومي وسبق أن اشترط على الحكومة العراقية ألغاء دعمها لأسعار المشتقات النفطية في حالة تعاونه لشطب 80% من الديون الأجنبية.
(3) نؤكد على عدم تنفيذ دورة التراخيص الثالثة الخاصة بحقول الغاز الحر، والأعتماد على الشركات المقاولة لتطوير الحقول بموجب عقود الخدمة. وبذلك سيحتفظ العراق بثروته الشحيحة من الغاز الحر وسيبقى مالكاً لحرية المناورة أضافة ألى إمكان استخدام الغاز الحر بما تمليه المصالح الوطنية.
(4) أخيراً يجب أن ندرك أن الأموال المتأتية من صادرات النفط والغاز لا يمكن التعويل عليها لوحدها في تمويل أعادة بناء البنية التحتية وفي الأستثمار لتنمية الأقتصاد العراقي. ذلك أن العراق سيبقى لعقدين من الزمن على الأقل كدولة ريعية تعتمد على الصادرات النفطية في تمويل الجزء الأكبر من الميزانية السنوية. أن الدور الأهم في إعادة بناء الأقتصاد العراقي وتحقيق حالة من النمو المستدام سيبقى للأستثمار الأجنبي المباشر كما حدث في كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وماليزيا وما يحدث الآن في الصين والهند. غير أن الأستثمار الأجنبي المباشر سوف لن يتوجه نحو العراق ما لم تتوفر له البيئة المؤاتية المستندة الى الأستقرار الأمني والسياسي. على أن مثل هذا الأستقرار لم يتحقق منذ سقوط النظام السابق، وسوف لن يتحقق بسلطات همها الأول خدمة الذات والمصالح الأنانية الضيقة، ولن يتحقق بحكومات فاشلة في أنجاز الشروط اللازمة لأشراك كافة شرائح المجتمع العراقي في إدارة البلاد دون تمييز.
----------------------------------------------------------
(1) كان الدكتور زيني أحد أعضاء اللجنة التي أشرفت على تحضير الخطة القصيرة الأجل لإعادة تأهيل البنية التحتية النفطية التي دُمرت إثر الغزو.
(2) تقرير أمريكي: "المنشآت النفطية العراقية المعاد تأهيلها تعاني من نقص الصيانة والأمن"، معهد التقدم للدراسات الإنمائية، 16/1/ 2009 المتاح على الانترنت: http://www.progressiraq.com/inp/view.asp?ID=1007
(3) أنظر كتاب الدكتور محمد علي زيني (الأقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل)، الطبعة الرابعة، الفصل الثامن عشر بعنوان: الغاز الطبيعي والصناعة العراقية.
(4) أنظر مقالنا المنشور في موقع الحوار المتمدن بعنوان "دولة القانون تبدد 75 مليار دولار من أموال الشعب العراقي وتُعرّض أمنه الغذائي للخطر".



#محمد_علي_زيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم جولتي التراخيص النفطية هي تبديد لثروة الشعب العراقي، بل ...
- الغاز الطبيعي العراقي: هدرٌ أم استغلال لمصلحة الوطن ؟
- وزارة النفط وغاز العراق ومحنة الشعب العراقي
- الاقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل
- دولة القانون تبدد 75 مليار دولار من أموال الشعب العراقي وتعر ...


المزيد.....




- دراسة تحدد سلعة التصدير الرئيسية من الهند إلى روسيا
- شركة تعدين روسية عملاقة تنقل بعض إنتاجها إلى الصين
- شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة
- اشتريه وأنت مغمض وعلى ضمنتي!!.. مواصفات ومميزات هاتفRealme ...
- صعود أسعار النفط بعد بيانات مخزونات الخام الأمريكية
- وظائف جانبية لكسب المال من المنزل في عام 2024
- بلينكن يحث الصين على توفير فرص متكافئة للشركات الأميركية
- أرباح بنك الإمارات دبي الوطني ترتفع 12% في الربع الأول
- ألمانيا ترفع توقعاتها للنمو بشكل طفيف في 2024
- مشروع قطري-جزائري لإنتاج الحليب في الجزائر بـ3.5 مليار دولار ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد علي زيني - صفقة الغاز مع شل مُدمّرة للصناعات العراقيية