مروان المعزوزي
أخصائي نفسي من المغرب
(Merouane Elmaazouzi)
الحوار المتمدن-العدد: 3330 - 2011 / 4 / 8 - 22:27
المحور:
الادب والفن
1- 2710 : معنى الحياة
سنة 2710 : كل شئ هنا ساكن و هادئ .. الكل هنا لا يتكلم و لا يتحرك..بل قل لا يشتغل حتى , فإنه بمجرد التفكير في شيء ما يحضر فورا..الكل هنا كسالى في هذا الكوكب..فلم يعد للحياة معنى , لأنهم حصلوا على كل معاني الحياة..هم لا يشعرون بالسعادة , لأنهم يمتلكون كل وسائل السعادة .. وسائل السعادة للأسف و ليست السعادة.
فبدأ الكل هنا ينتظر : نهاية الحياة !
الكل أصبح يتمنى انفجار الكرة الحديدية..نعم الحديدية لأنهم استعاضوا الحجر و التراب الأرضي بالحديد و اللآلات..فبدأوا يمشون فوق الحديد بدل التراب..حتى التواصل بين الناس أصبح بدون لغة..لذلك فالتواصل هنا قليل..بل نادر..فكل واحد لا يفكر سوى في نفسه.....كل شئ هنا في ملل تام.
في الطابق الرابع أسفل الأرض على اليسار يقطن رجل الكل يطلق عليه لقب المتخلف الرجعي..وذلك لأنه يبحث و ينقب و يفكر كل يوم في أشياء جديدة..وهم في عرفهم قد انقضى و ولى زمن البحث و الفكر و المعرفة..هم يعتبرون كل شخص يتحرك و يبحث و يفكر هو شخص رجعي..فالرجل المتقدم الكامل الحضارة - في نظرهم - هو الرجل المستريح الذي لا يتحرك و لا يضيع وقته في التفكير , بل هو الشخص الذي يطمح و يحلم و ينتظر : نهاية الحياة !
رغم كل ما يقوله الناس عنه , لم يكن ينزعج منهم أبدا , بل لم يكن حتى يهتم لما كانوا يقولونه..كما أنه لم يكرههم قط..لا لشيء سوى لأن وقته كان كله في التفكير في أشياء أخرى ..لقد كان كثير التساؤل..يتساءل في كل شيء و يحاول تقديم حلول لها أيضا .
( إن دور الإنسان الحقيقي في هاته الحياة هو البحث عن دوره.. و عمله الوحيد هو البحث عن هذا العمل) : هذا ما كان يردده داخل نفسه دائما.
لقد بدأ يفكر في طريقة يستطيع بها إحياء أناس هذا العصر و بث الحياة فيهم..فتذكر ما قاله رجل من رجال العصور الأولى و نبي من أنبياءه : " أذم إلى هذا الزمان أهيله " , فابستم و قال مضيفا : ( كلام صادق أيها النبي على هذا الزمان الذي انقلبت في الآية فأصبح فيه أهيله يذمون زمانهم ) .
( كيف يا ترى , كيف و أنا فرد أقوم بإحياء أمة من رقادها الطويل ?!)
( إن لهذا الرقاد الطويل لرائحة أشبه برائحة الموت..فكيف السبيل لإيقاظهم من هذا النوم الثقيل..من هذا الكسل المفرط ?!!)
هكذا كانت بداية مناجاته , فاستغرب كيف أن الناس في عصره لم تعد تملك حتى الوقت القليل للتفكير في أنفسهم قليلا , ما بالك بالتفكير في سر وجودهم , أو معنى لوجودهم , أو حتى في وجودهم..لم يكن هنالك وقت لديهم..
فالكل هنا مشغول بالتوافه التي أصبحت مع العادة و التكرار و الزمان لوازم..
الكل هنا لا يريد أن يدرك..أن يعرف..أن يفهم..
الكل هنا يريد أن يستريح..و يستريح بعد أن يستريح..ثم ينام بعد أن يستريح..
وعندما ينام كل واحد هنا..تراوده أحلام حول النوم الأكبر : نهاية الحياة !
الكل هنا مجرد أشخاص يمرون..يمرون فقط مرور الكرام بلا أثر يدل على أنهم كانوا هنا أحياء.
