أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد نوح - خدني المظاهرة يا حبيبي معاك / شهادة أدبية















المزيد.....


خدني المظاهرة يا حبيبي معاك / شهادة أدبية


سعيد نوح

الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 10:13
المحور: الادب والفن
    



خدني المظاهرة ياحبيبي معاك.

عنوان قصيدة للشاعر محمود الحلواني
كتب سعيد نوح
1
غير إنكم لا تعرفون عن بطلكم شيئا .
بيد أن بطلكم في الحقيقية محض وهم.
صنعتموه أنتم بأيديكم.
جعلتموه يتحرك في الليل لينقذ ابنتكم التي تتربص بها الوحوش، أو يتفقد بيت أحدكم ويقول للمرأة التي تحاول غش اللبن بالماء.إن كان بطلكم لا يراها فإن الله يراها .
أما عنه فقد كان يستمع إلي تلك الأحداث كأصغر واحد فيكم، وللحق أراد كثيرا أن يكذبكم.
أن يقول لكم:
ـ أيها الناس الأعزاء .. . ياأصدقائي. لم أكن أنا ما فعلت ماتقوله ألسنتكم.
لكنه خاف عليكم .
نعم. خاف أن تخسروا حلمكم فآثرالسكوت.
فقط آثر السكوت وهز الرأس لكل إشاعة تطلقها ألسنتكم.
فلماذا الآن تقفون أمام وجهه؟
وترفعون أيديكم وتحاولون إنزاله من فوق عرش صنعتموه بأمانيكم؟
وتعلنون بكل وضوح إنه لم يكن حلمكم.
هل قال يوما أنه حلمكم؟
وللحق ، ومنذ اليوم الأول الذي رفعتموه فوق الأعناق إثر محاولةاغتيال ناجحة من أفراد ينتمون إليكم استطاعت بمباركة منكم أن تقتل حلمكم وحاكمكم السابق قال:
ـ إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.
قالها بلا خوف.أو خداع لواحد فيكم. قالها وهو يضرب بيد من حديد علي المنصة التي صنعتموها بدمائكم ثم أضاف وهو مازال يمسك بتلك الفونتات التي تملكت قلوب شعرائكم :
ـ لابد من العمل.
أوتدرون ما العمل الذي طلبه؟
ربما كان يعني العمل بإخلاص من أجل رفع شأن الوطن.
أو العمل بكل ما تعنيه كلمة العمل في الأديان السماوية.
هل تعلمون ؟
ربما كان يعني العمل علي التخلص منه؟
وربما وربما.
ولكي نعرف الحقيقة عن قرب .أو علي الأقل لكي نزيل ذلك الالتباس الواضح في كلمته عن العمل علينا أن نقترب منه.
ولكن كيف نقترب منه وهو ما هو؟
هل أتاكم حديث الغاشية؟
إنه لمن لايعرفه هو الحديث عن بطلنا.
عما صنعناه بأيدينا ثم رويدا رويدا ويوما بعد يوم طلب منا أن نعبده فصار إلهاً بعيد المنال.
إن الطريق إلي معرفته أو معرفة حقيقته غيرصالح للعبور.
كما إن كل الأشياء غير داعمة للتمكن منه.
أو قرب زوال مملكته.
لقد أعد لنا ابنه ليكمل مسيرته العطرة.

هذا نص كتب في يناير 2005 ،ونشر في فبراير 2005 في موقع كفاية ثم أصبح جزءا من رواية : " الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك " والتي تدور آحدثها بداية من يوم 14 أكتوبر 1981 في حكر ( أبو دحروج ) وهو اليوم الاول الذي سيطر، وتربع علي حكم مصر الحاكم الراحل حتي شهر مايو 2005.
