أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - شهادات حيّة عن الحياة فى ظلّ صين ماو الإشتراكية (الفصل الثاني من كتاب : الثورة الماوية فى الصين : حقائق و مكاسب و دروس-)















المزيد.....



شهادات حيّة عن الحياة فى ظلّ صين ماو الإشتراكية (الفصل الثاني من كتاب : الثورة الماوية فى الصين : حقائق و مكاسب و دروس-)


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3317 - 2011 / 3 / 26 - 00:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


شهادات حيّة عن الحياة فى ظلّ صين ماو الإشتراكية (الفصل الثاني من كتاب : الثورة الماوية فى الصين : حقائق و مكاسب و دروس-)
===========================================================================
فهرس كتاب " الثورة الماوية فى الصين : حقائق و مكاسب و دروس "
1- مقدمة
2- الفصل الأول : الثورة الماوية فى الصين :
1- حقيقية ماوتسى تونغ و الثورة الشيوعية فى الصين.
2 - مقتطفات من وثيقة صيغت فى الذكرى الخمسين للثورة الصينية .
3 - حقيقة الثورة الثقافية .
4 - حقيقة الحرس الأحمر.
5 - حقيقة التيبت : من الدالاي لاما إلى الثورة.
6- خرافات حول الماوية .
3 - الفصل الثاني : شهادات حية :
1- " كنا نحلم بأن يكون العالم أفضل مما هو عليه اليوم ".
2 - نشأة فى الصين الثورية.
3 - " الثورة الثقافية المجهولة - الحياة و التغيير فى قرية صينية."
4- الفصل الثالث : من الصين الإشتراكية إلى الصين الرأسمالية :
1- من صين ماو الإشتراكية إلى صين دنك الرأسمالية: برنامج دنك الذى طبّق إثر إنقلاب 1976 يميط اللثام حتى أكثر عن الخطّ التحريفي الذى ناضل ضدّه الشيوعيون الماويون.
2- كابوس سوق دنك الحرة.
3- الوجه الحقيقي لل"معجزة الصينية ".
4- إنهاء عمل "الأطباء ذوى الأقدام الحافية " و الأزمة الصحية فى الريف الصين .
5- نهاية دنك سياو بينغ عدو الشعب.
5- الفصل الرابع : من تحرير المرأة إلى إستعبادها :
1- كسر سلاسل التقاليد جميعها .
2- كيف حررت العناية الجماعية بالأطفال النساء فى الصين الماوية.
3- النساء فى الصين : السوق الحرة الرأسمالية القاتلة.
4- النساء فى الصين : عبودية السوق الحرة .
5- النساء فى الصين : منبوذات السوق الحرة .
6- الفصل الخامس : من مكاسب الثورة الماوية فى الصين :
1- المكاسب الإقتصادية و الإجتماعية فى ظل ماو.
2- المعجزات الإقتصادية للصين الماوية، حين كانت السلطة بيدي الشعب.
3- كيف قضت الثورة الماوية على الإدمان على المخدرات فى الصين.
4- كيف حررت العناية الجماعية بالأطفال النساء فى الصين الماوية.
5- كسر سلاسل التقاليد جميعها.
6- معطيات و أرقام من كتاب "25 سنة من الصين الجديدة ".
7- الفصل السادس : إلى الأمام على الطريق الذى خطّه ماو تسى تونغ
8 – خاتمة
=============================================================
-1- " كنا نحلم بأن يكون العالم أفضل مما هو عليه اليوم "
اللقاء الصحفى التالى أجراه "مشروع حقيقة ما حدث" مع وانغ زهانغ أستاذة دراسات المرأة فى جامعة ميشغان وهي مؤلفة كتاب " أضواء على النساء فى صين التنوير: قصص شفاهية و مكتوبة " و عديد البحوث منها "وضع الحركة النسائية ؟ الجندر و الإشتراكية فى الصين الماوية".و تتميّز أعمال وانغ زهانغ بأفق نسوي.
و فضلا عن ذلك هي ناشرة و مساهمة فى "البعض منّا: نساء صينيات نشأن فى عهد ماو"( صحافة جامعة جوتجارس ، 2001) وهو جملة من المذكرات صوّر فيها المساهمون التسعة العلاقات الأسرية و الحياة فى المعاهد و الأحياء و أماكن العمل و الثقافة الشعبية و التوجه إلى الريف خلال الثورة الثقافية ،و تأثير "سياسات العدالة الجندرية لعهد ماو "كما ورد فى مقدّمة الكتاب. و تتحدّى هذه المذكرات ما يسميه المؤلفون "الروايات الأساسية عن عهد ظلمات " الصين الإشتراكية و الثورة الثقافية على وجه الخصوص. و كما يصف ذلك غلاف الكتاب ، فإن هذه الكتابات تمزّق الأفكار المسبقة و القوالب الجاهزة عن الملاحقة و القمع و الضحايا و الجلادين فى الصين الماوية" .
-------------------------------------
مشروع حقيقة ما حصل: هناك العديد من المذكّرات التى كتبها أناس عاشوا فى الصين خلال السنوات الإشتراكية ، أو "عهد ماو" ( 1949-1976) لا سيما حول عقد الثورة الثقافية . ما الذى دفعكم لكتابة " البعض منّا..."؟
وانغ زهانغ: هذا الكتاب عبارة عن مذكّرات جماعية لمؤلفين تسعة ، جميعهم من جمهورية الصين الشعبية . كنّا جميعا طلبة محرزين على شهادات جامعية فى البلاد وقام غالبيتنا بمهام تعليمية هناك. و الدافع لتأليف الكتاب هو أن عديد المذكّرات المنشورة من قبل المهاجرين الصينيين و صينيين آخرين قد أذهلتنا. فتلك المذكّرات التى جرى تشجيعها أو التى حققت أكبر النجاحات فى السوق هي مذكّرات تصوّر الصين عهد ماو ك "عهد ظلمات"، فظيع ، لا شيئ فيه سوى ملاحقة و دكتاتورية و قتل ،و كلّ القصص الرهيبة هذه لا تعدو أن تكون صوتا إحادي الجانب.
و رغم أننى لا أستطيع أن أقول إنهم يكذبون ، فإن الكثير من المادة المروية خيالي ، مثل كتاب أنشي مين" أزالية الحمراء" الذى إستغل هنا على نحو واسع ، حتى فى الجامعات. فقد إدعت أنّ الكتاب سيرة ذاتية حينما كانت فى الولايات المتحدة الأمريكية لكن لمّا ذهبت إلى الصين ، ضمن كافة أصدقائها و أقربائها ، كافة الناس الذين يعرفونها والذين تحدثت عنهم سألوها عن كتابها فقالت إنه رواية خيالية. هذه نقطة.
و هذا الضرب من السيرة الذاتية يحقّق أكبر النجاحات فى السوق بحكم سياسات النشر فى هذه البلاد . ما هي الكتب التى يجرى تشجيعها فى هذه البلاد؟ تشاهدون ذات المخطّط هناك لا زالوا يتاجرون بذهنية الحرب الباردة فى الولايات المتحدة
و فى الغرب قائلين إنّ الرأسمالية أرض حرّية رائعة و إنّ البلدان الإشتراكية فظيعة والصين الشيوعية ، الصين الحمراء ، فظيعة تشبه جهنّم. و هكذا يروون لكم كلّ تلك الروايات المرعبة. و تتميّز تلك الكتب على الدوام بأوسع الإنتشار و تتلقى على الدوام الكثير من الإهتمام الإعلامي.
وجهة نظري هي أنّ ما يعتبر كوارث ملاحقة لم تحدث. أودّ فقط أن أقول إنّ وجهة نظرنا هي أنّ الصين بلد ممتدّ الأطراف ، بلد قارة و سكانها يعدّون مليار نسمة . الفئات الإجتماعية مختلفة و تجاربها متنوعة حتى فى ذات الحقبة التاريخية. كصينيين ، حين نقرأ هذه المذكّرات ، لا نشاطر الكثير من تجاربهم و مهما كانت تجاربهم ، حتى و إن كانت صحيحة فهي ليست تجاربنا.
لقد وجدت فى مجموعة من النساء الصينيات اللاتى تقاسمت ذات الشعور تجاه تلك المذكّرات . لذا أردنا القيام بشيئ ما . بوسعنا الإصداح بأصواتنا، على الأقلّ. إذا كانوا يروون قصصهم ... ماذا عن قصصنا و تجاربنا نحن التى لا تروى؟ فشرعرنا و شعرت أنا بصفة خاصة بوصفى مؤرخة، أنّ الأمر المهمّ ليس الطعن فى أي إنسان و إنما هو بالأحرى تقديم الصورة المعقّدة للتاريخ.
و كذلك إن نظرت لمن كتب كلّ " أدب الإدانة هذا" فإنهم عادة أناس من الطبقات النخبة. إنكم لا تستمعون إلى أصوات طبقات العمّال و الفلاحين من الطبقات الدنيا، فى قاع المجتمع. ما هي تجربة هؤلاء الناس فى ظلّ الصين الماوية ، أو الصين الشيوعية ؟
و الحزب الشيوعي كان معقّدا للغاية تتخلّله كتل مختلفة ذات رؤى مختلفة عن الصين ،و حتى رؤى مختلفة عن الإشتراكية. ووجهات النظرداخل الحزب الشيوعي كانت مختلفة. فى تلك السنوات ،وجد كافة الأنواع المتنوعة من الناس المساهمين فى أشياء و سياسات متنوعة مقترحة من أناس مختلفين داخل الحزب و كان لذلك شتى الإنعكاسات .
كان وضعا فى منتهى التعقيد . لكن فى هذه البلاد ، ما تسمعونه هوفقط صوت واحد ، صوت إدانة أي كيف أنّ أناسا من طبقات النخبة عانوا فى تلك السنوات. و إنه لتشويه فظيع للصورة الأوسع أن يظنّ أن هذه هي الحقيقة ، الحقيقة الوحيدة.
مشروع حقيقة ما حصل : لماذا لعب "أدب الإدانة" هذا مثل هذا دور؟
وانغ زهانغ : وجدت حركة جماهيرية لإنتاج روايات عن الضحايا فى أواخر سبعينات و بدايات ثمانينات القرن العشرين فى الصين، وهو خطّ جرى نقله لاحقا بصورة واسعة إلى الغرب مع أولئك الصينيين الذين وجدوا سوقا مربحا بصورة خاصة فى "أرض الحرّية" الرأسمالية ليدعوا وضع "الضحايا" الذين ظهروا فى عهد ما بعد ماو. " الإنكار الكلّي للثورة الثقافية " كان خطّة دنك سياو بينغ(1) لتعبيد الطريق لتفكيك الإشتراكية بينما يعزّز السلطة السياسية. كان طريقة لتبييض وجه أو حرف الإنتباه عن جرائمه هو و من معه.
إثر نداء دنك سياو بينغ لإنكار كلّي للثورة الثقافية ، صار التحوّل إلى ضحيّة للثورة الثقافية مكانة رمزية هامة فى الصين. و قفز المثقفون الصينيون لركوب هذه العربة و إنتاج روايات ضحايا. و لقي هذا التشجيع من دنك سياو بينغ إذ كان الأمر يساعده على تعبيد الطريق الإيديولوجي للمرور إلى الليبرالية الجديدة و الداروينية الإجتماعية لتترافق مع ظهور السوق الإقتصادي الرأسمالي. و فى هذه السيرورة ، إستعادوا سلطتهم و إمتيازاتهم التى تقلصت فى عهد ماو ، لا سيما أثناء الثورة الثقافية. و الذين يبتعدون عن رسم المهندس الجديد، دنك سياو بينغ، منعوا من الإمتيازات التى تتمتّع بها النخبة الجديدة هذا إذا لم يتعرضوا للعقاب بالسجن.
مشروع حقيقة ما حصل: إحدى الروايات فى مذكراتك موضوعها هو أنك عندما أتيت للوهلة الأولى إلى الولايات المتحدة ، سمعت إمرأة تصف إبنتها بأنها قائدة مشجعات و كيف كان ردّ فعلك على ذلك؟
وانغ زهانغ: حسنا ، كان ذلك إثر شروع دنك سياو بينغ فى إدانة ماو و الثورة الثقافية. فى روايتى ، تحدثت عن ذلك . كان الأمر متداخلا إذ أنّ كلّ إنسان كان يتحدّث عن كيف أنهم كانوا ضحايا الثورة الثقافية و الحزب الشيوعي الصيني لكنّى لم أستطع أن أجد أي أمثلة فى حياتي لأحدّد نفسى كضحية أو جلاّد. لقد كانت فترة نوعا ما متداخلة. لم أعرف حتى كيف أدرك الوضع لأنّ فى الصين وقتها ، كان عديد المثقّفين يتحدّثون عن ذلك و ينتجون هذه الأنواع من "روايات الضحايا" .
ثمّ إن تجربتى فى الولايات المتحدة جعلتنى أرى بأكثر وضوح دلالة الثورة الصينية ،والتغييرات التى أحدثتها الثورة ذلك أنه صار لديّ أفق مقارنة سمح لى بمقارنة عقلية النساء هنا مع عقلية النساء عهد ماو، فى الحقبة الإشتراكية.
مثال من حياتى هنا ، لمّا كنت مع عائلة أمريكية ، حين جاءت صديقتى من الصين و تحدثت مع إبنتها. سألتها " ما العمل الذى تقوم به إبنتك؟" فأجابت بفخر و حماس كبيرين " آه ، هي قائدة مشجعات" بصوت حيوي. لم أكن أعرف معنى تلك المفردة و فكّرت فى أي نوع من القائدات هي؟ كنت مهتمة جدّا و عندما شرحت لى المفردة ، لم أصدم فحسب بل إنقبض قلبي. فكّرت : شيئ عجيب ، تشعرين بهذا القدر من الفخر لهذا النوع من السخافة؟ قلت فى نفسى إنّ هذه المراة لم تتصوّر أبدا إبنتها قائدة تشجّع الرجال.
لذا كانت أشياء صغيرة هي التى أدّت إلى الشعور بتضارب حاد بين تجربتى كإمرأة شابة نشأت فى الصين الحمراء ، الصين الإشتراكية ، و تجربة نساء عموما بصورة واسعة نشأن فى هذا المجتمع ، و ذهنيتهن ووجهات نظرهن حول ما يمكنهم فعله و نظرتهن لحياتهن – ثمّة إختلاف شديد.
مشروع حقيقة ما حصل: إنه موضوع قويّ يبرز فى عديد المذكرات فى الكتاب.
وانغ زهانغ : المسألة الجندرية محور كتاباتي حاليا. و أودّ أن أقول إنّ الحزب الشيوعي ،منذ تأسيسه، كانت له أجندا نسوية و جلب إلى صفوفه ناشطات نسويات ، حتى و إن لم تكن المساواة بين المرأة و الرجل ، فى تاريخ الحزب المديد ، فى الحرب، و فى نضالات حيوية أخرى، فى أولويات أجندا الحزب. لقد بيّن بحثي أن كافة السياسات المرتبطة بالنساء و بالمساواة الجندرية شجعت عليها ناشطات نسويات داخل الحزب الذى لم يكن أبدا جسما ذا وحدة صمّاء بل كان على الدوام يضمّ أناسا ذوى رؤى سياسية و مصالحا متباينة. و كلّ سياسة هي نتيجة مفاوضات و صراعات بين مختلف المصالح. بمعنى أنّ الناشطات النسويات الشيوعيات نجحن نجاحا جيدا فى الحثّ على سياسات تصبّ فى خانة المساواة الجندرية.
- مشروع حقيقة ما حصل: - ما هي بعض هذه السياسات؟
- وانغ زهانغ : - قوانين الزواج. لأن كافة هذه النساء عملن بجهد جهيد منذ اليوم الأول ، منذ 1949، على التشجيع على المساواة الجندرية ، باتت المساواة بين المرأة و الرجل الإيديولوجيا المهيمنة. ليس الآن ، و إنما فى تلك السنوات ، باتت مهيمنة عبر كافة أنواع الإنتاج الثقافي و الأدبي و السينمائي و فى الملصقات و فى كلّ مكان. فى كلّ مكان ، كسرت النساء القيود الجندرية فى كافة المجالات : سياقة الطائرات ، المليشيا ، سياقة القطارات ، و كلّ ضروب الأشياء المماثلة. كلّ ما كان ينظر إليه قبلا على أنه عمل و حرفة رجال ...جرى تشجيع النساء على كسر القيود و الإلتحاق بهذه المجالات التى كان يهيمن عليها الذكور.