فتعجب في نفسه كيف أنه الوحيد الذي لاحظ كل هذا..لكن تعجبه اختفى بعد أن تذكر أنه الوحيد الذي عكف نفسه على دراسة نفسه و أنفس الآخرين و أسرار الحياة..بل دراسة نفس الإنسان التي تحوي بداخلها كل أسرار الحياة..و قال مستدركا بعد أن تعجب من تعجبه و استغرب من استغرابه :
( و ما العجب في ذلك ? أليس المفكر الحقيقي هو الذي يستغرب من الأشياء المألوفة ? أليس المفكر الحقيقي هو الذي يلاحظ الغير المألوف في المألوف ? )
في تلك الأثناء , ألقى نظره أمامه فلمح صورة مطرقة..ففرح و أحس بالبهجة..ثم أشار إليها بأصبعه قائلا :
( لإحياء الناس...سأحتاجك يا مطرقتي )
( الكل هنا يحتاج إلى غربلة فكرية , إلى تنقية و تطهير..و هذا لن يكون ذا مفعول إلا بواسطة مطرقتي : طرح الأسئلة !!)
( يجب طرح أسئلة يحس كل واحد هنا أنها نابعة من صميمه حتى يشارك في الإجابة عنها )
( الكل هنا لا يتقن سوى فن تلقي الإجابات..لذلك وجب علي استخدام مطرقتي لكي يتوقفوا من ذلك..وجب علي استخذامها لإحيائهم و إيقاظهم )
فبدأ بطرح الأسئلة..عن كل شيء مألوف..من قيم و أخلاق و عقائد..عن كل شيء..
لكن..لا أحد تحرك..لأن أسئلته لم تجد مكانا داخل عقول الناس الممتلئة أجوبة مسبقا..فخاب أمله.
أما بعض أسئلته التي مرت من فوق سطح عقولهم فقد جعلتهم يقولون بصوت واحد :
( ها هو الرجعي مرة أخرى يستيقظ من جنونه فيأتي لنا بما قاله الأوائل الرجعيون من أمثاله..ها هو الآن يقتبس لنا ما كان ينادي به الأولون )
كانوا يقولون عنه ذلك , ليس لأنهم مضطلعين على كل ما كتبه المفكرون في الكتب و عالمين بكل ما طرحوه من أفكار سابقة..بل قالوا ذلك بسبب إجابتهم المسبقة بأن : ( الإنسان لم يصل لهاته الدرجة من الرقي و التقدم إلا لأنه قطع و مر من مثل كل هاته الأفكار..و بأن كل ما يجب أن يقال..قد قيل , وبأن كل ما سنفكر فيه يوما أو نطرحه..قد طرح , و أنه ليس هناك فكرة أو تساؤل يمكن أن نقول عنه أنه جديد ! )
و هذا بالضبط هو السبب الذي جعل أناس هذا الزمان يلقبون أنفسهم ب " السليمانيون" لأنهم يؤمنون بما قاله "سليمان" في سفر الجامعة من أن " كل شيء باطل تحت الشمس" و " لا جديد تحت الشمس" و " كثرة الحكمة تتعس الإنسان" و أفكار أخرى : هاته هي مبادئهم الأساسية في حياتهم.
( إذا كان عمل الإنسان الحقيقي في هاته الحياة هو البحث عن عمله - كما خرجت من أبحاثي و تجاربي الشخصية - فما معنى الحياة الحقيقي ? )
هكذا بدأ يناجي نفسه مرة أخرى ..
( هو حتما في أن يخلق الإنسان هذا المعنى بنفسه )
ثم صمت قليلا و قال :
( و إذا كان أناس هذا الزمان لا يحبون الحركة , الفكر , الفهم , إلى آخره..فكيف الطريق لإقناعهم بخلق معنى لحياتهم ? فخلق معنى لحياتهم معناه مطالبتهم بالتحرك..و هذا ما لا يحبونه !!)
و بعد صمت طويل...قال متنهدا :
( إن هوايتي هي التعرف على هوايات الآخرين ; و كذلك معنى حياتي و هدفها هو مساعدة الآخرين على خلق معنى لحياتهم..إذن : لم لا نعتبر تبعا لذلك أن هذا الكسل الذي يعيشه الناس الآن هو المعنى الذي خلقوه لوجودهم و حياتهم ?!!)