2
كان يوم الأحد الثاني عشر من ديسمبر من عام 2004 هو اليوم الأول الذي اكتشفت فيه النشيد الوطني للمرة الأولي في حياتي التي زادت عن ستة وأربعين عاما الآن. أخذت طريقي من البيت في عين حلوان ومعي زوجتي ونزلنا في محطة جمال عبد الناصر.ما إن خرجنا في الثانية عشرظهرا من المدخل الوحيد المسموح به للخروج بدون ابداء الأسباب حتي فوجئنا بسور من الأمن المركزي يُشير للخارجين بالذهاب إلى شارع الجلاء. طلبت من أحد الضباط أن أتجه إلى دار القضاء حيث أريد الذهاب فأمرني أن أمشي من أمامه واتبع تعليمات النظام : إحنا رايحين المظاهرة يافندي. قالتها زوجتي بعصبية شديدة .وقف أربع أشخاص يتأملوني وزوجتي. خاف الضابط أن يتبع زوجتي آخرين؛ فأمر العساكر أن تدخل الهانم اللي عاوزة تتظاهر في اليوم الأغبر وبالمرة الأستاذ. وأشار عليّ .
ـ منك لله ياهويدا.ما كنا خدناها من قصيرها ولفينا من أي شارع جانبي وخلا ص.
قلتها في نفسي وأنا أتحرك بين الصفوف المتراصة خلف بعضها لأخرج حيث يقف سعادة الباشا الضابط . كان الشارع خاليا تماما إلا من جنود الحشر، جنود الأمن المركزي . بجوار سور المبني الذي لا أعرفه وهو الملاصق لباب الخروج من الباب المفتوح للمترو والذي يؤدي إلى شارع الجلاء أمام صيدلية الأسعاف . كان يجلس مجموعة من رجال الشرطة برتب مختلفة يشربون القهوة.أخذنا الضابط لهم .أتذكر ملامح السعادة المرسومة علي وجه كبيرهم وهو يسألني عن سبب الوقفة الاحتجاجية المزمع عقدها . بعد أن استمع لي ولزوجتي طلب من أحد الضباط الإتيان بكرسيين حتي يتحدث معنا ، ويفهم وجهة نظرنا باعتبارنا ممثلي من نظموا الوقفة الآن . تبادلنا النظرات الحذرة أنا وزوجتي،ولم يكن هناك حلا لذلك البشوش غير الجلوس بجواره علي الكرسيين.
ـ تشربو إيه ياكتاب؟ .
ـ شكر سعادتك احنا مستعجلين لأن الوقفة هتبدأ الساعة 2 بالضبط.
ـ لسه بدري وبعدين مش ممكن اقنعكم فترجعوا بيتكم بالسلامة؟
ثم ابتسم كثيرا ، وهو ينظر الي المساعدين الذين يرسمون علي وجههم نظرة الشاكرين لحظهم السعيد لاستماعهم لكبيرهم ، وهو يتكلم وأضاف .
ـ وليكم علي لو اقنعتوني أنا والباشوات هنخش معاكم الوقفة ومش بعيد نهتف زيكم. ما إن قالها حتي ضحكوا جميعا علي النكتة التي أطلقها كبيرهم وراحوا يثنون على عبقرية التعامل مع المثقفين. وقفت هويدا مرة ثانية وهي أكثر عصبية وتصميما .
ـ اهدي ياهانم واقعدي زي جوزك اللي باينة في وشه علامة الصلاة.
ـ يعني إيه سعادتك؟
قلتها وأنا أترك الكرسي ، وانضم إلى حماقة زوجتي.
ـ يابنتي هو انا غلط فيكي علشان تعلي صوتك علي واحد قد والدك.
مضى ما يزيد عن النصف ساعة وهو يتكلم عن أمن الوطن وحب الرئيس للشعب وأشياء كثيرة . أخيرا سألنا بصريح العبارة عن مدى اقتناعنا .قلت له : إننا سوف ندخل الوقفة لأننا مقتنعين بموقفنا .حين ذاك ظهر الوجه الآخر من ضابط أظنه أقل من الباشا البشوش رتبة قائلا.
ـ واضح إنكم مش عاوزين تروحوا علي البيت. شايفين العربية اللي هناك ديه ؟
،وأشار إلى عربات كانت تظهر أمام نقابة المحامين ، ثم أضاف
ـ هي كل شوية بتاخد واحد ولا اتنين مستبيعين زيكو كده.والله اعلم بتدوديهم على فين؟
كانت سلالم مبنى القضاء العالي عليها بعض الأفراد الذين يبدو أنهم صمموا، ويهتفون من خلف جحافل الأمن المركز محاولين إيصال صوتهم .
ـ بس فيه ناس واقفة هناك أهي وبتهتف برضو.
قلتها وأنا أشير عليهم. ضحك واحد منهم ، وقال:
ـ دول بيتين هنا من امبارح. يعني حضرتك تاخد المدام وتيجي بكرة الصبح بدري وتقدرا تقوم بالوقفة.