جيلى من النساء اللاتى ولدن فى هذا النوع من الجوّ الثقافي و الثقافة السياسية و هكذا إعتبرنا المساواة الجندرية من تحصيل الحاصل. و طبعا ، ينسحب هذا على الفرص المتساوية فى التعليم و فى الشغل و الأجر المتساوي. هذه هي تجربتنا ، لا سيما خلال الثورة الثقافية. لقد تبنّى النظام الإشتراكي فكر المساواة الذى عمل لصالح النساء و كذلك سعى النظام الإقتصادي الإشتراكي إلى المساواة فى حصصهن من الموارد. و قد إستفادت النساء من هذا أيضا. وكانت عطلة الأمومة مضمونة إن كانت المرأة تعمل فى مؤسسات الدولة و لم يوجد فى الشغل و فى التعليم أي ميز جندري.
لكن عليّ أن أقول إنّ عديد هذه المكاسب كانت منحصرة غالبيتها فى نساء المدن. ففى المناطق الريفية وجدت سياسات إقتصادية مغايرة. و حتى أثناء فترة الكمونات فى المناطق الريفية ، كان من العسير جدّا بالنسبة للنساء كسب أجر متساوي لعمل متساوي لأنه فى المجتمع الريفي كانت مقاومة المساواة الجندرية جدّ قوية ، حتى و إن كانت النساء تقمن بنفس العمل فإنها كانت تحصلن على أجر أقلّ ، على خلاف ما يقع فى المدن.
إنه لأكثر صعوبة أن تشجّع المساواة فى الصين اليوم لأن الفروقات كافة حاليا الجندرية منها و الطبقية و الجهوية جميعها إلى إتّساع. بالطبع فى السابق و بصفة خاصة خلال الثورة الثقافية حين كان ماو يريد تقليص البون بين المدينة و الريف و بين العمال و الفلاحين ، تبنّى الحزب بعض السياسات ، مثل سياسة الأطباء ذوى الأقدام الحافية(2) و إرسال المعلمين و الأساتذة فى الريف ليحثّوا على التعليم و يبذلوا الجهد لتعليم الأجيال فى تلك السنوات.
- مشروع حقيقة ما حصل: - عادة ما نسمع أن المعاهد أغلقت خلال الثورة الثقافية و أن الكتب أحرقت و لحق الأذى بتعليم الجميع.
- وانغ زهانغ - نعم ، هذه أسطورة من الأساطير. أثناء الثورة الثقافية ، و فى السنتين الأولتين أغلقت المعاهد لكن هذا لم يكن يعنى أننا لم نكن نستطيع الدراسة . فى الواقع ، قرأنا الكثير لأنه جرى توزيع كتب المكتبات و كان الحرس الأحمر يأخذون الكتب من المكتبات و يوزّعونها.
كنّا نقرأ الكثير من الكتب. و بالفعل ، كان للعديد من الشباب إستعدادات كبيرة و توفّر لهم الوقت حيث لم يكن عليهم الإلتحاق بالمعاهد و هكذا طوّروا ملكاتهم. و الذين كانوا يرغبون فى تعلّم العزف على البيانو أو المهتمين بالرياضيات و الفيزياء قاموا بذلك ببساطة. لذا العديد من الناس لم يذهبوا إلى المعاهد لكنهم إنغمسوا فى تطوير ملكاتهم. و فعلا عديد الناس فعلوا ذلك. تسمعون فقط عن العنف الفظيع الذى تسبب فيه الحرس الأحمر و أن كلّ فرد من ذلك الجيل من الشباب كان من الحرس الأحمر .كلاّ! بالعودة إلى المعلومات الحسابية ، كان الحرس الأحمر مجموعة صغيرة من ذلك الجيل. أنا لم ألتحق أبدا بالحرس الأحمر. و العديد منّا لم يفعلوا. كنّا ندعى ب" إكسياو ياو باي". لم نكن نحبّ العنف و لا الصراعات ، فقط إنسحبنا و لم نشارك فى العنف و لم نقم بأي شيئ من تلك الأشياء. فقط كنا نعود إلى منازلنا لنقوم بكلّ ما نودّ القيام به.
إنّ نقدي لشريط "شمس الصباح" لكرمليتا هنتون، الذى أبلغته إياها، هو أنّ الجزء الأوّل من الفلم أعجبنى لكننى لم أستسغ الجزء الثاني لأنه ركّز على عنف الحرس الأحمر. فقبل كلّ شيئ ، لم يشارك كافة الحرس الأحمر فى العنف و ثانيا كان الحرس الأحمر نسبة مائوية صغيرة من جيلنا. لماذا لا تُروى قصص حياة الغالبية أبدا؟ وُجد الإكسياو ياو باي الذين إنسحبوا ليطوروا ملكاتهم فى تلك السنوات. و كانت إجابتها [ إجابة كرمليتا هنتون] أنه فلم وثائقي ،و نريد مقاطع مصوّرة و لم نحصل علي مقاطع تخص الإكسياو ياوباي. إذا كنت تقوم بشئ هام فإن الناس سيلتقطون لك صورا أما إذا كنت قابعا بالمنزل تطالع فإن ذلك غير مسلّي فلا أحد يودّ أن يلتقط لك صورة و أنت تقرأ. كانت تلك الصور تقدّم الحرس الأحمر وهم يكسرون شيئا أو يضربون شخصا . نعم ، قام العديد من الحرس الأحمر بذلك ، لكن أخشى أنّ الأمر لم يكن من أفعال الأغلبية.
- مشروع حقيقة ما حصل: - من بحثنا ، من الواضح جدّا أنّ الحرس الأحمر لعب دورا إيجابيا للغاية فى الثورة الثقافية. كانوا بمثابة محلحلى الوضع.رفعوا وعي الشعب بما يحدث فى المجتمع. لقد ألهمت روحهم النقدية و تحدّيهم للسلطة الرجعية العمال و الفلاحين و غيرهم ليرفعوا رؤوسهم و أصواتهم مناقشين قضايا المجتمع. و لم يكن العنف الذى جدّ إلاّ بفعل تشجيع قيادات أتباع الطريق الرأسمالي الذين وجهت إليهم أسهم النقد و كانوا يحاولون تشويه الحركة. كانت الثورة الثقافية تهدف إلى منع الإنقلاب على الثورة و كان هدفها تحويل المجتمع بصورة أعمق و تغيير تفكير الناس.
- وانغ زهانغ - المسألة هي أنّ فى وقت ما بالنسبة لجيلنا ، هناك هدف. كنّا نعلم أنّنا نتطلّع إلى أن نكون بشرا من نوع آخر ، نوعا جديدا من البشر، و أن نصنع مجتمعا جديدا لذا ثمّة أفقا وغاية و هؤلاء الناس المختلفين لم يكونوا يبحثون ببساطة عن تكديس الممتلكات المادية و المنازل و السيارات و المواد الإستهلاكية.
كنّا نرغب فى المساهمة فى الصالح العام و كنّا منشغلين بالبشرية ككلّ ، بالمجتمع بأسره، و ليس فقط بالصين بل بالعالم برمته، وبكيفية التمكّن من تحويل العالم قاطبة إلى عالم يعمّه السلم و السعادة دون إستغلال و إضطهاد. بمعنى ما يمكننا أن نقول إنّه حلم طوباوي نشأ منذ زمن بعيد و سحيق فى البعد. سواء كان طوباويا أم لا ، كنّا نحلم بأن يكون العالم أفضل مما هو عليه اليوم.
لن أصفح أبدا عن أي عنف. مع ذلك تتضمّن الثورة لبلوغ مجتمع مساواة بعض الإجراءات الصارمة للغاية مثل الإصلاح الزراعي لمصادرة أراضي الملاك العقاريين ولإعادة توزيعها على الناس الذين لا يملكون أرضا. لذا إذا توجهتم لسؤال ملاك عقاري فإن أبناءه سيقولون لك بأن أرض الملاك العقاريين صودرت و الملاك العقاريين أعدموا و إذا سمعتم هذه الرواية بالطبع ستلمسون أنهم يطفحون حقدا. لكن لو توجهتم بالسؤال إلى طبقة الفلاحين الذين لا يملكون أرضا و حصلوا على أرض بفضل الشيوعيين ستستمعون إلى رواية مغايرة تماما. و من هنا أهمّية الحصول على صورة أتمّ عن ما حصل. فعلاقة الفلاحين الفقراء بالثورة الشيوعية مغايرة كليا. إلاّ أنّ هؤلاء الفلاحين الفقراء لا يستطيعون كتابة مذكراتهم باللغة الأنجليزية. و عليه لم تسمعوا بتاتا إلى فلاّح يتحدّث. و حتى أبناء هؤلاء الفلاحين، الذين بإمكانهم الكتابة باللغة الأنجليزية ، لا تُشجّع كتاباتهم البتّة فى هذه البلاد لأن الذين يسيطرون على سوق النشر لن يشجعوا على هذا الجنس من الروايات.
يجب أن تعمّ المساواة و العدالة العالم. كنّا نرنو إلى تحسين أنفسنا ذاتيا كي نستطيع بناء ذلك النوع من العالم. لا أرى أي خطإ بشأن هذا الحلم. و لا أزال على رأيى هذا ، حتى و إن قال البعض إنه طفولي. لكن أعتقد أن الإنسانية فى حاجة إلى شيئ أجمل فى عقولنا و إلاّ سنتحوّل جميعا إلى حيوانات بشعة. ما الفائدة من العيش فى هذا العالم الذى فيه يحكم قانون الغاب ، عالم بشع؟ ما الفائدة؟ بينما هناك غناء مادي كبير يتمّ تحطيم الكوكب؟ ما الفائد؟ بوسعنا أن نحيا بطريقة مغايرة ، لهذا الأحلام هامة.
- مشروع حقيقة ما حصل: - إنها مسألة هاّمة أنه لا ينبغى أن يكون العالم كما هو الآن و خلال حقبة الثورة الإشتراكية فى الصين ، أخذت هذه التغييرات فى الحصول لأنه لم يكن مجرّد حلم طوباوي. و أودّ أن تحدثنا عن حركة الشباب من المدن مثلك الذين أرسلوا إلى الريف وهي مسألة تتعرّض للهجوم.
- وانغ زهانغ : - أجل ، أجل ، ثمّة نقاشات عدّة عن دوافع ماو و الحزب فى القيام بذلك. حتى اليوم ، لا أعتقد أنّه من الخطإ مطالبة الشباب المتعلّم بالمساهمة فى النهوض بالمناطق الفقيرة حتى و إن أمكن عدم اللجوء إلى مثل ذلك الضرب من الإجراءات الصارمة. و مع ذلك لا أزال أعتقد أنّه من الضروري للمتعلّمين أن ينتقلوا إلى المناطق الفقيرة ليساهموا بمعارفهم فى تطوير تلك المناطق.
و رغم أنه تمّ إرسالي إلى الريف ، لم أذرف يوما دمعة على تلك السنوات التى قضيتها فى المزارع. إذا قرأتم كلّ تلك المذكّرات المتحدّثة عن مدى فظاعة "إرسال البنات" إلى الريف مثلما هو الحال فى " ويلد سوام/ سباحة ماهرة"مثلا حيث تروى جونغ تشانغ تجربة" إرسالها إلى الريف"، تجربتها فى الريف... لقد شعُرت أنها مظلومة للغاية .و لأنها كانت من عائلة موظّف سام من كوادر الحزب الشيوعي ، كيف يمكن إرسالها للعمل فى مزرعة كفلاحة ؟ ببساطة لا تستطيع العمل كفلاحة. إنّه لأمر فظيع! حين قرأت ذلك الجزء ، شعرت بالإمتعاض من فهمها للألقاب و للنخبة، كيف يمكنها أن تقوم بذلك النوع من العمل؟ لذا عندما ذهب أولياؤها من الأبواب الخلفية ليعيدوها من الريف ، عندها شعرت بالسعادة. و حتى زمن كتابتها ، لم تصوّر ذلك على أنّه إمتياز.
لماذا ليس بوسعها أن تعمل كفلاحة بينما 90 بالمائة من الصينيين فلاحين حينئذ؟ على أي أساس لا تستطيع العمل كفلاحة؟ هل لها تاج على رأسها؟ أنا لا أراه. إذا قرأتم كلّ تلك الإدانات فإنها حافلة بالشكاوى، قائلة إنهم أناس من المدن ، إنهم متعلّمون و أباؤهم أساتذة أو موظفون سامون و لديهم كلّ هذه المواهب و الآن عليهم العمل بالفلاحة. ما الخطأ فى ذلك؟ يمكن أن يساهموا بقدراتهم فى مساعدة الفلاحين و فى النهوض بالمجتمع الريفي. إلى الآن لا أرى خطأ فى ذلك.
- مشروع حقيقة ما حصل: - "مشروع حقيقة ما حصل "هو كذلك يعمل على تناول التشويهات و الأكاذيب بالبحث لإبراز حقيقة تاريخ الإشتراكية . و نظرا لإهتمامك الخاص بهذا التاريخ ، كيف ترين توسيع مجال عملنا؟
- وانغ زهانغ - أجل ، يشجعهم النظام بأسره و نحن نفتقد إلى ذلك. أجل، كيف نضخّم من طاقة صوتنا فى هذا الإطار. لقد سعينا إلى رفع أصواتنا لنجعلها مسموعة لكن عادة ما يغطّى علينا السوق أو يقمعنا. هذه قضية كبرى لأننا نعيش ضمن سوق إقتصادي رأسمالي.
لعلّ من المهمّ بالنسبة للأكاديميين عدم الإنحصار فى الأوساط الأكاديمية. فى المدّة الأخيرة عدت من ندوة حول الصين .
و يرى عديد الأكاديميين أن كتاب جونغ تشنغ الجديد ( "ماو : الحكاية المجهولة " ) و روايته عن ماو لا يحفل بهما. إن هؤلاء الأكاديميين يبحثون فعلا و يدرسون التاريخ و الوثائق و يعلمون أنّ هذا الكتاب لا يمكن أن يصمد فى وجه المعايير الأكاديمية. و أعتقد أنّ الأكاديميين فى مجال الصين ، جميع زملائي، على حدّ علمي ، كانوا يحاولون إعلام طلبتهم. لكن تعرفون أن فى هذه البلاد الكثير من الطلبة لا يهتمون بشيئ آخر سوى أمريكا. لذلك لا يحضر أقسامنا عددا كبيرا منهم. هذه هي القضية الكبرى ، المشكل الكبيرهنا . كيف يمكن أن تجعل عملك فى متناول جمهور واسع و توزعه فى أوساطهم؟ إنها مسألة من يمكنه أن يروّج لك. إذا هذه هي القضايا السياسية فى هذه البلاد ، لأن السائد من مصلحته أن يجعل من الإشتراكية شيطانا.
و دعونى أقول كم من المال تستثمره حكومة الولايات المتحدة فى الحرب فى العراق ؟ أكثر من 70 بليون دولار الآن ، اليس كذلك؟ حسنا ، فى هذا النظام يمكنك أن تستثمر أموالا طائلة فى قتل أناس لهم دين آخر ، عوض توفير تعليم مجاني ، تعليم فى معاهد ،لجعل المواطنين مواطنين متعلمين. هل هذا النظام أفضل من الصين حين كانت إشتراكية عندما كان عديد الناس يتعلمون مجانا؟ هل ثمّة جهود فى هذه البلاد لتوفيررعاية صحية مجانية،و تعليم مجاني عوض رصد الأموال الطائلة لقتل الأبرياء؟ هذا هو الشرّ عينه. إذا كنتم تتحدثون عن شرّ فهذا هو الشرّ عينه .
لئن هُزمت الثورة الشيوعية الصينية لعدّة أخطاء او عدّة قوى فنحتاج إلى البحث عن طرق جديدة و مهما كانت أخطاء الحزب الشيوعي الصيني فإنها لا تثبت تفوّق الرأسمالية.
لقاء صحفي مع باي دي
-2 - نشأة فى الصين الثورية.
نشأت باي دي فى المجتمع الصيني ( قبل إعادة تركيز الرأسمالية إثر وفاة ماو فى 1976) و شاركت فى الثورة الثقافية (1966-1976). وهي مساهمة فى تأليف كتاب " البعض منّا: نساء صينيات نشأن فى عهد ماو" وهي مديرة "دراسات صينية و آسيوية " فى جامعة درو.
هذا اللقاء الصحفي أجرته لي أونستو مراسلة "الثورة" فى فيفري 2009.
---------------
لى : قال لى شاب إستمع إليك تتحدّثين عن تجاربك و قد نشأت فى الصين الإشتراكية إنّه لم يكن قبل ذلك لديه أدنى فكرة عن صورة الصين خلال الثورة الثقافية ، بما فى ذلك صورة المرأة حينذاك.
باي : زمن جيلنا ، كانت غالبية النساء تأمل أن تحقّق أشياء عظيمة. لمّا كنّا شبابا ، لمّا كنّا مراهقين و مراهقات ، كانت لدينا مثُلُُ عليا ثورية. كنّا نعمل من أجل بعض الأهداف و نشعر بأنّ حياتنا مليئة بالمعاني ، ليس بالنسبة لنا فقط بل بالنسبة لكافة أهداف المجتمع الواسعة. هذا ما كنّا نناقشه حينذاك. كنّا مثاليين بشأن العالم الذى كنّا نتصوّره. كان عمرنا 15 سنة تقريبا عندما إلتحقنا بالريف ، حوالي 1972. ساعتئذ أتممت الدراسة فى معهد عالي أعيد فتحه بعد حوالي سنة من إغلاقه سنة 1966. و قضينا معظم الوقت فى دراسة مؤلفات الرئيس ماو و بعض الرياضيات و الكيمياء و الفيزياء. و فى ما بعد حفرنا أنفاقا فى ساحة المعهد بسبب التهديد السوفياتي بالحرب. سعينا إلى حماية بلادنا.