( و إن كان كذلك فكل أبحاثي و كلامي يكون مجرد تشييد بروج على الهواء..بل هو مجرد فضول..آه نعم و هذا هو التعريف الدقيق للكاتب ! فالكاتب ليس سوى شخصا فضوليا..شخصا يفرض أفكاره على أفكار الآخرين !)
( إذن فليذب هذا الفرد في المجموع..فلتتلاشى هاته النقطة في البحر..و لتترك كل واحد يعيش معناه و حياته على هواه..فقد عرفت الآن معنى الحياة ).
01:30
06/04/2011
2 - دور من الأدوار : معنى الحياة
" ( للحياة معنى لا معنى له إذا تمعنت فيه عنوة فقد يصيبك ذلك بالملل و الإعياء )
( معنى الحياة الحقيقي هو أن تجد فيها هذا المعنى..أي أن تخترعه ! )
( الكل هنا ليس سوى ممثلا يلعب دورا من الأدوار , و من يلعب دورا لا يمكنه بالطبع لعب كل الأدوار في نفس الوقت , لكن الأدوار تتغير مع الزمن..
هذا الفقير هو ليس سوى شخص يلعب دور الفقير..
وهذا الغني هو شخص يلعب دور الغني..
و يمكن لهاته الأدوار أن تتغير و تنقلب , فيلعب الفقير دور الغني مع مرور الزمن.. و يلعب الغني دور الفقير أيضا حسب الظروف )
( لذلك لا تغرك الحياة و أنت القوي الصحيح إذا مررت يوما بقرب ضعيف سقيم...فقد يكون هذا المشهد دورك القادم ! )
( الكل هنا ليس سوى ممثل بارع في فيلم الحياة..فمتى تنقلب الأدوار ? ! )
( الكذب , النفاق , الوهم , كلها صفات لا نحبها مع أنك لو تمعنت جيدا لوجدتها من صميم الحياة ..
السرقة , الخيانة , الغدر , الكراهية كلها صفات من طبيعة الحياة )
( إنك تكذب عندما تعتقد أنك لا تكذب..
إنك تنافق عندما تتحدث عن أشياء لا تحسها بداخلك..عندما تتكلم عن ما يريد سماعه الناس لا ما يجب سماعه..عن ما يريد سماعه الناس حتى ولو كان وهما عوض أن تتكلم عن ما لا يريدونه و لا يتقبلونه كحقيقة..
إنك تتوهم عندما تؤمن بحقيقة لم تنبع من داخلك..عندما تنسى أنك أنت من تعطي كل الحقائق قيمة , و أنه لا قيمة لحقيقة ما لو لم تكن موجودا كإنسان يؤمن بها..)
( أنت تسرق عندما تشرب اللبن الذي كان من اللازم أن يشربه رضيع البقرة الصغير لا أنت.. فتأتي الأيدي البشرية لتسرقه من ثدي الأم و تحرمه من الوصول إلى فم ابنها..
أنت تخون عندما تفكر في مكانتك التي ستضيع إذا قلت الحقيقة فتفضل الصمت..
أنت تغدر عندما تمجد إلها أمامي ثم تسخر منه في داخلك أو من ورائي ..)
( لكن و يا للأسف , كل ما يتواجد الآن ليس إلا أنواعا مختلفة من النفاق و الكذب و الأوهام !..
فالحياة لا تستمر بدون هاته الصفات ! و الناس تنعتك بالمنافق إذا كنت صادقا و بالصادق إذا نافقتهم ! )
( نعم .. أنت منافق إذا صارحتهم بالحقيقة الجارحة.. و أنت صادق إذا أخفيت عنهم ذلك و أظهرت لهم الوهم المريح ! ) "
قال هذا أمام مخرج الفيلم الجديد.. و ثلة من الممثلين أمثاله يشاهدون.. فأشار إليه المخرج إشارة انتهاء دوره ليصعد شخص آخر غيره !
فبدأ الجميع بالتصفيق الحار..فقد أحسن أداء دوره على حسب ما قالوا !
25 :01
08 / 04/ 2011
#مروان_المعزوزي (هاشتاغ)
Merouane_Elmaazouzi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