أضاف ضابط آخر ساخرا :
ـ أو تمسك الحكم سعادتك.
فضحكوا جميعا بصوت عالٍ .عند ذلك لم يعد هناك مفر من الثبات علي موقفي.
ـ يظهر مفيش فايدة معاهم ياباشا ناخدهم علي العربية .
عرض تقدم به واحد منهم .
ـ اتفضل ودينا وار الشمس كمان لو عاوز .
قالتها المتهورة زوجتي . تحركنا مع أصغر رتبة إلى حيث العربة وقبل أن يُفتح الباب ، وأدعو بصوت عالٍ علي تهور من شاركتها الحياة ، وجدته يقول:
ـ بص ياأستاذ أحسن حاجة لو مصمم علي دخول الوقفة خش من جنب النقابة ولف وادخل انا هعملك ايه طالما مصمم .
بلعت ريقي ، وأخذت زوجتي ودخلنا الي شارع النقابة وأنا ادعو للضابط علي حسن خلقه وعدم بهدلتنا .بعد ذلك بنصف ساعة علمت ان ما حدث معي هي حركة تخويف وأن من دخلوا إلى لمظاهرة فعل فيهم مثلنا، فسحبت الدعوة التي دعوتها على زوجتي المتهورة . ما إن دخلنا من صفوف الأمن من خلف دار القضاء العالي حتي ابتدأ الفصل الثاني من مهزلة يوم الأحد مع الأمن. لنصف ساعة أو يزيد كانت حركات التحرش من أمناء الشرطة بي وبزوجتي ونحن نلف حول دار القضاء . فاض الكيل بزوجتي أمام الضابط الذي كان يجلس علي كرسي ويضع قدمه علي العمود في فتحة جراج العاملين بالقضاء العالي . كان يسد الطريق بقدمه وهو يشعل سيجارة. وكان نفس السؤال.علي فين يابهوات. لم يخرج حرف من فمي حتي وجدت زوجتي تدخل بجسدها في قدم الضابط المرفوعة، فتسقطه علي الأرض.
جالك الموت ياتارك الصلاة .هكذا أحسست ، وأنا أرفع الضابط من الارض وزوجتي تمد الخطا لتجتاز الطريق وتدخل من بين الجنود إلى الوقفة الاحتجاجية . مسح الضابط ملابسه ، وأنزل النظارة الريبان ثم سآلني : مين ديه ؟ كدت ان اقول له اسمها لكني قلت .
ـ زوجتي .
لا أعرف حتي الآن كيف تركني أمضي ؛ لأدخل المظاهرة . كان عدد المحتجين يزداد .لساعة ونصف ظللنا نردد كفاية حرام .لا للتوريث لا للتمديد. في تمام الثالثة انتهت المظاهرة بالنشيد الوطني وحين ذاك أمسكت بنفسي للمرة الأولي في حياتي أبكي ، وأنا أردد نشيد بلادي بلادي مع حوالي ثلاثمائة صوت من فخر البلاد ومحبيها .
حانت لحظة الرحيل.أمسكت بيد زوجتي ؛ لنخرج معا لكنهم رفضوا أن يخرج اثنين مع بعض. كانوا قد صنعوا صفوفا للعساكر يمر بينهم المحتجون واحدا واحدا . كانت العساكر تطوقنا بعدة صفوف متراصة ، وتصنع فتحة صغيرة بين الصفوف يمر منها المتظاهرون فرادى . ظللت أخترق صفوف الجنود دون أن أعي كم صفا اخترقت ، حتى وجدتني قد وصلت لشارع صغير ينتهي بشارع رئيسي هو شارع التوفيقية .في تلك اللحظة ظننت ان الله قد امسك بيدي ووضعني في ذلك الشارع الصغير الذي اراه للمرة الأولى في حياتي.كيف اجتزت السور الحديدي ولم أتبينه .كيف دخلت الي ذلك المكان ؟ ظلت تلك الاسئلة حبيسة الصدر طوال تلك السنوات دون أن أعرف كيف أخرج من المساحة الفسيحة أمام سلالم دار القضاء العالي ،لأخرج من ذلك الشارع دون أن انط مثلا علي السور الحديد الأول أو الثاني.