فى قسمنا وُجد أكثر من ألف طالب و أربعة منا ، كلّنا نساء ، تجمعنا و قرّرنا أن نكتب ملحمة تروى تاريخ الحرس الأحمر. أتذكّر أن طموحنا كان كبيرا. و قد حاول شابان أن يلتحقا بنا فأجرينا معهما لقاءا و طرحنا عليهما أسئلة و أذكر أن كلّ منهما قدّم شيئا من الشعر كتبه و نظرنا لهما نحن الأربعة و قرّرنا أن لا نضمّهم إلى مجموعة الكتابة لأنهما لم يكونا جيدين بما فيه الكفاية .فقط ضحكنا من كتاباتهما لأنهما لم يبلغا مستوانا و نبذناهما كليا. أربعتنا كنّا نعتقد أنّنا الأفضل. و كنّا نريد أن نسجّل ما نقوم به فى محاولة تربية أناس آخرين بتعاليم الرئيس ماو. و نظّمنا أوّل "فرقة دعاية لفكر الرئيس ماو" فى المعهد.
لى : حين يسمع غالبية الناس مصطلح "فرقة دعاية" لا يعرفون معناها و/أو ينظرون إليه كشيئ سيئ كما لو انّه ببساطة يقال للناس ما الذى يجب التفكير فيه و أنّها ضد الفكر النقدي.
باي: فرق دعاية ماو تسى تونغ فى بداية الثورة الثقافية نظمها الحرس الأحمر الثوري لكي يستطيع المتعلمون و الطلبة ، مسلّحين بأغان و أشعار ، التوجه إلى الأحياء فى المدن و بعد ذلك فى الريف لينشروا المعارف بين الناس الأقلّ تعلّما. كانوا يحاولون تعليم ما يسمّى ب"الناس الأقلّ تعلّما" توجهات الحزب و أفكار ماو. علّمت فرقة دعايتنا الناس الأغاني الثورية و قرأت لهم الصحف لمتابعة الأحداث. و نظّمنا طلبة معهدنا للذهاب لتنظيف الأحياء و بعد ذلك أقمنا حفلات الرقص و الغناء و دعونا الناس لتنظيف الأحياء لأنّ النظافة مهمّة جدّا. كنّا نشعر أنّ ذلك جزء من بناء مجتمع أكبر.
لى : كيف كنتم ترون ذلك فى علاقة بمُثُله العليا ؟
باي : الفكرة كانت أنّه يمكننا إحداث تغيير ، أنّه هناك كلّ هذه الفرص. كنّا نتوجه إلى تغيير العالم، كنّا نغيّر الصين. كانت تلك مهمّة جيلي لأننا كنّا نعيش فى حقبة خاصة: الستينات و السبعينات. و دعونا تلك الحقبة فجر الشيوعية.هذه هي المسألة. كنّا نعمل على بناء هذا المجتمع الكبير و كنّا نشعر بأنّ كلّ إمرء فى المجتمع يجب أن يحصل على تعليم. و بما أننا طلبة و بإمكاننا القراءة و الكتابة إستعملنا ذلك لمحاولة إلهام الناس ، لتعليمهم الغناء و أقساما من مؤلفات ماو. هذا ما كانت تقوم به فرق الدعاية. عند ترجمة هذا المصطلح إلى الأنجليزية يفقد شيئا من معناه. فى الصينية اليوم لا يزال هذا المصطلح يشير إلى ما يعتبر شيئا جدُ إيجابي. مصطلح فرقة الدعاية ليس شيئا سيئا ،إنه يفيد جعل إنسان يعرف ما يحتاج إلى معرفته، أفكار اللجنة المركزية ،و أفعالها . خلال الثورة الثقافية كان كلّ إنسان يحتاج إلى معرفة ذلك إذ كانت الصين بلدا ممتدّ الأطراف ، و تنظيم الحكومة على كلّ مستوى كان يشمل قسما للدعاية وهو أمر واجب فى كلّ مستوى . ذلك أن الأمية كانت منتشرة و لم تكن تعاليم الرئيس ماو جميعها سهلة جدا وهي قابلة للتأويل، إذا غيّرت سطرا واحدا يتغيّرالمعنى. لم يكن علينا تعليم الكلمات و حسب و إنما أيضا شرحها.
لنأخذ مثلا ما يسمّى "القراءة المستمرّة للمقالات الثلاث" لماو و نقصد " لنخدم الشعب" ، " الشيخ الجاهل أزاح الجبلين"
و" فى ذكرى نورمان بيثيون".أنظروا القصة القديمة للشيخ الجاهل لماذا علينا الحديث بشأنها ؟ إنها قصّة شيخ صيني معلومة من الجميع. هي قصّة شيخ دعا أبناءه لإزالة جبلين كبيرين كانا يسدّان الطريق أمامهم. فضحك آخرون منه قائلين إنّه من المستحيل أن يزيلوا الجبلين الكبيرين. لكن الشيخ الجاهل ردّ عليهم " حين أموت سيواصل أطفالي المهمّة ،و حين يموتون يواصل أحفادي ثم أطفالهم وأحفادهم و هكذا إلى النهاية ". فأثّر هذا الإصرار فى الإلاه الذى بعث بملكين إثنين رفعا الجبلين على ظهريهما. لكن الرئيس ماو غيّر القصّة و قال إنه العمل الشاق للشعب هو الذى أزاح الجبلين. وقال الآن ، نحن الشيوعيون ،الحزب مثل الشيخ الجاهل ، سنسعى لإزاحة هذه الجبال الثلاث – الإمبريالية و الإقطاعية و الرأسيمالية البيروقراطية- لكن لا يمكننا القيام بذلك لوحدنا. لذا علينا أن نأثّر فى الشعب الصيني ، إنه هو الإلاه. فقط الشعب بوسعه إزالة هذه الجبال الثلاث التى تضطهده. و يجب أن نثق فى الشعب. هل فهمتم هذا؟ علينا أن نزيحها ، يجب أن نفهم ما نحن بصدده . يجب أن تشرحوا ذلك للشعب و لماذا يعدّ هذا هاما جدّا. ينبغى الإستمرار بالعمل و تعريف الشعب بما نفعل. ينبغى أن نربّي الشعب سياسيا ،هذه هي مهمّتنا.
عندما أسترجع ذكرياتي ، هذه هي مهمتنا الشاملة . لقد كنّا محظوظين لكوننا إستطعنا الكتابة و فهم الأشياء و آخرون لم يفهموا ذلك، لم يدركوا العلاقة القائمة. إذن هذا ما كنّا نقوم به. و حين أفكّر فى ذلك أتذكّر مدى الثقة التى كنّا نتمتّع بها.
لى : ما هي إنعكاسات الثورة الثقافية على مكانة النساء فى المجتمع؟
باي : مثال ذلك سبق و أن تحدّثت عنه. غيّرت النساء الشابات أسماءهن. فى بداية الثورة الثقافية فى 1966 ،كان الرئيس ماو يحيى الحرس الأحمر فى مسيرات هائلة بساحة تيان آن مان ، لثماني مرّات على ما أذكر.و فى إحدى تلك المسيرات ، تقدّمت شابة فى ساحة تيان آن مان ووضعت شارة الحرس الأحمر بزند ماو. فسألها عن إسمها. أجابت ، سونغ بنبن. فردّ ماو هذا إسم كنفشيوسي للغاية ، بنبن يعنى الحذروالتواضع و أضاف لماذا نكون حذرين ، لماذا نكون متواضعين؟ يجب أن تكونى أيوو، يجب أن تحبّى النضالية فى النساء ومن ثمّة غيّرت إسمها من بنبن إلى أيوو الذى يعنى حبّ النضال و القتال و بعد ذلك إنطلق تيّار فى المجتمع حيث غيّرت من أسماءها الفتيات التى أسماؤها أنثوية مثل وردة و زمرّدة أو ما شابه.
حسب الثقافة الصينية لإسمك معنى . و لإسمى أنا دلالة وهو يعنى شجرة الأرز. إنّه قبل كلّ شيئ لقب كبير. كنت المولودة الأولى و أبوايا كانا جدّ تقدّميين حينها ، فى الخمسينات. و أخذا يبحثان فى المنجد للحصول على إسم. أبى كان قد نشأ فى النظام الشيوعي و كان ضمن الدفعات الأولى لمعهد اللغات الأجنبية التى كان يديرها الحزب الشيوعي فى 1946، عندما تحوّل القسم الروسي لذلك المعهد ، تحوّلت يانان إلى هربين. كان فى قسم مع أبناء عديد الشيوعيين الشهيرين بما فى ذلك الإبن الثاني للرئيس ماو. هو وأمّى كانا ثوريين للغاية. لذا توجّها إلى المنجد ووجدا "دي" و مفاده لوح، و مع أنه غير رنّان إلاّ أنه سهل البقاء على قيد الحياة و يبدو أننى عشت مع الإسم. عندما حاولت الشابات تغيير أسمائهن من أسماء أنثوية إلى أسماء ثورية، لم يكن عليّ تغيير إسمى لأنه بعدُ كان يعنى الإستقلالية. سعت البنات لتغيير أسماءهن إذا لم تكن أسماءا ثورية أو كانت أنثوية للغاية. كانت تغيّرها إلى أسماء قتالية و قوية مثل أسماء الرجال. وعقب إعادة تركيز الرأسمالية، حدثت الحركة العكسية و لى على ذلك مثلين إثنين.الأول مثال إحدى صديقاتي حيث قبل الثورة الثقافية ، كان إسمها جدّ أنثوي لذا غيّرته إلى ونج و معناه حرفيا "ثورة ثقافية". لكن فى المدّة الأخيرة سمعت أنّها تراجعت عن ذلك و لى صديقة أخرى هي ناشرة فى وكالة نشر بيكين و إسمها هو "حمراء" و غيّرته إلى "زهيرة".
لى : لقد كتبت كثيرا عن دور النساء فى الصين الثورية. هل يمكنك أن تقارنى مكانة النساء قبل 1949 و بعدها إلى الثورة الثقافية، ثمّ خلال الثورة الثقافية و كيف هو الحال الآن بالنسبة للنساء فى ظلّ الرأسمالية؟
باي : أريد دائما أن أنظر إلى الإختلافات ضمن الأجيال الثلاث من النساء فى عائلتى كمؤشّر على كيف أنّ الصين تغيّرت فى ظلّ الحزب الشيوعي. جدّتاي كلتاهما ولدت فى منعرج القرن العشرين و كلتاهما تزوجتا مبكّرا ،واحدة فى عمر 14 سنة و الأخرى 15 سنة. كانت لهما أرجل مربوطة و كلّ منهما ولدت 14 طفلا. و وجدتا نفسيهما فى زواج مرتّب. و كانتا أمّيتين. و لم تفعلا شيئا طوال حياتهما عدا الولادة و العناية بالأطفال و قد شاهدتا وفاة بعض المولودين الجدد دون القدرة على القيام بأي شيئ. أمّا حياة أمّى فكانت مغايرة جدّا. لقد ولدت فى الثلاثينات و فى 1949 لحظة تأسيس جمهورية الصين الشعبية ، كانت فى معهد ثانوي فى بداية الخمسينات و ذهبت للمعهد لدراسة الروسية ، حالمة بان تصبح دبلوماسية. كلا والداي مثّلا أوّل جيل من المتعلمين بالمعهد فى كلا عائلتيهما. كانت امّى مترجمة و باحثة فى الأدب الروسي قبل تقاعدها. ثمّ أفكّر فى جيلي .أنا أستاذة جامعية بدرجة دكتوراه كنت أسافر عبر العالم أدرّس و أكتب. بالمقارنة مع جدتاي و أمّى ، أنا أكثر طموحا و أكثر مثالية و ثقة. أنا ممنونة جدّا لكوني نشأت فى لحظة خاصة للغاية من تاريخ الصين. كانت الإيديولوجيا المهيمنة تقول إنّ النساء نصف السماء و ما يقدر الرجال على فعله بإمكان النساء القيام به. هذه الشعارات يمكن أن تبدو الآن فارغة ، لكنى عشت فى تلك الحقبة واثقة فعلا من نفسي و من قدرتى على إحداث تغيير فى حياتي ذاتها و فى حياة أناس آخرين.و ثمّ أفكّر فى الجيل الرابع من العائلة. ليست لدي بنت وعليه سأستعمل إبنة أختى كمثال. سنّها اليوم حوالي 26 سنة، حصلت على شهادة جامعية ولها وظيفة عالية الأجر جدّا فى الصين. يبدو أنّ كلّ ما يعنيها هو علامات أسماء حقائب و ثياب. تحبّذ الحديث عن من يملك مالا ، و من لا يملك حقائبا ذات أسماء وعلامات ،ما هو نوع الزوج هناك.و ببساطة أنظر إليها الآن و أرى أنّ هناك جيل آخر بالضبط اليوم ،إنه جيل " ما بعد الثمانينات " فى الصين ، جيل يضع معظم طاقاته فى الثقافة الإستهلاكية. لمّا كنت شابة ، كان المثل الأعلى الإجتماعي هو تقديم شيئ جيّد للناس الآخرين، و العمل على تغيير العالم إلى نظام أفضل. كنّا نتطلّع إلى التضحية. و جميعنا آمنّا بالتوزيع العادل للثروة الإجتماعية. لكن حاليا بالنسبة للشباب الذين ينشأون فى الصين ، المثل الأعلى هو ذاتي ، ذاتى ثمّ ذاتي و لا شيئ غير ذلك. و الثقافة بأسرها تردّد ذلك. و الشيئ نفسه يمكن قوله بالنسبة لدور المرأة الذى تراه راسخ فى الأساسفى كونه يجب أن تكون المرأة جيدة و حاليا الثقافة الشعبية الصينية مليئة بهذا النوع من النقاش. ففى القناة التلفزية الصينية الرسمية ، فى برامج النساء ، كلّ من المقدّمين و الضيوف يركّزون على نوع الرجل الذى معه تكون النساء سعيدة و كيف بإمكان المرأة أن تكون أكثر أنثوية و جذّابة أكثر. يقع إستدعاء النساء الشهيرات من كافة مجالات المجتمع للحديث فى هذا الموضوع . هل يمكنكم تصوّر برنامج فيه يتحدّث الرجال الشهيرين عن كيفية أن يكونوا رجالا جيدين؟ لا يسألون أبدا الرجال مثل هذا السؤال.
لى : من الأشياء التى حصلت خلال الثورة الثقافية دحض التفكير الكنفشيوسي و كيف أنّه تفكير إضطهادي ، خصوصا بالنسبة للنساء ،و كذلك التفكير الإقطاعي و البطرياركي. هل بإمكانك أن تحدثينا عن هذا و أن تقارنيه بالوضع فى الصين اليوم؟
باي : هذا النوع من النقد للإقطاعية يعود إلى حركة الرابع من ماي فى بداية القرن العشرين. لكن الإصلاح القانوني الفعلي بدأ فى الثلاثينات فى مناطق السوفياتات الحمراء التى سيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني . و إثر تأسيس جمهورية الصين الشعبية ، أوّل قانون أصدرته الحكومة الجديدة لم يكن الدستور ، فالدستور صدر فى 1954. و أوّل قانون أصدرته الحكومة الشيوعية فى 1950 هو قانون الزواج و لأوّل مرّة ألغي نظام التسرّي و ألغي الزواج المرتّب مصرّحا أن الرجال و النساء يجب أن يكونا شريكين فى الزواج و أنّ النساء ينبغى أن تتمتّع بالمساواة فى الإرث و حقوق الطلاق ، وألغي تعدّد الزوجات و تزويج الأطفال و كذلك مفهوم الأطفال "غير الشرعيين" فمثّل ذلك لحظة عظيمة فى التاريخ. فكّروا فى كيف أن الحكومة رأت دور القضايا الجندرية فى تغيير أفكار الشعب و حياته.
من أجل بناء عالم جديد ، يجب تحرير النساء. مثلما قال ماركس ، لأجل تحقيق الحرّية ، يجب تحرير الجميع. و إذا لم يقع تحرير النساء لا يمكننا قول إنّ الأمة تحرّرت. و هذا يبيّن تقدّمية الحزب الشيوعي الصيني. و هكذا صدر قانون الزواج و القانون الثاني الذى صدر بعد شهرهو قانون الإصلاح الزراعي. وبالتالى يمكن أن نرى فى الأساس أن فى الخمسينات ، السنة الموالية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية ، صدر قانونان أساسيان تكريسا لأجندا الحكومة الجديدة. أولا ، تغيير البناء الفوقي لأن العائلات كانت مبنية وفق الهيكلة الكنفشيوسية. كان ذلك متجذّرا فى الثقافة الصينية و وجب تغييره بما رمز إلى تغيير فى الثقافة.