وأذكر أنني ظللت نصف ساعة أدور حول الشوارع المحيطة بمحطة المترو حتى عثرت على زوجتي تائهة تبحث عني أيضا .
3
في تمام الواحدة ظهرا من يوم الثلاثاء الموافق الخامس والعشرين من شهر يناير لعام 2011 خرجنا نحن الأربعة من نفس الباب المطل علي ميدان الأسعاف .سيد الوكيل وحمدي سليمان وأنا وهويدا صالح التي ما زالت زوجتي ، ومعنا طفل في العاشرة من العمر هو أحمد حمدي سليمان. كنا قد تعودنا خلال السنوات الماضية علي كل العقبات التي يستخدمها الأمن معنا.ومنذ أن أوقعت زوجتي الضابط وصار بالنسبة لي كل شئ مباح طالما كنت ممسكا بيدها. قبل الخامس والعشرين بأيام ، وزوجتي لا تفعل شيئا سوى الدعاية لمظاهرات الخامس والعشرين . لم أكن متفائلا . لن تسمح لنا الداخلية المصرية أن نسرق منها عيدها الذي يكلل فيه الرئيس قيادات الشرطة ، وتلقى فيه الخطب العصماء عن دور الشرطة في خدمة الوطن .
كنت قد صليت الفجر حاضرا، ودعوت الله أن لا يكون ذلك اليوم كالمظاهرات السابقة. ما إن دخلنا إلى نقابة الصحفيين حتي زاد حماسي بما رأيت من جموع تتزايد أمام نقابة الصحفيين ونقابة المحامين . كانت الجموع تأتي وكأن حنفية بشر قد انفجرت في محيط ميدان الأسعاف ومثلث الرعب كما أطلقنا عليه في الأعوام لماضية. حين خرج صوت أبي العز الحريري للذهاب إلى ميدان التحرير. لم يسكته أحد سرنا جميعا باتجاه ميدان التحرير . كنا نزحف هاتفين ولا نصدق أنفسنا ، والجموع تتزايد . حين وصلنا ميدان عبد المنعم رياض كان قد امتلأ عن آخره ..كانت صفوف عساكر الأمن تتكسر أمام زحفنا .لساعة او يزيد ظللنا نتحرك رويدا رويدا حتي أصبحنا في ميدان عبد المنعم رياض. أُذن لصلاة العصر، فوجدتني للمرة الأولي أصلي في الشارع أمام المتحف المصري. ما إن انتهت الصلاة، حتي استطاع بعض المتدفقين من فوق كوبري أكتوبر من الالتحام بنا لحظة ذاك كان النداء: إلى التحرير. في لحظات قليلة سقطت الصفوف التي كانت تمتد من أمام فتحة شارع قصر النيل حتي بداية سور المتحف من عند عبد المنعم رياض. في لحظات وجدتنا في بداية شارع التحرير.استعان الأمن بعربات المطافي ودخل سريعا على الأفواج الظمآنة للحرية. فما كان من شاب إلا أن قفز عاليا علي إحدى العربات وحاول أن يكسر خرطوم المياه، فقفز إليه ضابط مفتول العضلات شلولح ، وحاول أن يضربه. فسقطا الاثنان معا . الشاب من المتظاهر والضابط . تعالى هتاف المتظاهرين ، ومالوا على الضابط ضربا ، ففر هاربا بعد أن حماه بعض الشباب من المتظاهرين . كانت هويدا تصرخ وهي ممسكة بالكاميرا تلتقط الصور . هتفت لقد صورت عربة المطافئ والشاب يسقط عنه ، والضابط يضربه . رفع أحدهم ، الشاب الساقط من فوق عربة المطافئ فوق كتفه ، واتجه به إلى الرصيف ليسعفه ، وبعد لحظات وجدنا الشاب يواصل الهتاف . وجحافل الأمن تنسحب بهرولة من أمامنا حتي نهاية سور الجامعة الامريكية. لم يمض وقت طويل حتي جاءت أعداد كبيرة من المتظاهرين من ناحية كوبري قصر النيل . لكن صفوف الأمن تمنعهم عنا . نظر إلى حمدي سليمان وقال : لنذهب لنأتي بهم .
وأسرعنا أنا وهو تاركين هويدا تواصل التقاط الصور وتهتف مع الشباب . سار على إثر ندائنا عشرات من الشباب . اتجهنا جميعا نحو كوبري قصر النيل لنفسح المجال للدخول الثوار . حين وصلنا إليهم كانوا يضغطون على صفوف العشاكر حتى يدخلوا إلينا . بدأنا الضغط على العساكر من الخلف ، فأتى ضغطنا ثماره ، بدون مقدمات أفسح العساكر المجال لدخول القادمين من هناك . وعلا هتاف المتظاهرين هناك حين قدمنا مع القادمين من ناحية كوبري قصر النيل وكانوا بالآلاف . تدفقت الجموع بكثرة ، الجموع القادمة من دوران شبرا والمهندسين . صرنا أقوياء ، و فاتحين. وللمرة الأولى يحتل الشعب ميدان التحرير؛ لنرقص ونغني أغاني العبور بعد أن امتلكنا الميدان . كأننا امتلكنا العالم وما فيه. كانت اللحظات الأجمل . لحظات الحرية حتي تاريخه. حين دقت الساعة الثانية عشرة ، و حين آمنا بأن الميدان لنا والجدع جدع والجبان جبان ظهرت قوات حبيب الظلم علي حقيقتها. أمطرونا بوابل من القنابل وخراطيم المياه . قرروا أن يخلوا الميدان خوفا من أن يأتي الصباح وتتعطل الحياة في وسط القاهرة . لم ناخذ في أيديهم أكثر من نصف ساعة وكان الميدان ملك لهم ونحن نتحسر علي أحلامنا .
4
بعد ظهر الجمعة 28 يناير ، كان خروجنا من محطة مترو أحمد عرابي لحظة خانقة . كانت الغازات تملأ فضاء المحطة من أسفل . وضعنا على وجوهنا الكمامات المشبعة بالخل منذ المساء وخرجنا . كانت حقيبة هويدا مليئة بالكمامات والمناديل الورقية . حين صعدنا للشارع كان الشباب يجرون نحو ميدان رمسيس في عملية كر وفر يضربون على قوات الشرطة وهي تطاردهم بالقنابل والحجارة وفي مقدمة القوات رجال مدنيون يمسكون بالعصي والسيوف ، فهمنا أنهم بلطجية ربما أو شرطة سرية ، ظللنا نهتف ونضغط على القوات في رمسيس ، ففوجئنا بمجئ قوات من ناحية نقابة المحامين . صرنا محصورين بين القوات . وصار كل هدف القوات في الجانبين ألا نتواصل ، أو ننضم على بعضنا البعض . كانت المجموعات في شارع رمسيس وشارع الجلاء تكر وتفر . إلى أن تمكنا جميعا أن ننظم صفوفنا في ،
وعلي البعد وأمام مستشفا الهلال حرب بين العربات التي ترمي بالطلقات والقنابل الغازية. لم يمض ثواني حتي تحركت إحدى العربات في اتجاهنا ورمتنا بالقنابل. أمسك حمدي سليمان بقنبلة بقميصه ورماها باتجاه العساكر . سقطت بجانب قدمي قنبلة ، وقبل أن ارميها باتجاه العساكر تسرب الغاز وملأ أنفي وعيوني ، وقفت ألتقط أنفاسي والغاز يخنقني ، كدت أسقط ، ولكن رجلا أقامني ، ووضع قطنا مبلالا بالخل أمام أنفي . حين أفقت قليلا وجدته سيد الوكيل . تساندت عليه وقمت . كانت هويدا تجري بين الناس توزع المناديل والكمامات على الناس ، وفي لحظة خرج ناس وبشر من الشوارع واتجهوا لشارع الجلاء . تراجع الأمن أمام كثرة الصفوف الزاحفة ، وحين اقتربنا من مبنى الأهرام ألقى شاب بحجر ناحية المبني الزجاجي . صرخت فيه : سلمية سلمية ، هذا مالنا ، لا تحطمه ، إنه مال الشعب المصري . استجاب الشاب وواصلنا الزحف على الميدان .
فوجئنا بقوة كبيرة تفرقنا . فجرينا نحو شارع الجلاء مرة أخرى . السيارات المصفحة تطلق علينا النيران من فوق السنترال، فدخلت مسرعا إلى العمارة التي تواجه معهد الموسيقي.كنا حوالي خمسة عشر متظاهرا داخل العمارة والعاملين قد أغلقوا المحلات المتراصة داخل مدخل العمارة . كنا نقف على السلم الذي يتوسط المحلات. أتى شاب مسرعا من الخارج . سألته عن الأخبار ، فلم يرد ، عرفت من حركات يديه مع زميله الواقف بجانبي أنه أخرس . في لحظة واحدة نزل السلالم وأطل بوجه .يالله.كيف تركته هناك وحيدا.ألا يكفيك أنك خلقته أخرس ؟.