ثانيا ، جاء التغيير فى البنية التحتية الإقتصادية ، تغيير يهمّ الفلاحين الفقراء و إمتلاكهم للأرض. لا يجب أن يحدث تغيير فى الهيكلة الإقتصادية و حسب بل فى البنية الفوقية أيضا بما فى ذلك أفكار الناس. والقانون جزء من البنية الفوقية. هذه هي فكرة ماو العظيمة ، تغيير كلّ من البنية التحتية والبنية الفوقية و ليس الإقتصاد وحسب. و من جهة أخرى ، قال الذين يريدون إعادة تركيز الرأسمالية ، مثل دنك سياو بينغ ، إنه إذا غيّرتم الإقتصاد فقط ، فإن كلّ شيئ آخر سيتغيّر. لكن فى البداية رأى الحزب الشيوعي الصيني أنّه عليكم أن تقضوا على الإشياء القديمة الإضطهادية . هناك جدلية ، يمكنكم رؤية ذلك فى كلّ شيئ كمسألة قانون الزواج. ووجدت مقاومة كبيرة طوال المسيرة إذ أن الأمر ليس كأن تصدر قانونا و ببساطة تاليا كلّ الناس سيتبعونه : ظلت هناك قضايا نساء بعد 17 سنة من 1949 من بداية الحكومة الإشتراكية الجديدة إلى بداية الثورة الثقافية فى 1966.
عند تأسيس الصين الجديدة فى1949 ، واجهت الحكومة الجديدة عددا كبيرا من التحدّيات : مشاكل البغاء و التسرّي و المخدرات . و بصورة معجزة ، فى غضون سنتين أو ثلاث سنوات جرت إعادة تأهيل كافة العاملات فى البغاء و جرت معالجة كافة المدمنين على المخدّرات. حدّثنى جدّى عن ساحة هربين حيث كان يوجد حيّ للبغاء ثم صار مكان إقامة عاديّ.و لسوء الحظّ اليوم عادت تلك المنطقة ل "عاداتها" القديمة.
لى : تغيّرت عديد الأشياء فى السنوات 17 الأولى ، لكن ما الذى جعل من الضروري المضيّ قدما؟ ما هي المشاكل التى حاولت الثورة الثقافية معالجتها ، بما فى ذلك قضية المرأة؟
باي : هناك مجموعة النخبة الجديدة التى ظهرت فى صفوف الحزب و الدولة. وقعت تسميتهم بأتباع الطريق الرأسمالي خلال الثورة الثقافية و قد إستهدفتهم الثورة. بيد أننى أعتقد أن " أتباع الطريق الرأسمالي " سوء تسمية يمكن أن يؤدى إلى مغالطة . إنهم أناس كانوا يسعون إلى العودة إلى الهيكلة القديمة للمجتمع. و كذلك هناك الفكرة الإجتماعية التى كانت تبرز
و القائلة بأنّ الناس المتعلمين يجب أن يظلّوا فى المدن ثمّ صاروا ينظرون نظرة دونية إلى أوليائهم فى الريف. كان هذا من الأعراض المرضية فى 17 سنة التى حاولت الثورة الثقافية التخلّص منها.
قال الفلاحون لأبنائهم الذين كانوا محظوظين كفاية ليذهبوا إلى الكليات فى المدن مابات قولا مأثورا و مفاده انّ فى السنة الأولى يصيرون جفات ريف، و السنة الثانية يندمجون مع أناس آخرين ،و السنة الثالثة ، يهجرون آباءهم فى الريف. وهذا تغيير لدى أبناء الفلاحين المرسلين للمدن. و كان هذا المثال يستعمل للتعبير عن المشاكل الأشمل و القضايا الإجتماعية الأوسع. و الحزب الشيوعي أيضا أتى من قاعدة فلاحين و كان يمثّل مصالح الفلاحين. وإذن أرسله الشعب ليحكم البلاد . ذهبوا إلى بيكين أليس كذلك؟ فى البداية كانوا جيّدين و حافظوا على لونهم الأساسي و قيمهم و مهمّتهم. لكن بعد فترة ، الفترة الثانية ، إندمجوا مع بقية الناس و حاولوا الإنصهار و نسوا سبب وجودهم هناك قبل كلّ شيئ.
لى : تقولون إنّ هذا بمثابة تشبيه للذين من المفترض أن يخدموا الشعب لكنهم إنتهوا بعد ذلك إلى شيئ آخر. و سبب شروع ماو و آخرين فى تسميتهم أتباع الطريق الرأسمالي هو كونه ثمّة طريقان بإمكان الصين السير فيهما، واحد هو طريق إشتراكي والآخر هو طريق رأسمالي و لهذا جرت تسميتهم ب" أتباع الطريق الرأسمالي".
باي: لكنّنى لا أعتقد أنّ هؤلاء الناس كانوا يريدون العودة إلى الرأسمالية ، إنهم كانوا يحاولون العودة بالناس إلى الوراء ، إلى التقاليد القديمة [الإقطاعية] و كانوا يحاولون إعادة تركيز الإقطاعية. فى السابق لم تكن الصين فعلا رأسمالية. لكن دنك سياو بينغ كان فعلا من أتباع الطريق الرأسمالي و أراد أن يضاهي النظام الرأسمالي . و كان ليوتشاوتشي يحاول هو الآخر أن يضاهي النظام الرأسمالي.
لي : ماذا عن دور نماذج الأوبيرا و دورالنساء وأهمّية البنية الفوقية – فللبنية الفوقية الكنفشيوسية صورة معيّنة عن النساء - مومياء و جميلات إلخ على الركح.
باي: لقد ألقت تشانغ تشنغ خطابا فى 1965 و قالت إنه علينا أن نصلح من شأن الأوبيرا والأدب، وهو ما اشّر إلى البداية الرسمية للثورة الثقافية .
لي : لماذا يعتبر ثوريا للغاية ما قاموا به من نماذج الأوبيرا؟
باي : حول هذا الموضوع يتمحور بحثى. أشعرأنّه قبل الثورة الثقافية ، حتى مع أن الحزب الشيوعي الصيني كان قويا جدّا من الناحية السياسية إلاّ أنه ثقافيا ظلّ يكرّس نوعا من الأفكار المحافظة. قانون الزواج صدر و مثّل لحظة عظيمة فى تاريخ الصين ، شيئ تقدّمي للغاية. إلاّ أنه ثقافيا ، فى نفس الوقت كان ينطوي على شيئ تقليدي جدّا. لماذا قانون الزواج؟ إنه لا يزال يعتبر أن النساء تحتاج إلى أن تكون متزوجة. هذه حجّتى. ما قامت به تشانغ تشنغ كان أكثر راديكالية من ذلك. أنا بصدد كتابة وثيقة حول هذا سأقدّمها هذه الصائفة بصدد أوبيرا وأدب الثورة الثقافية. ما أودّ قوله هو أنّه بالمقارنة مع الأعمال القديمة، تغيّرت الأدوار الجندرية فى نماذج الأوبيرا والباليه.
ينبغى تسليط الضوء على نماذج المسرح ،هكذا ينبغى أن تكون الثورة. لا نستطيع تصويرالثورة الثقافية على أنها غاية الكمال لكنها واجهت مشكلة أن هناك 600 مليون شخص لا زالوا يحملون إرثا قديما معهم. يجب أن يُوجد جيل ثاني و ثالث إذ يظلّ ثمّة إرث يحمله الناس معهم. حاليا من الصعب جدّا الحديث عن هذا فالذين يدرسون الثورة الثقافية يقولون إنّ نماذج الأوبيرا قد أوجدت كلّ هذه الصور و الأنماط .نعم ثمّ ماذا؟ فكلّ عمل فنّي يوجد و يشجّع بعض الصور و الأنماط.
لي : وهي تستعمل لتشجيع أفكار معيّنة...
باي : بالضبط . ما الخطأ فى ذلك مقارنة بتشجيع أنواع من المثل العليا؟ إذا نظرتم إلى "سوام لايك" فهي نظرة معيّنة لجمال المرأة. ثمّ ماذا فى " فيلق النساء الأحمر" حيث يجرى إستعمال ذات الشكل من الباليه لكن تقدّم صورة مغايرة عن النساء. هناك هذه المقارنة . لقد إستغلت تشانغ تشنغ أوبيرا بيكين التى هي مجرّدة جدّا ،جدّا لتحميلها رسالة خاصة ، صورة خاصة. يقول الناس هذه النساء ليست حقيقية ، ليست لهنّ أسر. لكن هذه هي المسألة. إنّ المرأة المصوّرة ليست مثقلة الكاهل بالأسرة. لذا بهذا المعنى الثقافي ، كانت تشانغ تشنغ أكثر تقدّما. و إنظروا الآن إلى الأمور فى ظلّ الرأسمالية. إنّ العائلة مصدّعة كلّيا للنساء. و بمعنى الدور العام للنساء ، تحريرهن و دورهن الإجتماعي ، عليكم الخروج من العائلة. لا سيما فى الثقافة الصينية ، كلمة عائلة / أسرة كلمة محملة بالمعاني ، مفهوممحمّل بالمعاني ، لديك وفقه دور و إلتزام.
لي : إنه صحيح فى ثقافة الولايات المتحدة كذلك ، هناك علاقات لامتساوية و إلتزامات و هناك البطرياركية...
باي: بالضبط لا تستطيع النساء أبدا أن تكون متساوية فى هيكلة الأسرة. و هنا بالذات يكمن الفكر النسوي الراديكالي جدّا لتشانغ تشنغ. يمكن للنساء أن تكون ثوريات و يمكن أن تكون قائدات عظيمات فقط حين تتحرّر من الأمومة ،هذه هي صور نموذج المسرح فى الثورة الثقافية.
لي:هل تحدثيننا أكثر عن ما حققته الثورة الثقافية وما تعنيه النشأة فى مجتمع إشتراكي؟
باي: نشأت هناك و بالنسبة إليّ كان لى على الدوام هدف. هذا هو جوهر التعليم. و لم نكن لنخشى أي شيئ كنوع الأزمة المالية التى تعرفها الرأسمالية دوما على نحو دوري. لم يكن لدينا الكثير –بدلتان من الثياب – لكنّنا لم نشعر بتاتا بالحاجة إلى المزيد. لم تكن لدينا ذلك النوع من الرغبة الجنونية لإمتلاك كلّ شيئ، مثل الحاجة إلى التسوّق طول الوقت. أشعر أنّ الرأسمالية جيّدة جدّا فى خلق فراغ نفسي لدى الناس. إنهم يعلمونكم أن الطريقة الوحيدة لتشعروا بأنكم على ما يرام هي رغبتكم فى المزيد. إنها الثقافة الإستهلاكية. عندما نشأت لم أكن أقضى وقتا كبيرا أبدا فى الأشياء المادية. لذا كانت لدينا طاقة للقيام بأشياء أخرى لها أكبر الفوائد. لقد درسنا كافة ضروب المواضيع و كنّا نعتقد أن وجودنا كان جزءا هاما من المستقبل. نعم كنّا متوجهين نحو المستقبل بصفة كبيرة و كانت نظرتنا كذلك أوسع من الصين فقط فكانت تشمل الإنسانية جمعاء. و كان هذا فى منتهى الإلهام . أشعر أنّ هذا هو محور التعليم.
بعض الناس يؤمنون بالفردية. غير أنه إذا ما إعتقدت أنّك الأهمّ ، بالتالى ستكون الحياة مملّة لأنّ وجودك غير ذى فائدة للآخرين، هذا ما أشعر به. و لا يمكنك مواصلة ذلك لفترة طويلة. ينبغى أن تضع نفسك ضمن تاريخ الإنسانية. و من ثمّة ستكتسى حياتك و سيكتسى وجودك بعض المعنى. هذا ما قاله الرئيس ماو. فى تأبينه للدكتور نورمان بيثون ، قال على كلّ فرد منّا أن يموت. بيد أن معنى الموت مختلف. يموت البعض ميتة تعتبر أثقل من جبل تاي . و يعدّ موت البعض الآخر أخفّ من الريشة. جميعنا تعلّمنا هذا. نشعر بأننا جزءا من شيئ. وهذا يجعل حياتك و موتك أوفر مغزى. الآن عندما نفكّر فى ذلك نكتشف أننا كنّا عميقي التفكير كمراهقين. كنّا بعد نتناول المسائل الوجودية للإنسانية كافة: الحياة و الموت.
لم أحي قط فى مجتمع رأسمالي وعليه لم أعرف كيف أقارنه بالمجتمع الإشتراكي. لكن و أنا أنظر إلى الأمور الآن فى كلّ من الصين و الولايات المتحدة ، أشعر أن هناك ،حينها ، تفاؤل يعبق فى الجوّ ، كنّا على الدوام متفائلين. ما كان الناس يشتكون. و حاليا الجميع يشتكى حتى و إن كان/كانت بعدُ يملك/تملك الكثير. فى ظلّ الرأسمالية هناك مجمل هذه الرغبات لكافة الأشياء. حاليا عندما أعود إلى الصين يشتكى الجميع و لا حديث إلاّ عن المال ثمّ المال ثمّ المال. لكن قبلا فى ظلّ الإشتراكية لم يكن الهدف من الحياة هو المال. كما قال لي فانغ بإقتضاب: لا يمكننا أن نعيش دون غذاء لكن حياتنا ليست غذاء. إنها من أجل صنع مجتمع أفضل. و هذا يلخّص جيدا تلك الروح. كان لى فانغ جنديا عاديا فى جيش التحرير الشعبي و توفّي وهو يحمى موقعه. لقد قضّى حياته القصيرة من 22 سنة فى خدمة الآخرين. و قد دعا الرئيس ماو الأمّة بأسرها
ل "التعلّم من الرفيق لي فانغ" فى 1964.

----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

دونغبينغ هان :
- 3- "الثورة الثقافية المجهولة- الحياة و التغيير فى قرية صينية."
شملت الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين من 1966 إلى 1976 ،رُبُع سكان العالم و رفعت الإنسانية إلى قمم غير مسبوقة فى النضال من أجل التحرير. لكن اليوم ، ما يسمعه الناس غالبا حول الثورة الثقافية الصينية هو خليط من الكذب و التشويه.
لقد نشأت دونغبينغ هان خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى وهي مؤلفة كتاب " الثورة الثقافية المجهولة – الحياة و التغيير فى قرية صينية"
و هذا منها مساهمة مرحّب بها للغاية فى النضال من أجل إبراز القصّة الحقيقية للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى. فى ديسمبر 2008 ، شاركت دونغبينغ هان فى ندوة هامة جدّا فى مدينة نيويورك تحت عنوان " إعادة إكتشاف الثورة الثقافية الصينية: الفنّ و السياسة ، التجارب و إرث التحرير" بدعم من " كتب ثورية" و "مشروع حقيقة ما حصل" و معهد المعرفة العامة ، جامعة نيويورك...
/ المداخلة : I
موضوع كتابي هو إصلاح التعليم أثناء الثورة الثقافية التى عشت أحداثها من الداخل. نشأت فى مزرعة تعاونية صينية. شرعت فى العمل فى المزرعة لمّا بلغ عمرى 9 سنوات. حينها ، كانت المدارس الصينية تغلق أبوابها ليومين فى الأسبوع. و كانت المزرعة التعاونية تدفع مقابل عمل التلامذة نقاطا (1). فالكبار يحصلون على عشر نقاط يوميا. و كنت أحصل على 5.7 نقطة لكلّ يوم عمل فى المزرعة. و بالتالى كنت قادرا على إعالة نفسي و أنا بعمر 9 سموات. كان بمستطاع كلّ إنسان العمل فى المزرعة و إذا أردت العمل فستجد ما تشتغل به على الدوام. و كان عملي وقتئذ عملا سهلا. مثلا ، كان الكهول يجلبون الماء من النهر إلى الحقل و كنت أسقى النبتات بالمغرفة.
فى كتابي ناقشت إصلاح التعليم أثناء الثورة الثقافية و تأثيره على الريف. لماّ كنت صغير السنّ، كان غالبية الناس فى القرية أمّيين. والدايا كليهما كانا أميين. قبل وصول الشيوعيين الصينيين إلى السلطة ، كان غالبية المزارعين الصينيين فقراء جدّا بحيث لا يذهبون إلى المدارس.لقد شرع والدى فى العمل فى مصنع لوقت كامل و عمره فقط 12 سنة . و أمّى شرعت فى العمل لوقت كامل فى مصنع تطريز فى مدينتنا عندما كان عمرها 6 سنوات لا غير. و هكذا لم يحصلا على أي تعليم و كان لدي خمسة أشقاء . و أنا طفلة ، لم يقدر عديد الأطفال الذين يفوقوننى سنّا على الذهاب إلى المدارس. فغالبية أبناء عمومتى ،و أختى الكبرى، لم يكونوا قادرين على الذهاب إلى المدرسة.