فقط أطل برأسه، ثم خرج ، ولم يعد . انتظرنا عودته ، فلم يعد . لكننا لمحناه يعود مسرعا باتجاهنا ، ثم يا الله ، فجأة يسقط . على إثر ضربة عاجلته من الاتجاه المقابل . أسرعنا إليه ولم يهمنا البلطجية المتربصين بنا . هويدا تصرخ وتقول مات ، وأنا ومعي بضع شباب اختطفناه من أمام العمارة ودخلنا . كان قد فارق الحياة . الشاب الآخر الذي كان يتفاهم معه منذ قليل بحركات اليدين لحق به رجلان يرتديان ملابس مدني ، وبأيديهم العصي . ظلوا يضربونه بأقدامهم . أردت أن أعود إليه لأخلصه من بين أيديهم ، لكن الشباب الذين انكفئوا على الأرض حزنا على الشاب الذي لم نعرف حتى اسمه منعوني وأغلقوا باب العمارة . انسحبنا عائدين ونحن نحس بالقهر.لا أعرف لماذا قررت الطلوع إلى سطح العمارة. وجدت بابا حديديا مغلقا. وجدت حجرة عليها باب خشبي مكسور، فدخلتها لأجد ماكينة طباعه كبيرة وقديمة تتوسط الحجرة وفي حائط شباك يدخل السطح.إذا دخلت برأسي فأين امسك.أخير وقفت على الماكينة ، وقررت أن أجرب طريقة الرائع محمد ناجي في رواية لحن الصباح للبطل الذي كان كسيحا . أخرجت قدميّ ، وصرت في الهواء.ماذا أصنع يارب.يمكن لي أن أكسر ظهري.كما لا يمكنني الرجوع الآن.يارب الأرباب امنحني حلا .وكأن يدا أمسكت بي ، وأنزلتني من وضعي الغريب .أخيرا يارب.شكرا لك يارب لأنك إلها لا تسر بالشر.لا يسكنك الشرير. هناك مساحات شاسعة من الرؤية لم تكن أبدا تخطر علي بالي.من موقعي رأيت شارع رمسيس وشارع 26يوليو وبعض الشوارع العرضية حتي العتبة.علي السطوح المجاور كان هناك أكثر من خمسة من الضباط يمسكون بنظارات وكاميرات وبنادق . أحسست إني صيد سهل لن يتم العثور عليه الا حين تظهر الريحة.قررت عدم الثبات في مكان فرحت أجري بين الأركان الأربعة منتبها بعض الشئ علهم لا يروني وفي لحظات كانت الجموع الهادرة تخترق شارع رمسيس والجنود تجري أمامهم ، ثم تخرج من ناحية شارع الصحافة مجاميع من البشر تنضم للأخرى المتجمعة في شوارع رمسيس والجلاء . وتجري الجنود وتتجمع عربات الأمن المركزي امام كوبر اكتوبر وبالتحديد عند معروف وتبدأ في التحرك سريعا ، و يصيبها الارتباك . العربات تدخل في بعضها البعض ، والجنود تجري ، والضباط يتركون أماكنهم أعلى العمارة المجاورة . لم أفهم ماذا يحدث . فقط وجدتني أقفز واسرع على السلم . أخرج من باب العمارة وسط دهشة الشباب المختبئين بالداخل . هويدا انتبهت لسرعتي ، فصرخت خلي بالك يصطادوك برة . لم أنزر ناحيتها . فقط صرخت الشرطة هربت . الميدان . الميدان . أسرع الجميع خلفي . وصرنا نجري نحو التجمعات نصرخ . الشرطة هربت . ميدان التحرير . ميدان التحرير . الميدان بقى بتاعنا .

5
هل لي أن أستعين بنص لابنتي الجميلة سعاد.ولما لا وهي أجمل من في الثورة. ولم لا وهي كتبت أول نصوصها في ظل الثورة . وسارعت أمها بنشر نصوصها وأطلقت عليها أصغر كاتبة للثورة ، تقول سعاد سعيد نوح :
في الجزء الثالث من رواية هاري بوتر، يقف هاري ليقول لصديقه رونالد ويزلي وصديقته هيرمونى جيرينجير : ” هناك شئ في الروح عند كل إنسان ينشد إلى الحرية . كانت الكلمة بالنسبة لي غير مفهومة بعض الشئ ،ولذلك حفظتها ،وسالت أبي ذات مساء ،ونحن نجلس أمام العاشرة مساء عن معنى الكلمة . وكأنه كان ينتظر الكلمة، ورح يشرح ،ويفيض ، وكان حتي ساعة خلت عائدا للتو من مظاهرة في ميدان التحرير . أغلقت التليفزيون حتي أستطيع فهم معنى جملة هاري بوتر من سيل كلمات بابا.
ـ يعني عاوزني أحب ياسي بابا علشان أفهم كويس؟
كان السؤال يخرج من فمي بهدوء . في الحقيقة يجب أن أعترف أني لست خجلة مع أبي . تعددت الأمثلة التي ضربها أبي حتى أفهم ، وأنا أتحسس المعرفة حتي دقت الساعة السابعة من مساء يوم جمعة الشهداء كما سميت ، وأعلن السيد النائب قرار الرحيل . لحظة ذاك عرفت أن في روحي جزءا كبيرا كان ينتظر الحرية .
رغم أنني مازلت صبية إلا أنني شعرت أنني حصلت على حريتي كما حصلت مصر كلها على الحرية . والله سعدني زماني وهدخل الجامعة من غير ما أشوف حراس علي بابها. والله وسعدني زماني وهدخل علي بابا بعد كتابة الكلام ده وأقول له بالفم المليان : يلا يا بابا على الميدان . إحنا كنا جدعان ومن حقنا نحتفل في الميدان . كان أبي وأمي قد رجعا للبيت منذ نصف ساعة . قالت أمي لنأكل لقمة قبل ما ننزل ، ولكن يجلس هادئا والدموع تملأ عيونه . قلت مش مهم : نشتري أي حاجة وإحنا في الطريق
حين سمعت كلمة نائب الرئيس كأنني مسكت من داخلي . شئ كنت أبحث عنه . تصدقوا وتآمنوا بالله كأنني رأيت عمتي سعاد اللي ماتت واللي بيحكوا لي إني أشبهها .مسكتها ورقصت معها، وأنا أرقص مع أمي .وقلت لها في وجهها المنور :
ـ عارفة ياعمتي أنا بعد شوية هحلف أخوكي بيكي علشان يرضى يوديني تاني للميدان .وفي لحظة رجعت أرقص مع أمي تاني.كنت أريد أن أقول لبابا علي رؤيتي لعمتي في لحظة . عمتي كانت واقفة تبص لي في فرح، لكنه كان جالسا هادئا و رزينا .فنسيت حكايتي ورحت أتعجب من جلوس أبي هكذا .وكأن ما كان يعمل علي تحقيقه طوال السنوات التي عرفت فيها معنى الحياة لم يفاجؤه . رحت أرقص مع أمي مرة ثانية سريعا ثم سحبت يدي من يدها ودخلت سريعا إلي حجرتي وجلست على اللاب توب أكتب تفاصيل لقائي مع عمتي وأسترجعه معكم،

سعيد نوح
مارس :عين حلوان



#سعيد_نوح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعيد نوح رئيس لمصر .. كتب عليك يا ابن نوح أنك مخلوع مخلوع
- علاقة اللغة والمجاز ورؤية الإنسان للكون في كتاب المجاز واللغ ...
- الفصل الأول من رواية ملاك الفرصة الأخيرة
- الفصل الثاني من رواية ثلاثية الشماس
- قصة قصيرة:الشيخ قاسم
- قصة :عريف أول
- قصة :في انتظار اللقاء الثاني
- قصة: ثلاثية الشماس
- قصة : كما يجب عليك قبل أن تحتل المقعد الأخير
- مقال
- قصة حذاء عمي اللميع
- جزء من رواية :الكاتب والمهرج والملاك الذي هناك
- جزء من رواية كلما رأيت بنتاً حلوة أقول يا سعاد


المزيد.....




- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد نوح - خدني المظاهرة يا حبيبي معاك / شهادة أدبية