لقد ورث الحزب الشيوعي الصيني نظاما تعليميا كان مناهضا للريفيين. فغالبية تمويلات التعليم كانت تتركّز فى المناطق المدينية. و كان من الصعب جدّا على الأطفال بالريف الذهاب إلى المدرسة. وعندما شرعت فى الدراسة فى الدرجة الأولى من التعليم ، كان علي أن أجتاز إمتحانا قبول. إذا أراد الأطفال الإلتحاق بالمدارس كان عليهم تعلّم الكتابة قبل ذلك كما كان عليهم أن يحسنوا العدّ إلى المائة ليقبلوا فى المدرسة.
لكن غالبية الآباء لم تكن لديهم القدرة على تعليم أبناءهم لذا جرى رفضهم جميعا. و كان هذا الإمتحان لازما لأنه لم توجد أقسام كفاية فى المدارس العمومية فى القرية آنذاك. لكن بعد ثلاث سنوات ، خلال الثورة الثقافية ، رصدت إعتمادات لكلّ قرية فى مدينتي لتركيز مدرسة إبتدائية تابعة لها. فى مقاطعتنا كان هناك 1050 قرية حينها. و كلّ قرية بنت مدرسة إبتدائية خلال سنوات الثورة الثقافية. و إستطاع كلّ طفل الإلتحاق بالمدرسة و الدراسة مجانا. و الآن تتحدّث الحكومة و النخبة الصينية عن كيف أنّ التعليم أثناء الثورة الثقافية كان كارثيا. هذا محض كذب.
تحسّن التعليم بقدر كبير فى الريف خلال عقد الثورة الثقافية. و شيّدت كلّ أربع قرى فى مقاطعة معهدا ثانويا مشتركا. و هكذا كان التلامذة الذين ينجحون من المدرسة الإبتدائية قادرين على التوجه إلى المعهد الثانوي دون أي إمتحان قبول. كان بمقدور الجميع الإلتحاق بالمعهد الثانوي أين كان التعليم مجانيا و كانت كلّ كمونة فى مقاطعتنا تتوفّر على أربع معاهد تعليم عالي فى حين وجد فقط معهد عالى واحد به قسمان وحسب قبل الثورة الثقافية. من 1950 إلى 1966 ، لمدّة 17 سنة ، تخرّج من ذلك المعهد 1500 مجاز. من هؤلاء ال1500 متخرّج ، توجّه 800 للدراسة بالكليات و لم يعودوا أبدا إلى القرية. و بقية ال700 عملوا بالوظائف الحكومية أو إلتحقوا بالجيش. و لم يوجد تقريبا أي متخرج من المعاهد العليا بالريف.
فى 1972 عندما إلتحقت بالمعهد العالي للكمونة، كان ثمّة ألف طالب فى سنتى و فى معهدي فقط. و لمّا تخرجت من المعهد وجد أكثر من مائة معهد عالى فى قريتى. لقد لعب هؤلاء المتخرجون من المعاهد العليا دورا هاما جدا فى تطوير الريف الصيني. لقد إستطاعوا فعل أشياء أكثر للقرية من ما قدر عليه أبدا الذين يكبرونهم سنّا.
قبل الثورة الثقافية، كنّا نقوم بالزراعة لا غير. و خلال سنوات الثورة الثقافية، ساعد المتخرجون من المعاهد العليا فى تنويع إقتصاد قريتنا. كوّنوا فرقة غابة من المتخرجين و زرعوا عديد أنواع الأشجار المثمرة و أشجار المصطكى و غيرها. و إضافة إلى ذلك ، أنشأنا مصنعا عمل به 175 شخص. وفى صين اليوم ، يضطرّ الشباب الريفي لمغادرة القرية للحصول على عمل فى المدن. لكن خلال سنوات الثورة الثقافية لم نكن نحتاج إلى البحث عن شغل فى المدن
و لم نكن نحتاج للذهاب إلى أي مكان. لم نكن عبيد أي إنسان آخر. كنّا نعمل من أجل مستقبلنا نحن. و ال175 شخص العاملين فى المصنع كانوا قادرين على الحصول على دخل للتعاونية بما حسّن بدرجة كبيرة من مستوى حياة المزارعين.
و كذلك حافظ المصنع على أدوات الزراعة فى القرية. كان لدينا جرارين وعربتا جرّ و بالنظر إلى الوراء ، أشعر أنّ سنوات الثورة الثقافية حسنت حياة المزارعين بطرق شتّى لأن الإنتاج إرتفع. و فى مقاطعتى، تضاعفت و أكثر زراعة الحبوب فى ذلك العقد. و تضاعفت و أكثر المداخيل فى نفس الفترة . و اليوم تقول الحكومة الصينية إنّ الإقتصاد الصيني كان على حافة الإنهيار. هذا هراء.
و عندما طالبت الحكومة من المزارعين أن يحلّوا التعاونية ليشتغل كلّ لحسابه الخاص ، قاوم ذلك مزارعو مدينتنا مقاومة شديدة. فكان على الحكومة أن تنقل كلّ قادة حكومة المقاطعة من البلدية لأجل تفكيك التعاونية. و قريتى لم تخصخص كلّ مقتنياتها رغم شراء الحكومة لكافة الأرض من القرية. لكن قريتى شدّدت على أنّه إذا ما أخذوا أرضنا فإنهم يحتاجون إلى تعويضها بأرض من منطقة أخرى. و هكذا لم نخسر أرضنا. و لا يزال للقرية الكثير ممّا كانت تمتلكه سابقا وهي تعمل جيّدا اليوم و بمقدور المزارعين الحصول على التقاعد حاليا. أمّى تحصل على جراية تقاعد من التعاونية كلّ شهر. و فى قرى أخرى حيث تمّت خوصصة الأرض ، يعانى المزارعون الأمرّين .
إلتحقت بالجامعة فى 1978. فى 1977 وجد حوالي 12 ألف متخرّج فى كمونتنا. جميعهم تخرّجوا من المعاهد العليا للكمونة خلال الثورة الثقافية. و جميعهم كان بوسعهم إجتياز إمتحان الإلتحاق بالكلية فى 1977. من هؤلاء فقط 2000 جرى إمتحانهم و منهم كنت الوحيد الذى تمكّن من الإلتحاق بالجامعة. كنت الوحيد من كمونتنا التى تعدّ 50 ألف شخص. تخرّجت من الكلية و إتجهت إلى كلّية أخرى لأواصل الدراسة ثمّ ذهبت للتدريس فى جامعة زهانغ زهو.
فى 1986 ، إلتحقت بفرقة أبحاث أمريكية فى الصين للقيام ببحوث ريفية. كانت تلك الفرقة متكوّنة من أستاذين أمريكيين وأنا. قصدنا بعض القرى فى يانان. حينها كان من النادر جدّا رؤية أجانب فى المناطق الريفية. لذا حيثما ولاّينا وجوهنا فى القرية، كانت تتشكّل وراءنا مجموعة كبيرة من الناس الذين يتبعوننا وغالبيتهم من الأطفال ذكورا و إناثا يريدون رؤية كيف هو الأجنبي.
فى إحدى الأيام ، بينما كنت أتناول الغداء ، سألت الأطفال أن يقرؤوا بعض العناوين فى جريدة إلاّ أنهم هزّوا رؤوسهم بالنفي. فى البداية ظننت أن الخجل تملكهم ثمّ قال بعض الأطفال إنهم لو يكونوا يأمّون المدارس! لقد أذهلنى أيما إذهال سماع ذلك. لقد كنت أعتبر من تحصيل الحاصل أنّ كلّ طفل يدرس فى مدرسة. لكن منذ تفكيك الكمونة ، كلّ نظام المدرسة العمومية و نظام الرعاية الصحية اللذان كانت الكمونة توفرهما ، تلاشيا مع تفكيك الكمونات.وأخذت أفكّر فى أهمّية الإصلاحات التعليمية خلال الثورة الثقافية.
غادرت الصين فى 1988 ، لأدرّس فى سنغافورا. و من هناك حصلت على منحة لأدرس فى الولايات المتحدة . وكنت أنوى دراسة السياسة الخارجية الأمريكية، دراسة التاريخ الفكري و الدبلوماسي، لكن فى الولايات المتحدة ، قرأت ما كتبه الأكاديميون عن صين الثورة الثقافية وأدركت أنّه لا يشبه ما حصل أثناء الثورة الثقافية التى عايشتها. لقد ذعرت من طريقة تصويرهم الصين والإشتراكية و بالطبع أذهلنى ما كان يحدث فى الولايات المتحدة ذاتها.
عندما أتيت لأول مرّة إلى الولايات المتحدة ، لم أكن أعرف كيف هي أمريكا. كنت أسمع من النخبة الصينية عن مدى جمال أمريكا. وأوّل مكان عشت فيه كان برلينغتون فى الفرمونتوهو مكان جميل جدّا يقع قرب بحيرة شمبلاين.عشت شمالي المدينة، فى حيّ فقير. و كان أطفال جاري على الدوام يعانون من الجوع. كلّ يوم بعد عودتهم من المدرسة كانوا يأتون إلى منزلى ليلعبوا مع إبنى و كانوا يقولون إنهم جائعون و يطلبون منّى إعطاءهم قطعة من الخبز الصيني. لقد اذهلنى عمليا أن أرى أناسا جياعا فى أمريكا وهي أغنى بلد فى العالم .قضيت هناك سنتين.
ثمّ إنتقلت إلى بوسطن حيث سكنت فى حيّ غني. فى إحدى الأيام ، طلب منى صاحب البيت الذى أجرته رأيى فى أمريكا فقلت إننى غير مندهش فأزعجه ذلك و سألنى لماذا. أجبته بأننى عندما كنت فى الصين ، كنّا شديدي الفقر لكن لم يكن لدينا أناس دون مأوى. و فى ظلّ الإشتراكية كان لكلّ شخص شغل و كان كلّ شخص يتمتّع برعاية صحّية و تعليم مجانيين. و فى أغنى بلد فى العالم، لا توجد مثل هذه الأشياء.و شعر صاحب البيت الذى أجرته أن لدي موقفا إشكاليا.
عند إنتصار الثورة الصينية فى 1949 ، شعر الموظفون الشيوعيون أنهم عانوا من خوض قتال شديد من أجل الثورة. و الآن و قد ظفرت الثورة فإنه حان وقت التمتّع بالحياة. فشيّدوا مدارسا خاصّة لأبنائهم. و رغم أنه من المفروض أنّنا كنّا نشيّد نظاما إشتراكيا فى الصين، فإن الوضع الطبقي فيها كان محتدّا للغاية. و كان الموظفون السامون يتمتّعون بإمتيازات خاصّة.
مثّلت الثورة الثقافية ثورة داخل الثورة لتمكين الجماهير من السلطة و لتغيير المجتمع الصيني إلى مجتمع إشتراكي حقيقي و كذلك للحيلولة دون حصول ما حصل فى الإتحاد السوفياتي فى الصين. فى سنوات الثورة الثقافية طُولب كافة الموظفين الصينيين و كافة النخب بالعمل مع الطبقة العاملة على أسس عادية. كما طُولب طلبة المعاهد و أساتذتهم و أساتذة التعليم العالي جميعا بالمشاركة فى العمل اليدوي على أسس عادية. كنت مديرا لمصنع القرية.ولم أكن أحصل على أجر أعلى من أي شخص آخر يعمل فى المصنع ذاته. و كان أساتذة معاهد القرية يحصلون على نفس الأجر ، نقاط العمل. و كان الأطباء ذوو الأقدام الحافية (2) يحصلون على ذات نقاط العمل فى القرية. هكذا ينبغى أن تعمل الإشتراكية و لئن ظلت الصين إشتراكية لتجنبنا الفوضى المالية التى تعرفها الآن.
فى الأسابيع القليلة الماضية ، مع إندلاع الأزمة المالية فى هذه البلاد [أمريكا]، خشي العديد من طلبتى الأمر. و قلت لهم يمكن أن يكون ذلك فرصة هامة بالنسبة لنا. لقد كنّا نستهلك بتهوّر لمدّة طويلة . إنه وقت التوقّف و إعمال الفكر . لسنا مضطرين للعيش على هذا النحو. لسنا مضطرين للقبول بأن يوجد أناس دون مأوى و لسنا مضطرين للقبول بعديد الأمراض الإجتماعية الأخرى. توجد موارد كبيرة فى هذا المجتمع. لدينا إنتاجية كافية لتوفير حياة كريمة لكل فرد. لكن هناك مشكل هو أن فئة قليلة ، جشعة تريد المزيد. بإمكاننا أن نشيّد مجتمعا مختلفا فيه يحقّق الناس ذواتهم.
---------------
1) " نقاط العمل" : تحيل على طريقة توزيع الدخل على الفلاحين فى ريف الصين الإشتراكية. فى التعاونيات حيث كان الناس يعيشون و يعملون، كانوا يحصلون على عدد معيّن من نقاط العمل مقابل كمية العمل التى يبذلونها. و قيمة كلّ نقطة عمل مرتبطة بالإنتاج و مداخيل التعاونية. كان هذا تطبيقا خاصا للمبدأ الإشتراكي ل " من كلّ حسب قدرته إلى كلّ حسب عمله".
2) "الأطباء ذوو الأقدام الحافية" : خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، إنتقل التركيز على الرعاية الصحية إلى الريف ، حتى مع التحسّن الشامل للرعاية الصحية فى المدن. كانت حركة "الأطباء ذوى الأقدام الحافية" جزءا من هذا التغيير الثوري. إذ جرى إرسال شباب من الفلاحين و من المدت للريف و جرى تدريبهم على الرعاية الصحية و الطبّ الأساسيين و إعدادهم لتلبية الحاجيات المحلّية و معالجة الأمراض الأكثر إنتشارا . و توجّه الأطباء إلى المناطق الريفية- و فى كلّ لحظة من الزمن ، كان ثلث أطبّاء المدن فى الأرياف. فتضاعف أمل الحياة فى حقبة قيادة ماو من 32 سنة سنة 1949 إلى 65 سنة فى 1976.
==================================
/ الأسئلة و الأجوبة : II
1- البداية
سؤال1: حين تنقلت عبر البلاد فى 1986 و شرعت فى القيام بالبحث، ما الذى بدأت أنت و آخرون مثلكم فى رؤيته من إختلاف المجتمع الصيني الحالي عن ما كان عليه خلال الثورة الثقافية؟
جواب 1: أعتقد أنّنا أدركنا ذلك فى الحال. لقد جرت خوصصة الأرض فى الصين فى 1983. و كان العديد من الناس يفكّرون فى أنّ المزارعين كانوا أغبياء و جهلة. لكننى أعتقد انّ المزارعين أناس أذكياء جدّا. و العديد منهم أدركوا فورا تبعات خوصصة الأراضي الفلاحية. لذلك قاوموها مقاومة شديدة فى البداية. و فى قريتى و فى قرى أخرى عاينتها، غالبية الناس ، تسعون بالمائة، قالوا إنّ الحزب الشيوعي لم يعد يهتمّ بالفقراء فى الريف. و تراجعت إستثمارات الحكومة فى المناطق الريفية من 15 بالمائة من الميزانية فى السبعينات إلى فقط 3 إلى 4 بالمائة فى الثمانينات. و من هنا أدرك عموم الصينيين أن الحكومة الصينية لم تعد تهتمّ بهم بفعل تفكيكها للكمونات. حينها كنت فى المعهد و لم أشرع فى التفكير فى الموضوع بقوّة إلاّ فى 1986.
سؤال 2 :هل يمكنك مزيد شرح كيف أنّ الثورة الثقافية بلغت قريتكم و ما هو دور أعضاء الحزب الشيوعي فى الثورة الثقافية؟
جواب 2 : إنطلقت الثورة الثقافية ببطئ . قبلها وجدت دعوة لدراسة مؤلفات ماو. لقد تحدثت عن أهمّية ذلك فى كتابي. جاء جيش التحرير الشعبي الصيني للقرية لقراءة مؤلفات الرئيس ماو. و أقام عروضا فى القرية. دقّوا أبواب المنازل ليعلّموا الناس قراءة المقالات الكلاسيكية الثلاث لماو أي " لنخدم الشعب" و " فى ذكرى نورمان بيثون" و " الشيخ الجاهل الذى أزاح الجبلين". شرحوا للقرويين ما تعنيه تلك المقالات. و بعد مغادرة جنود جيش التحرير الشعبي، طفق عديد التلاميذ مثلى هم بدورهم يعلّمون القرويين مؤلفات ماو. وعندما أعلنت الحكومة المركزية بداية الثورة الثقافية ، غادر طلبة المعاهد العليا و الوسطى المعاهد و أخذوا يكتبون اللافتات ذات الحروف الكبيرة فى الطرقات. جلب طلبة المعاهد العليا 20 أستاذا من أساتذتهم إلى ساحة السوق و فضحوا سلوكاتهم السيئة على الملإ و حلقوا نصف شعرهم أمام الحضور الكثيف. لا أعتقد أنّ غالبية الناس قد إستوعبوا فى البدئ ما ستكونه الثورة الثقافية.
أخذ الكثير من الطلبة ينشرون صحفا و كراريسا عديدة فيها كانوا ينقدون موظفى الحكومة. بداية كان يكتب نصوصها الطلبة و بعيد ذلك ، طفق المزارعون و العمال يكتبون هم بدورهم. كانت المعلومات حينها غزيرة. ثمّ وجدت مجموعة طلبة من المعهد العالي و الأوسط من مقاطعتنا سافروا إلى بيكين لمقابلة الرئيس ماو. و لمّا عادوا فى أوت 1966 شرعوا فى تنظيم أنفسهم فى كتل الحرس الأحمر. و شرعوا فى تنظيم مسيرات حاشدة لنقد قادة المقاطعة و الكمونة. فألفى كافة الموظفين أنفسهم تحت نوع من الفحص الدقيق و الهجوم الشعبيين حينها. فكلّ فرد تقريبا - حوالي 90 بالمائة من السكان -كان منخرطا فى منظمة جماهيرية.
وقتذاك كنت فى السنة الثالثة . أنشأت و خمسة من أصدقائي تنظيما للحرس الأحمر. و حدّدنا الشعارات و أخذنا ننشر جريدة من صفحة واحدة. و جمّعنا مالا كافيا للحصول على طابعة لطبع جريدتنا. فى معهدى ، وجدت 13 جريدة صغيرة الحجم. وقد إنتدبنا آخرين و كتبنا أشياء وزعناها على الناس فى ساحة السوق. هكذا إنطلق الأمر. ألصقنا اللافتات فى كلّ مكان فكانت شوارع القرية مغطّات بملصقات حائطية ذات الحروف الكبيرة غالبيتها تنقد قادة القرية. قبل الثورة الثقافية ، كانت لقادة القرية سلطة واسعة. وعادة لم يكونوا يشتغلون فى الحقول و يأكلون و يشربون الكثير على حساب القرية. فأتت الثورة الثقافية لتعيدهم إلى العمل.هكذا بدأ الأمر فعلا.
فى كافة هذه النشاطات كانت الملصقات ذات الحروف الكبيرة جميعها مكتوبة من قبل المزارعين أنفسهم. و أذكر أنّ بعض الفلاحين لم يكونوا يعرفون الكتابة. كانوا يأتوننا، كانوا يتوجهون إلى أطفال المدارس ليكتبوا لهم. و هكذا كانت حركة حاشدة جدّا طالت كلّ فرد فى القرية.
و من أهمّ الأشياء التى أفكّر بها اليوم هو أن فساد الموظفين اليوم بينما لم يكونوا كذلك فى سنوات الثورة الثقافية يعود إلى كون الجماهير كانت تمتلك سلطة فعلية. كان هناك إجتماع جماهيري كلّ ليلة فيه كانت تقرأ سياسات الحكومة و توجيهاتها للفلاحين. و كان الإجتماع مطلوبا حكوميا آنذاك. وكانت السياسات و التوجيهات تقرأ للفلاحين ثمّ يفسح لهم المجال لنقاش هذه الوثائق وهكذا كان الجميع يعلمون ما يحدث و لماذا. و يعزى كون الشعب الصيني كان يتطلع إلى القراءة و حفظ مؤلفات ماو حينها إلى أنه كان يجد أن ما قاله ماو كان يمثّل جوهر مصالحه. و قال ماو ما أراد الشعب سماعهو مثال ذلك مقال ماو "لنخدم الشعب" الذى يعدّ صفحة و نصف الصفحة فحسب. لكن فى هذا المقال القصير صاغ ماو كيف يجب على الموظّف الشيوعي أن يتصرّف. لا ينبغى أن تكون له مصالحا خاصة . يجب أن يعمل من أجل الشعب و خدمة الشعب. يجب أن يعتني بالناس والفلاحين الفقراء. و ينبغى أن يرحّب بالنقد. إن لم يكن يقوم بالشيئ الصحيح ، يجب أن يغيّر تصرّفه لفائدة مصلحة الشعب. و هذا شيئ لم يسمعه أبدا الفلاحون و أرادوا سماعه.


2- التعبئة ضد الأفكار التقليدية:
سؤال1 : لماذا وقتذاك ، خلال ذلك العقد من الثورة الثقافية ، لم يبذل مجهود لتطهير الحزب الشيوعي من أتباع الطريق الرأسمالي الإنتهازيين؟ لماذا لم تتخذ أي إجراءات لتطهير مختلف أجهزة الحزب من أتباع الطريق الرأسمالي؟
جواب1 : هذا سؤال جيّد جدّا و قد أثير فى عدّة مناسبات. والجواب هو أن الثورة الثقافية كانت تهدف ليس لتطهير الناس بل لتربية الشعب. الكثيرون من أتباع الطريق الرأسمالي ناضلوا من أجل الثورة و قدّموا مساهمات هامة فى الثورة الصينية. و كانت فكرة تقليدية مقبولة أن يتمتّع الذين قاتلوا من أجل الثورة بإمتيازات عندما تنجح الثورة. و لم يكن يكفى ان يجري تطهير هؤلاء الناس إذ أن المشكل كان الأفكار التقليدية القديمة. لهذا كانت الثورة الثقافية تستهدف القضاء على الأفكار التقليدية و تربية الشعب عبر إستنهاض الفلاحين و العمال. و أعتقد أنّه إذا لم يحدث إنقلاب فى 1976 ، أشكّ فى أن جهاز الحكومة كان سيتغيّر من ذاته. حدث ذلك بسبب الإنقلاب. ولا أعتقد كذلك أنّ تطهير الناس حلّ. أذكر أنّ خلال الثورة الثقافية وجد بعض الموظفين السامين فى جهتى كانوا يحثون أبناءهم على العمل مع الفلاحين و يطالبونهم بأصعب الأعمال و المهام لبناء شخصياتهم. و يبدو أن هؤلاء الموظفين السامين تغيّروا مع تغيّر الجوّ العام و التغيير الإجتماعي خلال الثورة الثقافية . لكن الحركة العكسية حدثت بعد ذلك.
غالبية الناس ما كانوا واعين بحصول إنقلاب فى 1976. لقد تمّ إيقاف زوجة ماو وثلاثة قادة هامين آخرين. و حصلت عملية تطهير واسعة النطاق جدّا عبر الصين. و فورا تمّ إيقاف مئات الآلاف من الذين ساندوا الثورة الثقافية. و جادل البعض بأنّه كان على ماو أن يقتل دنك سياو بينغ و بعض الآخرين ليحول دون إيقاف "الأربعة" . لعلّه كان يجب عليه فعل ذلك لكنّه لم يفعل.
سؤال 2: لقد إستمعت حقّا لمداخلتك. سؤالى هو هل بإمكانك أن ترسم صورة مقارنا مستوى حياتكم و حياة أسركم اليومية خلال الثورة الثقافية و ما قبلها من جهة و من جهة ثانية وضع أسرتك الآن فى الصين الرأسمالية؟
جواب 2 : لقد أطلقت الثورة الثقافية لأن القفزة الكبرى إلى الأمام (1) فشلت جزئيا ذلك أنّه من ناحية جدّت كارثة طبيعية لم تعرفها الصين منذ قرون و من ناحية ثانية لم يكن الموظفون الشيوعيون حينها بعد إشتراكيين حقّا. فقد أمروا الفلاحين بإنجاز ما يفوق طاقاتهم بينما لم يقوموا هم أنفسهم بالأعمال الصعبة. لم يوجد ما يكفى للأكل خلال القفزة الكبرى إلى الأمام بسبب الكوارث الطبيعية من جهة و سوء الإدارة من جهة أخرى لذا أعتقد أن ماو أطلق الثورة الثقافية لأنه أدرك حينها أنّ الموظفين الصينيين يحتاجون إلى التربية و أن الشعب الصيني يحتاج إلى التربية عبر الحركة الإشتراكية. و لهذا إستنهض الفلاحين الصينيين لنقد الموظفين فى القرية. و بالطبع كنت صغير السنّ جدّا و لا أذكر الكثير عن القفزة الكبرى إلى الأمام. لكن أذكر جيدا أحداث الثورة الثقافية.
كنت أعمل فى الحقول مع الفلاحين و فى ذلك الوقت فى المناطق الريفية ، كانت لكلّ قرية فرقة إنتاج و كلّ فرقة كانت منقسمة إلى عدّة فرق إنتاج. فى قريتى، وجدت ثمانى فرق إنتاج كلّ منها متكونة من 40 عائلة تقريبا. و كنّا نستخدم خمسة قادة لفرق الإنتاج كلّ سنة. و كان هناك رئيس فرقة الإنتاج، و قائدتها و محاسب و قابض و حارس مخزن. قبل الثورة الثقافية كان يتمّ تعيين هؤلاء من قبل قادة القرية الذين بدورهم يعيّنهم قادة الكمونة. لم يكونوا منتخبين ديمقراطيا. و خلال سنوات الثورة الثقافية جرى إنتخاب قادة فرق الإنتاج من قبل الفلاحين.
كنّا نعمل معا فى الحقول.و كان الجميع يخرجون للعمل معا. و فى نهاية اليوم كان القابض يسجّل عدد الذين عملوا ذلك اليوم. و فى نهاية السنة ، عند جمع الحصاد ، يرسم محاسب القرية إلى جانب محاسب فرقة الإنتاج، مخطّطا للتوزيع. فيوزّع 70 بالمائة من القمح طبقا لعدد أفراد العائلة و 30 بالمائة يوزّع طبقا لكمّية العمل فى التعاونية. و من هنا إن لم تشتغل فى الحقول تحصل بعدُ على 70 بالمائة من الحبوب من التعاونية. هكذا كان التوزيع على مستوى فرقة الإنتاج. و كان هناك كذلك توزيع على مستوى فرقة الإنتاج. كانت القرية تملك عدّة مؤسسات. و بعد وضع مال العناية الصحّية جانبا و مال إشتراء تجهيزات جديدة و ما إلى ذلك، توزّع القرية مداخيلها وفق كمّية العمل المبذولة فى التعاونية. و كانت التعاونية تنتج أيضا الخضر و الغلال و الفستق و كنا كذلك نربّى الخنزير. و هذه توزّع على القرويين بصورة نظامية وفق ذات معايير توزيع القمح. و علاوة على ذلك كنّا نشترى السمك و الخمر و السجائر جماعيا بالمال الذى تكسبه مؤسسات القرية و يوزّع هذا على كلّ عائلة فى مناسبات هامّة مثل السنة الصينية الجديدة
و عطل أخرى. كنّا نحصل تقريبا على كافة مؤننا من التعاونية.
إثر سنوات الثورة الثقافية ، ذهبت إلى المعهد. وعثرت شقيقتاي اللتان تعوّدتا العمل لأجل القرية على عمل بمصنع تابع للدولة فى بداية الثمانينات. و شقيقتى الأصغر لا تزال تعمل بالقرية كقابضة القرية الآن. و قريتى تسير سيرا حسنا مقارنة بالقرى الأخرى فقد تغيّرت الحياة فى الريف تغيّرا فجئيا وأعتقد أن الحياة تغيرت للأسوء بالنسبة لغالبية الشغالين حتى و إن حصلوا على مال أوفر فإنهم قد خسروا مكاسبا مثل الرعاية الصحية المجانية والتعليم المجاني فى الحقبة الإشتراكية. والآن عليهم أن يدفعوا المال لأجل تعليمهم وعليهم دفع المال أيضا للرعاية الصحية. و غالبية الفلاحين لا قدرة لهم على دفع نفقات الرعاية الصحّية. و لئن أمسوا مرضى لمشكلة صغيرة فإنهم لا يفعلون سوى التحمّل بصمت. و إن كان المرض خطيرا فإنهم يترقبون الموت لا غير. والعديد منهم يعبّرعن أنهم لا يريدون أن يورّثوا أطفالهم ديونا كبيرة بالذهاب إلى المستشفى. إن الرعاية الصحية باهضة الثمن جدا الآن وهي ليست فى متناول غالبية الفلاحين و الشغالين فى المناطق المدينية.
سؤال 3: هل يمكنك الحديث قليلا عن الحياة الثقافية فى قريتكم و كيف تغيّرت؟
جواب 3 : لقد كانت الثورة الثقافية ثورة ثقافية حقّا. والتغييرات التى حصلت فى مجال الثقافة كانت ثورية. قبل الثورة الثقافية ، كانت العروض الفنية الصينية فى غالبيتها حول شباب موهوبين و نساء جميلات و ملوك و جنرالات و ما إلى ذلك. هذه هي مواضيع المسرحيات التقليدية الصينية. و أثناء الثورة الثقافية ، ظهر صنف جديد من الفنّ. فى ذلك الوقت، كانت لكلّ قرية مجموعة فنانين من الفلاحين و كانوا يعزفون على الآلات الموسيقية و ينشدون أغاني ثورية و يرقصون رقصات ثورية و يعرضون مسرحيات ثورية. كلّ ليلة تقريبا كانت تنظّم نوعا من العروض فى القرية. و صارت هذه العروض وسائلا تعليمية بفضلها إنتشرت الأفكار الثورية. وكانت قوية جدّا. لكن بالطبع لم نعد اليوم نرى ذلك فى الريف. و مع ذلك إن ذهبتم إلى الصين اليوم فما زال بإمكانكم رؤية المسنّين يغنون الأغاني الثورية فى الحدائق و الفضاءات العامة ليروحوا عن أنفسهم.
سؤال 4 : فى الأفلام التى تشاهدها عن الصين و الثورة الثقافية ، يصوّر الناس على أنهم موقوفين و يحاكمون أمام محاكم شعبية و يعرضون عبر المدينة و يعاقبون. و سؤالى هو : ما هو منبع هذه الصور ؟ و هل سمعتم عن أشياء مشابهة فى الصين و ما مدى إتساعها؟
جواب 4 : تلك الصورة وجدت فى سنوات الثورة الثقافية. لمدّة بضعة أسابيع فى بداية الثورة الثقافية ، جرى نقد عديد الموظفين الصينيين على الملإ.وكان ذلك شائعا جدّا. لاحظته عدّة مرّات و يمكن أن أقول إنّ غالبية موظفي الحكومة عاشوا شيئا من هذا فى بداية الثورة الثقافية. و فى نفس الوقت ، أجادل بأنّ الكثير من هؤلاء كانوا يستحقون نوعا من العقاب. إذ إرتكبوا أخطاءا فى عملهم. و بسبب أخطاءهم هذه ، عانى الناس و بحثوا عن طريقة للتعبير عن غضبهم. فى القرى، كان الصراع ضد قادة القرى أكثر ليونة وسلمية.
و مثّلت هذه الجلسات من الصراع العام للتعاطى مع الموظفين الذين إرتكبوا جرائما أو أخطاءا طرقا مختلفة للتعاطي مع هؤلاء الناس. وإثر الصراع معهم ليوم أو يومين ، كان يطلق سراحهم بعد تعلّم درس من الناس. فى الولايات التحدة الأمريكية ، يرسل الناس إلى السجن. و لا أزال أعتقد أنّ هذه التربية العمومية خلال الثورة الثقافية كانت فعّالة للغاية ليس فقط لتربية موظفي القرية، لكن كذلك بقية الناس الآخرين. و عقب الجلسة، يطلق سراحهم. إذا لا أعتقد أنّها ممارسة سيّئة بل جيدة.
سؤال 5 : كان عرضك بالأساس حول الثورة الثقافية لكن هل تستطيع أن تخصّص بعض اللحظات للحديث عن الوضع فى الصين راهنا لا سيما الأزمة الإقتصادية و كيف تعتقد أنّها تعتمل خاصة فى المناطق الريفية وأيضا بصورة عامة؟
جواب 6 : تواجه الحكومة الصينية تحدّيا هائلا اليوم و قد أقرّ موظفو الحكومة الصينية ذاتهم ذلك فى مناسبات عدّة.
و يقدّر بعض الناس أن 100 حادث يشارك فيها أكثر من 100 شخص تتحدّى الحكومة و 300 حادث يشارك فيها أقلّ من 100 شخص تتحدّى الحكومة يوميا. قرأت فى وثيقة عن حادث فى مقاطعة غواندونغ حيث أوقف ثلاثة ضباط شرطة سيارة دون لوحة الأعداد و من التعمّق فى البحث إكتشفوا أنّ السائق لا يملك رخصة سياقة. لكن خرج ثلاث أشخاص من السيارة و صاحوا بأنّ الشرطة تهرسل الناس فتجمّع ألفا شخص قلبوا سيارة الشرطة و أحرقوها. و الحكومة تحذّر عناصر الشرطة كي تتحلّى باليقظة لأن التوتّر بين الناس و الحكومة على درجة عالية. و هناك الكثير من الناس فى الريف الغاضبين جدّا من حكومة المقاطعة. روى لى فلاح حادث فى مقاطعة ريفية قائلا إنه فى أحد الأيام كان سكرتير الحزب ينام فى قيلولة لكن 100 فلاح كانوا غاضبين على قرار حكومة المقاطعة بنقل السوق إلى مكان مختلف، قصدوا غرفة نومه. و عمليا جروه من يديه و رجليه إلى ساحة السوق و رموه فى الهواء لمدّة نصف ساعة. لم يؤذوه. ببساطة تلاعبوا به لنصف ساعة و فى النهاية كان على الحكومة أن تزيحه من وظيفته لأنه صار محرجا لها. هذا ما حدث فى السنة الفارطة. وتعرّض موظّف آخر للضرب من طرف الفلاحين إذ طلب منه القرويون مرافقة مريض إلى المستشفى فرفض و قال إنه لا يسمح بأن يركب أيّا كان سيارته. كاد الفلاحون يقتلونه إلاّ أنّ الحكومة لم تعاقب المسؤولين عن ذلك. لهذا أعتقد أنّ الحكومة تدرك مدى توتّر علاقتها بالجماهير.
وفى الماضى، جاء موظّفو الحكومة إلى القرية و عملوا مع الفلاحين.و اليوم لا يقومون بذلك. يجيؤون إلى القرية فى سيارات فاخرة لا لشيئ إلاّ للحصول على المال من الفلاحين و لفرض سياسة طفل واحد. فى إعتقادي تتخبّط الحكومة فى أزمة شرعية. فى الماضي كانت الحكومة الصينية قادرة على الإستمرار رغم تحديات القفزة الكبرى إلى الأمام و التحديات التى تسببت فيها الكوارث الطبيعية و سوء إدارة الموظفين نظرا لشرعية الإشتراكية. و لا أرى أنّ الحكومة الحالية قادرة على البقاء على قيد الحياة لو واجهت تحديات تشبه تحديات القفزة الكبرى إلى الأمام.
سؤال 6 : شكرا لمجيئك . أنا أتطلّع إلى الحصول على كتابك و قراءته. لدي سؤالان . أولا ، لقد أشرت إلى إنقلاب 1976. هل من الممكن أن تحدثنا عن ما حصل و كذلك كيف فهمت الفترة كلّها حيث كنت؟ و كيف فهم الناس الصراع الدائر رحاه بالضبط من ما قبل وفاة ماو إلى الإنقلاب؟ و سؤالي الثاني هو : فى وصف التمرّد الحالي بالصين ، ما نوع التفكير الثوري هناك ؟ هل توجد تيارات توجه نظرها صوب ماو أو الماوية ؟ كيف يتطوّر ذلك؟ ماهي الأفكار التى تستقطب الناس فى هذه الفترة؟
جواب 6 : لا زلت أذكر أين كنت فى 9 سبتمبر 1976. فى الرابعة يومها، كنت أتفسّح راجلا مع صديق لى خارج القرية حينما أعلن عبر مكبّر الصوت أنّه ثمّة خبر هام جدّا. و فى الحال أدركنا أن هناك أمر خطأ و أعلنوا وفاة الرئيس ماو. لا أدرى كيف عدت إلى المنزل يومها. فقط أذكر أن الجميع حولى كانوا يبكون. و فى النهاية وصلت إلى المنزل. و أبى بكى على طول الطريق من المصنع إلى المنزل بينما لم يبك عندما توفيت جدّتى. و جمّع العائلة و قال "اليوم سقطت سماء شعبنا الفقير و لا ندرى كيف ستكون الحياة فى المستقبل". فى ذلك الوقت قلت لنفسي كيف يمكن لسماء الفقراء أن تسقط فقط لأن الرئيس ماو توفّي.
و تبيّن أنه كان محقّا فعندما جرى إيقاف "الأربعة" قالت الحكومة الصينية إن الناس كانوا فعلا سعداء. و لم يكن ذلك صحيحا. فى مسقط رأسى كان عديد الشباب يحترمون حقا تشانغ تشنغ نظرا لحادث حصل فى الكمونة المجاورة.ففى عيد السنة الجديدة فى 1975 ، وضع قائد القرية عبر مكبّر الصوت مسرحية قديمة نقدت خلال الثورة الثقافية . فتوجه شاب من القرية بالنقد إلى قائد القرية لذلك إلاّ أن قادة القرية إتهموا هذا الشاب بإحداث الفوضى فى القرية و جلبوا الشرطة لتأخذه. و لمّا كان فى السجن ،بعث الشاب برسالة إلى تشانغ تشنغ و فى أقلّ من خمسة أيام ، أجابت تشانغ تشنغ على رسالته و امرت بإطلاق سراحه و بإقالة قائد القرية من وظيفته. كان شباب منطقتى يحبون تشانغ تشنغ. و لمّا تمّ إيقاف "الأربعة" بعد بضعة أسابيع من وفاة ماو ، أدركنا أن الأمور ستمسى مختلفة.
لا نعرف إلى الآن لماذا قرّر هواو الذى عيّنه ماو إيقاف "الأربعة" و لا عرفنا ذلك حينها. و اليوم بالنظر إلى تلك اللحظة التاريخية ، أعتقد أن هواو كوفينغ كان المسؤول عن ذلك. ثمّة أناس تحدّثوا عن كيف أنه حينها ،قبل وفاته ، كان ماو ينوى تعيين تشانغ تشنغ لنيابته و أنه على ما يبدو أن هواو كوفينغ لم يكن من المفترض أن ينوب ماو. و أعتقد انه على الأرجح أوقف "الأربعة" ليس لأن لديه أجندا مختلفة لكن من أجل طموحه الشخصي للسلطة. لكن لا أظن أنه كان ينوى تغيير خطّ ماو و بإيقاف"الأربعة" و ضمنهم زوجة ماو ، كان عليه أن يدين الثورة الثقافية لأن "الأربعة" كانوا القادة الحيويين لهذه الثورة الثقافية. و بإدانته للثورة الثقافية عبّد الطريق لعودة دنك سياو بينغ. و بالطبع هذا ما حصل. لا أعتقد أن العمال و الفلاحين كانوا فعلا مثلما قالت الحكومة سعداء لإيقاف "الأربعة" و قام هواو كوفينغ بأشياء أخرى بعد ذلك. إذ قرّر الإحتفاظ بجثّة ماو ضد إرادة هذا الأخير. و لقي هذا القرار تجاوبا شعبيا حينها ذلك أن الشعب الصيني و بالخصوص الطبقة العاملة الصينية إعتبرا ماو قائدهما الأعلى. لذا لمّا قام بذلك ظنوا أن هواو كوفنغ لا يزال يواصل إرث ماو. كما أنه أعلن أنّه سينشر المجلّد الخامس من مؤلفات ماو. و كان ذلك شعبيا جدّا أيضا. لقد قام ببعض الأشياء الجيدة جدّا غير أنه قام بأكثر الأمور الهدّامة أي إيقاف "الأربعة".
و فى ما يتصل بالوضع الآن ، من الصعب للغاية بالنسبة إليّ رسم صورة تامّة . قبل سنتين، قال الإبن الأكبر لدنك سياو بينغ ردّا على سؤال مبعوث صحفي من الآسوشياتد براس إنّ الثورة الثقافية لم تكن فقط مأساوية له و لعائلته بل كذلك للأمة الصينية.و قال إنه فى 10 ديسمبر ، فى غضون 20 يوما ، وجد أكثر من 35 ألف شخص تفاعلوا مع تعليقه على الأنترنت. و حوالى 90 بالمائة من المراسلات أدانته لتشويهه الثورة الثقافية. و كانت الحكومة الصينية قادرة على أن تنجو من إدانة الثورة الثقافية قبلا. و الآن من العسير عليهم فعل ذلك. يبدو أن الشعب الصيني يستفيق حقّا ليرى بوضوح الثورة الثقافية. الآن يقول الناس لقد كذبوا علينا لمدّة 30 سنة. لقد أكّد التاريخ أن الرئيس ماو على صواب،منذ البداية الموظفون الصينيون غارقون فى الفساد. و يفهم الناس أنّ ماو شنّ الثورة الثقافية للحيلولة دون حصول ذلك. لقد أدرك ماو قبل وفاته أنه دون وضع السلطة بأيدى الطبقة العاملة لتكون بمثابة حارسة ، سينزع الموظفون نحو الفساد.
الأزمة فى الصين جدّية للغاية فخلال الثورة الثقافية لم يكن لدينا فسادا مستشريا. من فساد قليل الإنتشار إلى فساد مستشري ، هذا ما يجعل الناس ينزعون إلى رؤية المشكل بجدّية أكبر. حتى نكون منصفين أعتقد أن الموظفين الصينيين ليسوا أكثر فسادا من الموظفين الأمريكان . مثلا إن كان "الحفر الكبير" الذى يحصل فى بوستن يحصل فى الصين ، سيحدث إحتجاج شعبي هائل، لكن هنا لم يوجد أي إحتجاج حوله بالمرّة. لقد إعتاد الناس على ذلك فى الولايات المتحدة.
سؤال 7 : عندما كنت تتحدّث من قبل ، كنت تقول إنّ 10 سنوات من الثورة الثقافية كانت الأكثر إثارة فى حياتك. هل بإمكانك تقديم أمثلة عن تلك الروح التى شعرت بها؟
جواب 7 : ما شعرت به آنذاك هو إحساس قوي بالأمن. لم أكن الوحيد فى هذا العالم. جيرانى ،قادة فرقة الإنتاج ، قادة القرية يعتنون بكل شخص إذا إحتاج للإعانة.
فى 1998 ، أحد أصدقائي الذين عملوا معى إنتحر. حينما بلغنى الخبر من القرية بكيت لأننى شعرت أنه إذا لم يجر تفكيك التعاونية لم يكن ليموت، لم يكن لينتحر. كان من عمرى تقريبا. عندما كان شابا لم يكن يستطيع النهوض باكرا لذا كلّ صباح كان قائد فرقة الإنتاج يرسلنى لإنهاضه. و حين ذهبت لإنهاضه لأوّل مرّة، إستجاب لطلبى و نهض. و قال فى اليوم التالى إنه سينهض لوحده و لم يفعل أبدا. فكان علي أن أخرجه من سريره. و فى اليوم الثالث كانت جدّته جدّ غاضبة من ذلك وقالت لى إنّه يحتاج إلى مزيد من النوم لكن قائد فرقة الإنتاج قال لى " لا تهتمّ لما تقوله الجدّة ، أنهضه إنه يحتاج إلى المساعدة ". و هكذا كان يأتى إلى العمل بمساعدتى و كان يعمل يوميا وهو عامل جيّد و موهوب أيضا. كان يعزف على آلات موسيقية صينية عزفا جيّدا جدّا و كذلك كان يرسم. لكن إثر تفكيك التعاونية ، لم يعد هناك من ينهضه. كان بإمكانه النوم قدرما يستطيع و هكذا إنزلقت حياته لتفوت من بين يديه. و حوالي 1996 -1997 بات مختلاّ عقليا. و قد رأيته لآخر مرّة فى 1997 لمّا عدت إلى منزلنا. رأيته يمشى عاري الجسم فى الطريق العام. رآنى ففرّ عائدا إلى منزلهم. تبعته إلى هناك و سألته لماذا يفعل ذلك فأجاب أن حياته سيئة و لم يعد يريد البقاء قيد الحياة. قلت له إنّه عليه أن يغيّر طريقة تفكيره و إنه عليه أن يواجه التحدّيات. و سألته لماذا لا يعود إلى الرسم إذا لم يستطع فعل أي شيئ آخر. قلت له أيضا أنّنى سأبقى فى القرية لمدّة عشرة أيام و أودّ أن أشتري منه لوحة. فوعدنى بإنجازه لكنه أتانى فى اليوم الموالي و أبلغنى بأنه لا يستطيع إنجازها الآن واعدا بإعدادها فى السنة التالية. فأكّدت له أننى مهتمّ به هو وليس باللوحة إذ كنت أريد أن أراه يقف على رجليه و يمسك مصيره بيديه. لكن بعد أشهر ثلاثة من مغادرتى القرية ،إنتحرشنقا. ولمّا أبلغنى شقيقي الصغير الخبر بكيت بكاءا شديدا. شعرت بأنه إن لم يتمّ تفكيك التعاونية، لم يكن ليحتاج إلى الإنتحار. لم تكن المجموعة إلى جانبه. صار الأصدقاء و الجيران من المنافسين و غرباء عنك. و تلاشت شبكات الأمن. أنتم كأمريكيين إعتدتم على هذا النوع من التنافس. لكن بالنسبة للفلاحين الصينيين الذين عاشوا فى ظلّ النظام الإشتراكي قبلا، كان التغيّر دراميا جدّا بالنسبة للعديد منهم .
سؤال 8 : مثل أي إنسان هنا، أريد حقّا أن أشكرك لإطلاعنا على هذه القصّة الخاصة. و لدي سؤالان إثنان. السؤال الأول هو: لقد أحدثت الثورة الثقافية موجات هزّت العالم هزّا. هل تدركون ذلك فى قريتكم. و ما مدى وعيكم بما حدث فى الوضع العالمي و تداعياته؟
جواب 8 : هذا سؤال جيّد. فى ذلك الوقت عندما كنت فى القرية، شعرت فعلا بأننا كنّا جزءا من الثورة العالمية. كنّا شبابا وكنّا جزءا من صورة كبرى. أذكر أن فى 1971 شهدت منطقتنا جفافا هائلا. و نظّمت حكومة المقاطعة تجمعا ضخما فى ساحة السوق. فى التجمّع قال قادة الحكومة و ممثلو الفلاحين والعمال إننا نناضل ضد هذا الجفاف ليس من أجلنا نحن فحسب و إنما أيضا من أجل دعم قتال الشعب الفتنامي ضد الإمبريالية الأمريكية. كنّا نناضل ضد هذا الجفاف لدعم الشعوب المضطهدة فى أفريقيا و سواها. و إثر التجمع كتب كلّ فرد فى معهدنا تعهد للإلتحاق بالنضال ضد الجفاف إلى جانب القرويين. عملنا جميعا بشدّة و شعرت أنّنى كنت أنجز شيئا له دلالة للمساعدة على الثورة. فى ذلك الوقت ، لم أستوعب أنّ الحكومة تقول لنا إنه لدينا أصدقاء عبر العالم. وعقب الثورة الثقافية، قالت لنا النخبة الصينية إن ذلك كان دعاية حكومية. و لكنه لم يكن دعاية فحسب. إكتشفت هذا حين درست فى سنغافورا. عند وفاة ماو فى 1976 لم تكن للصين علاقات دبلوماسية من سنغافورا. لذا قرّر فرع بنك الصين إقامة حفل تأبين لماو لمدّة ثلاثة أيّام. فجاء سنغافوريون عاديون و بحّارة من العالم قاطبة ليعبروا عن إحترامهم لماو، ليلا نهارا. كان الصفّ طويلا جدّا بحيث كان على مجموعة بنك الصين أن تمدّد حفل التأبين من يومين إلى عشرة أيام. عندئذ أدركت أن نضالنا فى الصين كان مرتبطا بنضال المضطهََدين فى العالم بأسره.
سؤال 9 : هذا ضرب من السؤال المواصل لما سبق. أعلم أن الثورة الثقافية عرفت مراحلا عدّة و فى السنة و نصف السنة تقريبا قبل وفاة ماو ثم الإنقلاب ، كانت فى مرحلة من نوع مختلف، لم تكن الموجة عالية كموجة الملصقات ذات الأحرف الكبيرة و المسيرات الحاشدة طوال الوقت. لكن وُجد البعض منّا الذين كانوا خارج الصين عبر العالم و يتابعون الثورة العالمية و ما تعرفه الصين و يقرأون أشياء. كثيرا ما قرأت مجلّة تسمى " مجلة بيكين" حينئذ. و تحدّثت عن مفعول مقال ماو "لخدمة الشعب" فى القرى. لكن كتبت أشياء فى "مجلّة بيكين" كانت نوعا من الإيحاء إلى الناس فى العالم بأن ماو لن يقطع رأس دنك سياو بينغ و مع ذلك كانت تصرّح بجلاء بوجود صراع خطين فى قمّة الحزب الشيوعي الصيني وأذكر أن على الغلاف كان يوجد عنوان يقول " إنكم تقومون بالثورة الإشتراكية و لا تعرفون أين توجد البرجوازية. إنها بالضبط فى قمّة الحزب الشيوعي ، أتباع الطريق الرأسمالي ". لقد تحدّث كثيرا عن الإختلاف بين الطريق الرأسمالي و الطريق الإشتراكي. هل وُجد معنى لهذا؟ كيف تلقّى الناس ذلك فى القرية؟ أم هل أنّ الثورة الثقافية بلغت نقطة عدم بلوغ هذه الأشياء مسامع الناس؟
جواب 9 : تحدّثت عن هذا فى كتابي ، ما معنى أتباع الطريق الرأسمالي؟ لقد كان الأمر عسير الفهم على البعض. لكن بالنسبة للفلاحين و العماّل الصينيين ، من السهل فهم ذلك. كلمات " أتباع الطريق الرأسمالي " إستعملت على الدوام خلال الثورة الثقافية و صراع الخطين كان موضوع حديث لا ينقطع. و أتباع الطريق الرأسمالي هم الذين لم يريدوا مواصلة الثورة الإشتراكية، الذين يطمحون إلى نمط حياة رأسمالي و الذين لا يريدون العمل. لقد صاروا طفيليين. و أمثلة من هؤلاء كانت واضحة جدا فى القرية قبل سنوات الثورة الثقافية. لم يكونوا يعملون و يحصلون على أكثر من غيرهم. و تحصل عائلاتهم على أكثر من غيرها لكنها لا تعمل من أجل المصلحة العامة. كان الفلاحون يعرفون بالضبط ما يريدون. كانوا يريدون من القادة أن يعملوا معهم. و كانوا لا يريدون العودة إلى المجتمع القديم. الفلاحون و العماّل لا يريدون العودة إلى المجتمع الرأسمالي القديم و لا يريدون كذلك خوصصة الفلاحة.
سؤال 10 : هل هناك أي حركة منظّمة اليوم ضمن العمال و الفلاحين؟
جواب 10 : لا أعلم الكثير عن هذا. لكن هناك عديد المجموعات الصغيرة المختلفة تعمل على تنظيم الشعب. فى محافظة، سنة 2000، وجدت مجموعة من الشباب، من الفلاحين الذين شكلوا تنظيما حول الماركسية و الماوية. و أوقفت الحكومة 200 قائد. و سمعت أن المجموعة نمت بسرعة، إلى أكثر من 2000 شخص فى غضون بضعة أشهر. و الحكومة الصينية تراقب عن كثب هؤلاء الناس. كما وجد البعض الذين حاولوا تنظيم مظاهرات و إحتجاجات. حصلت هكذا أشياء لكنّى لا أرى حاليا منظمة قوية على نطاق البلاد.
سؤال 11: هل هناك أخبار أو تقارير عن تمرّدات واسعة فى الصين ضد الشرطة ؟ هل يمكن أن تحدّثنا عن مدى هذا و سببه؟
جواب 11 : جرى الحديث فى تقرير " النيويورك تايمز" قبل سنتين عن إحتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة فى مقاطعة سشوان. كان عامل مهاجر يعمل فى المدينة حمّلا وهو يحمل سلعا فى شارع المدينة. كان يحمل قطعة حديد طويلة و يعبر الشارع. لمس الحديد إمرأة فغضبت منه و صفعته على وجهه ثمّ دعت زوجها الذى كان عاملا حكوميا من الدرجة الدنيا فجاء فى سيارة حكومية. و ضربا الرجل مجدّدا و قال إن بإمكانه قتل الرجل و لن يكلّفه ذلك سوى 20 ألف دولار. و سمعه الحاضرون فتملّكهم الغضب الشديد. فتجمّع 100 ألف شخص وأشعلوا النار فى سيارته. و توجهوا إلى مقرّ الحكومة و حاصروه لمدّة ثلاثة أيام. و كان على الحكومة أن ترسل حوالي 100 ألف شرطي لتهدئة الحشود. وعقب بضعة أشهر، ايضا فى مقاطعة سشوان جدّ قتال من أجل الأرض وقال التقرير إنّ الفلاحين أمسكوا عمليا بحاكم المقاطعة ليومين و كان على الحكومة أن ترسل عددا ضخما من الشرطة لتهدئة الفلاحين. و إعتقد أن هذا النوع من الأشياء يتواصل فى الصين وغالبية ما يجدّ لا ينقل إلى العالم الخارجي. و كما قلت فى ما مرّ بنا من حديث ، التوتّر مع الحكومة و قدرة الحكومة على التعاطي مع هذا النوع من الأشياء يتقلّص أكثر فأكثر. فى نظر الشعب، الحكومة فى الجهة المقابلة، جهة الأغنياء ،وهي تحاول قمعهم. لهذا أعتقد أن مثل هذا التمرّد يتوسع فى الصين حاليا.
سؤال 12 : سمعت مرّة عن مصادرة أراضي من أجل التطوير الإقتصادي و إنهم إنتزعوا الأرض من الفلاحين لبناء مصنع.
جواب 12 : هذا الضرب من الأمور مستمرّ تقريبا فى كلّ مكان فى الصين. يريد المسؤولون المحليون الصينيون كسب مزيد من المال. يريدون تركيز مناطق تطوّر جديدة. و هكذا حيثما يتمّ تركيز مناطق تطوير جديدة، فإن السكان يجب أن يغادروا المكان و يبيعوا الأرض للمستثمرين. وفى عديد الحالات لم يرد السكان المغادرة و فى أحيان كثيرة أخرى ردّ الفلاحون الفعل. و التناقض بين الفلاحين و المسؤولين المحليين جدّية للغاية فى الصين اليوم.
سؤال 13 : أريد أن أعود إلى تجربتك خلال الثورة الثقافية. فى 1966 كان عمرك 11 سنة و كبرت. لقد وصفت لنا كيف جاء جيش التحرير الشعبي و قرأ تلك المقالات الثلاث، و ناضل الناس فى سبيل مصالهم و غيروا كلّ شيئ و تحدّوا المسؤولين المتخندقين وكنت وأنت صغير السنّ تكتب المعلقات ذات الأحرف الكبيرة و كلّ ذلك. كنت قادرا على الذهاب إلى المدرسة و نشأت و صرت شابا متعلّما فى الريف و مع ذلك وجدت الحملة السياسية التى إمتدّت طوال 10 سنوات. كيف يهمّك هذا، و إلى أي مدى تستمرّ فيه ؟
جواب 13 : لقد تغيّر كامل نظامي الأخلاقي تغيّرا تاما. قبل الثورة الثقافية لم يسمح لى أبى أبدا بالتحدّث إليه، هكذا كانت العائلة الصينية. لم يسمح لى أبدا بالردّ عليه. و كلّما وجد ضيوف فى المنزل لم يكن البتّة يسمح لى بكلمة واحدة. لكن طوال سنوات الثورة الثقافية تغيّر ذلك. قلت: " قال الرئيس ماو بأنّه بإمكانى الردّ عليه!" لكن عديد الناس فى هذه البلاد يرون أنّ الحملة الثورية مثّلت إنقطاعا فى حياتهم. كلاّ. الثورة لم تحدث إنقطاعا فى حياة غالبية الناس ، خصوصا فى القرية. خلال اليوم تواصل العمل و فى الليل كان الناس يخرجون إلى الشارع حيث تنظّم نقاشات كثيرة ، كانت مختلف الجماعات تناقش فى الشوارع. و كنت أنا و أبن عمّى نذهب إلى المتاجر فى بداية الثورة الثقافية لننشر أفكار ماو تسى تونغ. كانت الدكاكين المملوكة للحكومة تمدّد ساعات عملها إلى العاشرة ليلا فى ذلك الوقت. لذا كنّا نذهب إلى المتاجرلقراءة تعاليم ماو و لعرض المسرحيات و ما إلى ذلك. و كان ذلك يسعدنا.
لا أعلم كيف أصف التغيّر فى المناطق الريفية. ربّما أمكننى أن أعطي مثالا عن التغيير. قبل سنوات الثورة الثقافية لم يكن الناس فى منطقتنا يتبرعون بدمهم إلى أي كان، إذا كنت تحتاج إلى نقل دم ، تتجه إلى عائلتك : زوجتك، أبوك أو إخوانك و أخواتك. كان الناس يفكّرون أنّه إذا تبرعت بدمك لإنسان آخر فإنك ستفقد حيويتك فى الحياة. لكن فى يوم من الأيام ، مرض أحد زملائي و إحتاج إلى نقل دم. و كان غالبية عمال المصنع يعملون فى الحقول. كان زمن حركة كبيرة فى القرية. و ذهب عشرون شابا من القرية إلى المستشفى. تحققت الممرضات من نوع دماءنا و تبيّن أننى الشخص الوحيد المؤهّل للتبرّع بالدم. و كنت أعلم وقتذاك أن كلّ واحد من العشرين كان سيعطى دمه لإنقاذ الزميل. و سألنى سكرتير الحزب بالقرية عن ما أنوى القيام به فأجبت بأنه يجب إنقاذ المريض. فنقلوا منّى أكثر من 700 صل و بعد ذلك لم أستطع السير و كان عليهم أخذى إلى المنزل فى عربة. و فى الصباح التالى إستيقظت فوجدت أمّى و خالتى تبكيان. عمليا بكيتا طوال الليل. إعتقدتا أننى لن أقدر على الزواج و أنّ لا فتاة ستقبل أن تتزوجنى. لكن الحياة تغيّرت و لم يشملنى التغيير أنا وحدى. كلّ الذين قصدوا المستشفى يومها كانوا سيكونون سعداء بالتبرّع بدمهم للمريض.
و كلّما حلّت عاصفة، حتى فى منتصف الليل، كان الناس يستفيقون لتغطية المحاصيل الجماعية. و إذا نزل الثلج كان علينا أن ننظّف الطرقات. لم تكن لدينا جرارات كبيرة. كان على كلّ شخص أن يخرج و ينظّف الشوارع. وحصل تغييرهام آخر فى الحياة الريفية ألا وهو عدم وجود تقريبا و لا جريمة طوال سنوات الثورة الثقافية. لسنوات عشر، لم تقع أي جريمة فى القرية. فى كمونة متكوّنة من 50 ألف إنسان، لم أسمع عن أي جريمة جدّية لمدّة سنوات عشر. لكن الآن، أضحى الإجرام أمرا شائعا فى الصين.
سؤال 14: هل يمكن أن تقارن حياتك اليومية أثناء الثورية الثقافية بالحياة اليومية لأجدادك قبل 1949؟
جواب 14 : أجدادى من جهة أمّى من عائلة فقيرة جدّا لكن أجدادي من جهة أبى كانوا يملكون الكثير من التجارة وقتذاك. بيد أن أم جدّى توفيت فعاش جدّى حياة صعبة مع زوجة أبيه لذا هرب و نجح نوعا ما فى منشوريا. ثمّ عاد إلى موطنه و تزوّج. و لاحقا إصطحب أبى عمّتى و جدّتى لتعيشا معه فى منشوريا.
كان تاجرا ومثل غالبية التجار الآخرين، كان يدخّن الأفيون و يرتاد دور الدعارة. فباتت جدّتى مريضة جدّا جراء نمط حياته. و من ثمّة قرّرت العودة إلى القرية دون إعلام جدّى. و إعتقدت عائلتها أنها عادت إلى القرية بعلم جدّى و توقعت أنها أحضرت معها بعض المال للعائلة لكن خاب ظن عائلة جدّتى فغضبت و عندما تقاسمت العائلة الأملاك، لم تحصل جدّتى على أي شيئ. و هكذا كان على أبى أن يشتغل لدى الرأسماليين كعامل طفل من 1942 إلى صعود الشيوعيين إلى السلطة فى 1949. و مردّ مساندة أبى للحزب الشيوعي كان عمله ل18 سنة يوميا. كان عليه أن يلتقط ثمارمزارع الرأسماليين وأن يقوم بالشؤون المنزلية زيادة على العمل لساعات طوال فى المصنع. و لمّا صعد الشيوعيون إلى السلطة بات يوم العمل يعدّ 8 ساعات و من هنا تغيّرت حياة جدّى إلى الأفضل فى ظلّ الإشتراكية. و كان أبى يؤمن بالبوذية ، و بعد صعود الشيوعيين إلى السلطة لم يعد يؤمن بها. و فى الإحتفال بالسنة الصينية الجديدة ، كانت أمّى عادة ما تسأل راكعة آلهة العائلة. و كان والدى يقول لى على الدوام بألاّ أفعل ذلك. قيل له إنه يتألّم لأنه قام بشيئ خاطئ فى حياته السابقة. لقد غيّر حياته السابقة، لكن حياته تغيّرت فجأة للأفضل مع وصول الحزب الشيوعي للسلطة.
كلّ من أبى و أمّى إضطرّا للتسوّل قبل 1949 و كانا طوال الوقت جياعا. و جدّايا توفيا فى 1944 و هما فى الثلاثين من العمرلغياب الرعاية الصحية. و يمكننى تذكّر أننى لم أشعر أبدا بالجوع. على الدوام كان لدي ما يكفيني للأكل. وأبى لم يأتينى بأية ألعاب وأنا طفل. و عادة ما أقارن طفولتى بطفولة إبنى فى الولايات المتحدة. حينذاك، كان لدينا بالحي الكثير من الأطفال نلعب معهم و كنّا نصنع ألعابنا بأنفسنا. لعبنا ألعابا كثيرة. و كنّا نلعب ألعابا شعبية فى الشوارع عندما لم يكن لدينا ما نقوم به فى الحقول. وعادة ما أسأل إبنى ما هي الطفولة الأفضل. و بالطبع من الصعب بالنسبة إليه تصوّر الأمر لكننى أؤمن بقوّة بأنّ طفولتى كانت صعبة أكثر بكثير و أكثر إبداعا من طفولة إبنى الذى لم يكن لديه شيئ آخر سوى الألعاب و لعب الفيديو. كانت حياتنا جماعية و تعلّمنا التعامل مع بعضنا البعض و تعلّمنا كيف نطوّر قدرات قيادية واشياء مشابهة. و ليس لإبنى هذه القدرات. لمّا أتيت إلى الولايات المتحدة لأوّل مرّة ، حضرت درسا عن الثورة الثقافية و قال الأستاذ إنّ التربية أثناء الثورة الثقافية كانت كارثة ووافقه غالبية الطلبة الرأي. و فى النهاية ، قلت للقسم إنّنى نتاج لتربية الثورة الثقافية. و تحدّيت القسم برمّته فى منافسة للتعرّف على من هو أكثر تربية و لم يجرأ أحد على رفع التحدّى.

1) إنطلقت القفزة الكبرى إلى الأمام فى 1958 و كانت حركة لتثوير العلاقات الإقتصادية و الإجتماعية فى الريف الصيني. طوال ثلاث سنوات ، نظّم الفلاحون أنفسهم فى كمونات أوجدت أشكال عمل و تربية و صحّة و رعاية أطفال جماعية أوفر تقدّما. و شهدت القفزة الكبرى إلى الأمام توسّع الصناعة فى الريف و النطاق الواسع للري و بنى تحتية أخرى. و شملت النضال من أجل الوعي الإشتراكي، و العمل من أجل الصالح العام، و النضال ضد الإيديولوجيا الإقطاعية و البرجوازية و البطرياركية.



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة التيبت : من الدالاي لاما إلى الثورة ( مقتطف من كتاب- ا ...
- الوجه الحقيقي لل-معجزة الصينية - (مقتطف من كتاب- الثورة الما ...
- حول تلخيص الحركة الشيوعية النيبالية ( مقتطف من كتاب – لندرس ...
- الحركة الشيوعية العالمية و دروسها التاريخية( مقتطف من كتاب- ...
- ما هي الشيوعية ؟ ما هو تاريخها الحقيقي؟ ما هي علاقتها بعالم ...
- أساس الاقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال( من كتاب – لندرس ...
- الماركسية-اللينينية-الماوية :من وثائق أحزاب شيوعية ماوية( ال ...
- الحركة الأممية الثورية : بيان سنة 1984 و بيان سنة 1993( الفص ...
- مشاركة النساء فى حرب الشعب الماوية فى النيبال (الفصل الثالث ...
- لنكسر القيود ، لنطلق غضب النساء كقوّة جباّرة من أجل الثورة ! ...
- الثورة البروليتارية و تحرير النساء (الفصل الخامس من كتاب - ت ...
- الإعداد للثورة الشيوعية مستحيل دون النضال ضد إضطهاد المرأة! ...
- تشانغ تشنغ : الطموحات الثورية لقائدة شيوعية ( الفصل الثاني م ...
- بقية (الفصل 5) : الماوية: نظرية و ممارسة -8- تحرير المرأة من ...
- الماوية : نظرية و ممارسة - 8 -تحرير المرأة من منظور علم الثو ...
- بصدد التطورات فى النيبال و رهانات الحركة الشيوعية = نقد الحز ...
- ثورة النيبال: نصر عظيم أَم خطر عظيم!(من كتاب - الثورة الماوي ...
- من تمرّد نكسلباري إلى الحزب الشيوعي الهندي (الماوي) ( مقتطفا ...
- لنقاتل من أجل إنقاذ الثورة فى النيبال! _ من كتاب -الثورة الم ...
- ليس بوسع أي كان أن يغتال أفكار -آزاد- ! ليس بوسع أي كان أن ي ...


المزيد.....




- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - شهادات حيّة عن الحياة فى ظلّ صين ماو الإشتراكية (الفصل الثاني من كتاب : الثورة الماوية فى الصين : حقائق و مكاسب و دروس-)